في الطريق إلى غلاسكو الحياد الكربوني من طوكيو إلى الرباط الطريق يمر عبر أبوظبي

شبكة بيئة ابوظبي، المهندس محمد بنعبو الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة، 13 أكتوبر 2021
تعهدت حوالي 200 دولة وطرف في الاتفاقية الإطار للتغيرات المناخية عام 2015 على هامش قمة باريس للمناخ بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبعد خمس سنوات من اتفاق باريس تؤكد الأمم المتحدة بالوعود المناخية التي ما زالت لا ترقى إلى مستوى حالة الطوارئ المناخية، خاصة في صفوف الدول الكبيرة التي تنبعث منها كميات كبيرة من الغازات الدفيئة وفي مقدمتها الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية، ويبقى الهدف من اتفاق باريس التاريخي الحفاظ على الاحترار العالمي في أقل من درجتين مئويتين وإن أمكن في 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، حيث لحدود الآن فإن المساهمات المحددة للموقعين تضع الكوكب على مسار بين ثلاث درجات مئوية و أربع درجات مئوية، حيث كان من المفروض على الدول الأطراف تقديم التزاماتهم المعدلة قبل نهاية عام 2020 بينما أكثر من نصف الدول الموقعة على اتفاق باريس لم تقدم أي شيء يذكر بينما يعقد الخبراء الآمال كل الآمال على قمة غلاسكو للمناخ، وفي ظل كل هذا المخاض والمد والجزر أشعلت دولة الامارات العربية المتحدة شعلة الأمل في صفوف الدول العربية بإعلانها الحياد الكربوني في أفق 2050.

قمة غلاسكو مؤتمر القادة لتسريع الحياد الكربوني
إنه الاختبار الأول لتنفيذ اتفاق باريس الذي تم تبنيه في عام 2015، وينص هذا على أن تقدم الدول مساهمات مناخية جديدة كل خمس سنوات، وسيحدث الموعد النهائي الأول لتغيير هذا الطموح خلال قمة المناخ المقبلة، وكان قد اعترف ألوك شارما رئيس المؤتمر القبلي للمناخ الذي عقد الأسبوع الماضي في ميلانو: “لا أقلل من حجم العمل المطلوب”، وأضاف: “اتفق الجميع على أن غلاسكو من المرجح أن تكون لحظة رئيسية في تحديد الطموحات للعقد القادم، كان هناك إجماع على أننا بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لجعل من الممكن الحد من درجة الحرارة إلى + 1.5 درجة مئوية”، واعتبارا من 31 يوليوز الموعد النهائي الذي حددته الأمم المتحدة كان قد قدم 113 طرفا فقط من أصل 191 طرفا صادقوا على اتفاقية باريس مساهماتهم المحددة وطنيا، يشمل المشتركون الغائبون مصادر انبعاث كبيرة لثاني أكسيد الكربون مثل الصين والهند وتركيا والمملكة العربية السعودية، تقودنا الالتزامات الحالية إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن وفقا لآخر تقييم للأمم المتحدة، بينما تم تقديم التزامات جديدة مع بداية الموسم الجديد وهكذا وعدت تركيا بالتصديق على اتفاق باريس في غضون شهر، والصين التي تعهدت بالفعل بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060 وذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030 تؤكد أنها لن تبني محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج، بينما لا يزال دور الصين غير واضح حيث لم تترجم الدولة على اعتبارها أنها تبقى أكبر جهة إصدار في العالم، التزاماتها إلى مساهمات وطنية جديدة ولم تؤكد وجود رئيسها شي جين بينغ في قمة المناخ المقبلة، بالإضافة إلى ذلك تساعد قضية الغواصات النووية الأمريكية المباعة لأستراليين في زيادة تجميد ديبلوماسية المناخ بين واشنطن وبكين، كما تهدد جائحة كوفيد 19بتعريض نزاهة المفاوضات للخطر بينما يتم التشكيك في تمثيل أقل البلدان نموا، بينما يبقى السؤال الأهم والحاسم المتمثل في التمويل بين الشمال والجنوب حيث كان من المفترض أن يصلوا إلى 100 مليار دولار سنويا بحلول عام 2020 حيث في عام 2019 كنا بعيدين عن ذلك حيث تم تعبئة 79.6 مليار دولار، لكن الولايات المتحدة تعهدت بمضاعفة جهودها، فبالإضافة إلى زيادة طموح المناخ والتمويل سيتعين على الدول أن تجد اتفاقا بشأن الموضوعات التي تركت معلقة على هامش قمة مدريد للمناخ التي اعتبرها الخبراء قمة للنسيان بسبب عدم وجود توافق في الآراء في الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر الأطراف الأخير في مدريد في عام 2019 بالإضافة الى وضع قواعد تشغيل جديدة لأسواق الكربون، والانتهاء من إطار الشفافية للإبلاغ عن المناخ والتكيف مع تغير المناخ، فغالبا ما ينسى الموضوع الأخير لصالح خفض الانبعاثات عندما تكون تأثيرات الاحتباس الحراري محسوسة بالفعل في جميع أنحاء الكوكب.

قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة مساهماتها المحددة وطنيا متعهدة بخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 23.5 في المائة في أفق عام 2030، وهو هدف لا يعكس طموحات الامارات في العمل المناخي فقط، بل يؤكد تصميم دولة الامارات على وضع مبدأ “الاستدامة” في قلب مرحلة التعافي من الأزمة الاقتصادية التي خلقها وباء كوفيد19، أما المغرب البلد الرائد مناخيا فكان قد تعهد في شهر يونيو الماضي بخفض انبعاثاته من الغازات الدفيئة بنسبة 45.5 في المائة وهي نسبة جد مهمة تبرز الطموح المغربي الكبير في تنزيل أهداف اتفاق باريس.
ومن أجل حماية المنظومات البيئية الهشة الساحلية منها والجبلية والواحات، آخذا بعين الاعتبار اتفاق باريس التاريخي للمناخ تم تحديث المساهمات المحددة وطنيا في المغرب كجزء من نهج تشارك رفع المغرب شهر يونيو الماضي من درجة طموحه المناخي بعدما كانت المملكة المغربية قد التزمت قبيل تنظيم المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف حول المناخ في مراكش بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030، بنسبة 42٪ والتي كان هدفها غير المشروط 17٪، مع تنزيل أهداف تكيف استراتيجية لقطاعات المياه والزراعة ومصايد الأسماك وتربية الأسماك والغابات وتخطيط استخدام الأراضي والإدارة الحضرية والصحة، ويغطي مشروع المساهمات المحددة وطنيا 61 مشروعا لتخفيف حدة التغيرات المناخية، 27 منها مشروطة بدعم دولي، هذه المشاريع التي تغطي سبعة قطاعات حيوية واستراتيجية منها قطاع الطاقة بما فيها إنتاج الكهرباء وقطاع الصناعة بما فيها إنتاج الفوسفاط والإسمنت، وقطاعات الإسكان والنقل والنفايات والفلاحة، بينما تتضمن المساهمة المحددة وطنيا المحدثة.

وعلى بعد أيام قليلة من انعقاد قمة المناخ في دورتها السادسة والعشرون بغلاسكو الاستكتلندية، تحتفل الدول العربية يوم الخميس 14 أكتوبر 2021 باليوم العربي للبيئة، احتفال يتسم هذه السنة بطعم الطموح والنجاح والرفع من الإيقاع المناخي العربي، فبعد الريادة التي يعرفها المغرب على الصعيدين العربي والإفريقي في مواجهة تحديات التغيرات المناخية وبمؤشرات جد إيجابية، تأتي المبادرة الرائدة التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة على اعتبار أنها من أكبر مصدري النفط في العالم، مبادرة استراتيجية بطعم عربي أيام قلائل قبيل انعقاد مؤتمر الأطراف حول المناخ نهاية الشهر الجاري، تهدف إلى الحياد الكربوني في أفق 2050، مبادرة ستكون محفزة لجارات الإمارات من دول الخليج المنتجة للمحروقات، على اعتبار أن هذه الدول العربية تسجل واحدا من أعلى مستويات انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عبر العالم، بالإضافة الى غازات أخرى تزيد وتيرة تغير المناخ العالمي، بينما بات عام 2050 هدفا رئيسيا للعديد من الدول في مقدمتها اليابان، كندا، والولايات المتحدة الأمريكية، بعدما كان الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة قد تعهدا بتطبيق الحياد الكربوني في أفق عام 2050، أما الصين البلد الأكثر تلويثا عبر العالم فقد اعتمد الحياد الكربوني في أفق 2060، ويؤكد ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن دولة الامارات تبقى: «أول دولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي»، ويضيف أن: ”هذه المبادرة تأتي انسجاما مع متطلبات اتفاق باريس للمناخ المبرم عام 2015 تعزز منظومة الإمارات الحيوية لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وتؤثر إيجابيا على الناتج المحلي الإجمالي، وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة على غرار المملكة العربية السعودية وقطر والكويت من أكبر البلدان المنتجة للمحروقات بينما يؤدي نمط عيش سكان الإمارات إلى انبعاثات كربونية عالية ناجمة عن استخدام واسع للسيارات رباعية الدفع والاعتماد الكثيف على مكيفات الهواء، رغم ذلك تسعى دولة الإمارات إلى أن تكون أول دولة خليجية تحقق الحياد الكربوني بل أول دولة عربية تسعى للخفض من انبعاثات الغازات الدفيئة عبر تنزيل اتفاق باريس التاريخي، ويعتبر الرابع عشر من أكتوبر عيدا عربيا تحتفل فيه الأقطار العربية بأهم المنجزات التي تحققت وتقف عند التحديات التي تواجهها في وقت بات لتغير المناخ آثارا سلبية على الموروث الطبيعي في بلداننا العربية من آسيا إلى شمال أفريقيا، عيد عربي تم إقراره يوم اجتمع فيه وزراء البيئة العرب في العاصمة التونسية منذ 35 سنة مضت.

