“وجبة ….. إبداع وابتكار (63) ” الإبداع الفردي مقابل الإبداع الجماعي – 24 “

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 21 فبراير 2021

عشرون: الابداع على مستوى الجماعة

5. الابداع الفردي مقابل الابداع الجماعي
• هل الابداع فردي أو جماعي؟

• هناك البعض يؤيد الأسلوب الفردي، والبعض الأخر يؤيد الأسلوب الجماعي؟

إن الإبداع متعلق بشكل مباشر بالعمل الفردي، إلا أنه لا يوجد تعارض بتطبيقه على العمل الجماعي في حل المشكلات لما لهذا الاسلوب من مزايا وايجابيات تحقق الفائدة الكبيرة في حل المشكلات مثل تعدد الحلول البديلة بناء على مناقشات جادة وتنوع وكثرة المعلومات وبناء وصياغة الأفكار والمقترحات بطريقة منهجية للوصول إلى الحلول الإبداعية المقترحة للمشكلة.

يرى (كارليل وريفيز) بأن الإبداع هو نتاج فردي لأن الاكشتافات والابتكارات التي تمت في الماضي وفي الوقت الحاضر قد ارتبطت باسم شخص واحد أو فرد واحد، وأيضا عالم النفس (تايلور) يؤكد على أن الطرق الجماعية لا تحقق إنجازات عالية إبداعية، فعندما تعمل الجماعة من الأفراد مع بعضها البعض فغالياً ما يقتصر انتاجها على الترابطات السطحية، وقليلاً جدا ما تصل إلى الترابطات العميقة العامودية.

أما (ويتل) يقول إن معظم الأفكار كانت شخصية، وانما مهمة الجماعة تتجلى في تحقيقها واظهارها، كما أن دور الجماعة في الإبداع العلمي أصبح أكثر وضوحاً، فالمجالات التي لا تتطلب عمل فرد واحد أصبح بالإمكان قيامها على أساس جمعي، ففي العصر الحالي لم تعد الجماعة العلمية ضرورة ملحة فقط، بل غدت تشكل حافزاً للابداع وتوسيع مجالاته مقارنة بالنشاط الفردي.

وقد أكد (آرنولد) منظم مختبر الإبداع الهندسي والمهندس (باس) أنه لم يسجل في تاريخ العالم انجاز متميز من قبل الجماعة، فالنظريات الكبرى والأفكار الفعالة كانت على الدوام نتيجة جهود فردية، وبالرغم من كل ذلك فإن إمكانية الإبداع ضمن الجهد الجماعي فقد بأتت في الوقت الحالي تظهر للعيان بشكل مباشر.

أما المقالة الصادرة من الجامعة الكاثوليكية في ميلانو الخاصة بعلم النفس والنيرولوجيا والطب النفسي والتي نصت “إننا مقتنعون قناعة تامة بأن الوقت الحاضر يتطلب من الباحث أن يعمل ضمن الجماعة وفق منهج مخطط ومدروس لتنظيم فرق البحث التي تتصرف بعيداً عن الارتجالية وعدم المسؤولية”.

ولكن على الرغم من تعارض الآراء في الأسلوب الفردي والأسلوب الجماعي في الإبداع، هذا لمن يمنعنا في الخوص في بعض التفاصيل وتوضيح الفروق بين الأسلوبين، فالأسلوب الفردي والجماعي يعتبران ملائمان لطرح حلول إبداعية لمعالجة المشكلات، وكلا الاسلوببين مطلوبين للعمل الإبداعي، فلا غنى عنهما، فكل منهما له فوائده وسلبياته في حل المشكلات بطريقة إبداعية، فحاول أن تضع نفسك في كلتا الحالتين، لندخل إلى حالة في كلا الجانبين:
فلنتصور أن مشكلة قد واجهتك كفرد في مقر عملك، فما هي الخطوات التي تمر بها لمعالجتها وايجاد الحل المناسب لها، فكيف كنت توجه طريقة تفكيرك لايجاد الحل الابداعي المناسب؟ وما هو المنهج الذي ابتعته في ايجاد الحل؟ وكيف تعرف بأن الحل الذي تم ترشيحه صحيح ويعالج المشكلة بطريقة إبداعية؟ وكيف تم الاختيار الانسب من الحلول المطروحة؟ هل هناك معايير خاصة تم الاستناد إليها في الاختيار؟ أو طريقة أو أسلوب ممنهج لاستبعاد الحلول غير المناسبة؟ وكيف تقيم مدى إنسجام الحل مع المشكلة ضمن معايير خاصة بذلك؟

