مؤشر التنمية المستدامة في العالم.. المغرب يتفوق عربياً وإفريقياً

شبكة بيئة ابوظبي، المهندس محمد بنعبو، خبير في المناخ والتنمية المستدامة، رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة، المملكة المغربية 30 أغسطس 2021

بعد أربعة وثلاثين عاما من صدور تقرير برونتلاند تأكدت نظرية “من مصلحة جميع الشعوب والأمم وضع سياسات للتنمية المستدامة” وتسارع تنزيلها على أرض الواقع خلال السنوات الأخيرة، هذا وعلى الرغم من القضايا السياسية والأمنية الجادة التي يسعى السياسيون إلى معالجتها بشكل فعال بعدما تم الاعتراف بأهمية التنمية المستدامة في السياق العالمي بل وتم تعميمها في بعض البلدان في مقدمتها المغرب النموذج الرائد إفريقيا في تنزيل أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، ويلعب موقع المغرب الجغرافي بتواجده على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط عند بوابة أوروبا و شمال القارة الأفريقية دورا هاما في هذه الريادة بعدما كان المغرب دائما مفترق طرق الحضارات، وشهد المغرب طيلة العقود الماضية تنمية اقتصادية وديموغرافية هامة جدا، وفي سياق تغير المناخ الذي يؤثر على جميع القطاعات خصوصا الضغط على الموارد الطبيعية نتيجة لذلك، مما يؤثر على مرونة النظم الإيكولوجية للغابات والقطاع الزراعي، ولاسيما بسبب ندرة الموارد المائية بما في ذلك توافرها للفرد كان أكبر بثلاث مرات في عام 1960 أي 2600 متر مكعب سنويا لكل مواطن من اليوم أي حوالي 700 متر مكعب سنويا لكل مواطن وقد تنزل هذه الكمية إلى 500 متر مكعب سنويا لكل مواطن في أفق 2024 حسب آخر تقرير للبنك الدولي، وإدراكا منه لهذا الوضع شرع المغرب في عملية طوعية وجادة في مكافحة الاحتباس الحراري من خلال وضع معالم رؤيته الخاصة بخصوص مواجهة تغير المناخ، رؤية تتماشى والقرارات المتخذة بشكل جماعي على المستوى الدولي، إرادة سياسية تجد الآن مكانها في دستور 2011 الذي أعطى دفعة جديدة من خلال تكريس التنمية المستدامة كحق لجميع المواطنين وذلك بتأسيسه أدوات جديدة للحكم الديمقراطي، شرط ضروري لوضع أسس التنمية المستدامة للبلاد، التنمية المستدامة هي أيضا منصوص عليها في القانون الإطار بشأن الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي تحدد بموجبه “الحقوق والواجبات المتأصلة للبيئة والتنمية المستدامة المعترف بها للناس المادية والمعنوية ويعلن المبادئ التي يجب احترامها من طرف الدولة والسلطات المحلية والمؤسسات والشركات العامة والجماعات الترابية “.
الاستراتيجية الوطنية للبيئة والتنمية المستدامة
تم تفعيل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة من خلال تطوير الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتي ستكون قادرة على توجيه أعمال جميع المؤسسات العامة والجهات الخاصة التي تهدف تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، وفي إطار تقديم المغرب لمساهماته المحددة وطنيا ارتباطا بتنزيل التزامات اتفاق باريس التاريخي تجد مساهمة المغرب رسوخها المؤسسي في الإستراتيجية الوطنية للبيئة والتنمية المستدامة التي تسمح بتحديد رؤية المغرب لعام 2030، عبر خلق أوجه التآزر مع اتفاقيات ريو 1992، فبالإضافة إلى مواجهة تغير المناخ يهدف المغرب الى استعادة واحترام وصيانة التنوع البيولوجي، والإدارة المتكاملة لموارد المياه وكذلك الإدارة المستدامة لمصادر المياه الجوفية لمواجهة التصحر وتدهور التربة على أراضيها، إستراتيجية تتلاءم وتنزيل إجراءات تغير المناخ مع الامتثال لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ولاسيما الهدف الأول، والسادس والسابع والثامن والتاسع والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والسابع عشر.
المغرب نموذج عربي إفريقي متميز
اقتناع المغرب اليوم بالمسؤولية الجماعية و إيمانه بالمصير المشترك للإنسانية من خلال الالتزام بمبدأ العدالة يريد أن يمهد الطريق لالتزام عالمي ومسؤول وعادل من أجل خير الكوكب الأزرق نظرا لتعرضه الشديد لتأثيرات تغير المناخ، فإنه يجب على المغرب كأولوية تقليل مخاطر التأثيرات والتركيز عليها التكيف مقابل إجراءات التخفيف، فمن حيث التكيف فقد بذل المغرب جهودا كبيرة جدا منذ فجر الاستقلال حيث وخلال الفترة 2005-2010 كرست المملكة 64 ٪ من نفقات البلاد على مواجهات تحديات تغير المناخ وعلى جهود التكيف والتي تساوي حوالي 9٪ من إجمالي النفقات المالية للبلاد، والتي تمثل الحصة الكبيرة من ميزانية الاستثمار الوطنية المخصصة للتكيف حيث يتبين حجم المخاطر التي يمكن أن يسببها تغير المناخ على المجتمع المغربي، هذه الجهود من المقرر أن تزداد بالضرورة في السنوات والعقود القادمة حيث من المنتظر أن تبلغ خلال الفترة 2020-2030 تكلفة تنفيذ برامج التكيف في القطاعات الأكثر تعرضا لتغير المناخ وقطاعات المياه والغابات والزراعة حوالي 35 مليار دولار أمريكي أما من حيث التخفيف، وأهداف الحد من انبعاثات غازات الدفيئة المغرب سيتحقق من خلال الإجراءات المتخذة في جميع قطاعات الاقتصاد عبر تنزيل إستراتيجية التنمية منخفضة الكربون جارية تطوير وتنسيق أهداف التخفيف لجميع الإستراتيجيات وخطط العمل القطاعية المؤثرة بشكل خاص مجالات الطاقة والزراعة والنقل والمياه والنفايات الغابات والصناعة والإسكان والبنيات التحتية.