المغرب رائد المناخ بامتياز
وبفضل الإرادة القوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده تمكن المغرب من الانخراط في سياسة بيئية واضحة تروم تحقيق التناغم بين السياسات العمومية والتزاماته المناخية العالمية وعلى أعلى المستويات، سياسة رائدة ترمي إلى تطبيق المغرب لالتزاماته في مجال أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث بفضل تظافر جهود الجميع من فاعلين ترابيين و جمعيات المجتمع المدني نجح المغرب في تحقيق تقدم ملموس في تنزيل الأهداف السبعة عشر، ويبقى كسب المغرب لرهان تذويب أهداف التنمية المستدامة في المخططات الوطنية والاستراتيجيات البيئية والتنموية رهين بانخراط والتزام جميع الفاعلين على أساس تضامن وثيق وبناء، مما سيساهم في الحفاظ على كوكب الأرض وضمان موارده لأجيال المستقبل، وكان المغرب سباقا في تقديم المشاريع على المستوى العربي والدولي فيما يخص البيئة و التنمية المستدامة، إذ أنه قبل الإعلان الأممي سنة 2015 عن برنامج أهداف التنمية المستدامة 2030، اعتمد المغرب مفهوم التنمية المستدامة في استراتيجياته التنموية عبر تعزيز التوازن بين أبعادها الأربعة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك بهدف تحسين نوعية إطار عيش المواطنين، وتعزيز التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تحترم البيئة، وتماشيا مع التزاماته الدولية في إطار قمة الأرض المنعقدة عام 1992 في ريو دي جانيرو وقمة جوهانسبورغ أو قمة ريو+10 المنعقدة عام 2002، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، حيث وضع المغرب الأسس اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال عدة إصلاحات في المجالات السياسية والمؤسساتية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وقد تعزز هذا المسلسل باعتماد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي تم إعداده تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2009، ولقد تم تفعيل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة من خلال ظهير شريف رقم 1.14.09 صادر في 4 جمادى الأولى 1435 (6 مارس 2014) بتنفيذ القانون الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة.

ولقد تعزز انخراط المغرب على مسار تسريع تنزيل أهداف التنمية المستدامة من خلال اعتماد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 من طرف المجلس الوزاري تحت الرئاسة الفعلية للملك محمد السادس يوم 25 يونيو 2017، هذه الاستراتيجية التي تم إعدادها بتشاور مع كل الفعاليات الوطنية من سلطات عمومية، وقطاع خاص، وممثلي المجتمع المدني على مرجعية واضحة دستوريا وقانونيا، استراتيجية اعتبرها الخبراء آلية ناجعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، وفي هذا الصدد، وبالنظر إلى الطابع الأفقي للتنمية المستدامة، فإن الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة عملت بالضرورة على وضع إطار إستراتيجي للتحسين المستمر في إطار نظرة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الإستراتيجيات القطاعية الفرعية والتي تم الشروع في إنجازها وأجرأتها والعمل بها على المستوى الجهوي، كالإستراتيجية الوطنية للماء، والإستراتيجية الطاقية، ومخطط المغرب الأخضر والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والميثاق الوطني الصناعي، استراتيجيات متقاطعة فيما بينها تعمل أيضا من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالمغرب، وهكذا فإن الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة تعمل عبر دراسة وتحليل الإستراتيجيات القطاعية من أجل ملاءمتها مع متطلبات التنمية المستدامة، نذكر منها : “مخطط المغرب الأخضر” الذي كان يهدف إلى الرفع من مردودية القطاع الفلاحي والحفاظ على أثره الاجتماعي، عبر مواكبة مستمرة للساكنة القروية بواسطة مشاريع التجميع والحفاظ على الموارد الطبيعية، من خلال الاقتصاد وتثمين الموارد المائية الفلاحية، والحد من تلوث التربة وتشجيع الطاقات النظيفة في الفلاحة، ثم “الإستراتيجية الطاقية” وأهدافها المتجلية في التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، من خلال تطوير مشاريع المرتبطة بالطاقات المتجددة، ثم “مخطط هاليوتيس للصيد البحري” وأهدافه المتجلية في حماية التنوع البيولوجي البحري وتجديد الثروة السمكية، ثم “رؤية 2020 للسياحة” وأهدافها البيئية، وخصوصا في تهيئة المركبات السياحية وتنفيذ الميثاق المغربي للسياحة المسئولة وتثمين العلامات الإيكولوجية للسياحة، “مخطط النجاعة الطاقية” ومساهماته البيئية كإنجاز المناطق الصناعية ذات “الإدارة الخضراء” وتشجيع الشهادة البيئية ISO 14001 لدى المقاولات، ثم “مخطط رواج لتنمية القطاع التجاري” والذي يعطي مكانة خاصة لتجارة القرب وحمايتها والذي يحد من الآثار البيئية للمباني التجارية وذلك عبر الاستعمال المعقلن للماء والطاقة وتدبير النفايات.

