ماجد اليوسف: أعمل على قصائد منتخبة للشيخ زايد

مشروع فني بخط “الثلث الجلي”
أعمل منذ فترة على مجموعة قصائد منتخبة للشيخ زايد بخط الثلث الجلي واحولها الى مادة رقمية وملفات الكترونية

من العراق والسعودية إلى بريطانيا ثم أميركا امتدّت رحلة الدراسة والتصميم والفنون، ومن الكتيّبات الصغيرة التي أهداها له والده بدأت تنمو موهبته الفنّية وترتبط بروح اللغة وخطوطها. أخذ ماجد اليوسف، الفنّان السعودي المتخصّص بالخطّ العربي، هذا الفنّ العريق نحو مجالاتٍ أرحب، فدمجه بالشعر، وتحديداً بقصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وفي ساعات المِعصم الألمانية الفخمة التي حملت كلمة «الإمارات»، وذلك في مئوية الشيخ زايد أيضاً، ونَحَت به أسماء كبار الزعماء العَرب.
تعمّق اليوسف في سيكولوجيا الخطّوط وبنائها وعمارتها النصّية طيلة سنوات عمله، واستنبط من التحوّلات التي مرّت بها نظرياته الخاصّة حول الأساليب الفنّية والهندسية لهذا الفنّ. فهو يرى الخطّوط بوصفها هندسةً وتصميماً، ويتعامل معها كمنتج فنّي قبل أن تكون نصوصاً وكلمات. أحرف اليوسف ومخطوطاته تشبه حركة الحياة، وتشكّل مركزاً تلتقي فيه وتتفاعل الأبجدية العربية، فتعطي انطباعاً بالأصالة والقوّة وبالقيمة التاريخية للخطّ العربي. «الاتّحاد الثقافي» التقى الفنّان ماجد اليوسف في مقرّ إقامته في دبي، وكان هذا الحوار الذي يضيء على تجربته.

* بدايةً.. الثُّلث الجلي هو خطّك الذي تُوقّع به أعمالك، بماذا يتميّز هذا الخطّ؟
– الثلث الجلي هو الأصعب بين أنواع الخطوط، فهو يحتاج إلى مهارات في الكتابة والرسم والتصميم، وتقييم الخطّ يكون عن طريق الإتقان، وهذا يحتاج إلى الكثير من الممارسة والتمرين، حاله حال العازف الموسيقي أو مصمّم المجوهرات، فيه جانب روحاني شخصي ويُمكن أن يُكتب بطريقةٍ صوفية.
الخطوط الأخرى لديها درجات من الحرّية، وفيها مرونة أكثر، لكنّ التحدّي في الجلي هو التراكيب، خطّه قوي وأحرفه أيضاً، وكلّ قطعةٍ من الحرف الواحد يمكن دراستها على حِدة، فهو مزيج من (الحروفية وفنّ الخطّ) وهذه ميزة غير موجودة بنفس الكثافة في الخطوط الأخرى.

كن فيكون – من أعمال المصمم ماجد اليوسف

* لكن لماذا اخترت العمل بالثلث الجلي تحديداً؟
– لسببين. الأوّل: لا أحبّ الكتابة كثيراً، لذلك لم أنجذب للنصوص الطويلة. الثاني: أحبّ أن أبني التراكيب الخاصّة بي، وهذا نابع من اهتمامي بالتصوير والرسم منذ الصِغر.