رفع المغرب من طموحه بالتزامه بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030 بـــــــــــــ45.5٪ مقارنة بالانبعاثات المتوقعة بحلول عام 2030 وفقا لـلمسار الطبيعي لسيناريو العمل، ولن يتحقق هذا الالتزام إلا إذا تمكن المغرب من الوصول إلى مصادر تمويل جديدة ودعم إضافي مقارنة بما تمت تعبئته في السنوات الأخيرة، هذا الهدف يتوافق مع انخفاض تراكمي قدره 523.5 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة 2020- 2030، الجهد الذي سيتعين على المغرب أن يبذله لتحقيق هذا الطموح يتطلب استثمارا عالميا يبلغ حوالي 50 مليار دولار أميركي حيث 24 مليار دولار أمريكي منها مشروطة بالدعم الدولي بفضل آليات تمويل المناخ الجديدة.
في الطريق الى قمة المناخ بغلاسكو اسكتلندا
أولى تأثيرات تغير المناخ على المغرب بدأت تظهر للعيان واضحة متمثلة في اضطرابات متوسط التساقطات المطرية وارتفاع متوسط درجات الحرارة خلال الأشهر الاثنى عشر، ويمكن أن ينعكس هذا التغيير بشكل خاص على الموارد الطبيعية وعلى النظم البيئية المختلفة وعلى الإنتاج الزراعي وبالتالي على تحقيق الأمن المائي والغذائي للمواطن المغربي، وإدراكا من المغرب بهذه التأثيرات على المستوى الثقافي والتربوي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي، فقد تبنى المغرب مقاربة طوعية ومتكاملة وتشاركية ومسؤولة في جهود التكيف والتخفيف التي تشكل إحدى الركائز الأساسية للإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، ويعتبر المغرب شريكا استراتيجيا دوليا لمكافحة تغير المناخ منذ التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992 والتصديق عليها عام 1995ومنذ توقيعه كذلك على بروتوكول كيوتو عام 1997 والمصادقة عليه عام 2002 ومنذ التوقيع كذلك والمصادقة على اتفاقية باريس في عام 2016.
وفي إطار تنزيل اتفاق باريس الذي ينص في مادته الرابعة على الإبلاغ عن المساهمات المحددة وطنيا كل خمس سنوات اعتبارا من عام 2020، بدأت المملكة المغربية عام 2020 مراجعة مساهماتها المحددة وطنيا والمقدمة إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والتي تم تقديمها بتاريخ 19 شتنبر 2016، بعد المصادقة على اتفاق باريس التاريخي، حيث وضع المغرب على المستوى الوطني خطته الوطنية للمناخ 2020-2030 والخطة الوطنية للتكيف وتنزيلهما على المستوى الجهوي حيث من المنتظر أن تعرف سبع جهات مخططات جهوية للمناخ: جهة بني ملال خنيفرة، جهة طنجة تطوان الحسيمة، جهة الدار البيضاء سطات، جهة درعة تافيلالت، الجهة الشرقية، جهة كلميم واد نون وجهة العيون – الساقية الحمراء بعدما أنتهت جهة سوس ماسة من إعداد مخططها الجهوي للمناخ.
المخطط الوطني للمناخ للمغرب
سطر المغرب مخططا وطنيا للمناخ يواكب التحديات المناخية، وبالرغم من أن المغرب هو بلد منخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، ومع ذلك فهو عرضة لتأثيرات تغير المناخ وفي مقابل ذلك فالمغرب ملتزم بالفعل بتحدي المناخ دوليا حيث شرعت المملكة المغربية في تحول تاريخي نحو نموذج تنموي جديد يحترم مواردها البشرية والطبيعية على حد سواء، من خلال هيكلة المشاريع الكبرى مثل السياسة الطاقية أو البرنامج الوطني للماء، والإدارة المستدامة للنفايات الصلبة والسائلة، إن عملية مكافحة الاحتباس الحراري التزام وطني طوعي يهدف إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة في أفق عام 2030 بنسبة 45.5٪ ويتطلب إجمالي الاستثمار 50 مليون دولار المغرب لديه الآن إطار استراتيجي متين يتمثل في الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة والإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والمخطط الوطني للماء كلها مخططات تهدف الى ترسيخ تخطيط وهيكلة المشاريع المناخية على مكونات وآفاق محددة، وسيسمح هذا الالتزام للمغرب بتقليل 523.5 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة 2020-2030 عبر ضمان الانتقال السريع إلى اقتصاد منخفض الكربون.
ويشكل المخطط الوطني للمناخ 2030 خارطة طريق للتنسيق وإطارا لتطوير السياسات المناخية على المدى المتوسط والطويل، مما يجعل من الممكن نهج خطط استباقية وطموحة للتحديات التي يطرحها تغير المناخ على المستويين الوطني والدولي، ويعتمد اتساق المخطط الوطني للمناخ بشكل أساسي على التدابير وتوجهات الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والمساهمات المحددة وطنيا وعلى التقاطع الايجابي للاستراتيجيات القطاعية والتنمية المستدامة، فإدارة المناخ هي القضية الرئيسية لنجاح تدابير التخفيف والتكيف المتخذة في مواجهة تغير المناخ.
ويمتلك المغرب اليوم حكامة مناخية جيدة نظرا لتكاثر وترابط مسؤوليات القطاعات الحكومية المشاركة في تصميم وتطوير سياسة المناخ الوطنية، حكامة رشيدة لضمان التنسيق المؤسساتي والقطاعي الجيد عبر تطوير مشاريع إستراتيجية وتعزيز الترسانة القانونية وتنمية سبل التعاون الدولي والإفريقي، وبسبب هشاشة النظم البيئية المغربية يجب أن يضمن المخطط الوطني للمناخ 2030 على سبيل الأولوية تكييف القطاعات والموارد الرئيسية مع تغير المناخ، وتكثيف جهود التكيف مع التغيرات المناخية على موارد المياه والقطاع الزراعي والموارد السمكية والنظم البيئية الهشة والتنوع البيولوجي، بينما فيما يتعلق بالتخفيف سيتم ضمان الوفاء بالتزامات المغرب من خلال التدابير المتخذة في جميع قطاعات الاقتصاد، ومن المنتظر أن يعمل المخطط الوطني للمناخ على توحيد أهداف التخفيف للجميع الاستراتيجيات وخطط العمل القطاعية ولاسيما في مجالات الطاقة والزراعة، النقل والنفايات والغابات والصناعة والإسكان، وتولي خطة المناخ الوطنية اهتماما خاصا بجهات المملكة وتكرس أحد ركائزها العوامل الرئيسية في تحديد ضرورات الإدارة المتكاملة لتغير المناخ في مخططات التنمية الجهوية والإقليمية.