وعرف المغرب منذ أزيد من عقد من الزمن وضعية طاقية اتسمت بنمو مستدام للطلب الطاقي، حقق خلالها المغرب متوسط نسبة نمو سنوي تصل إلى 5,6 %، وقد زادت من حدة هذه الوضعية التبعية الطاقية القوية التي كانت تتجاوز 90% والفاتورة الطاقية التي تلقي بعبء ثقيل على التوازنات الاقتصادية والمالية للدولة، حيث بلغت هذه الفاتورة عشرات ملايين الدراهم درهم سنة 2018 ممثلة بذلك نسبة 1,17% من مجموع الواردات، وقد بلغ الاستهلاك الوطني من المنتجات البترولية 6,10 مليون طن ومن الغاز الطبيعي 16,1 مليار متر مكعب، أما الاستهلاك الطاقي النهائي فقد بلغ 6,13 مليون طن مقابل بترول بتزايد سنوي يناهز %4,4 منذ سنة 2004، في حين استأثرت المنتجات البترولية بنسبة 75 %من هذا الاستهلاك، وبلغت القدرات الانتاجية من الكهرباء بالمغرب 8300 ميغاوات، موزعة على التوالي ما بين الفحم الحجري 31% والوقود والديزل 10% والطاقة الكهرومائية 22% والغاز 8,25% والطاقة الهوائية 4,9%، وبهذا فإن قطاع الكهرباء يواجه صعوبة المحافظة على توازن العرض والطلب الذي يسجل سنويا نموا مستمرا يقدر بأكثر من %4، ومن أجل التصدي لهذه التحديات، حددت الاستراتيجية الوطنية للطاقة المعتمدة سنة 2009 مجموعة من الأهداف تتضمن بالأساس تأمين الإمداد والتزويد بالطاقة وإتاحة إمكانية الولوج والوصول إلى الطاقة على نطاق واسع وضبط الطلب الطاقي وتحفيز زيادة العرض من الطاقة والمحافظة على البيئة، وترتكز التوجهات الاستراتيجية بالأساس على التنويع الكهربائي والطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والتوازن ما بين الانتاج الوطني والواردات من الطاقة، هذا وقد تم الارتقاء بالنجاعة الطاقية منذ سنة 2009 إلى أولوية وطنية قصوى حيث تم تكريس هذه الإرادة بموجب القانون رقم 47.09 المتعلق بالنجاعة الطاقية الذي يرتكز تنفيذه بالأساس على مبادئ الأداء الطاقي ومتطلبات النجاعة الطاقية ودراسات التأثير والفحص الطاقي والمراقبة التقنية للنجاعة الطاقية.

الإمارات العربية المتحدة والجهود المبذولة للتخفيف من حدة تغير المناخ
لتعزيز مرونتها وقدراتها على مواجهة التغيرات المناخية، اتخذت دولة الامارات جهوداً حاسمة تتماشى مع الأهداف التي حددتها الخطة الوطنية لمواجهة التغيرات المناخية، في ظل تعرض منطقة الخليج العربي إلى تأثيرات تغير المناخ، حيث سبق أن طورت دولة الإمارات “البرنامج الوطني للتكيف مع التغير المناخي”، الذي يهدف إلى تعزيز مرونة كافة القطاعات مع تغير المناخ، وذلك من خلال تقليل المخاطر وتحسين القدرة على التكيف، ويتضمن البرنامج تقييم الخاطر ومدى التأثر بالتغيرات المناخية، واعتماد تدابير فورية منخفضة التكلفة، وإدماج خطط التكيف في سياسة التنمية، والرصد والتقييم المستمرين لضمان تنفيذ تدابير التكيف التي تستند إلى الأدلة، بالإضافة إلى الاهتمام بمكاملة خطط وأنشطة التكيف مع إطار “سينداي” للحد من مخاطر الكوارث وما تنطوي عليه من خسائر بشرية ومادية، ولهذا الغرض، أجرت الإمارات تقييما منهجيا وتشاركيا لمخاطر تداعيات التغير المناخي كأساس لتخطيط تدابير التكيف في أربعة قطاعات ذات أولوية هي: الطاقة، والبنية التحتية، والصحة، والبيئة، ويحدد إطار عمل تقييم المخاطر المناخية الآثار المحتملة لتغير المناخ في كل قطاع، ويقيم التأثيرات من حيث حجمها والقدرة على تحملها والتكيف معها كما يقيم المخاطر ويرتبها حسب الأولوية، وبالتالي يحدد تدابير التكيف، وبالتوازي مع التدابير التي يجري تنفيذها حاليا، يجري تطوير خطط تكيف قابلة للتنفيذ بالنسبة لكل قطاع للاستجابة للمخاطر المحددة ذات الأولوية العالية. وتشمل التدابير الجاري تنفيذها والمخطط لها، إجراءات حماية مادية مثل الهياكل الهندسية، والأنظمة التكنولوجية والأصول القائمة، ومبادرات إدارة المخاطر التي تغطي اللوائح التنظيمية والآليات المالية وأنظمة الإنذار المبكر، وتنمية المعرفة بما في ذلك جمع البيانات والبحوث وبناء القدرات، والعوامل التمكينية التي تشمل السياسات الأوسع، التي قد لا تستهدف التكيف بشكل مباشر، ولكنها لتعزيز القدرات الوطنية في مجال التأمين ضد مخاطر المناخ بالتعاون مع القطاع الخاص.

