تسارع الاحترار العالمي وتـغير المناخ يصل إلى مرحلة اللاعودة

وفق تقارير هيئة خبراء المناخ 1990- 2022
شبكة بيئة ابوظبي، المهندس محمد بنعبو خبير في المناخ والتنمية المستدامة، المملكة المغربية، 12 اغسطس 2021
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هي هيئة الأمم المتحدة المعنية بتقييم العلم المتعلقة بتغير المناخ، تم تأسيسها من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية عام 1988 لتزويد القادة السياسيين بها والتقييمات العلمية الدورية المتعلقة بتغير المناخ وانعكاساته ومخاطره بالإضافة إلى طرح استراتيجيات التكيف والتخفيف، في نفس العام الجمعية العامة للأمم المتحدة أيد الإجراء الذي اتخذته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في إنشاء الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، لديها 195 عضوا حيث يساهم آلاف الأشخاص من جميع أنحاء العالم في عمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ولتقييم التقارير الدورية يتطوع علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بوقتهم لتقييم آلاف الأوراق العلمية المنشورة كل عام لتقديم ملخص شامل لما هو معروف عن محركات المناخ وتضم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ثلاث مجموعات عمل: مجموعة العمل الأولى التي تتعامل مع أساس العلوم الفيزيائية تغير المناخ، فريق العمل الثاني المعني بالتأثيرات والتكيف والقابلية للتأثر والعمل أما المجموعة الثالثة فتتناول التخفيف من تغير المناخ، كما أن لدى الهيئة فريق عمل خاص يهتم بقوائم جرد غازات الاحتباس الحراري التي تطور منهجيات لقياس الانبعاثات وعمليات الإزالة، وتعتبر تقييمات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هي مدخلات رئيسية في المفاوضات الدولية لمعالجة تغير المناخ، وتتم صياغة تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومراجعتها على عدة مراحل، مما يضمن ذلك الموضوعية والشفافية، ويتألف تقرير تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من مساهمات المجموعات الثلاثة ويدمج التقرير التجميعي نتائج هذه المجموعات.
وقبل ثلاثة أشهر تقريبا من عقد مؤتمر المناخ بغلاسكو وعكس كل التوقعات والحسابات الرياضية والفيزيائية والكيميائية أصبح من السهل جدا أن يصل الاحترار العالمي إلى عتبة 1.5 درجة مئوية في أفق عام 2030 مما يهدد بكوارث جديدة وغير مسبوقة للبشرية التي تتعرض اليوم للحرائق اللامتناهية ولموجات الحر والفيضانات المتتالية، كما أكد تقرير هيئة خبراء المناخ التابعة للأمم المتحدة الذي نشر يوم الاثنين 9 غشت 2021 بأن البشر هم المسؤولون عن كل هذه الاضطرابات “بلا منازع” وليس لدى البشرية أي خيار سوى الحد بشكل كبير من انبعاثات الغازات الدفيئة إذا كانت تريد الحد من الأضرار، وفي كل الأحوال من المتوقع أن يصل الكوكب إلى عتبة 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة في أفق 2030، وسيستمر الارتفاع في درجات الحرارة تدريجيا بحلول عام 2050 مما يهدد بتنزيل اتفاق باريس حتى لو نجح العالم في الحد بشكل جدي من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حيث إذا لم يتم تخفيض هذه الانبعاثات بشكل كبير، فسيتم تجاوز عتبة الدرجتين مئويتين خلال القرن، وهذا من شأنه أن يدل على فشل اتفاقية باريس وهدفها المتمثل في الحد من الاحترار إلى أقل من 2 درجة مئوية وإن أمكن 1.5 درجة مئوية.