إن تحقيق أهداف خطة المناخ الوطنية مشروط بتنفيذ تدابير الدعم في الجوانب البشرية والتكنولوجية والمالية، فالمخطط الوطني للمناخ مصحوب بسلسلة من تدابير بناء القدرات التي تؤثر على نظام الرقابة والمراقبة وإجراء التغيير بين سكان المغرب، كما يتناول المخطط الوطني للمناخ أحد عراقيل تنفيذ سياسة المناخ ويحدد التوجهات الرئيسية التي يجب اتباعها لضمان حشد الأموال اللازمة لتحقيق مشاريع التكيف والتخفيف مع إجمالي الاستثمارات يصل الى خمسين مليار دولار أمريكي منها 24 مليار دولار أمريكي مشروطة بالدعم الدولي.
التنمية المستدامة هي الحل
قبل أربعة وثلاثين عاما من صدور تقرير بروندتلاند، كان السباق مستمرا لإرسال رجل إلى القمر – فقد ذهبنا إلى هناك، بل أرسلنا آليات جد متطورة للكوكب الأحمر المريخ، وتطورت اكتشافاتنا حول إمكانية وجود حياة على هذا الكوكب الجميل، بينما ونحن ننظر إلى الوراء أدركنا أنه لا يزال لدينا أشياء جد مهمة يجب القيام بها على سطح كوكب الأرض، فعندما ستكون هناك تسع مليارات نسمة على سطح كوكب الأرض سنضطر إلى وضع قيود خطيرة على الرأس المال الطبيعي، علاوة على ذلك إذا كان من الممكن وصف العالم الحالي بأنه أغلبية باقية وأقلية تتراكم الثروة والنفايات في آن واحد، بدأ هذا السباق الجديد لخلق عالم عادل وسلمي ومستدام، على عكس سباق القمر الذي تم تمويله من قبل الحكومات، سيتم تمويل السباق الجديد إلى حد كبير من قبل القطاع الخاص ودعمه من خلال الأطر التنظيمية والحوافز الصحيحة، في هذا السياق، ندرك أيضا أن قراراتنا الاستثمارية، في كل من القطاعين العام والخاص، تستند إلى عدد من التحيزات: نحن نعمل “ببوصلة اقتصادية خارج النظام”، لا تأخذ تحليلاتنا في الاعتبار تأثير قراراتنا بشكل كاف، نحن نتخذ قرارات خاطئة، والأهم من ذلك، غالبا دون أن ندرك ذلك، نجعل بقية المجتمع أو الأجيال القادمة أو غيرهم من سكان هذا الكوكب يتحملون العواقب بدلا من دمج هذه “المعايير الخارجية” في اقتصادنا، فقد أصبحت مشكلة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري قضية ملحة للأكاديميين ورجال الأعمال والسياسيين لمعالجتها، فقد اقترح تقرير بروندتلاند تعريفا عالميا للتنمية المستدامة: إنها “التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم”، في حين أن هذه التعريفات مفيدة إلا أنها تختلف حسب البلد والمجتمع، بالنسبة للهند مثلا قد تكون القضايا الرئيسية هي الحد من الفقر أو جودة المياه أو التنوع البيولوجي، بالنسبة للبرازيل يمكن أن يكون إزالة الغابات والفقر، بالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المياه والسلام، بالنسبة للعديد من البلدان النامية الوصول إلى الفرص والتعليم والتمويل والأسواق بالنسبة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين قد يكون أمن الطاقة وتغير المناخ، فعلى الصعيد العالمي تبقى مسألة التنمية المستدامة معادلة مرتبطة بالتهديدات وتحقيق الأمن والسلام العالميين على المستوى المائي والغذائي والمناخي كذلك.
نحن جميعا جزء من الحل
اليوم نحن بحاجة إلى تغيير أنماط حياتنا وسلوكياتنا، وإعادة تقييم أولوياتنا البيئية وجدول أعمالنا بشكل جماعي وفردي فنحن جميعا جزء من الحل، “فكر بشكل كبير” بالتأكيد، ولكن “إبدأ بالتركيز على المشاريع الصغيرة التي سيتم تنفيذها في مجال نفوذك” و “تصرف بسرعة” وقم بتحليل التأثير الخاص بك وتصرف وفقا لذلك، يجب أن توفر الحكومات بيئة مواتية من خلال وضع هياكل الحكامة الصحيحة والجيدة، والتأثير على اتجاه السياسات البيئية التي يتم نهجها، والإشراف على إنشاء الأطر التنظيمية و يجب أن تشارك جمعيات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام في زيادة الوعي العام والتعاون بنشاط لإيجاد أفضل الحلول، حيث يجب أن يتم دمج تعريف المبادئ الأساسية في نظام التعليم فالمشاركة النشطة من “الجيل القادم” أمر بالغ الأهمية.
أصبح تغير المناخ مهما لجدول أعمال التنمية المستدامة، إن تأثيره واحتياجات التكيف وتدابير التخفيف يتجاوز القضايا البيئية والآثار المتوقعة تجعله قضية عالمية وكذلك قضية أخلاقية مع آثار مهمة على التركيبة السكانية والمساواة العالمية وحتى الأمن، وخلص تقرير حديث نشرته الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن “تغير المناخ يؤثر الآن على الأنظمة الفيزيائية والبيولوجية في جميع القارات”، ويعتقد التقرير أن هناك إمكانات اقتصادية كبيرة للتجارة للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية على مدى العقود المقبلة، والتي يمكن تحمل تكاليفها من الناحية المالية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومع ذلك فإن التأثيرات، وبالتالي الاحتياجات المالية سيتم توزيعها بشكل غير متساو في جميع أنحاء العالم حيث يكون الجنوب أكثر تأثرا من الشمال مما يثير السؤال المهم المتمثل في “المساواة” العالمية، وستضيع المكاسب التي تحققت في إطار الأهداف الإنمائية للألفية وستكون النتائج المترتبة على التجارة كبيرة، القيم التي ستكون معرضة للخطر هي القيم المادية وبراءات الاختراع التكنولوجية أو التي تنطبق على حالة معينة ستصبح قديمة، في حين أن الكثير من الاستثمار العام مطلوب لمواجهة هذا التحدي العالمي، فلا شك في أن القطاع الخاص هو جزء من الحل، يجب على الشركات أن ترى مواجهة تغير المناخ من منظور الفرص وسوف ترى ذلك، حيث سيتعين وضع إطار تنظيمي يغطي عددا كبيرا من البلدان والقطاعات مما سيؤدي إلى اعتماد عملة مشتركة قائمة على السوق: سعر مرجعي للكربون، فقد قدمت عمليات نظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي وآلية التنمية النظيفة بموجب بروتوكول كيوتو التاريخي دروسا قيمة لاتفاق مستقبلي بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيرات المناخية، يجب على الشركات أيضا أن تلعب دورا نشطا في تحديد الإجراءات السياسية الدولية والمحلية لصالح المناخ.