تغير المناخ يسرع بتهديد الأمن المائي بالدول العربية
فيما يتعلق بالموارد المائية، تشير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن مليار وسبعمائة مليون شخص اليوم أي ثلث سكان العالم يعيشون في مناطق حيث إن وفرة الموارد المائية مهددة حيث يتم استغلال أكثر من 20٪ من التدفق وهي عتبة تستخدم عادة كمؤشر للإجهاد المائي، ومن بينها يعاني حوالي 450 مليون شخص من نقص شديد في المياه، ويمكن أن يصل هذا العدد عام 2025 إلى 5 مليارات فرد، اعتمادا على السيناريوهات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تم النظر فيها، والتي أظهرت أنها المحددات الرئيسية للإجهاد المائي لهذا الأفق الزمني، قبل تغير المناخ بفارق كبير، فبالنسبة للبلدان المغاربية، التي تعاني كلها حاليا من تبعات تغير المناخ، يمكن للنمو الديموغرافي القوي والتطور الفوضوي للمراكز الحضرية أن يدفع توافر المياه السنوي للفرد إلى ما دون عتبة الندرة المحددة في 500 متر مكعب في السنة، ومع ذلك يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الوضع في عدد من المناطق، ولاسيما آسيا الوسطى وجنوب أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط.
أما على الصعيد العالمي فإن تقييم المسار السريع العالمي تقييما متكاملا لعواقب تغير المناخ على الأمن الغذائي ووفرة المياه وخطر الفيضانات في المناطق الساحلية و انتشار الملاريا، يشير بالتالي إلى أن مخاطر نقص المياه تتزايد بشكل كبير: بالنسبة لمتوسط الاحترار العالمي درجتين مئويتين في أفق عام 2050، فإن عدد الأفراد الذين تتعرض إمدادات المياه لديهم للتهديد يصل تقريبا الى مليارين وخمسمائة مليون شخص نتيجة لتغير المناخ، أما في بأوروبا يؤكد التقرير زيادة مخاطر الندرة والجفاف في الجنوب مع نمو الطلب وزيادة التبخر خلال فترة الصيف في ظل التأثير المشترك لانخفاض هطول الأمطار، مع زيادة في التباين بين السنوات، وقبل كل شيء في ارتفاع درجات الحرارة، ومخاطر سوء إدارة المورد، والتي تتفاقم بسبب هوامش عدم اليقين الكبيرة جدا، وبالمثل في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، حيث يمكن أن تزداد مخاطر الجفاف المزمن، وأخيرا لابد أن نشير إلى تأثير التراجع المحتمل للأنهار الجليدية الجبلية تحت تأثير تغير المناخ مع عواقب وخيمة، على سبيل المثال في دولة البيرو حيث تلعب دور الخزانات المائية للسكان المتركزين على الشريط الساحلي بمناخ جاف في الصيف ومتغير جدا أيضا بسبب ظاهرة النينيو المناخية المتطرفة، وتبقى الأحداث المتطرفة هي إحدى القنوات الرئيسية التي يتفاعل من خلالها المناخ والاقتصاد، ووفقا لشركات إعادة التأمين فإنها تؤثر على أكثر من مليون شخص كل عام وهي مسؤولة عن عدد كبير من الضحايا، كما يشتبه في أنها تمثل عقبات رئيسية في التنمية الاقتصادية لأفقر البلدان، لأنها تدمر البنية التحتية اللازمة لهذه البلدان، هذا ما دفع رئيس وزراء هندوراس إلى القول: “إن إعصار ميشيل أعاد التنمية الاقتصادية للبلاد عشرين عاما إلى الوراء”.

