هل من الممكن إستنساخ بنك السودان المركزي للتجربة الأثيوبية في تحول مؤسسات التمويل الأصغر إلى بنوك للتمويل الأصغر؟ (الجزء الثاني)

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم،كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، 03 ديسمبر 2022

في المقال السابق شرحنا سياسات البنك المركزي الأثيوبي في تحول بعض المؤسسات الى بنوك للتمويل الأصغر. كما دعمنا هذا الإتجاه ورأينا وضع إطار رقابي وتنظيمي مكتمل يشمل بجانب تحويل المؤسسات لبنوك السماح بقيام بنوك جديدة للتمويل الأصغر بعد إستيفاء شروط محدده. وكذلك تحويل المصارف الصغيره ذات الأداء الضعيف والتي تعمل حاليا الى مصارف للتمويل الأصغر طوعيا أو بأمر من البنك المركزي. كما رأينا أن يشمل تحديد راس المال ومتطلبات الحوكمة الجيده وفترة السماح للتحول. ووصفناه هذا التحول بأنه سيكون نوعيا وسيساعد القطاع على لعب دورا رئيسيا في الاقتصاد بتشجيع كل المؤسسات لتوسيع خدماتها من خلال توسيع قاعدة العملاء بالإضافة إلى تعزيز القدرة المالية والرسملة (والأخيرة ظلت عائقا من أهم عوائق القطاع بالسودان). هذا الأمر من المتوقع أن ينعكس إيجابا على القطاع من حيث حجم الرسملة والإنتشار الجغرافي وجودة النواحي المالية المؤسسات والعمليات. كما سيقوم أيضا بتشجيع جميع المؤسسات وزيادة المنافسة فيما بينها في مجالي التوسع والأداء والرسملة. لقي هذا الإقتراح قبولا من الكثيرين ورفضا من القله بحجة أن القضية الأساسية هي توفير التمويل وليس قنوات التمويل، وقد لايكون إنشاء بنوك للتمويل الأصغر من رحم المؤسسات أمرا مجديا إقتصاديا. في هذا المقال سنتعرض لأهمية هذا التحول في مسار التمويل الأصغر .

في البدء نقول أن قطاع التمويل الأصغر بالسودان، على الرغم من الاهتمام الكبير من قبل البنك المركزي في مجال التشريعات والدعم الفني والتمويلي ووضع أسس الحوكمة الجيدة والمتابعة والرقابة، لا زال ينقصه التطوير التشغيلي على الأرض خاصة في إعتماد التطورات العالمية الكبيره في جوانب الخطط والتمويلات المرتبطة بالبرامج الكبيرة عبر الشراكات الذكية مع الجهات الداخلية والخارجية. فضلا عن عدم تجاوب المصارف بالقدر الكافي لعدم قناعتها بالتمويل الأصغر وسعيها للبحث عن فرص إستثمارية أكثر ربحية على حساب تمويل القطاعات الإنتاجية التي تدعم الأمن الغذائي والإقتصاد الوطني وتشغيل الشباب والمرأة والفئات غير المشمولة بالخدمات المالية، خاصة في الريف وبالقدر الكافي.

والغريب في الأمر أن زيادة رسملة المؤسسات بعد قيامها لا زالت تبارح مكانها على الرغم من جهود البنك المركزي. يقيننا أن مؤسسات التمويل الأصغر لم تتوسع بما فيه الكفاية في هذا المجال خلال الفترة منذ وضع الإطار الرقابي والتنظيمي في العام 2007. والأمر مرده على غياب خطط الطريق من مجالس إدارات المؤس سات لكي توسع من عملياتها لضمان الإستدامة المالية والتشغيلية، وسوء فهم (أو ربما عدم الاهتمام ) بالقضايا الأساسية المتعلقة بأهمية الإستدامة المالية والتشغيلية وتنفيذ أسس جيدة للحوكمة ورسملة بعض الأرباح المحققة أو زيادة المساهمات الرأسمالية من المساهمين الحاليين أو غيرهم.

المقترح المقدم سيشجع كثيرا على المنافسة وزيادة رؤوس أموال المؤسسات كما سيشجع دخول أكبر للقطاع الخاص وربما المؤسسات الأخرى كشركات الإتصالات والأفراد وغيرهم كمساهمين في رؤوس أموال مؤسسات التمويل الأصغر المتحولة لبنوك . ونتوقع أيضا أن تبدأ المؤسسات التي تتبع للمصارف بالتفكير في إستيفاء شروط الإنتقال مما يشجع البقية على ذلك. كما سيعمل المقترح على ضمان عمل المؤسسات الولائية بشكل جيد أو توقفها عن العمل إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة لتوسيع رؤوس أموالها، علما بأن هذه المؤسسات هي الأضعف في منظومة التمويل الأصغر بالبلاد خاصة في الرسملة والحوكمة والإنتشار الجغرافي وكذلك المؤشرات المالية ومعدلات الربحية .

