رسالة الإمارات: ترسيخ قيم التسامح

“إحياء روح الموصل” تجسيد لمبادراتها الإنسانية
التزام الامارات بترميم المواقع الاسلامية والمسيحية يجسد جهودها المستمرة في تعزيز السلام والتعايش الاقليمي
“احياء روح الموصل” ضمن جهود الدولة لتمكين المجتعات من الازدهار والتعايش
المبادرة توجهنا لبناء جسور ثقافية الأخوة الانسانية والتسامح
الإمارات تعيد إحياء ثقافة التسامح التي تأسسي قبل 14 قرناً في حضارتنا العربية الاسلامية
يتحقق التسامح عبر الارادة الانسانية والسياسية معاً
مواجهة ثقافة العنف والتطرف بالاعمار واعادة بناء صروح الحضارة


ما أن قرأت نص خبر «احتفاء إماراتي بالموصل.. مهد الثقافة والتعايش»، على صفحات جريدة «الاتحاد» قبل أيام قريبة، حتى تبادر إلى ذهني مفهوم التسامح عند الفيلسوف الإنساني مونتسكيو، الذي يعتبر بوصلة التسامح في عصره وفي ما جاء من بعده.. فبالنسبة إليه تتحدد صفة التسامح في الفرد حينما يعتبر نفسه إنساناً بالضرورة، ينتمي إلى الإنسانية ككل، ويلتزم بالتضامن الإنساني مع كل فرد أينما كان ومهما كانت جنسيته أو لونه أو دينه. ودولة الإمارات العربية المتحدة، بهذه المبادرة ومبادرات إنسانية أخرى كثيرة، تؤسس وترسخ قيم الروح الإنسانية السمحة في وطننا العربي.. الذي اكتوى بنيران التفرقة العمياء، مما يدعونا اليوم «إلى إعادة التفكير فيما يجري، وإعادة قراءة الواقع برؤية مغايرة، تقبل الاختلاف والتعدد، وتسمح بالتقاء المذاهب والمشارب».. ومن ثمّ فنحن ملزمون بالتالي بالتنوير، لدحر قوى الظلام.. وتأتي هذه المبادرة الإماراتية تجاه الموصل بصفتها منارة توجهنا صوب السبيل السليم والطريق السديد، لبناء جسور ثقافة الأخوة الإنسانية والتسامح والسلم. ولهذا كان لابد من مواجهة الفكر المتطرف بإعادة الإعمار وإعادة تشييد المحطم والمدمر، من حيث إن أحد معاني التسامح هو إزالة الإقصاء وفك العزلة، وهذا ما تحققه هذه المبادرة الإنسانية، وقد تعاونت دولة الإمارات العربية المتحدة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، من أجل «إحياء روح الموصل»، وإعادة بناء تراثها الثقافي، ضمن جهود الدولة المستمرة لتمكين المجتمعات المختلفة من الازدهار والتعايش. كما أكدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية.

محنة الموصل
لقد عانت الموصل، هذه المدينة الضاربة في القدم وإحدى بوابات الحضارة العربية والإسلامية، من العنف الظلامي الذي أتى على الأخضر واليابس، على التراث والعمران، على الحرية والحياة.. لينشئ هناك «دولة» الخوف والدمار.. ملغياً كل أشكال التعايش والتسامح الممكنة. وتأتي التفاتة الإمارات صوب الموصل، باعتبارها تحقيقاً لإعلان اليونسكو المؤلَّف من ديباجة و6 مواد، «فالتسامح يعني الاحترام والقبول والتقدير للتنوّع الثري لثقافات عالمنا، لأشكال التعبير، وللصفات الإنسانيّة لدينا.. ويعني الوئام في سياق الاختلاف»، وهو ليس واجباً أخلاقياً فحسب، بل هو اجتماعي وسياسي، ما يجعله إنسانياً في المقام الأول.