تقرير أكثر دقة وموثوقية وأكثر إثارة للقلق
نشرت المجموعة الأولى للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ تقريرها كجزء من إعداد التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بعدما كانت الهيئة قد نشرت أول تقرير لها عام 1990 والذي اعتبر بمثابة الأساس العلمي لتطوير اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ الموقعة في ريو دي جانيرو في عام 1992، تنقسم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى ثلاث مجموعات عمل: الأولى تتعامل مع فيزياء المناخ – كيف كان وما هو وما سيحدث في المستقبل في ظل السيناريوهات المختلفة المحتملة لانبعاثات غازات الدفيئة البشرية، في حين تحلل المجموعة الثانية عواقب هذا التغير المناخي على النظم البيئية الطبيعية والزراعية وعلى المجتمعات البشرية، وكذلك على التكيفات المحتملة لهذه الأخيرة مع هذه التهديدات، أما الفريق الثالث فيهتم بالسياسات التي يجب اتباعها للحد من هذه التهديدات عن طريق الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حيث من المرتقب أن توافق المجموعتان الثانية والثالثة على تقاريرهما في شهري فبراير ومارس 2022 وعلى المقرر التقرير التجميعي في نهاية سبتمبر 2022

لقد عرفنا بالفعل كل شيء في عام 1990
الأطروحة الشائعة الآن “لقد عرفنا بالفعل كل شيء في عام 1990 حتى في عام 1979” تشير إلى أن الارتفاع الطفيف في درجات الحرارة في عام 1990 كان “يشتبه” في أن مصدره هو انبعاثات الغازات الدفيئة ولكن دون التمكن من إثبات ذلك، حيث من المؤكد أن تلك الملاحظات المناخية وبيانات المناخ القديمة كانت مهمة بالفعل لكنها تحسنت بشكل كبير منذ ذلك الحين حيث أن النماذج الرقمية للمناخ المستخدمة لمحاكاة المستقبل يجب أن تكون راضية عن شبكات حسابية تبلغ 500 كيلومتر لكل جانب ولم تشمل حينها كيمياء الغلاف الجوي ولا استخدام التربة وتحولاتها ولا الكيمياء الحيوية البرية والبحرية ولا التفاعلات بين السحب والهباء الجوي، بينما في عام 2021 تم إثبات الحقائق المناخية بشكل أفضل وسبب الاحترار مثبت ومستوى سطح البحر الذي ترصده الأقمار الصناعية والنماذج أكثر دقة وأكثر اكتمالا، فإذا كان تقرير عام 1990 كافيا للرد بشكل إيجابي على سؤال الحكومات عند إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ – “هل يمثل تغير المناخ تهديدا كافيا لمجتمعاتنا لتبرير سياسة جذرية لخفض انبعاثاتنا؟” الحرمان من استخدام الوقود الأحفوري الذي يمثل 80٪ من الطاقات المستخدمة لتلبية احتياجاتنا؟ – التقارير التي تلت ذلك حسنت بشكل كبير دقة الاستجابة ويبقى التقرير السادس للهيئة جزء من هذا التطور المعرفي.

مؤشرات تغير المناخ الشائعة
فنحن نتكلم كثيرا عن تغير المناخ ولكن لا ندري عن أية مؤشرات يتغير بها هذا المناخ، فعلى مستوى درجات الحرارة مثلا تقاس درجات حرارة الكوكب على ارتفاع متر واحد فوق سطح الأرض وعلى سطح المحيطات منذ عام 1850 وإعادة بناء هذه درجات الحرارة من خلال دراسات المناخ القديم التي تعود إلى 2000 عام يوضح اتساع وسرعة الاحترار الملحوظ، وتظهر الأرض بكل جغرافيتها وفي جميع مكونات أنظمتها البيئية علامات تغير المناخ الناجم عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث أن موجات الحر آخذة في الارتفاع وتتجلى الزيادة في درجة الحرارة ليس فقط في المتوسطات ولكن أيضا في تكاثر واشتداد موجات الحرارة والتي يمكن أن تكون آثارها مدمرة للنظم البيئية أو الزراعة أو صحة الإنسان، هذا في الوقت الذي يأخذ الجليد البحري في القطب الشمالي في الانكماش، ففي غضون 30 عاما الماضية، تقلص متوسط مساحة الجليد البحري في القطب الشمالي في نهاية الصيف بمقدار 2 مليون كيلومتر مربع وتشير التوقعات المناخية إلى أنه قد يختفي تقريبا في بعض السنوات في أواخر الصيف من عام 2050.