المغرب يتفوق عربيا وإفريقيا في التقرير السنوي لمؤشر التنمية المستدامة 2021
“أصبحت أهداف التنمية المستدامة أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى، فقد حان الوقت الآن لتأمين رفاه الناس والاقتصاد والمجتمعات وكوكبنا هذا” كما يؤكد أنطونيو غوتيريش الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة في ختام التقرير السنوي لمؤشر أهداف التنمية المستدامة لعام 2021، هذا التقرير الذي يبرز مجهودات الدول 193 الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة هذا بالرغم من كون جائحة كوفيد 19 كانت بمثابة عائق في وجه الطموح العالمي، بينما ستبقى المرحلة المقبلة مرحلة العمل من أجل بلوغ التعافي التام سواء كان اقتصاديا اجتماعيا أو بيئيا بعد التأثيرات السلبية للجائحة على شعوب ودول المعمور، ولن يكون العمل مثمرا إلا عبر تبني نهج مستدام ومرن ويشمل الجميع، التقرير الأخير لهيئة الأمم المتحدة الذي يسلط الضوء على نجاحات المغرب المتعددة وفي كل الأصعدة يبرز أن المملكة المغربية نجحت في تحقيق ما نسبته 70.5% من أهداف التنمية المستدامة لهيئة الأمم المتحدة ليأتي المغرب في المرتبة 69 من بين 169 دولة متقدما على دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث وفي إطار مواجهة تحديات التغيرات المناخية التي أكد الخبراء أنها ستبقى مستمرة وبلا هوادة وإلى حد كبير وفي هذا الإطار نجح المغرب في الانخراط في نهج سياسة مناخية واضحة المعالم تروم تحقيق التناغم بين السياسات العمومية والبرامج والمخططات الوطنية والتزامات المغرب الدولية وكذا بفضل الإرادة القوية على أعلى المستويات، وفي تطبيق التزاماته في مجال أهداف التنمية المستدامة تمكن المغرب في تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى عدد من الأهداف السبعة عشر، خاصة في مجال تيسير الولوج إلى الخدمات العامة الأساسية، ويبقى كسب رهان أهداف التنمية المستدامة رهين بانخراط والتزام كافة الجهات الفاعلة.
وكان المغرب حاضرا وسباقا لتقديم مشاريع ومقترحات على المستوى الدولي إذ أنه قبل الإعلان الأممي عن أهداف التنمية المستدامة دعا الملك محمد السادس سنة 2009 في خطاب العرش إلى بلورة الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، كما أن دستور 2011 كرس الحق في التنمية المستدامة والعيش في بيئة سليمة، ولقد تعزز انخراط المغرب على مسار تسريع تنزيل أهداف التنمية المستدامة من خلال اعتماد الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 من طرف المجلس الوزاري تحت الرئاسة الفعلية للملك محمد السادس يوم 25 يونيو 2017، وترتكز هذه الإستراتيجية التي تم إعدادها بتشاور مع كل الفعاليات الوطنية من سلطات عمومية، وقطاع خاص، وممثلي المجتمع المدني على مرجعيات واضحة دستوريا وقانونيا، كما تعتبر آلية ناجعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030.
وتشكل أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي تم تبنيها في شهر دجنبر 2015 من قبل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة من ضمنها المغرب الإطار المرجعي لمجموعات من الاستراتيجيات ومخططات وبرامج عمل الدول الأعضاء، حيث مع تنزيل أهداف التنمية المستدامة سيرتقي طموح العالم في أفق عام 2030 للقضاء على جميع أشكال الفقر وعدم المساواة من خلال عدم المغادرة لا أحد آخر لضمان رفاهية السكان، لحماية بلدنا كوكب الأرض وتعزيز السلام والازدهار والشراكات، وغني عن القول أن نطاق أهداف التنمية المستدامة وتعقيد التحديات لتحقيق هذه الطموحات يعني تنفيذ سياسات أكثر تكاملا و متماسكة الأمر الذي يجبر جميع البلدان على إعادة النظر في الطريقة التي تتعامل بها التحديات، كما يدعو تنفيذ أهداف التنمية المستدامة الدول الأعضاء إلى تبنيها أساليب جديدة للحكم تعزز الملكية والشراكات والمسؤولية المشتركة للجهات الفاعلة على جميع المستويات لتنفيذ المشاريع تحويلية ومواتية لمجتمعاتهم.