وبالمقابل نفس المشكلة التي واجهتك سابقاً في مقر عملك أو بشكل شخصي، وأنت عضو في فريق عمل أو جماعة لإيجاد حلول إبداعية للمشلكة، ما هو الاسلوب الجماعي الذي تم إتباعه لمعالجة المشكلة بشكل منهجي؟ وهل عدد الحلول الإبداعية التي تم طرحا متعددة ومتنوعة تستطيع المفاضلة بينها للأفضل في علاج المشكلة؟ وهل طريقة مطابقة الحلول المطروحة مع المشكلة تجعلك في اختيار الحل المناسب من خلال النقاش ضمن معايير جماعية؟ وهل فعلاً تم الاقتناع في الحل المقترح لتنفذه بعد مشاروة الجماعة بدون تردد أو شك؟

فقد وضعت أمامك حالتين مختلفتين، وعليك اختيار الأسلوب الأنجع ومقارنة الاسلوبين من حيث الاختلاف والتشابه. فهل الاسلوبين ملائمان لطرح الحلول الابداعية لمعالجة المشكلات؟


كما تبين بأن الحلول التي تم طرحها من قبل الجماعة تتعدد وتتنوع، وأيضاً الأسلوب المنهجي في الاختيار، مما يظهر أن أداء الجماعة في طرح الأفكار أو الحلول يفوق أداء الفرد في عدد الأفكار، إضافة إلى أن حجم المعلومات لدى الجماعة والتجارب والمعرفة قد تفوق كمية المعلومات المتوفرة لدى الفرد، وأيضا قد تلجأ الجماعة إلى المخاطرة إلى بدرجة كبيرة في اتخاذ القرارات.

وقد أثبتت الأبحاث (Van undy.1984) لأنواع معينة من المشكلات، أن فاعلية الجماعة في التوصل إلى الحلول الملائمة يفوق بكثير العمل الفردي، وخاصة إذا كانت المشكلة متعددة المراحل فتحتاج إلى حلول متباينة في مجالات مختلفة، كما في المقابل توجد بعض السلبيات في الحلول الإبداعية للمشكلات في الأسلوب الجماعي، فالجماعة تستهلك أوقات أطول في مناقشتها للمشكلة، وأيضاً الجماعة قد تستخدم الضغط الاجتماعي في التوصل إلى الحلول الملائمة، بدلاً من الاهتمام أو الحرص على جودة ونوعية الحل الذي سيتم التوصل إليه، فممكن للجماعة أن تدخل في صراح فيما بين أعضائها يؤدي إلى تأثير إيجاد الحلول المناسبة للمشكلة، ربما يكون العمل الجماعي أكثر عرضة للمقاطعة من العمل الفردي نتيجة تباين اهتمامات الأفراد وإرتباطهم بأعمال أخرى غير المشكلة الحالية موضع النقاش، مما يؤدي إلى ايجاد عدد محدود من الأفكار أو البدائل للمشكلة المعروضة.

وقد ذكر (هيجان، 1413هـ) أن هناك بعض جوانب الاختلاق بين الأسلوبين في حل المشكلات، وبالتالي فإن الاختيار بينهما ينطلق من طبيعة الموقف المشكل التي تحدده عدة عوامل ينبغي أخذها في الاعتبار، ومن هذه العوامل:
1. مقدار الوقت المتاح لمناقشة المشكلة.
2. مدى ضمان قبول المرؤوسين للحل أو الحلول التي سوف يتم التوصل إليها ومن ثم تطبقها.
3. الرغبة في التوصل إلى حلول تتسم بالجدة والتفرد.
4. حاجة العاملين في المنظمة إلى التفاعل الاجتماعي.
5. مقدار أو كمية المعلومات المتاحة لدى الفرد.
6. الحاجة إلى زيادة التلاحم بين أعضاء الجماعة.
7. الحاجة إلى التطوير الشخصي والوظيفي للعاملين في المنظمة وإشراكهم في عملية حل المشكلات.
8. تجنب احتمال حدوث الصراع بين أعضاء الجماعة، الذي قد يعيقها عن الوصول إلى الحلول الإبداعية الملائمة.