يعتبر تكاثف تأثير الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بسبب استخدام الوقود الأحفوري والفحم والغاز والنفط هو السبب الرئيس للاحتباس الحراري، وأدى هذا التكاثف إلى الإخلال بالتوازن بين دخول الطاقة الشمسية إلى نظام المناخ الكوكبي والطاقة المشعة من الأرض إلى الفضاء حيث يتم توزيع الطاقة الإضافية التي يكتسبها الكوكب بشكل أساسي إلى المحيطات بنسبة تصل الى 91٪ في حين يستخدم سطح القارات فقط 5٪ ولإذابة الجليد 3٪ ويتم تخزين 1٪ فقط في الغلاف الجوي، ويعمل التركيب الكيميائي للغلاف الجوي من خلال انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على إعادة إنتاج درجات الحرارة المرصودة، إن عمليات المحاكاة التي تأخذ في الاعتبار العوامل الطبيعية فقط تحاكي مناخا مستقرا ، بعيدا عن الواقع المرصود.

سيناريوهات ثلاث لهيئة علماء المناخ
تقرير هيئة علماء المناخ يطرح ثلاث سيناريوهات محتملة حيث يقتصر الاول على الاحترار في 1.5 درجة مئوية والثاني حيث ترتفع إلى 2 درجة مئوية والثالث حيث ترتفع إلى 4 درجات مئوية، وتجدر الاشارة الى أن هذه السيناريوهات الثلاثة ليست متساوية على الإطلاق، فالأول يعني انخفاضا حادا في الانبعاثات العالمية اليومية بمعدل مرتفع للغاية احتمالها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي هو صفر في المائة، بينما يفترض السيناريو الثاني الشروع في سياسات صارمة للغاية لتقييد استخدام الوقود الأحفوري والعديد من العناصر الأخرى لسياسة مناخية فعالة واحتماله منخفض جدا ولكن إذا تم تنفيذ هذه السياسات في السنوات العشر القادمة على المستوى العالمي فلا يمكن استبعاد هذا السيناريو، أما السيناريو الثالث فيتوافق مع المسار التاريخي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري منذ عام 1992 عام اتفاقية الأمم المتحدة
مؤشر آخر يؤكد تغير المناخ هو يتغير متوسط درجات الحرارة أو هطول الأمطار بالتوازي مع تغير تواتر وشدة الطقس المتطرف أو الظواهر المناخية، فالعلاقة بين المتوسطات المناخية والأرصاد الجوية والظواهر المتطرفة مختلفة بالنسبة لدرجة الحرارة وهطول الأمطار، وبالتالي فإن من بين المناطق التي يرجح أن تتأثر بالجفاف تتوزع بشكل غير متساو على سطح الأرض تأتي في المقدمة حافة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وأمريكا الوسطى والجنوب الغربي للولايات المتحدة وتشيلي وجنوب إفريقيا والساحل الغربي بين السنغال وساحل العاج ومدغشقر وتبقى منطقة الأمازون أكثر المناطق المهددة بالجفاف المتكرر والشديد حيث من المنتظر أن بحدث في الأمازون تحول عميق في النظام البيئي للغابات.
ويبقى المؤشر الثالث لتغير المناخ هو الموجات الحرارية التي كان ترددها في المناخ قبل 50 عاما مرة واحدة كل 50 عاما بينما يتنبأ الخبراء أن تحدث في كثير من الأحيان وعدة مرات مثل أن تحدث 14 مرة عند بلوغ درجة حرارة الكوكب عتبة 2 درجة مئوية بينما يمكن أن تحدث 40 مرة عند بلوغ عتبة 4 درجات مئوية، في فرنسا على سبيل المثال سترتفع درجات الحرارة ب 2.7 درجة عن المتوسط عند بلوغ عتبة درجتين المئويتين و 5.3 درجة مئوية أعلى. عن بلوغ عتبة 4 درجات مئوية هذا يعني أن تعم موجات حرارة عند 50 درجة مئوية فوق جزء كبير من فرنسا.