هذا على الرغم من أنها دخلت عامها السادس من التنفيذ إلا أنه لا تزال خطة التنمية المستدامة بحلول عام 2030 تمثل تحديا كبيرا ولا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه لتحقيق مجتمعات مستدامة وقادرة على الصمود، إذا تم إحراز تقدم في العديد من المجالات، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية تستمر على عدة مستويات سواء كان ذلك إقصاء للشباب والنساء سوق العمل عدم المساواة بين الجنسين، وتهميش مناطق معينة ومخاطر الأمن الغذائي، أو حتى التفاوتات في الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم أو الصحة أو الحماية الاجتماعية، فقد أدى الانخفاض المؤقت في الأنشطة البشرية في فترات الحجر الصحي المواكب لجائحة كورونا إلى انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة، ولكن تركيزات الغازات الدفيئة استمرت في الزيادة خلال عام 2020 حيث بلغت مستويات جديدة مع اعتبار أن عام 2020 صنفه الخبراء من السنوات الثلاث الأكثر دفئا على الاطلاق وحيث أن هناك مناطق عبر العالم سجلت درجات حرارة قياسية لم يتم تسجيلها مطلقا حيث كان متوسط درجة الحرارة العالمية حوالي 1.2 درجة مئوية فوق المستوى المرجعي من 1850 إلى 1900، لكن للأسف العالم لا يزال بعيدا عن المسار الصحيح لتحقيق هدف اتفاق باريس التاريخي للحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة ولتحقيق صافي انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على الصعيد العالمي بحلول عام 2050، حيث في مواجهة كارثة مناخية وشيكة يكتسب العمل المناخي أهمية بالغة بعدما تم إطلاق السباق إلى الصفر بعد تشكيل تحالف من الشركات والمدن والمناطق والمستثمرين حول مبادرات خفض الانبعاثات الصفرية وتحقيق صافي الكربون وتحديد نقاط التحول المحددة على المدى القصير لأكثر من عشرين قطاعا من الاقتصاد العالمي، اعتبارا من دجنبر 2020 جاء أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي من مناطق ذات أهداف فعلية أو متوقعة صافي انبعاثات صفرية بحلول حتى عام 2050 والتي تغطي أكثر من نصف سكان العالم والانبعاثات.
لقد كشف الوباء العالمي نقاط ضعف البشرية، لقد أظهرت للعالم بأسره الضرر الذي يمكن أن تسببه أزمة أقل خطورة من حالة طوارئ مناخية في على نطاق واسع، يجب أن نصغي لهذا التحذير ونغتنم هذه الفرصة لإعادة البناء بطريقة تسمح لنا بذلك تقليل الانبعاثات وزيادة القدرة على التكيف مع تغير المناخ سيستمر الارتفاع في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إذا لم يتم اتخاذ إجراءات حاسمة لجلب الاقتصادات إلى الحياد الكربوني في عام 2015 التزم 196 طرفا في اتفاق باريس بإعادة التوجيه استراتيجيات التنمية الخاصة بهم نحو الاستدامة والمطالبة بها، الحد من الاحترار العالمي إلى أقل بكثير من 2 درجة مئوية من الناحية المثالية 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي، ولتحقيق هذا يجب الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية 45٪ بحلول عام 2030 من مستويات 2010 وتحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، بينما بلغ تأثير الدفيئة مستويات عالية جديدة في عام 2020 وهو المتوسط عالم كسور الخلد CO2 تتجاوز 410 أجزاء لكل مليون.
ولقد أدت جائحة كوفيد 19 إلى انخفاض كبير في الأنشطة البشرية في عام 2020 مما أدى إلى انخفاض مؤقت في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون ففي الوقت الذي شهدت فيه البلدان المتقدمة أكبر انخفاض لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون مع حدوث انخفاضات بلغ متوسطها 10٪ تقريبا، في مقابل ذلك انخفضت انبعاثات الغازات الدفيئة للبلدان النامية بنسبة 4٪ مقارنة بعام 2019، هذا وعلى الرغم من هذه الانخفاضات المؤقتة لانبعاثات الغازات الدفيئة في عام 2020 تبرز البيانات الصادرة من بقاع اخرى عبر العالم ولاسيما ماونالوا في الولايات المتحدة الأمريكية وكيب غريم في تسمانيا تشير إلى ذلك مستويات تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون و غاز الميثان وغاز أوكسيد النيتروجين استمرت في الزيادة في عام 2020، في شهر دجنبر لعام 2020 انتعشت الانبعاثات بالكامل وسجلت زيادة بنسبة 2 ٪ اعتبارا من دجنبر 2019، حيث مع تعافي العالم من وباء كورونا من المتوقع أن تستمر الانبعاثات في الارتفاع ما لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة لتحقيق الفائض في حياد الكربون.
المساهمات المحددة وطنيا والجهود الطوعية
تعتبر الجهود الطوعية للبلدان للحد من الانبعاثات الوطنية والتكيف مع آثار تغير المناخ موصوفة أمرا جد مهم ومطلوب تقديمه من طرف جميع الدول الاعضاء في اتفاقية باريس بشأن المناخ، ولإنشاء وإبلاغ وتحديث المساهمات المحددة وطنيا المتتالية التي يخطط لتحقيقها، على سبيل المثال في شهر ماي 2021 قدمت 192 دولة وطرف في الاتفاقية الاطر للتغيرات المناخية أولى مساهماتهم المحددة على المستوى الوطني إلى أمانة الإتحاد الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، بالإضافة إلى ذلك واعتبارا من شهر دجنبر 2020، تم تقديم 48 مقترح مساهمة محددة وطنيا لأول مرة أو تم تحديثها حيث تقدمت خمسة وسبعون دولة وطرف فقط من ضمن 192 دولة حيث تمثل في مجموعها هذه المساهمات المحددة وطنيا 30٪ فقط من الانبعاثات الشيء الذي لا يخدم مصالح تنزيل اتفاق باريس التاريخي.
