دراسة تكشف علاقة المغاربة بالتربية البيئية لبناء “المواطن الإيكولوجي”

صدر مؤخرا كتاب “التربية البيئية بالمغرب وإشكالية بناء المواطن الإيكولوجي: بين العقد الاجتماعي والعقد الطبيعي”، للكاتب فوزي بوخريص الذي أعده بمعية عبد الله هرهار. وقد تتبع الدارسان من خلاله مسارات التربية البيئية لدى المغاربة، بدءا بالطفولة والمراهقة، وصولا إلى بداية تشكل المواطن الإيكولوجي.
ويستهدف هذا العمل، حسب ما أكده فوزي بوخريص في تصريح لهسبريس، فحص وتشخيص مدى حضور التربية البيئية في الكتب المدرسية المعتمدة بالمغرب، ابتداء من المرحلة الابتدائية التي سماها “التفتح الإيكولوجي”، مرورا بالمرحلة الإعدادية “مرحلة الإعداد الإيكولوجي”، وانتهاء بالمرحلة الثانوية التأهيلية “مرحلة التأهيل الإيكولوجي”.
وقدم الباحثان مدخلا نظريا عاما حول حقل التربية البيئية، مستلهمين ما راكمته العلوم الاجتماعية الأساسية حول هذا النمط من التربية (السوسيولوجيا، الأنثروبولوجيا والفلسفة) وما تبلور في إطار الجهود المؤسساتية الوطنية والإقليمية والدولية، خصوصا الأدبيات التي تمخضت عن المؤتمرات الدولية حول التربية البيئية (ستوكهولم 1972، بلغراد 1975 وتبيليسي 1977).
أما الجزء الثاني فتطبيقي استثمر فيه الباحثان المادة النظرية المدرجة في الجزء الأول لتقديم رؤية شاملة للكيفية التي تحضر بها المضامين البيئية في الكتب المدرسية.

ترسيخ الثقافة البيئية
وحسب الدراسة، فالقوانين والتشريعات والإجراءات المؤسساتية لن تجبر المواطنين على احترام البيئة، ما لم يكن هذا الاحترام عفويا، ونابعا من التزام ذاتي، تم استدماجه عبر التربية، من هنا تكمن أهمية التربية البيئية، وما تمنحه من معارف ومهارات وقيم ومواقف ضرورية لاتخاذ مواقف وسلوكيات تستهدف احترام البيئة وحمايتها، وتدبيرها بشكل مسؤول.
وأوضح المصدر ذاته أن يكون المرء مواطنا إيكولوجيا معناه أن يأخذ مكانته في قريته الأصلية (في حيه أو قريته، وفي مدينته، وجهته، ووطنه) كما في القرية الكونية، وأن يمارس حقوقه ويلتزم بواجباته، في احترام لحقوق وواجبات الآخرين ولحقوق البيئة، التي نعترف لها بحق الوجود، ونمنحها بالتالي وضع كائن يتمتع بحقوق علينا.
وذكر بوخريص أن المدرسة تؤدي مهمتها هذه في إكساب الثقافة البيئية للتلاميذ عبر جملة من الآليات، أهمها آلية الخطاب، عبر المضامين الدراسية وعبر برامج التكوين وأنشطة البحث والتقصي الحاملة ذات الصلة بالثقافة البيئية، وآلية القدوة، عبر تقديم المدرسين والمربين نماذج بيداغوجية مجسدة للثقافة البيئية من خلال تصرفاتهم وسلوكياتهم ومعاملاتهم في مختلف فضاءات المدرسة (في القسم، في ساحة المدرسة وفي كل مرافقها)، وآلية الأنشطة الثقافية والرياضية، الكفيلة بجعل الحياة المدرسية فضاء للتشبع بالثقافة البيئية، ثم آلية سير المؤسسة المدرسية، وتدبير هيئاتها وهياكلها الرسمية منها (مجلس التدبير..)، وغير الرسمية (النوادي..)، التي بإمكانها تقديم نماذج متميزة مجسدة للثقافة البيئية .