أما المؤشر الرابع لتغير المناخ يبقى هو ارتفاع مستوى سطح البحر الذي أصبح أمرا لا مفر منه، لكن تطويره على المدى القصير لا يعتمد إلا قليلا على انبعاثاتنا الحالية، ومع ذلك بحلول عام 2100 يمكن لهذه الانبعاثات أن تغير حجمها إلى حد كبير، على المدى الطويل حيث يمكن أن يؤدي سيناريو 4 درجات مئوية في عام 2100 إلى زيادة عدة أمتار في ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، هذا بالاضافة الى الانخفاض في متوسط مؤشر حموضة مياه المحيطات بسبب انحلال ثاني أوكسيد الكربون في الماء مستمر وسيزداد إنه يهدد العديد من أنواع العوالق البحرية وهي قاعدة السلسلة الغذائية للمحيطات والتي لم تعد قادرة على تشكيل هياكلها العظمية من الحجر الجيري وهو المؤشر الأهم في تأكيد تغير المناخ هو ارتفاع حموضة مياه البحار والمحيطات، فإذا كانت البشرية قد قامت ببعث 2560 مليار طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي منذ عام 1750 فإن الأمر سيستغرق 500 طن فقط للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، وللحد من 2 درجة مئوية 11 مليار طن فقط، وتنبني هذه الأهداف التوقف عن استخدام معظم الوقود الأحفوري المتاح تحت الأرض، وبالتالي القيام بالانتقال التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي اللازم لتجاوز هذه المحنة.

تغير المناخ يبلغ سرعته النهائية
ففي الوقت الذي اكتسب فيه الكوكب 1.1 درجة مئوية في الوقت الحالي يرى العالم بأم عينيه العواقب التي تحدث بالفعل، والأكثر من ذلك هذا الصيف مع صور النيران التي تعصف بالغرب الأمريكي، اليونان،تركيا، والفيضانات التي غمرت أجزاء من ألمانيا، سويسرا، بلجيكا، النمسا أو الصين، في الوقت الذي اقترب مقياس الحرارة من 50 درجة مئوية في كندا، وتؤكد كريستينا دال من هيئة خبراء المناخ قائلة: “إذا كنت تعتقد أن هذا السيناريو أمر خطير فتذكر أن ما نراه اليوم هو مجرد أول دفعة”، فحتى عند عتبة 1.5 درجة مئوية ستزداد موجات الحر والفيضانات والظواهر المتطرفة الأخرى بطرق “غير مسبوقة” من حيث الحجم والتكرار والوقت من السنة التي تضرب فيها والمناطق المتضررة كما تحذر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في حين علق عالم المناخ ديف رياي المشارك في إعداد التقرير الأخير قائلا: “هذا التقرير يجب أن يزعج أي شخص يقرأه، إنه يوضح أين نحن وأين نتجه مع تغير المناخ نتجه نحو حفرة لا تزال قيد الحفر”، بينما يؤكد بانماو تشاي أنه: “سيتطلب استقرار المناخ انخفاضا قويا وسريعا ودائما في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري لتحقيق حيادية الكربون”، التقرير الذي يظهر المكون الثاني حول التأثيرات المقرر إجراؤه في فبراير 2022 بالتفصيل كيف ستتحول الحياة على الأرض حتما بعد 30 عاما من الآن إن لم يكن قبل ذلك، هذا في الوقت الذي يناشد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن: “هذا التقرير يجب أن يدق ناقوس النهاية للفحم والوقود الأحفوري قبل أن يدمرا كوكبنا” متهما هذه الطاقات وإزالة الغابات “بخنق الكوكب” في حين أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون يجب أن تنخفض إلى النصف بحلول عام 2030 للحفاظ على عتبة 1.5 درجة مئوية، وأصر أنطونيو جوتيريش على أنه “لا وقت للانتظار ولا مجال للاعتذار” داعيا إلى أن يكون مؤتمر الأطراف المقبل في غلاسكو “ناجحا” بعد هذا “الإنذار الأحمر للإنسانية” الذي أطلقته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقرير الاثنين، ولكن في هذه المرحلة قامت نصف الحكومات فقط بمراجعة التزاماتها الخاصة بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو ما يسمى بالمساهمات المحددة وطنيا بينما تبقى مجموع الالتزامات السابقة التي تم التعهد بها في أعقاب اتفاقية باريس لعام 2015 ستؤدي إلى عالم 3 درجات مئوية إذا تم الوفاء بها ولكن بالمعدل الحالي فالعالم يتجه نحو 4 درجات مئوية أو 5 درجة مئوية.