في سنة 2017 تم إدراج ولأول مرة معلومات التكيف ضمن المساهمات المحددة وطنيا، حيث تقوم البلدان بصياغة المزيد من الأهداف والمؤشرات الكمية للتكيف وإقامة روابط بين التكيف وأهداف التنمية المستدامة فقد تم تحديد مجالات التكيف ذات الأولوية في المساهمات المحددة وطنيا مثل الأمن الغذائي والإنتاج والنظم الإيكولوجية الأرضية والرطبة وموارد المياه العذبة صحة الإنسان والقطاعات والخدمات الاقتصادية الرئيسية، حيث أصبحت المزيد والمزيد من البلدان تعطي الأولوية للصياغة ولتنفيذ الخطط الوطنية للتكيف مع التغييرات جهود تغير المناخ لتعزيز جهودها في هذا المجال، وتشمل هذه المخططات بناء السدود للحماية من الفيضانات، وإنشاء أنظمة الإنذار المبكر للأعاصير أو التحول إلى المحاصيل التي تتحمل الجفاف، وعلى سبيل المثال 125 دولة من بين 154 دولة نامية أو في طور النمو قدمت مخططاتها الوطنية للتكيف من بينها 22 دولة قدمت خططها إلى أمانة الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، هذا في الوقت الذي تضاعف الدول المتقدمة جهودها لتقديم المشورة والدعم الفني والدعم المالي والعلمي واللوجيستيكي للبلدان الضعيفة النمو والمعرضة بشكل خاص لآثار تغير المناخ من أجل تطوير وتنفيذ مخططات التكيف، في الوقت الذي يطمح فيه العالم الى التحول والانتقال إلى مستقبل منخفض الكربون وقادر على الصمود في وجه التغيير يفضل المناخ من خلال زيادة الدعم المالي لتمويل المناخ المقدم من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية في الزيادة مما يعكس الالتزام بدعم التحول العالمي إلى مستقبل منخفض الكربون وقادر على التكيف مع تغير المناخ، وولعلم فقط يبلغ إجمالي التمويل المتعلق بالمناخ الذي أبلغت عنه الأطراف المدرجة في المرفق الأول من اتفاقية باريس في متوسطه السنوي 48.7 مليار في 2017-2018 بزيادة قدرها 10٪ مقارنة مع 2015-2016، بينما خصصت أكثر من نصف المساعدات المالية لتمويل المناخ لعام 2017-2018 كان مخصصا للتخفيف، ونصيب المساعدات التكيف آخذ في الازدياد، والعديد من البلدان تعطي الأولوية التكيف في مساعداتهم المالية، بينما تم تصريف ثلثي المساعدات المالية المقدمة في 2017-2018 ما يعادل بمتوسط سنوي قدره 32.3 مليار دولار من خلال القنوات الثنائية والإقليمية وغيرها، في حين أن الثلث المتبقي تم صرفه من خلال مؤسسات وصناديق متعددة الأطراف مثل صندوق المناخ الأخضر، حيث بالموازاة مع الدعم المقدم لصياغة الخطط تتزايد باطراد خطط التكيف الوطنية في إطار برنامج دعم الأنشطة التحضيرية والتخطيط التابع للصندوق الأخضر للمناخ في جميع المناطق والمجموعات، حيث قدم أحد عشر بلدا ناميا 23 مقترح مشروع إلى الصندوق الأخضر للمناخ من أجل التمويل حيث تمت الموافقة على سبع مقترحات مشاريع أي ما مجموعه 464 مليون دولار ، بينما في الفترة 2017-2018 كان الدعم المناخي المحدد هو الأكثر حصة كبيرة من إجمالي تمويل المناخ هذا التمويل الذي انخفض بمرور الوقت حيث بلغ معدل الانخفاض من أكثر من 40٪ من الإجمالي خلال الفترة 2011-2012 إلى حوالي 25٪ في الفترة الممتدة ما بين 2017-2018.
الإجهاد المائي وتغير المناخ
أصبحت النظم البيئية مضطربة تحت وطأة تغير المناخ، هذا في الوقت الذي يزداد الإجهاد المائي سوءا ويزداد الشعور بآثار تغير المناخ حدة حيث أصبحت ظاهرة التصحر تؤثر على 80 إلى 90٪ من الأراضي حسب كل بلد، وفي مواجهة هذا الوضع كان المغرب قد أعرب خلال المنتدى السياسي رفيع المستوى لعام 2016 عن استعداده للتطوير نهج متكامل ومتقارب لمختلف الاستراتيجيات القطاعية في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، في الواقع تم تنفيذ أهداف التنمية من خلال استراتيجيات قطاعية لا تتقاطع وتقاربها لا يتم التأكد منه دائما ويشكل تحديا للمغرب، في هذا الإطار تمت الموافقة على الخطة الوطنية للتنمية المستدامة 2016-2030 في شهر يونيو 2017 ويمكن استخدامها على النحو المنصوص عليه في الميثاق الوطني للبيئة و التنمية المستدامة إطار مرجعي وتقارب مختلف السياسات العامة التي تهدف إلى التنمية المستدامة، و في المغرب يتم وضع إطار حكامة للإدارة و متابعة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة مع لجنتين: لجنة استراتيجية برئاسة السيد رئيس الحكومة، مع دور التوجيه السياسي والاستراتيجي من جهة ولجنة توجيهية بقيادة كتابة الدولة في التنمية المستدامة ولها دور رقابي فعال لتنفيذ الاستراتيجية في حين تتولى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون دور القيادة السياسية لأهداف التنمية المستدامة في حين تواصل وزارة الشؤون العامة والحكامة العمل على التقارب والمواءمة بين السياسات العامة، ومع ذلك لا يزال من المهم تحديد الهيكلة التي ستكون مسؤولة عن تنسيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفي المغرب يكرس دستور 2011 التنمية المستدامة باعتبارها حق لجميع المواطنين وينص على ال ميثاق الوطني والقانون الإطار للبيئة والتنمية المستدامة حيث يؤكد هذا القانون على المبادئ التكامل والمسؤولية والمشاركة، استراتيجية وطنية التنمية المستدامة تركز على الانتقال إلى اقتصاد أخضر الذي تمت الموافقة عليه في عام 2017، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى أن تكون إطار عمل موحد يحدد مسار جميع السياسات العامة والقطاعية وتوجه أعمال جميع أصحاب المصلحة بهدف تحقيق التنمية الديناميكية الاقتصادية والاجتماعية، وتهدف إلى تعزيز الاتساق والتكامل بين الاستراتيجيات والخطط القطاعية والبرامج الحالية التنفيذ، من أجل تحسين الكفاءة، وتسلط الضوء على الدور الرئيسي للقطاع القطاع الخاص والسلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية.
في صيغتها الحالية فإن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة تقوم على أربع ركائز (اقتصادية، اجتماعية، بيئية وثقافية) تدمج بشكل شامل غالبية أهداف التنمية المستدامة حيث فقط الهدف الخامس المتعلق بالنوع الاجتماعي هو الوحيد الذي لم يؤخذ في الاعتبار على وجه التحديد، وبدرجة أقل الهدف الثامن، وسبق للمغرب أن نظم ورش عمل إقليمية للتوعية بأهداف التنمية المستدامة في عام 2016 ومشاورة وطنية حول سياق خطة 2030 حيث أسفرت المشاورات عن صياغة أولى للأولويات الوطنية المتعلقة بـإلى أهداف التنمية المستدامة 15 وخارطة طريق لتنفيذ ورصد وتقييم تنزيل الاهداف بدقة، و يدور هذا حول المحاور الاستراتيجية التالية: تعزيز وتوطيد الملكية الوطنية لأهداف التنمية المستدامة، ووضع سياق أهداف التنمية المستدامة وإدماجها في السياسات القطاعية و تعزيز قدرات الفاعلين المؤسسيين وإنشاء نظام مراقبة متكامل وتقييم السياسات العامة التي تستهدف أهداف التنمية المستدامة.
