الترشيد ركيزة أساسية لاستدامة الأمن الغذائي والمائي

خبراء الاقتصاد والمياه والاستهلاك لـ «الاتحاد»:
أكد خبراء في الاقتصاد والمياه والاستهلاك، أن سلوكيات الإسراف وعدم ترشيد استهلاك المياه والغذاء، تُعد واحدة من أهم التحديات التي تواجه الدولة في تركيزها على ملف الأمن الغذائي والمائي لمرحلة ما بعد جائحة «كوفيد 19»، الأمر الذي يلزم جميع أفراد المجتمع بالمساهمة في تنفيذ توجهات الدولة الخاصة بهذا الشأن، وتحمل مسؤولياتهم المجتمعية في الابتعاد عن سلوكيات الإسراف في الأغذية والمياه، وذلك عبر اتباع أساليب خاصة بترشيد استهلاكهما.
وأشاروا إلى أن تأكيدات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال الاجتماع الذي عقده سموه، أمس، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، للاطلاع على خطة العمل الرامية إلى تعزيز الأمن الغذائي والمائي في الإمارات، على خلفية التشكيل الوزاري للحكومة لمرحلة ما بعد جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، تصب في هذا الاتجاه، حين قال سموه: «أمننا الغذائي والمائي جزء من أمننا الوطني.. واستدامة مواردنا الغذائية والمائية ضمان لاستدامة التنمية في بلدنا»، مضيفاً سموه: «الحفاظ على منظومة الرفاه الإماراتية يتطلب منا جميعاً ترسيخ وعي وطني بأهمية حشد الموارد والإمكانات والجهود لخلق منظومة اكتفاء ذاتي متكاملة»، تحمل في طياتها العديد من المعاني السامية، ومنها مسألة حث أفراد المجتمع على مجابهة التحديات التي تواجه منظومة الأمن الغذائي والمائي، وذلك عبر الابتعاد عن سلوكيات الإسراف التي حذر منها ديننا الإسلامي الحنيف، وترشيد استهلاك الموارد المائية والغذائية التي تنعم بها دولة الإمارات.
ولفت الخبراء إلى ضرورة قيام كل أفراد المجتمع، خلال الفترة المقبلة ولاسيما لمرحلة ما بعد كورونا، بإثبات دورهم من واقع مسؤوليتهم تجاه دولة الإمارات التي وفرت لهم سبل العيش الكريم كافة، في دعم ملف الأمن الغذائي والمائي، من خلال مساهمتهم في المحافظة على الأغذية والمياه من الهدر، والمشاركة في إيجاد حلول عملية لمنع سلوكيات الإسراف في مناحي حياتهم اليومية كافة.
وأكدوا أن تركيز الأفراد في سلوكياتهم اليومية على ترشيد استهلاك المياه والغذاء، يحقق الهدف بالوصول إلى معدلات منخفضة من الاستهلاك، بمشاركة مؤسسات الدولة المختصة بالأمن الغذائي والمائي، حيث إنها تلعب دوراً مهماً في تقديم سبل التوعية والتثقيف المجتمعي بما يخدم في نهاية المطاف تنفيذ توجه الدولة الاستراتيجي المتمثل في ضمان الاستقرار لسبل التنمية كافة التي تشهدها دولة الإمارات.
وأوضحوا أنه بالتوازي مع إشراك الأفراد في ترشيد الاستهلاك، يتوجب على تلك الجهات لجم تحديات هدر المياه والغذاء، وذلك من خلال بث رسائل توعية وتثقيف لهم، حول أهمية عدم الإسراف في موارد الدولة التي تنعم بها، والعمل على توفير حلول مبتكرة للحد من سلوكيات الإسراف التي يمارسها البعض، بما ينعكس إيجاباً على تحقيق الاستدامة في الغذاء والمياه.