وللاختيار بين الأسلوب الجماعي والأسلوب الفردي في حل المشكلات فسنورد “استبانة الأسلوب الفردي مقابل الأسلوب الجماعي في حل المشكلات واتخاذ القرارات” قد تساعدك على توظيف العوامل السابقة، وتساعدك في تحديد الأهمية النسبية لكل عامل بالنسبة لكل مشكلة من المشكلات التي سوف تقوم بحلها، فمثلاً، ففي بعض المشاكل التي تعترضك تشعر بضرورة تلاحم الجماعة واتفاقهم للوصول إلى حل سريع، فهنا يفضل الحل الجماعي، وفي المقابل قد يهمك الوقت المستغرف في إيجاد حل للمشكلة، فالاسلوب الفردي يكون الحل في هذا الجانب، وأسئلة الاستبانة هي:

1. كم مقدار الوقت المتاح لك لحل هذه المشكلة؟
2. هل هناك احتمال بأنك سوف تحصل على وقت أكثر لحل المشكلة؟
3. كم درجة الاحتمال في أن المؤؤسين الذين لديك سوف قبلون الحل فيما لو أنك حاولت أن تحل المشكلة بنفسك؟
4. إلى أية درجة تعتقد أنه من المهم أن يتقبل مرؤسوك الحل الذي توصلت إليه لهذه المشكلة؟
5. إلى درجة من الممكن أن يقاوم المرؤوسون لديك تنفيذ الحل لهذه المشكلة إذا لم يكونوا شاركوا في اختيار الحل؟
6. إلى أي درجة تفوق مزايا حل المشكلة بطريقة فردية الحاجة إلى الحصول على موافقة أو قبول مرؤوسيك للحل الذي اتخذته؟
7. هل هناك احتمال أن أصالة وتفرد الحل سوف تتناقصان فيما لو أنك حاولت أن تحل المشكلة بنفسك؟
8. إلى أية درجة تفوق مزايا توصلك إلى حل المشكلة بمفردك، الحاجة إلى التوصل إلى حلول تتسم بالتفرد والأصالة؟
9. إلى أية درجة تعتقد أنه من المهم بالنسبة لمرؤوسيك أن يكون بينهم نوع من الاتصال والتفاعل بعضهم مع بعض أثناء حلهم لهذه المشكلة؟
10. إلى أية درجة تفوق مزايات حل المشكلة بنفسك حاجة المرؤوسين لديك للاتصال والتفاعل مع بعضهم البعض؟
11. ما قدر المعلومات التي لديك والمتعلقة بهذه المشكلة؟
12. ما درجة أهمية المعلومات التي تمتلكها بالنسبة لهذه المشكلة (وذلك حيث إمكانية استفادتك منها لحل المشكلة بمفردك)؟
13. إلى أية درجة تعتقد أنه من المهم أن يصبح المرؤوسون لديك مجموعة متماسكة؟
14. إلى أية درجة تفوق مزايا حل المشكلة بنفسك حاجة المرؤوسين لديك لكي يصبحوا مجموعة متماسكة؟
15. إلى أية درجة تعتقد أنه من المهم أن ينمي المرؤوسون لديك مهاراتهم الإبداعية لحل المشكلات؟
16. إلى أية درجة تفوق مزايا حل المشكلة بنفسك حاجة المرؤوسين لديك لتنمية مهاراتهم الإبداعية لكل المشكلات؟
17. هل هناك احتمال بأن اصراع الشخصي سوف ينشأ بينك وبين مرؤوسيك فيما لو أنكم حاولتم حل هذه المشكلة بشكل جماعي؟
18. إلى أية درجة تفوق مزايا حل المشكلة بنفسك المخاطرة التي قد تنجم بسبب نشوء الصراع الشخصي بين مرؤوسيك؟

ونرى الحاجة الماسة لتطبيق الأسلوبين (الفردي والجماعي) في الحلول الإبداعية للمشكلات، على الرغم من أهمية الأسلوب الجماعي في التعامل مع المشكلات المقعدة، وعلى الرغم من أن الابداع هو نتاج فردي، ومن
مؤيدي ذلك المستشرق المعروف (غوستاف لوبون) بأن الجماعة تحبط القدرات الفردية المتميز ويقول في كتابه (علم نفس الجموع) “إن المكتسبات الفردية تضمحل في إطار الجماعة وتزول معها الشخصية الخاصة لكل واحد، فالانسان بمجرد انتسابه إلى جمع منها يهبط درجات عدة في سلم الحضارة فلعله كان وهو منعزل فرداً مثقفاً، أما في الوسط الاجتماعي بصبح غريزي وبالتالي يكون إلى عكس ذلك أقرب”.

فما رأيك صديقي القارىء هل الابداع فردي أو جماعي، ومتى تتخذ قرارك بأن يكون فردي ومتى يكون جماعي؟

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

“وجبة ….. إبداع وابتكار (100) “أبعاد التغيير (13)”

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في …