التزام المغرب الدائم باستعادة النظم الايكولوجية الهشة
لقد عبر المغرب دائما عن التزامه الكبير في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وذلك من خلال توقيعه على جل الاتفاقيات المتعددة الأطراف حول البيئة وعزمه الجاد على إدراج مقتضياتها في مختلف سياساته وبرامجه التنموية، وقد تجسد هذا الالتزام السياسي، على أعلى مستوى تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، من خلال إيلاء عناية كبيرة لحماية البيئة وجعلها ضمن الأولويات الوطنية. وفي هذا الإطار، تمت المصادقة على القانون الإطار 99-12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، وتنزيله من خلال إعداد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتي تم اعتمادها من طرف المجلس الوزاري المنعقد، بتاريخ 25 يونيو 2017، تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة، محمد السادس حفظه الله، والتي تشكل إطارا مرجعيا لكل البرامج القطاعية، وذلك بهدف تحقيق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر الدامج في أفق 2030، ففي إطار تفعيل مقتضيات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، نقوم بعدة إجراءات مهيكلة لرفع التحديات وكسب الرهانات المرتبطة بحماية البيئة وتثمين الموارد الطبيعية، ومواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، وتحسين الإطار البيئي لعيش المواطن.
وهكذا، وعلاقة بالحكامة البيئية، تم إحداث عدة لجن تهم تتبع ومواكبة أهداف التنمية المستدامة، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي والساحل، كما تم إعداد 28 مخططا قطاعيا للتنمية المستدامة بالإضافة إلى مخطط أفقي يتعلق بمثالية الإدارة، أما الإطار القانوني فتتم تقويته من خلال إصدار مجموعة من القوانين، كقانون الساحل وقانون التقييم البيئي،والشروع في إعداد قوانين أخرى، مثل مشروع قانون بمثابة مدونة للبيئة، ومقترح القانون المتعلق بالمناخ، ومشروع القانون المتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، إضافة إلى إطلاق مسلسل مراجعة القانون المتعلق بتدبير النفايات، كما تم تعزيز المراقبة البيئية والتنسيق مع الهيئات المعنية في هذا الشأن، وتقوية أجهزة الرصد واليقظة البيئية.

ومن أجل تعزيز المحافظة على البيئة على المستوى الوطني، تساهم الوزارة في إنجاز عدة برامج تهم التأهيل البيئي نذكر منها على سبيل المثال البرنامج الوطنـــــــــــي لتدبير النفايـــــــــــــات المنزليـــــــــــة والمماثلـــــــــــة لها، الذي مكن من رفع نسبة جمع النفايات المنزلية حاليا إلى 95% ونسبة طمر النفايات بالمطارح المراقبة إلى 63 %؛ والبرنامج الوطني لتثمين النفايات، الذي مكن من وضع ستة منظومات لتثمين النفايات في إطار الشراكة مع القطاع الخاص، تهم البطاريات المستعملة، والزيوت الغذائية المستعملة والدهون الحيوانية، والزيوت الصناعية المستعملة، ونفايات الورق والكارتون، والعجلات المستعملة ؛ ثم البرنامج الوطني للوقاية ومكافحة التلوث ؛ وبرنامج التدبير المندمج للساحل، كما أن المغرب يعد بلدا رائـدا فـي مكافحـة تغيـر المناخ، سـواء مـن خـلال اعتمـاد سياسـة مناخيـة مـن أجـل تنميـة منخفضـة الكربـون ومتكيفـة مـع تأثيـرات تغيـر المناخ، أومـن خـلال مشـاركته المميزة فـي التظاهـرات العالمية، أو عـن طريـق تنظيـم بعضهـا علـى أراضيـه، وكـذا عبـر إحـداث هيـاكل وطنيـة متخصصـة، مثـل مركـز كفـاءات التغيـر المناخي فـي المغرب.
من جهة أخرى، تم تحقيق تقدم ملحوظ في مجال دمج الاستدامة في القطاعات الأساسية للتنمية كالطاقة والنقل والصناعة وغيرها، وفي هذا الإطار، وبالنظر للدور الكبير الذي يلعبه قطاع الطاقة لتحقيق أهداف الاستدامة، تبنى المغرب استراتيجية طاقية وطنية تهدف إلى تثمين الموارد الطاقية المتجددة، وتعزيز النجاعة الطاقية والاندماج الجهوي، وحددت هذه الاستراتيجية بتوجيهات ملكية سامية أهداف جد طموحة في مجال تطوير الطاقات المتجددة، من خلال رفع مساهمتها في إجمالي الطاقة الكهربائية المثبتة إلى52 % في أفق 2030، والتي تبلغ حاليا حوالي 37 % من الحجم الإجمالي المثبت أي حوالي 4000 ميغاوات، بالإضافة إلى ذلك، فقد تم إطلاق أوراش جديدة للبحث عن مصادر أخرى للطاقة المستدامة، من خلال برنامج التثمين الطاقي للكتلة الإحيائية، والبرنامج المندمج لمواكبة مصانع تحلية مياه البحر بالطاقات المتجددة، وإعداد خارطة طريق لتطوير الطاقة البحرية. كما يطمح المغرب إلى أن يصبح فاعلا أساسيا في مجال الطاقة الهيدروجينية، وقد تمت مواكبة هذه الاستراتيجية بمجموعة من الإصلاحات التشريعية تهم بالأساس الإنتاج الذاتي للطاقة لتشجيع الاستثمارات في هذا الميدان، وتحسين ولوج هذه المشاريع لمصادر التمويل، من خلال برامج مهيكلة ومندمجة بالإضافة إلى تشجيع البحث والابتكار بحيث تم في هذا الإطار، برمجة إنجاز مركب خاص بالبحث والتنمية في مجال البنايات الخضراء والنجاعة الطاقية والشبكات الذكية، وقد تمكن المغرب بفضل هذه السياسة الطاقية المستدامة، من رفع سقف طموحاتنا في مجال تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة في إطار اتفاق باريس من خلال تحديد هدف جديد في المساهمة المحددة وطنيا يفوق 46 % في أفق 2030.
أما على مستوى اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ، فقد تم اعتماد مقاربــة مندمجة تروم المساهمة في الحفاظ على البيئة وتثمينها مــن خــلال لعب دور محوري في التعــاون الثنائي والمتعــدد الأطراف، وهكذا تمت تعبئة ما يناهز 228 مليون دولار في إطار التعاون الدولي خلال الأربع سنوات الماضية عبر تمويلات الصندوق الأخضر للمناخ وصندوق البيئة العالمي وعبر آلية التعاون الثنائي من أجل تمويل وتنفيذ ما يزيد عن 30 مشروع في مجال البيئة والتنمية المستدامة، وقد مكنت هذه المجهودات من أن يتبوأ المغرب دوراً ريادياً على المستوى الجهوي والعالمي بحيث يحتل المغرب المراكز الأولى في مجموعة من التقارير الدولية نذكر منها تصنيــف المغرب في الرتبة الرابعة عالميا حسب مؤشــر الأداء المناخي لسنة 2021.