وتعمل المندوبية السامية للتخطيط على مراجعة تقارب السياسات القطاعية مع أهداف التنمية المستدامة وكذلك جرد وتقييم القدرة الإحصائية الوطنية لضبط المؤشرات من أهداف التنمية المستدامة عبر الية النمذجة تسمح برسم إطار للاقتصاد الكلي كافية ولتقييم الآثار المشتركة لأهداف التنمية المستدامة في الوقت الذي لم يتم تحديد بعد الآلية المؤسساتية للتوجيه والتنسيق والمتابعة والتقييم من أهداف التنمية، هذا في الوقت الذي يعتبر المغرب شريكا استراتيجيا دوليا لمكافحة تغير المناخ، بالكبع يعتبر المغرب من الدول الأوائل التي بادرت بالتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992 والتصديق عليها عام 1995وبالتوقيع على بروتوكول كيوتو عام 1997 والتصديق عليه عام 2002 وبالتوقيع والمصادقة على اتفاق باريس عام 2016، وفي إطار تنزيل اتفاق باريس الذي ينص في مادته الرابعة على الإبلاغ عن المساهمات المحددة وطنيا كل خمس سنوات اعتبارا من عام 2020، بدأت المملكة المغربية عام 2020 مراجعة مساهماتها المحددة وطنيا والمقدمة إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والتي تم تقديمها بتاريخ 19 شتنبر 2016، بعد المصادقة على اتفاق باريس التاريخي، حيث وضع المغرب على المستوى الوطني خطته الوطنية للمناخ 2020-2030 والخطة الوطنية للتكيف وتنزيلهما على المستوى الجهوي حيث من المنتظر أن تعرف سبع جهات مخططات جهوية للمناخ: جهة بني ملال خنيفرة، جهة طنجة تطوان الحسيمة، جهة الدار البيضاء سطات، جهة درعة تافيلالت، الجهة الشرقية، جهة كلميم واد نون وجهة العيون – الساقية الحمراء بعدما انتهت جهة سوس ماسة من إعداد مخططها الجهوي للمناخ.
تنزيل أهداف التنمية المستدامة: الهدف14
يعتمد أكثر من ثلاثة ملايين شخص على المحيط في كسب عيشهم، ويتم تنفيذ أكثر من 80٪ من تجارة البضائع في العالم عن طريق البحر المحيطات وبالتالي تساهم في القضاء على الفقر إلى النمو الاقتصادي المستدام والأمن الغذائي، لكن يتم اختراق الفوائد التي يقدمونها بشكل متزايد الأنشطة البشرية، وتؤدي الزيادة في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتحمضها ونزع الأوكسجين منها مما يهددها النظم البيئية البحرية والأشخاص الذين يعتمدون عليها وإثقال كاهل المحيطات بقدرة على التخفيف من تغير المناخ، بينما يؤدي الصيد الجائر إلى استنفاد الأرصدة السمكية حيث يعاني ثلثها بالفعل من الإفراط في الاستغلال، الملوثات الأرضية بما في ذلك التلوث البلاستيكي والجريان السطحي للمغذيات ومياه الصرف الصحي ويضر المجتمعات والموائل الساحلية، هذه التغييرات لها آثار طويلة الأجل تتطلب تكثيفا عاجلا لحماية البيئات البحرية الاستثمارات في علوم المحيطات ودعم مجتمعات الصيد الحرفي والإدارة المستدامة للمحيطات.
وتتطلب استدامة محيطاتنا جهودا متجددة لحماية المناطق الحيوية للتنوع البيولوجي لقد زاد امتداد المناطق البحرية المحمية بشكل كبير والتغطية في عام 2020 لتصل إلى 7.74٪ من المياه الساحلية ومحيطات العالمية، لا يزال من الممكن الوصول إلى هدف 10٪ المحدد لعام 2020 لأن تعيين العديد من المواقع المخطط لها قد تأخر في ذلك العام بسبب جائحة كوفيد 19، حيث بين عامي 2000 و 2020 كان متوسط النسبة المئوية لـلمناطق الأساسية للتنوع البيولوجي داخل منطقة محمية ارتفعت من 28٪ إلى 44٪، ومع ذلك زادت التغطية كان الأسرع في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واستقر منذ ذلك الحين، بينما على مدى السنوات الخمس الماضية كانت 1 ٪ فقط وفي المتوسط كانت أكثر من نصف كل منطقة ضرورية للتنوع البيولوجي لا يستفيد منها لا شكل من أشكال الحماية، تظل حماية المناطق الأساسية للتنوع البيولوجي ضرورية لاستدامة المحيطات، على سبيل المثال في جنوب المحيط الأطلسي تم استخدام بيانات التتبع بالأقمار الصناعية مؤخرا لـأربع عشرة نوعا من الطيور البحرية والأختام لتحديد مناطق التكاثر والتغذية الضرورية للحفاظ عليها وتلك الخاصة بالآخرين، السيولة النقدية، تم استخدام هذه المعلومات لمراجعة إدارة منطقة محمية بحرية من خلال تمديد إغلاق مصايد الأسماك لمدة شهرين ومن خلال توسيع العديد من مناطق حظر الصيد الدائمة بينما يتم ترخيص الصيد التجاري المنظم، ومع تزايد عدد المناطق الميتة في المياه الساحلية للعالم بمعدل ينذر بالخطر المناطق الساحلية التي تضم ما يقرب من 40٪ من سكان العالم أصبحت هذه المناطق الساحلية معرضة بشكل متزايد لخطر التخثث نظراً لإما تحميل المغذيات المفرط في البيئات الساحلية بسبب الأنشطة البشرية، بينما تبقى العوامل الرئيسية لزيادة التخثث هي تـأثير الأسمدة ونفايات الماشية ومقذوفات مياه الصرف الصحي وتربية الأحياء المائية وانبعاثات النيتروجين في الهواء، ويضر التخثث الساحلي بالبيئة وسكان المناطق الساحلية ويرتبط بتكاثر الطحالب الضارة ونقص الأوكسجين وموت الأسماك وانقراض قيعان الأعشاب البحرية واختفاء الشعاب المرجانية والمرجان والقيعان الساحلية الصلبة، مما يزيد من المخاطر على صحة السباحين والصيادين.