بينما في أفضل سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يمكن أن تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون عتبة 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن مما يقلل بشكل كبير من الانبعاثات ويمتص ثاني أكسيد الكربون أكثر مما ينبعث، لكن لا تزال تقنيات استعادة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي على نطاق واسع قيد البحث، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، في الوقت الذي يصر التقرير على أن بعض عواقب الاحتباس الحراري قد تصبح “لا رجوع فيها” على أي حال، حيث تحت تأثير ذوبان الجليد القطبي ستستمر مستويات المحيط في الارتفاع “لقرون إن لم يكن لآلاف السنين”، فمستوى البحر اليوم قد ارتفع بالفعل 20 سنتميتر منذ عام 1900 بينما لا يزال من الممكن أن يرتفع بحوالي 50 سم بحلول عام 2100 حتى عند +2 درجة مئوية، ويؤكد هذا الأمر جوناثان بامبر أحد مؤلفي تقرير هيئة خبراء المناخ أنه: “يبدو أن الطريق بعيد المنال لكن يجب أن يظل ملايين الأطفال الذين لم يولدوا على قيد الحياة وبصحة جيدة في القرن الثاني والعشرين”، ولأول مرة تشدد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أيضا على أنه “لا يمكن استبعاد” حدوث “نقاط التحول” مثل ذوبان الغطاء الجليدي في القطب الشمالي أو القضاء على الغابات مما قد يجر النظام المناخي نحو تغيير جذري ولا يمكن علاجه، ولكن هذا ليس سببا للتخلي عن النضال بل على العكس يصر العلماء والنشطاء المناخيون أن تغير المناخ لا يطلق العنان لنفسه بطريقة سحرية عند عتبة معينة: فكل جزء من درجة ما مهم ويعزز التأثيرات في الوقت الذي تصر في الناشطة المناخية كايسا كوسونين من منظمة غرينبيس أنه: “لن ندع هذا التقرير يوضع على الرف بل سنحضره معنا إلى المحاكم”.

تقرير هيئة خبراء المناخ رمز أحمر للبشرية
وتعتبر هيئة الأمم المتحدة تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اليوم رمزا أحمر للإنسانية بل أجراس الإنذار تصم الآذان والدليل لا يمكن دحضه فانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا وتعرض مليارات البشر لخطر داهم في الوقت الذي أصبح يؤثر الاحترار العالمي على جميع مناطق الأرض، مع العديد من التغييرات التي أصبحت لا رجعة فيها، فالعالم أصبح في خطر وشيك بالوصول إلى 1.5 درجة في المدى القريب، بينما تبقى الطريقة الوحيدة لتجنب تجاوز هذه العتبة هي تكثيف جهودنا بشكل عاجل واتباع المسار الأكثر طموحا حيث يجب أن نتصرف بشكل حاسم الآن للحفاظ على عتبة 1.5 كأمل وطموح البقاء على الكوكب الأزرق في اضطرابات مناخية أقل وأخف، فنحن بالفعل نقترب أو أصبحنا عند 1.2 درجة ونرتفع، حيث تسارع الاحترار في العقود الأخيرة في الوقت الذي بلغت فيه تركيزات غازات الاحتباس الحراري عند مستويات قياسية وتتزايد كوارث الطقس المتطرف والمناخ من حيث تواترها وشدتها وهذا هو سبب أهمية مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ هذا العام في غلاسكو، وتعتمد قابلية مجتمعاتنا على البقاء على قيد الحياة على اتحاد القادة في الحكومة والشركات والمجتمع المدني وراء السياسات والإجراءات والاستثمارات التي ستحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، ونحن مدينون بذلك للأسرة البشرية بأكملها لا سيما المجتمعات والدول الأشد فقرا وضعفا والأكثر تضررا بينما هم الأقل مسؤولية عن حالة الطوارئ المناخية الحالية، فالحلول واضحة منها الاقتصاد الشامل والأخضر والازدهار والهواء النظيف والصحة الأفضل كلها أمور ممكنة للجميع إذا استجبنا لهذه الأزمة بتضامن وشجاعة، يجب على جميع الدول ولاسيما مجموعة العشرين وغيرها من الدول الرئيسية المسببة للانبعاثات، الانضمام إلى تحالف صافي الانبعاثات الصفرية وتعزيز التزاماتها من خلال مساهمات وسياسات ذات مصداقية وملموسة ومحسنة على المستوى الوطني قبل مؤتمر غلاسكو، فنحن بحاجة إلى إجراءات فورية بشأن الطاقة، بدون تخفيضات كبيرة في تلوث الكربون الآن فإن هدف 1.5 درجة سيصبح بعيد المنال بسرعة، يجب أن يوضح هذا التقرير نهاية الفحم والوقود الأحفوري، قبل أن يدمروا كوكبنا، لن يتم بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم بعد عام 2021، وستقوم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالتخلص التدريجي من الفحم الحالي بحلول عام 2030، على أن تحذو حذوها جميع البلدان الأخرى بحلول عام 2040، ومن المتوقع أيضا أن توقف البلدان جميع عمليات الاستكشاف الإضافية وإنتاج الوقود الأحفوري وتحويل الإعانات من الوقود الأحفوري لمصادر الطاقة المتجددة، بحلول عام 2030 من المتوقع أن تتضاعف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أربع مرات، ومن المتوقع أن تتضاعف الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات للحفاظ على مسار صافي الصفر بحلول منتصف القرن.