تعزيز السلام والتعايش
ولهذا وكما تؤكد الوزارة «في عام 2018، بدأت كل من دولة الإمارات واليونسكو شراكة لاستعادة التراث الثقافي والديني الشهير لمدينة الموصل، في إطار مبادرة «إحياء روح الموصل»، حيث ستتم إعادة بناء جامع النوري ومئذنته في الهضبة إلى جانب كنيستي الساعة والطاهرة، حيث ستوفر المبادرة 1000 فرصة عمل وتدريباً مهنياً للشعب العراقي الشقيق. كما سيوفر المشروع تغطية محورية لقطاع السياحة في الموصل لدفع النمو الاقتصادي في المستقبل.. إن التزام دولة الإمارات بترميم المواقع الإسلامية والمسيحية هو جزء من جهودها المستمرة في تعزيز السلام والتعايش الإقليمي».
ويتضح لنا جلياً الموقف الإنساني في هذه المبادرة، ونحن نتحدث عن إعادة إعمار وإحياء معالم دينية وحضارية مختلفة، ويتأسس هذا الموقف بشكل واضح على البعد الفلسفي والكوني للتسامح، من حيث إنه منقذ للإنسان، ومن حيث إنه أفق مفتوح على المستقبل. ولا يتحقق التسامح، إلا عبر تلك الإرادة الإنسانية والسياسية في الآن معاً. إذ إنه بالنسبة للفيلسوفة حنة أرندت ينتمي للوضع البشري وللحقل السياسي بالضرورة. وهو عندها مرتبط بجميع الفجوات التي حدثت في القرن الماضي وحتى قرننا الحالي. وذلك أمام وقوع العديد من الجرائم، جرائم ضد الإنسانية، والحروب الأهلية والإبادات الجماعية، وكذلك أمام الانقسامات العميقة بين الأمم والشعوب. إذ يصير من الضروري التغلب على ثقل الماضي والانفتاح على المستقبل، أي ترسيخ ثقافة المصالحة والتعايش، بل إلى التسامح كأسمى القيم البشرية الممكنة، حتى نتمكن من سد الفجوات التي تبلور عنها نسيان الماهية السياسية للإنسان، كما تذهب الفيلسوفة أرندت. وتصرّ هذه المنظّرة السياسية على «الفعل» action، من حيث هو قدرة تميز الإنسان باعتباره كائناً فاعلاً ومبدعاً وسياسياً في الآن ذاته.

جسور التعايش
ليتحقق التسامح إذن، ولنستطيع بناء جسور التعايش، لابد من إرادة سياسية ولابد من إرجاء هذا المفهوم إلى الحقل السياسي.. وهذا ما يحدث بالفعل ونحن نقف إزاء المبادرة الإماراتية تجاه ما تعرضت له الموصل، هذه المدينة التاريخية التي تقيم في كل وجدان أفراد الوطن الممتد من الخليج إلى المحيط، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخ الحضارة الإنسانية. ولا ينفصل التسامح عن تاريخنا العربي والإسلامي، ونلمس ذلك البعد في «صحيفة المدينة» التي وُضعت سنة 623 للميلاد (والتي تُعتبَر أوّل تقنين مدني لقضية التسامح بين الطوائف والأديان في تاريخ أنفسنا العميقة، كما يقول فتحي المسكيني)، لتؤسس بذلك أول بوادر حق المواطنة، حيث تنص على التعايش الممكن بين كل مكونات المدينة باختلاف انتماءاتهم الدينية وغيرها.. إذ إن «التسامح لا يقف عند «أهل الكتاب» فقط، بل يشمل في بند من بنود الصحيفة الوثنيين أيضاً في نوع من الـ«جوار» المدني الذي يتجاوز الاختلاف الديني، وخاصة فيما يتعلق بالمال والنفس. وثانيهما أنّ التمايز الديني لا ينفي أنّ الدفاع عن المدينة يجب أن يكون جماعيّاً بين جميع الطوائف المشاركة في الصحيفة، وهو تأسيس لفكرة «الوطن» بوصفها قيمة معنوية تهمّ الحياة المشتركة، وتوجد فوق الأديان والطوائف المختلفة».
إننا إذن أمام إعادة إحياء مفهوم وثقافة التسامح والتعايش الذي تم تأسيسه قبل 14 قرناً في ثقافتنا الإسلامية والعربية، وتحمل دولة الإمارات المشعل لإنارة الطريق السالك إلى بر الأمان، حيث من الممكن بناء الإنسان الكوكبي بتعبير إدغار موران، ذلك الإنسان المتجاوز للمحددات الهوياتية الضيقة، نحو هوية إنسانية منفتحة وجامعة.
المصدر: جريدة الاتحاد: عز الدين بوركةن 29 يوليو 2021

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

نهيان بن مبارك: التحالف العالمي للتسامح رسالة وثقافة تعزز الأخوة الإنسانية

خلال افتتاح القمة العالمية للتسامح بأبوظبي نهيان مبارك: هدفنا جميعاً المساهمة في إرساء مجتمع محلي …