وفي جميع أنحاء العالم لا يحتوي كبير من المناطق الميتة على مناطق الماء التي تحتوي على أوكسجين كاف للسماح بظهورها الحياة البحرية زادت من حوالي 400 في عام 2008 إلى حوالي 700 في عام 2019، يمكن رصد التغييرات في التخثث بشكل غير مباشر عن طريق تحليل نمو الطحالب والكلوروفيل نباتات الصباغ والطحالب الخضراء، تظهر بيانات الأقمار الصناعية العالمية أن المناطق الاقتصادية الخالصة البلدان لديها مستويات من الكلوروفيل، أعلى من قيم تم تسجيلها بين عامي 2000 و 2004.
تنزيل أهداف التنمية المستدامة: الهدف 15
تتم عملية حفظ واستعادة النظم البيئية الأرضية والتأكد من استخدامها بطريقة مستدامة عبر الإدارة المستدامة للغابات، وعبر محاربة وقف التصحر وعكس العملية هو إنهاء التدهور البيئي واستعادة كوكبنا ضروري للتنمية المستدامة، ومع ذلك يتم قطع الغابات والتنوع البيولوجي آخذ في التدهور والنظم الإيكولوجية الأرضية تتدهور بمعدل ينذر بالخطر، مع عواقب وخيمة على بقاء البشرية ورفاهتها،حيث يؤثر تدمير النظم الإيكولوجية الارضية على الأراضي ويؤثر الآن على خمس سطح الأرض، ويهدد الاتجار بالأحياء البرية صحة الإنسان والتنمية الاقتصادية والسلامة من خلال انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ المنقولة من الحيوانات إلى البشر والتي تمثل اليوم غالبية الأمراض المعدية الناشئة وتذكرنا جائحة كوفيد 19 أنه من خلال تعريض التنوع البيولوجي للخطر فإن البشرية معرضة أيضا للخطر، ولمواجهة هذه التحديات يتم بذل جهود كبيرة من أجل توسيع الإدارة المستدامة للغابات وحماية المواقع ذات الأهمية الحاسمة التنوع الطبيعي. تتبنى الدول أيضًا قوانين ومبادئ أكثر من ربع الأنواع التي تم تقييمها في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة مهددة بالانقراض المحاسبين بحيث “تهم” الطبيعة ومواجهة التهديدات التي تؤثر على التنوع البيولوجي، مثل انتشار الأنواع الغريبة الغازية فقد حان الوقت لوضع صحة الكوكب في المقدمة جوهر جميع خططنا وسياساتنا، وتتسبب الأنشطة البشرية في تدهور التنوع البيولوجي بشكل أسرع من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.
فقد فشل العالم فشلت في تحقيق أهداف عام 2020 في وقف فقدان التنوع البيولوجي، حسب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة الذي يتتبع الخطر العام للانقراض من مختلف الأنواع فقد شهدت الأنواع البيولوجية انخفاضا بنسبة 10٪ منذ عام 1993، من بين 134400 نوع تم تقييمها أي 28٪، وأكثر من 37400 نوع مهددة بالانقراض منها 41٪ برمائيات و34٪ صنوبريات و33٪ من الشعاب المرجانية و26٪ من الثدييات و 14٪ من الطيور، وتبقى أهم العوامل في اختفاء الأنواع هي التنمية الزراعية وفي المناطق الحضرية والاستغلال المفرط للموارد من خلال الصيد وصيد الأسماك والفخاخ وقطع الأشجار والأنواع الغريبة الغازية، ولحسن الحظ يمكن أن تمنع تدابير الحفظ الخسارة الأنواع الأخرى، على سبيل المثال السيطرة على الأنواع الغازية الحفاظ في حدائق الحيوان والمجموعات الأخرى وحماية كانت المواقع مفيدة للعديد من أنواع الطيور والثدييات، منذ عام 1993 حالت هذه التدابير دون انقراض 21 إلى 32 نوعا من الطيور و 7 إلى 16 نوعا من الثدييات، مع مراعاة أن انقراض 10 أنواع من الطيور و 5 أنواع من الثدييات تم تأكيدها أو تقديرها خلال هذه الفترة فإن هذه القياسات وهكذا جعل من الممكن تقسيم معدلات الانقراض المتوقعة على ثلاثة إلى أربعة.
ويؤكد الخبراء أنه على الرغم من التباطؤ فإن الانخفاض العالمي في الغابات لا يزال ينذر بالخطر، فقد تناقصت مساحة الغابات من 31.9٪ من إجمالي مساحة الأرض في العالم في عام 2000 إلى 31.2٪ في عام 2020 خسارة صافية تقارب 100 مليون هكتار، معدل ازداد فقدان الغابات في جنوب شرق آسيا وأفريقيا، كذلك مما كانت عليه في أقل البلدان نموا والبلدان النامية بدونها الدول الساحلية والدول الجزرية الصغيرة النامية، ولا سيما في بسبب تحويل الغابات إلى أراض زراعية، إزالة الغابات و لا يزال تدهور الغابات يمثل تحديات هائلة، على وجه الخصوص في المناطق الاستوائية، إن استمرار اختفاء الغابات يدل على أننا يجب أن نفعل ذلك تسريع الجهود للحد من إزالة الغابات، واستعادة الأراضي المتدهورة وتنفيذ ممارسات الإدارة المستدامة للغابات والأرض، مثل هذه التدابير ستعزز أيضا صمود النظم البيئية في مواجهة تغير المناخ، ستحمي التنوع البيولوجي وتدعم سبل العيش الساكنة القروية.
في المغرب يبقى تدمير النظم الإيكولوجية الغابوية والساحلية والجبلية والنهرية في مسار متصاعد ومتسارع حيث لا زال نهر ام الربيع يئن تحت وطأة التلوث والانسداد نفس الشيء تعرفه مجموعة من المناطق الرطبة التي تبرهن على أن تنزيل أهداف التنمية المستدامة المتعلقة باستعادة المنظومات الإيكولوجية ليس بالأمر الهين بل يتطلب تضافر جهود لجميع المتدخلين.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

تقرير شبكة العمل المناخي للعالم العربي في مؤتمر الأطراف (COP28) (05)

شبكة بيئة ابوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 03 فبراير 2024 أنشطة شبكة العمل المناخي العالم العربي …