تأثيرات المناخ سوف تتفاقم بلا شك، هناك واجب أخلاقي واقتصادي واضح لحماية حياة وسبل عيش أولئك الموجودين في الخطوط الأمامية لأزمة المناخ، يجب أن يتوقف تمويل التكيف والقدرة على الصمود عن كونهما النصف المهمل من معادلة المناخ، يتم إنفاق اليوم حوالي 21٪ فقط من المساعدات المناخية على التكيف، وأدعو مرة أخرى الجهات المانحة وبنوك التنمية المتعددة الأطراف إلى تخصيص 50٪ على الأقل من التمويل العام للمناخ لحماية الناس، ولاسيما النساء والفئات الضعيفة، يجب أن يتماشى الإنفاق التحفيزي لـجائحة كوفيد 19 مع أهداف اتفاقية باريس. ويجب الحفاظ على التعهد البالغ من العمر عشر سنوات بتعبئة 100 مليار دولار سنويا لدعم التخفيف والتكيف في البلدان النامية.

وتمثل أزمة المناخ مخاطر مالية هائلة لمديري الاستثمار ومالكي الأصول والشركات، حيث يجب قياس هذه المخاطر والكشف عنها والتخفيف من حدتها، في الوقت الذي أصبح من اللازم من القادة السياسيين دعم حد أدنى لسعر الكربون الدولي ومواءمة محافظهم الاستثمارية مع اتفاقية باريس، يجب أن يعمل القطاعان العام والخاص معا لضمان تحول عادل وسريع نحو اقتصاد عالمي خالٍ من الصفر، وإذا توحدنا الآن يمكننا منع كارثة مناخية، ولكن كما يوضح تقرير يوم الاثنين ليس هناك وقت للتأخير ولا مجال للاعتذار، أعتمد على رؤساء الحكومات وجميع أصحاب المصلحة لجعل قمة المناخ المقبلة أمرا رائعا، ويشير تقرير جديد صدر اليوم عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن العلماء يراقبون التغيرات في مناخ الأرض في جميع المناطق وفي جميع أنحاء النظام المناخي “العديد من التغييرات غير مسبوقة بالآلاف إن لم يكن مئات الآلاف سنوات “، في حين أن بعض التغييرات لا رجوع فيها فقد شددت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أن “التخفيضات القوية والمستمرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى ستحد من تغير المناخ”، وأضافت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في بيان صحفي إنه بدون هذه التخفيضات، فإن الحد من الاحترار إلى ما يقرب من 1.5 درجة مئوية أو حتى 2 درجة مئوية سيكون بعيد المنال، وقال الأمين العام أنتونيو غوتيريش: “إن التقرير كان رمزا أحمر للإنسانية ودعا جميع الدول وخاصة مجموعة العشرين وغيرها من الدول المصدرة للانبعاثات الرئيسية، للانضمام إلى تحالف الانبعاثات الصافي وتعزيز التزاماتها بمصداقية ومصداقية على المستوى الوطني والمساهمات والسياسات قبل قمة غلاسكو” مضيفا: “هذا العالم سيبالغ في إحدى أهم رسائل هذا التقرير في حين أن التغير المناخي يؤثر على كل منطقة من مناطق الكوكب وكل جزء صغير من التدفئة الإضافية يتراكم على عدة أجزاء من التدفئة.