حضور عرضي
اشتغل الباحثان على المتن الوثائقي الذي حصّلاه من مضامين الكتب المدرسية المقررة. وقد تبين، حسب بوخريص، أهمية المجهود الذي بذل في بناء هذه المقررات والكتب، كما وقف على جملة من الملاحظات بخصوص الثقافة البيئية المقدمة في كتب المقررات المدرسية، أهمها أن حضور الثقافة البيئية في الكتب المدرسية يختلف من مستوى إلى آخر، ومن مادة إلى أخرى. كما أن هذا الحضور ليس جوهريا وثابتا دائما، بل يكون أحيانا عرضيا، حيث تحضر البيئة أحيانا بقوة تصل عدديا إلى سبع وثائق في مادة واحدة ومستوى واحد، وأحيانا أخرى لا نجد لها أي أثر في مادة دراسية أو مستوى دراسي، وهو ما لا يمكن تفسيره إلا بشيء واحد يتعلق بقناعات وإيمان مؤلفي الكتب المدرسية بجدوى وأهمية التربية البيئية بالنسبة لأجيال المستقبل.
ولاحظ الباحثان غلبة البعد الوصفي على الشق التطبيقي، والاهتمام أكثر بالمواضيع المرتبطة بالبيئة الطبيعية، إذ يتم الاهتمام أكثر بمشاكل الماء (التلوث والنقص المائي) والنباتات (التصحر وتراجع الغابات) والهواء (التلوث).
كما تبقى إشكاليات النفايات المنزلية والنظافة في صلب المواضيع المرتبطة بالبيئة البشرية. أما بخصوص المواضيع المرتبطة بالبيئة في شموليتها، فهي حاضرة نسبيا.
وعلى مستوى المضامين البيئية (الماء، الغابة، النبات، الهواء والتربة..) فهي أهم ما يحضر في مضامين الكتب المدرسية المغربية المقررة، وإن كان المكون الذي يحظى باهتمام أكبر هو الماء. كما يحضر هاجس التعامل الإيجابي والرشيد مع البيئة بالدرجة الأولى، وتتم الإشارة إلى المخاطر التي تواجه الإنسان ومكوناته الطبيعية المهددة بالتلوث والانقراض.
وعلى مستوى النصوص والصور والتمارين، تعتبر النصوص والصور من أهم الوسائل البيداغوجية التي تتكون منها المقررات الدراسية مقابل غياب كبير للتمارين والأشغال التطبيقية.

تعزيز حضور البيئة
ولتطوير حضور التربية البيئية في المدارس وفي الكتب المدرسية اقترح الكاتبان جعل كل المواد المدرّسة معنية بالظواهر والرهانات البيئية: علوم الحياة والأرض والفيزياء والكيمياء والتربية الإسلامية واللغات والعلوم الاجتماعية وعلم التدبير والفلسفة والفنون…الخ.
وشدد الباحث ذاته على ضرورة الحرص على استحضار منطق التداخل بين المواد المدرّسة interdisciplinarité ، والحرص على استحضار البعد العابر للمواد المدرسية transdisciplinarité ، موضحا أن هذين البعدين يتيحان تعلم واكتساب الوعي البيئي في وضعيات واقعية ومندمجة تنفتح على كل أبعاد البيئة.
بالإضافة إلى تنويع طرق إدماج التربية البيئية في المدرسة، لتشمل المقررات ومشاريع المدرسة، والمشروع التربوي للمدرسة، والحياة اليومية في المدرسة، والتهيئة الداخلية والخارجية للمدرسة، والأنشطة الموازية للدراسة.
زيادة على تكريس الوعي بأن مسؤولية التربية البيئية هي مسؤولية متقاسمة بين المدرسة والأسرة والإعلام وكذا المؤسسات والجمعيات ذات الوظائف التربوية والثقافية والتأطيرية، مما يستلزم عقد شراكات والتنسيق بين كل هؤلاء المتدخلين، وإرساء برامج عمل مشتركة، والوعي بأن التربية البيئية والتربية على المواطنة الإيكولوجية لا تتحققان بمجرد تلقين معارف ومهارات وقيم تتعلق بالبيئة مهما كانت متقدمة وعميقة، بل يفترض في المدرسة أن تتحول إلى مختبر لتعلم المواطنة الإيكولوجية، بمنح التلاميذ فرصا متعددة ومتنوعة لتجريب سلوك المواطن الإيكولوجي.
ووفق هذا المنظور، شدد الباحث ذاته على أهمية التربية على البيئة في كل فضاءات المدرسة وأزمنتها وأنشطتها، داخل القسم وخارجه، حيث تتحول المدرسة إلى فضاء لحماية البيئة واحترامها، بشكل يتيح خلق سيرورة تربوية موجَّهة وتدرجية، تمنح لكل تلميذ، من خلال الاكتساب والاكتشاف والتجريب، إمكانية تعبئة وتطوير وتقوية كفاياته باعتباره مشروع مواطن إيكولوجي éco-citoyen، يفهم ويتحمل المسؤولية التي له تجاه البيئة، ويعيش في تناغم مع بيئته ويؤثر إيجابا على هذه البيئة، حيث يعطي معنى جديدا لوجوده الاجتماعي الخاص.
المصدر، هسبريس – سكنية صدقي، الأحد 3 أبريل 2022 – 04:00

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

ورش عمل بيئية لتوعية طلاب 7 مدارس بإعادة تدوير علب الصفيح

قدمتها مجموعة عمل الإمارات للبيئة بالتعاون مع علامة أبو قوس (رينبو) شبكة بيئة ابوظبي، دبي، …