وتسعى المملكة المغربية الى تحقيق التنمية المستدامة من خلال تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي تشكل ورشا استراتيجيا بهدف دمج الاستدامة في كل السياسات العمومية القطاعية وضمان الانتقال إلى اقتصاد أخضر وشامل، وفي هذا الإطار ستتم متابعة تعزيز المنجزات المحققة سواء على مستوى الحكامة البيئية وبالخصوص من خلال تعزيز اللامركزية، أو على المستوى القانوني من خلال تحيين وتجديد النصوص القانونية، أو على مستوى تعزيز نظام اليقظة البيئية من خلال تطوير آليات التتبع والتقييم والوقاية، أو على مستوى تنمية الآليات الاقتصادية والمالية بهدف جلب موارد مالية إضافية، ثم على مستوى متابعة تنفيذ برامج لحماية واستصلاح البيئة وتثمين الموارد والأوساط الطبيعية، وفي هذا الإطار، تم إعداد مجموعة من البرامج البيئية الموضوعية ذات الأولوية في أفق 2030،سيتم تنفيذها بالتشاور مع الجهات الفاعلة المعنية لتعزيز التنسيق والملائمة مع أهداف التنمية المستدامة وهي البرنامج المندمج للرصد والحراسة والمراقبة الذي يهدف إلى تعزيز نظام اليقظة البيئية من خلال دعم آليات المساعدة في اتخاذ القرار خاصة الأنظمة المعلوماتية والتقارير البيئية، وتقوية شبكات الرصد، وتعزيز المراقبة البيئية ووسائل الامتثال للقوانين؛ وبرنامج حماية وتعزيز الأوساط الطبيعية الذي يهدف إلى تعزيز تكيف الأوساط الطبيعية، والحد من الضغوط التي تعاني منها، وتشجيع التثمين الاقتصادي والاجتماعي؛ وبرنامج محاربة التلوث والذي يهدف إلى الحد من الأذى المرتبطة بأنواع مختلفة من الملوثات، وبالخصوص بالمناطق الصناعية، من خلال تعبئة الفاعلين المعنيين، ووضع إجراءات تحفيزية؛ وبرنامج رصد جودة الهواء الذي يهدف إلى تعميم شبكة الرصد على كل التراب الوطني، بهدف إبلاغ السلطات المحلية وأصحاب القرار من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة تلوث الهواء؛ وبرنامج تدبير النفايات، والذي يهدف إلى تقليص الأذى المرتبط بالمطارح العشوائية والنقط السوداء وتحسين إطار عيش المواطنين. كما يهدف إلى تعزيز الإجراءات المتعلقة بتقليص النفايات في المصدر، وفرز وتثمين النفايات في إطار مقاربة مندمجة للاقتصاد الدائري بشراكة مع الإدارات المعنية والمهنيين.
المغرب اليوم هو في حاجة إلى بناء مواطن واع بمفاهيم تغير المناخ ومدرك للتهديدات التي تواجه كوكب الارض، فالتوعية والتربية على البيئة والمناخ والتنمية المستدامة تشكل محاور أساسية من أجل المساهمة في خلق تعبئة عامة حول قضايا البيئة والمناخ، ولترسيخ ثقافة بيئية لدى كافة مكونات المجتمع، تقوم على التحسيس بأهمية المكونات البيئية وبهشاشتها اتجاه التغيرات المناخية واتجاه الضغوط التي تتعرض لها، وأيضا بالبرامج والمنجزات التي يتم تحقيقها، وكذا بالواجبات التي يتحتم الالتزام بها، بالاستعانة في ذلك بكل الوسائل من ضمنها الوسائل السمعية البصرية والمكتوبة والإلكترونية وغيرها، وتندرج هذه البرامج في إطار تفعيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة التي تتضمن رهانا يتعلق بالنهوض بثقافة التنمية المستدامة، كما أن تقوية المواطنة البيئية يعد أكبر الأولويات التي ترتكز عليها الاستراتيجية المذكورة.