فإذا كانت هذه الصورة قريبة من التقرير فهي أيضا جزء من حقيقة أن الطابع العالمي للمشكلة يستدعي نقص الوعي على نطاق الكوكب، يشكل هذا الهيكل جزءا كبيرا من التقرير المقترح، والأخير يستدعي التعاون الدولي والذي من أجله تظل الإجراءات قائمة، في الوقت الذي يراقب فيه علماء التغيرات المناخية في كل منطقة وعبر النظام المناخي بأكمله وفقا لآخر تقرير أصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ، فالعديد من التغيرات التي لوحظت في المناخ لم يسبق له مثيل منذ آلاف إن لم يكن مئات الآلاف من السنين وبعض التغييرات بدأت بالفعل في الحركة كاستمرار ارتفاع مستوى سطح البحر – لا رجعة فيه على مدى مئات إلى آلاف السنين ومع ذلك هناك انخفاضات قوية ومستدامة في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة ستحد من تغير المناخ في حين أن فوائد جودة الهواء ستأتي بسرعة إلا أنه قد يستغرق الأمر من 20 إلى 30 عاما حتى تستقر درجات الحرارة العالمية وفقا للتقرير الذي تمت الموافقة عليه يوم الجمعة الماضي من قبل 195 عضوا من حكومات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من خلال جلسة الموافقة الافتراضية التي عقدت على مدى أسبوعين ابتداء من 26 يوليوز 2021، قال هوسونغ لي رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: “يعكس هذا التقرير جهودا غير عادية في ظل ظروف استثنائية” ويضيف: “الابتكارات الواردة في هذا التقرير والتطورات في علوم المناخ التي يعكسها،
ويقدم التقرير تقديرات جديدة لفرص عبور مستوى الاحتباس الحراري البالغ 1.5 درجة مئوية في العقود القادمة ، وتجد أنه ما لم تكن هناك تخفيضات فورية وسريعة وواسعة النطاق في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والحد من الاحترار إلى ما يقرب من 1.5 درجة مئوية أو حتى 2 درجة مئوية سيكون بعيد المنال، ويبين التقرير أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الأنشطة البشرية هي المسؤولة عن ما يقرب من 1.1 درجة مئوية من الاحترار منذ 1850-1900، وتجد أن متوسطها على مدى السنوات العشرين المقبلة، من المتوقع أن تصل درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية أو تتجاوزها، يعتمد هذا التقييم على تحسين مجموعات بيانات الرصد لتقييم الاحترار التاريخي، وكذلك التقدم العلمي فهم استجابة النظام المناخي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يتسبب فيها الإنسان وقالت فاليري ماسون ديلموت الرئيسة المشاركة للفريق العامل الأول للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: “هذا التقرير هو اختبار للواقع” ويضيف: “نحن لدينا الآن صورة أوضح بكثير عن المناخ في الماضي والحاضر والمستقبل وهو أمر ضروري فهم إلى أين نتجه وما الذي يمكن عمله وكيف يمكننا الاستعداد. ”

الاحترار العالمي يتضاعف في القطب الشمالي
فالعديد من خصائص تغير المناخ تعتمد بشكل مباشر على مستوى الاحتباس الحراري ولكن غالبا ما تكون تجربة الأشخاص مختلفة جدا عن المتوسط العالمي، على سبيل المثال الاحترار فوق الأرض أكبر من المتوسط العالمي وهو أعلى من الضعف في القطب الشمالي: “تغير المناخ يؤثر بالفعل على كل منطقة على وجه الأرض بطرق متعددة التغييرات” كما قال بانماو الرئيس المشارك للفريق العامل الأول للفريق العامل التابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ مضيفا : “إن التجربة ستزداد مع زيادة الاحترار”، ويتوقع التقرير أن تزداد التغيرات المناخية في العقود القادمة في جميع المناطق إلى عن على 1.5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري وسيكون هناك زيادة في موجات الحرارة ومواسم دافئة أطول ومواسم باردة وأقصر مواسم عند درجات حرارة تبلغ درجتين مئويتين من الاحتباس الحراري تصل درجات الحرارة