وبيّنوا أن تركيز الإمارات على ملف الأمن الغذائي والمائي، لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة حتمية لإيلاء الدولة منذ سنوات، اهتماماً كبيراً بهذا الملف الحيوي، وازداد هذا الاهتمام مع ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» التي حدّت من حركات استيراد وتصدير الأغذية في دول العالم أجمع، إذ تكرّس حكومة الإمارات جهودها في هذا الشأن، بغية تحقيق الأمن الغذائي والمائي المرتكز على تمكين جميع المواطنين والمقيمين في الدولة من الحصول على غذاء صحي وآمن وكافٍ وذي قيمة غذائية مناسبة، لضمان حياة نشطة وصحية بأسعار مقبولة في جميع الأوقات، بما في ذلك حالات الطوارئ والأزمات.
خليل عمار: توظيف التكنولوجيات
أكّد خليل عمار، خبير المياه في المركز الدولي للزراعة الملحية «إكبا»، أهمية ابتعاد الأفراد عن سلوكيات الإسراف في استهلاك المياه والغذاء، لأن لهما الدور الأبرز في المحافظة على مجالات التنمية كافة التي تشهدها الدولة، ومنها المجال الغذائي والمائي على وجه التحديد.
وأكد عمار ضرورة مشاركة فئة المزارعين، لكونها تُعد واحدة من فئات المجتمع المعنية بتوجهات دولة الإمارات الخاصة بتعميق ثقافة عدم الإسراف، إذ يتوجب عليها الاهتمام بمسألة توظيف التكنولوجيا في ترشيد استهلاك المياه خلال زراعة المحاصيل، باعتبارها واحدة من سلاسل الغذاء، كما أن عليها عدم الإسراف باستخدام المياه الجوفية المتوافرة في المزارع نظراً لكونها تشهد استدامة منخفضة.
وأضاف أن استخدام المزارعين التكنولوجيا المتقدمة وإجراء التحسينات على بعض أنواع التكنولوجيات المستخدمة في الزراعة، والتركيز على استخدام الطاقة البديلة، وغيرها من أنواع الطاقة في الزراعة، لها إيجابيات عدة، منها انخفاض استهلاك المياه وعدم هدرها، وبالتالي فإنّ استخدامها محفّز كبير لضمان تنمية الموارد الغذائية والمائية في الدولة.
وأشار إلى أنّ الدولة، ورغم إدراكها مشكلة قلة المياه التي تعانيها حال بعض الدول ذات الطبيعة الصحراوية، إلا أنها لم تستسلم للأمر الواقع، بل اجتهدت في تطبيق سياسة التنمية الزراعية من خلال إيجاد الحلول المفيدة لتلك المشكلة، وبدأت في البحث عن إنتاج سلاسل من المزروعات غير المستهلكة للمياه لتلبية احتياجات المجتمع، وقد أدى ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد، إلى الاهتمام أكثر بتطبيق سياسة الدولة، مؤكّداً أنه رغم إدراك حكومة دولة الإمارات ارتفاع السعر الاقتصادي لتوفير المياه المحلاة للمزارع لكونها إحدى الاحتياجات الرئيسية للزراعة، فإنها تسعى لتحقيق أهداف الحكومة المستقبلية المتمثلة في توفير منتجات عالية الجودة، وإنشاء صناعات جديدة مبنية على مخرجات الزراعة المحلية، والتوسع في استصلاح الأراضي الزراعية، وغيرها من الأهداف.
وأشار إلى أن تعزيز ثقافة عدم الإسراف لدى أفراد المجتمع، يعد خطوة استراتيجية لضمان التنمية الاقتصادية للدولة أولاً، ومن ثم أفراد المجتمع ثانياً، من خلال مساعدتهم على تبني سلوكيات خاصة بترشيد استهلاك موارد الدولة من أنواع عدة من المنتجات الغذائية والمائية، بما يتناسب مع البيئة المحلية ودرجات الحرارة.
عبدالحميد رضوان: سلوكيات الترشيد