* تعمل حالياً على مشروعٍ نوعي، هو عبارة عن كتاب يضمّ قصائد مُنتخبة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، فما هي تفاصيل هذا العمل؟
هي تجربة عمل ثرية ومختلفة من دون شكّ، فأنا أعمل منذ فترة على مجموعة قصائد مُنتخبة لمؤسّس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، وكلّها بالشعر النبطي الذي يعتمد تشكيل الكلمات فيه على الكسرةِ والسكون إلى حدٍّ كبير مقارنةً بالعربية الفصحى. أخطّط هذه القصائد بالثلث الجلي، وأحوّلها إلى مادّةٍ رقمية (ديجيتال) وملفّاتٍ إلكترونية. والتحدّي في المشروع هو الوقت المحدود، فأنا أعمل 16 ساعة يومياً، والصعوبة تكمن في تركيب الكلمات كلّها على أسطر أيضاً، إذ يجب أن تكون موزونة وتراعي المساحات والفراغات، وعموماً فالعمل شارف على نهايته، والمجلّد سيصدر عن دار نشرٍ أميركية.
إلى جانب ذلك، أركّز حالياً على أعمالي في السعودية، فهي بيئة صاعدة وواعدة، وقد صمّمت حديثاً جدارية ثابتة في متحف الخيل الذي سيتمّ افتتاحه قريباً في الرياض، وذلك في إطار مشروع مع وزارة الثقافة وشركة إيطالية متخصصة في تصميم المتاحف، وأحضّر لمعرضين في المملكة أيضاً.

الحروف أشكال مُجرّدة
* في مئوية زايد أخذت الخطّ نحو الإكسسوار وتحديداً الساعات، كيف كان صدى هذه التجربة، أي المزج بين هذين العالَمين؟
يعجبني أن أمزج الخطّ بمنتجات التصميم، فاللغة البصرية التجريدية للخطّ تعتمد على أشكال الحروف من دون التركيز على القراءة، يعجبني شكل الحرف نفسه، فأثناء التعلّم واكتساب الخبرات نحاول أن ندرس الحروف كأشكال أكثر مما هي حروف أو كلمات. وعندما نخطّط الحروف المستقيمة والانحناءات وغيرها، نفكّر بالحروف كأشكالٍ مُجرّدة، وليست للقراءة فقط.
هذه الأشكال التي هي مقاطع من حروفٍ أو كلمات، رأيت أنّه يمكن إعادة تركيبها لتشبه الفنّ المعماري الحديث الذي تُستخدم فيه أشكالٌ حرّة متآلفة مع بعضها بعضاً وتحمل صفات جمالية خاصّة، والخطّ يحمل كلّ هذه الصفات، وخلال فترة البحث التقيت ضمن أسبوع الساعات في دبي، بمتخصّص في صناعة الساعات ألماني الجنسية، ومشغله يُنتج ساعاتٍ محدودة العدد وبحسب طلبات العملاء الخاصّة. وناقشنا الموضوع معاً، وبعد فترة جاءت مئويّة المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، فاقترح بالتعاون مع أحد شركائه المعنيّين الفكرة وتواصل معي. لقد شكّل التصميم تحدٍّياً كبيراً لي، أيّ أن أكتب كلمة في مساحةٍ ضيّقة جداً ومحدودة.

محبة مغفرة مودة- كلمات بحرف الميم

* نلاحظ أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هما من بين أكثر الدول حرصاً على إعادة إحياء الخطّ العربي، كيف ترى هذا الاهتمام؟
في الواقع جاء اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالخطّ، ليحفّز الخطّاطين عموماً للعودة إلى هذا الفنّ، ورأينا عدداً كبيراً من الخطّاطين العرب والأتراك والإيرانيّين وحتى من دولٍ أخرى في أوروبا وآسيا، يهتمّون بالمشاركة في الفعاليّات التي كانت تُقام في دولة الإمارات.
تركيا بدأت منذ الثمانينيات بإقامة مسابقات للخطّ، وإيران تواصل اهتمامها بهذا المجال، ولكن التأثير الذي أحدثه الدور النشيط للإمارات في هذا المجال كان كافياً لجذب اهتمام الجميع، وخصوصاً مع بداية الألفية. كما أنّ اهتمام المملكة العربية السعودية بشكلٍ خاصّ بالخطّ، وتخصيص عام للخطّ العربي، كان مبادرة نوعية ومهمّة جداً لأنّهم اعتبروها مهمّة وطنية. وفي السعودية معلوم أنه توجد قاعدة كبيرة من الخطّاطين الشباب الذين هم في بداية الطريق، وعام الخطّ العربي شكّل فرصةً لهم للاطّلاع على حركة هذا الفنّ، وللتواصل مع الخطّاطين الكِبار في المملكة، وهذا عامل سيساعد من دون شكّ على إعادة إحياء الخطّ العربي.