المقترح المقدم لن يغير في تشكيلة القطاع وعددية المؤسسات بالنقصان، إذ أن جميع أنواع وأحجام المؤسسات مطلوب، ولكن سيسمح (لبعضها فقط) بالتحول إذا إستوفت شروط محددة قد تحتاج لسنوات وجهود كبيره لإستيفاء الشروط التي سيضعها البنك المركزي. هذا الأمر نعتبره لازما ونموا طبيعيا للمؤسسات عبر الزمن . ومن الجانب الآخر مكافأة لها إذا إجتهدت وتوسعت وإلتزمت بالشروط. إذا لا يعقل أن تظل مؤسساتنا كما هي دون حوافز للتطوير والنمو لخدمة أكبر عدد من شرايح التمويل الأصغر النشطه إقتصاديا ولتحسين الحوكمة والإنتشار ورأس المال، خاصة وأن حساباتنا لسوق التمويل الأصغر لم يتعدي نسبة 10% من العملاء المحتملين. هذا يعني أن الفرصة كبيرة لإستيعاب مؤسسات تمويل أكثر وكذلك تحول بعضها لبنوك تأتي من رحم هذه المؤسسات أو عبر بنوك جديدة مستوفية للشروط. التجربة الاثيوبية أثبتت أنه وبشروط الترقي لم تستوف أكثر من 3 مؤسسات فقط شروط الإنتقال من نحو 40 مؤسسة عاملة منذ العام 1999. فضلا عن أن التجربة العالمية في قطاع التمويل الأصغر لم تعتمد المؤسسات فقط بل معها البنوك المتخصصة في التمويل الأصغر. والنوعان يعملان جنبا إلى جنب في زيادة رقعة التمويل الأصغر والإنتشار الجغرافي، خاصة في الريف. كما أن البنوك المقترحة لن تكون بحجم كبير ولكنها بسبب تحسين مؤشراتها ستكون أكثر إنتشارا وحوكمة وتمويلا وستتنوع في عماياتها كما سيساعد هذا التحول في الدخول في شراكات عالمية من المنظمات والبنوك الإقليمية خاصة وأن قطاع التمويل الأصغر عالميا لم يعد محصورا في العمليات الفردية بل بدا في الإنتشار بصورة مذهلة في العالم عبر البرامج الكبيرة التي تساعد فيها مؤسسات التنمية الدولية والمؤسسات المالية الإقليمية بالضمانات والتمويل بالجملة والدعم الفني لبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر الجيدة . صناعة التمويل الأصغر أثبتت أن الإستدامة للمؤسسات الكبيرة وبنوك التمويل الأصغر التي تعمل جنبا اليى جنب مع مؤسسات التمويل الأصغر دون تنافس أمر في غاية الأهمية للجهات الخارجية والمانحين. هذا المقترح سيحسن أداء المؤسسات التي ستنتقل لبنوك وسيساعدها في عمل هذه الشراكات، علما بأننا غير معزولين عن العالم وأن القطاع في العالم بدأ ينمو بصورة كبيره في مجال عمليات وبرامج التمويل الأصغر ، خاصة تلك المتعلقة بمكافحة التغيرات المناخية السالبة ودعم الأمن الغذائي والتأمين الزراعي والرعوي المعياري ، بجانب التحول نحو الريف عبر مشروعات تمويل وضمان وتامين كبيرة الحجم تستوعب عددا كبيرا من العملاء والمستفيدين. وهو أيضا مرشح لتغيرات الكبيرة في مقبل السنوات. ولذلك ينبغي أن نفكر نحو المستقبل ولا نحصر تجربتنا في التفكير المحلي ونعمل من أجل تقوية مقدمي خدمات لتمويل الأصغر في كل المؤشرات لكيلا تفقد هذه المؤسسات الفرصة في الإستفادة من الموارد والدعم الفني الإقليمي والعالمي بسبب عدم الثقة الناتجة من ضعف النتائج التشغيلية والمالية والتوسعية.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

لماذا تخلفت صناعة التمويل الأصغر الاسلامي مقارنة بالتقليدي في المنطقة العربية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، …