وقال الدكتور عبدالحميد رضوان، مستشار اقتصادي: «إنّ مسألة إشراك الأفراد في الابتعاد عن سلوكيات الإسراف وترشيد استهلاك المياه والغذاء مهمة جداً، حيث يتوجب أن يقوموا بدورهم في المحافظة على الموارد المائية والغذائية للدولة»، مؤكداً أنّ قيامهم بواجبهم في هذا الشأن الحيوي على أتم وجه، يتطلب مساعدة الجهات الاتحادية والمحلية المختصة بالشؤون المائية والغذائية أيضاً، على تحقيق تلك الغاية عبر اتباع سلوكيات ترشيد الاستهلاك، ويتوجب عليها أن تقوم بإعداد دراسات استقصائية موائمة لترشيد الاستهلاك المائي والغذائي، وتحديد أهم الأنشطة التي تستهلك محور المياه أولاً، ومن ثم الغذاء ثانياً، نظراً لكون المياه تعد المصدر الرئيس لإنتاج الغذاء.
وأشار إلى وجوب إشراك المساهمين في الأنشطة المائية والغذائية، مثل المزارعين في عدم الإسراف والترشيد الاستهلاكي المتوافرة لهم، حيث يُعد توفير مورد المياه في المزارع، ليس مقتصراً على مساعدة المزارعين للنهوض بمهنتهم والاستمرار فيها فحسب، وإنما يتوجب عليهم المحافظة عليها من الإسراف خلال التركيز على زراعة محاصيل أقل حاجة للمياه، أو توظيف التقنيات الحديثة المفيدة لخفض إسراف المياه.
محمد المهيري
مسؤوليـة وطنية
أكد محمد خليفة بن عزير المهيري، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية المستهلك، أن الأمن الغذائي والمائي يشكل ركيزة أساسية في الحفاظ على الوطن والمجتمع، وأن أمن دولة الإمارات العربية المتحدة الغذائي والمائي، جزء رئيس من أمنها الوطني، وعامل أساسي في عملية التنمية ومسيرة النهضة الحضارية التي تشهدها البلاد.
وقال المهيري: إن الحفاظ على مصادر الغذاء والمياه، وترشيد الاستهلاك الغذائي والمائي من شأنه أن يعزز الأمن المجتمعي في الإمارات، التي تبذل كل جهدها من أجل توفير الحياة الكريمة لمواطنيها والقاطنين في ربوعها، انطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية والإنسانية.
وأشار المهيري إلى أن ترشيد الاستهلاك يعتبر سلوكاً حضارياً وطريقاً ننهله من ديننا الإسلامي الذي يعزز هذا المفهوم ويؤكد عليه، كما يمثل مسؤولية وطنية ووعياً اجتماعياً، من شأنه المحافظة أيضاً على المكتسبات والنجاحات الاقتصادية للبلاد، منوهاً في هذا المجال بالدور الذي تقوم به جمعية الإمارات لحماية المستهلك في التوعية بأهمية ترشيد الاستهلاك الغذائي، مؤكداً أن الحياة الكريمة التي توفرها الدولة لأبنائها والجاليات المقيمة على أرضها، تتطلب من الجميع الوعي الوطني والمساهمة في بذل كل المستطاع للحفاظ على اقتصادنا سليماً معافى. وأشار المهيري إلى خطورة الإسراف من دون أي معنى، وخاصة أن بلادنا نجحت في توفير وحشد كل الموارد والإمكانات من أجل إيجاد معادلة اكتفاء ذاتي، مما أهلها لكي تتبوأ مركزاً عالمياً للأمن الغذائي والذي يعد أحد الشروط المهمة لتماسك المجتمع واستمرار عملية التنمية المستدامة، لافتاً إلى أن الوعي الفردي من شأنه أن يصب في الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة في هذا المجال، ويسهم في الحفاظ على موارد دولة الإمارات ومكتسباتها الحضارية.

المصدر، جريدة الاتحاد، شروق عوض (دبي) 24 أغسطس 2020

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

إطلاق برنامج مشروع الزراعة المتجددة الهادف إلى تمكين الزراعة المقاومة لعوامل تغير المناخ

في منطقة الشرق الأوسط، شمال أفريقيا وتركيا يهدف البرنامج إلى دعم البحوث، العلوم والحلول القائمة …