القصوى في كثير من الأحيان إلى درجة تحمل حرجة عتبات للزراعة والصحة كما يبين التقرير، لكن الأمر لا يتعلق فقط بدرجة الحرارة، فتغير المناخ يجلب العديد من التغييرات المختلفة في مختلف المناطق والتي ستزداد جميعها مع مزيد من الاحترار، وتشمل هذه التغييرات في التساقطات المطرية والجفاف والرياح والثلج والجليد والمناطق الساحلية والمحيطات، فمثلا سيؤدي تغير المناخ إلى تكثيف دورة المياه وهذا يجلب المزيد من الأمطار الغزيرة والمصاحبة للفيضانات فضلا عن الجفاف الشديد في العديد من المناطق، بالإضافة الى أن تغير المناخ يؤثر على أنماط هطول الأمطار، في خطوط العرض العالية من المحتمل أن يكون هطول الأمطار، في حين أنه من المتوقع أن ينخفض على أجزاء كبيرة من المناطق شبه الاستوائية، تغيير من المتوقع أن يشمل هطول الأمطار الموسمية والتي ستختلف حسب المناطق، بينما ستشهد المناطق الساحلية ارتفاعا مستمرا في مستوى سطح البحر طوال القرن الحادي والعشرين مما يساهم في ذلك زيادة تواتر وشدة الفيضانات الساحلية في المناطق المنخفضة وتآكل السواحل، أقصى أحداث مستوى سطح البحر التي حدثت سابقا مرة واحدة كل 100 عام يمكن أن تحدث كل عام بواسطة نهاية هذا القرن، كما ستؤدي زيادة الاحترار إلى تضخيم ذوبان التربة الصقيعية وفقدان الغطاء الثلجي الموسمي وذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية وفقدان الجليد البحري في القطب الشمالي في الصيف، بالإضافة الى أن التغيرات في المحيطات بما في ذلك الاحترار وموجات الحر البحرية الأكثر تواترا والمحيطات يرتبط التحميض وانخفاض مستويات الأكسجين بشكل واضح بتأثير الإنسان فرضية تؤثر التغييرات على كل من النظم البيئية للمحيطات والأشخاص الذين يعتمدون عليها وسوف يفعلون ذلك تستمر طوال ما تبقى من هذا القرن على الأقل، أما بالنسبة للمدن قد يتم تضخيم بعض جوانب تغير المناخ بما في ذلك الحرارة: منذ المناطق الحضرية عادة ما تكون المناطق أكثر دفئا من المناطق المحيطة بها والفيضانات من أحداث هطول الأمطار الغزيرة وارتفاع مستوى سطح البحر في المدن الساحلية.

تقرير تاريخي بنبرة إنذارية ورؤية استباقية
وللمرة الأولى يقدم تقرير التقييم السادس تقييما إقليميا أكثر تفصيلا لـتغير المناخ بما في ذلك التركيز على المعلومات المفيدة التي يمكن أن تساعد في تقييم المخاطر والتكيف وعمليات صنع القرار الأخرى وإطار عمل جديد يساعد في ترجمة التغييرات المادية في المناخ الحرارة والبرودة والمطر والجفاف والثلج والرياح والفيضانات الساحلية وغير ذلك إلى ما تعنيه المجتمع والنظم البيئية، “لقد كان من الواضح لعقود أن مناخ الأرض يتغير، ودور التأثير البشري على النظام المناخي لا جدال فيه” كما قال ماسون ديلموت، ومع ذلك فإن التقرير الجديد يعكس أيضا أهمية كبرى التقدم في علم الإسناد – فهم دور تغير المناخ في التكثيف وأحداث مناخية ومناخية محددة مثل موجات الحرارة الشديدة وظواهر الأمطار الغزيرة، وكما يوضح التقرير أن الأفعال البشرية لا تزال لديها القدرة على تحديد مسار المستقبل والدليل واضح على أن ثاني أوكسيد الكربون هو المحرك الرئيسي لتغير المناخ كما تؤثر غازات الدفيئة وملوثات الهواء الأخرى على المناخ.
وختاما سيتطلب استقرار المناخ تخفيضات قوية وسريعة ومستدامة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبالتالي الوصول إلى صافي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الصفرية، وكذا الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الأخرى وفي مقدمتها غاز الميثان

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

الهدف الجماعي الجديد (NCQG) في مفاوضات المناخ (COP29)

قمة المناخ وكيفية الاستفادة من التمويل الدولي لدعم استراتيجيات التكيف والتخفيف – ميسون الزعبي: تحفيز …