وفي الأخير تعتبر التنمية المستدامة خيارا استراتيجيا التزمت المملكة المغربية بمبادئه منذ سنة 1992 ومن خلال المسار الذي تم قطعه منذ ذلك الحين في هذا المجال، تتضح مدى أهمية التراكمات التي حققها المغرب في هذا المجال والتي تجعله يحقق الريادة على المستوى القاري بل حتى على المستوى العالمي، إن المكتسبات الكبيرة التي تحققت في مجال حماية البيئة والمناخ والتنمية المستدامة خلال العشرين سنة الأخيرة، والتي توجت بتنظيم المغرب للدورة 22 من مؤتمر الأطراف حول المناخ بمراكش سنة 2016، تجعل بلادنا قدوة للعديد من البلدان، وتمكنه من وضع تجربته وخبرته رهن إشارتها في إطار التعاون جنوب-جنوب الذي يشكل محورا أساسيا في استراتيجية التعاون الدولي لبلادنا وبالخصوص اتجاه القارة الإفريقية. وفي هذا الصدد، وفي إطار دعم وتعزيز القدرات بالبلدان الإفريقية الصديقة والشقيقة، فقد انخرط المغرب في مسلسل لدعم اللجان الثلاثة المنبثقة عن القمة الأفريقية حول المناخ المنعقدة بمراكش سنة 2016 على هامش مؤتمر المناخ في نسخته الثانية والعشرون بمبادرة من جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ولاسيما لجنة المناخ بحوض الكونغو قصد تفعيل الصندوق الأزرق لحوض الكونغو، وكذا لجنة المناخ لمنطقة الساحل بدعم من مركز كفـاءات التغيـر المناخي فـي المغرب، كما أن المغرب، وانطلاقا من تجربته الاستباقية في مجال التغير المناخي، أطلق العديد من المبادرات القارية كمبادرة التكيف للفلاحة الإفريقية مع آثار التغير المناخي و مبادرة الاستدامة والأمن والاستقرار في إفريقيا، بشراكة مع السينغال، التي تهدف إلى تقليص آثار مخاطر الكوارث المرتبطة بالتغير المناخي، وتعزيز القدرة على الصمود وتحسين دخل السكان المعنيين بالقارة الأفريقية، ومبادرة “المياه من أجل أفريقيا”، التي تم إطلاقها بدعم من بنك التنمية الأفريقي لتعبئة التمويل لمشاريع الأمن المائي الهيكلية، إضافة إلى مبادرة “الحزام الأزرق”، التي تهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات الساحلية على الصمود والصيد المستدام وأنشطة تربية الأحياء المائية، والمبادرة التي تم إطلاقها بشكل مشترك مع إثيوبيا بمناسبة قمة الأمم المتحدة للمناخ التي نظمت بنيويورك في شتنبر 2019 ، والتي تهدف إلى ضمان حصول 100٪ من البلدان الأقل نموا على الطاقة بحلول سنة 2030، من جهة أخرى، يقوم المغرب بتنفيذ برنامج لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية الصديقة التي تم توقيع اتفاقيات معها وذلك من أجل دعم القدرات وتبادل التجارب والخبرات في مختلف مجالات البيئة بما في ذلك التقييم البيئي وتدبير الموارد الطبيعية ومكافحة تلوث الهواء، وتدبير وتثمين النفايات والمواد الكيميائية، ومكافحة التلوث الصناعي، والتدبير المندمج للمناطق الساحلية، والحكامة البيئية، وتدبير المعلومات البيئية وغيرها.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

البيئات العمرانية كقطاع حيوي لتحقيق طموحات الحياد المناخي

يلقي الضوء عليها “مجلس الإمارات للأبنية الخضراء” في إطار مؤتمر الأطراف COP28 شبكة بيئة ابوظبي، …