* في لوحاتك عمق وتعقيد وتداخل حروفي، كيف وصلت إلى هذه التركيبة في الخطّ؟
عند دراستي لتاريخ الفنّ التشكيلي جذبتني التطوّرات التي حصلت للفنّ في أوروبا والحركات الفنّية التي ظهرت منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى فترة ما بين الحربَين.
ومع بداية الانطباعية ثم التجريدية والتكعيبية والفلسفات التي أعقبتها، أدركت أنّ تطور الفنّ هناك يمكن أن ينطبق على الخطّ العربي نفسه، فالخطّ هو أصلاً تجريد. وفي الرسم الكلاسيكي نرسم اللوحة ونقارن مدى مطابقتها مع الواقع، وبعدما ظهر التجريد بدأت مقاربة الطبيعة تختلف، وأصبحت اللوحة تحمل إشارات أو أجزاء من موضوع يريد الفنّان إيصاله. وهذا الأسلوب أعطاني حافزاً كي أطبّق ذلك على الخطّ، حاولت إدخال هذه الفلسفة وخصوصاً التكعيبية والمستقبلية التي خرجت من إيطاليا، خلال فترة الحَربين العالميّتَين، وأهمّ ما تميّزت به هو الحركة، كلّ شيءٍ يتحرّك ولا شيء ثابت، ومحاولة تجميع الأجزاء بمعنى تقطيع أجزاء اللوحة وإعادة تجميعها ووضعها كلّها في إطارٍ واحد. ما أفعله يختلف عن الحروفية ولا يقع ضمنها، فالحروفية حاوَلَت دمج الخطّ بالفنّ التشكيلي، وكلّها محاولات جاءت من قِبل فنّانين تشكيليّين وليس خطّاطين. وكانت بداية الحركة من إيران ثم امتدّت إلى العراق ومصر وتونس وغيرها من الدول مع تشكيليّين تأثّروا بالخطّ، وحاولوا تجسيد انطباعاتهم عنه.
أمّا أنا فقد جئت من الجهة الثانية كوني خطّاطاً، أعي جيداً تفاصيل الخطّ وتقنيات دمجه في الفنّ البصري، ليخرج كفنّ وليس فقط كوظيفة. لقد ركّزت على شكل الحرف الصحيح وتوظيفه في لوحةٍ جديدة، هدفها تقديم خبرة بصرية أكثر مما هي نصّ يقرؤه الناس، فكان شيئاً جديداً كلّياً.

أغنية فيروز أعطني الناي وغنِّ

* الخطوط الجديدة التي نراها ونقرأ عن مدارسها الحديثة، هل تعتقد أنّها قريبة من أسس الخطّ العربي أم لا تشبهه؟
التايبوغرافي هو تطوّر طبيعي للخطّ، وبسبب وجود الطباعة والعالَم الرقمي نحتاج لتطوير خطوط يمكن أن تُستعمل في التصميم، وهذا ما حدث في أوروبا والصين واليابان، لكن لا تزال عندنا فجوة كبيرة بين الخطّ والتصميم في بلداننا العربية. ومنذ أواخر الستينيات بدأ يتراجع الاهتمام بالخطّ، وخلال التسعينيات بدأ يظهر بشكلٍ كبير مجال التصميم الغرافيكي كحرفة ودراسة جذبت الكثيرين لها، ومَن دَرس الغرافيك من الشباب العرب في تلك الفترة لم يكن يعرف الكثير عن الخطّ، تعلّموا التايبوغرافي اللاتيني بشكلٍ عامّ، وهو أصبح الأساس الذي اشتغل عليه العرب، وهذا أثّر كثيراً على مستوى الإنتاج ونوعيّته عندما يكون المنتج بالعربي، إلّا في حالاتٍ نادرة.
المصدر، جريدة الاتحاد، حوار: ثناء عطوي 31 مارس 2022 01:12

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

لعبة هايك .. قصة أطفال للكاتب محمد مندور في معرض القاهرة الدولي للكتاب

محمد مندور: مشروع ثقافي مصري أرميني لتعريف الأطفال العرب بثقافة الأرمن شبكة بيئة ابوظبي، القاهرة، …