الإنتاج الذاتي للكهرباء.. هل بات ضرورة ملحة لمستقبل البيئة والتنمية المستدامة في المغرب؟

شبكة بيئة ابوظبي، جميلة أوتزنيت، المملكة المغربية 27 يناير 2023

صادق مجلس النواب أخيرا، على مشروع قانون حول الإنتاج الذاتي للكهرباء، في إطار تنزيل توجهات الاستراتيجية الوطنية الطاقية، وتوصيات النموذج التنموي الجديد.

مشروع طموح يرنو إلى تطوير الإنتاج اللاممركز للكهرباء، بل وتخزين الفائض من الطاقة، ومن ثم تحسين القدرة التنافسية لقطاع الكهرباء في البلاد.

وبحسب الجهات الرسمية فإن هذا المشروع (رقم 82.21 ) سينظم انتاج طاقة كهربائية بغرض “الاستهلاك الذاتي”، كيفما كانت طبيعة الشبكة ومستوى الجهد وقدرة المنشأة المستخدمة.

تجربة على أرض الواقع
هي صورة متقدمة عن مغرب الغد. مغرب يتعامل مع إنتاج الطاقة، باستخدام وسائل بديلة مستدامة، بعيدا عن مصادر أحفورية ملوثة للبيئة.

على أرض الواقع، وفي منطقة محدودة جغرافيا ضواحي العاصمة الرباط، بين “سيدي الطيبي” و”بوقنادل”، يخوض مفاعل تابع للمركز الوطني للدراسات النووية، تجارب أولية لإنتاج طاقة كهربائية بغرض الاستخدام الذاتي.

الحديث هنا عن “مفاعل المعمورة”. مفاعل نووي مغربي من صنع الشركة الأمريكية “جينرال أتوميك”. اقتناه المغرب في إطار اتفاق مع الولايات المتحدة عام 1980.

يقول نجيب باحسينا، باحث أكاديمي وفاعل جمعوي بإقليم القنيطرة، إن هذا المركز الذي يعمل على مشاريع طبية وصناعية وزراعية، يبقى من أهدافه الرئيسية، توفير الشروط لاعتماد سياسة طاقية نظيفة، والمساهمة في تقليل الاعتماد على المصادر الأحفورية لتوليد الكهرباء.

وكانت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أفادت بهذا الخصوص، في كلمة أمام مجلس النواب يونيو المنصرم، بأن الوزارة أجرت تقييماً لاستخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، وتعد تقريرا في الموضوع، لتفعيل توصيات التقييم.

اقتصاد أخضر منخفض الكربون
بحسب مشروع القانون رقم 82.21 ، المصادق عليه في 20 دجنبر المنصرم، فإن الإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية سيساهم في تطوير اقتصاد وطني أخضر، منخفض الكربون.
مسيرة تتجه صوب تسريع الانتقال الطاقي في البلاد، بالتحول إلى مصادر بديلة نظيفة ومستدامة.

ستعزز هذه المصادر لا محالة، جهود المغرب المبذولة في سبيل الحفاظ على البيئة، وحمايتها من الانحدار إلى مستويات خطرة. وهو مايؤكده نجيب باحسينا، الباحث الأكاديمي في الشأن البيئي، ورئيس جمعية “إيكولوجيا” للتربية على البيئة.

ويضيف بالقول إنه -ومن وجهة نظر إيكولوجية- يعد الإنتاج الذاتي للكهرباء، فرصة للتقليص من حجم استعمال مصادر الطاقة الاحفورية المسببة للتلوث في المغرب وخفض انبعاث الغازات الدافيئة.

وهي مناسبة أيضا لاستخدام الطاقات المتجددة المتوفرة في المملكة طوال العام، بكميات كبيرة ومتنوعة المصادر.

وهو مايضمن، من وجهة نظر نجيب باحسينا، نموا اقتصاديا تُراعى فيه الحاجة إلى توازن طبيعي مستدام واستقرار اجتماعي دائم.

فاتورة طاقية مكلفة جدا
يتكبد المغرب خسائر عديدة باستخدامه المصادر الأحفورية في إنتاج الطاقة، كما إنها مكلفة أيضا من الناحية المادية. فالحكومة تصرف أموالا طائلة على إنتاج الكهرباء، دون اللجوء إلى خيار رفع سعر الاستهلاك على المواطن.

وبالعودة إلى العواقب البيئية، يقول رشيد فسيح، الباحث المتخصص في قضايا البيئة، ورئيس جمعية “بييزاج” بمدينة أكادير، إنها عواقب وخيمة جدا بيئية واقتصادي وتنموية، وعلى كافة المستويات.

“من ناحية، لايمكن اعتبار المغرب ضمن الدول الاكثر تلوينا بجودة الهواء بفعل ما تتطلبه التنمية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية، وأدوار الطاقة والنقل واللوجيستيك والمشاريع التنموية الكبرى التي شرع المغرب في إطلاقها منذ بداية الألفية الثالثة”.

ويسترسل الناشط البيئي بالقول إنه يجب تدارك التأثير الاقتصادي على التنمية عموما، قبل الخوض في التأثيرات البيئية.

“فالفاتورة الطاقية بالمغرب جد مكلفة ومع توالي تقلبات السوق واحتياجات المغرب من مصادر الطاقة الاحفورية تسجل رقم قياسيا سنويا، سوف يتجاوز 100 مليار درهم بسبب ارتفاع أسعار المحروقات عالميا”.

ويعتبر الباحث أن الحرب الدائرة في شرق أوربا، وإغلاق أنبوب الغاز المغاربي، وارتفاع قيمة الدولار كعملة دولية في التجارة العالمية والركود الاقتصادي العالمي وارتفاع نسبة التضخم دوليا، جعل من الفاتورة الطاقية عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة.

ليس هذا فحسب، بل تشكل عبئا على المستهلكين وجل القطاعات الحيوية، ولها تأثير في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وفي احتياط الدولة من العملة الصعبة عموما، حسب رشيد فسيح.

تحسين جودة المنتجات الطاقية
يظل تحسين جودة المنتجات الطاقية في ارتباط وثيق مع تحقيق تنمية مستدامة. ولذلك يرنو مشروع الانتاج الذاتي للكهرباء، إلى تأمين الإمدادات الطاقية وتحسين القدرة التنافسية للقطاع، بالحرص على توفير الكهرباء بأسعار تنافسية.

علاوة على المساهمة في خلق فرص شغل جديدة في مجال إنجاز واستغلال وصيانة محطات الانتاج الذاتي، بما يتوافق ورؤية المغرب المستقبلية للتنمية.

كما يتضمن المشروع ولأول مرة، الحق في الولوج إلى خدمات تخزين الطاقة الكهربائية، وحق بيع الفائض لمسيري الشبكات الكهربائية، وكذا توسيع مجال الولوج للشبكة وطنيا في نقل الكهرباء من محطة الإنتاج إلى موقع الاستهلاك.

يقتني المغرب جميع احتياجاته من المواد الطاقية من الخارج وهو ما يعرضه بشكل مباشر لتقلبات أسعار السوق الدولية وانعكاسات ذلك على ميزانيته والتوازنات المكرواقتصاية، بحسب الباحث رشيد فسيح.

وهذا يدفع البلاد – حسب المصدر ذاته- بشكل استعجالي إلى البحث عن بدائل لسد هذا العجز، وبالتالي التخلص من حمل ثقيل يهدد التماسك الاجتماعي والاقتصادي والتنموي، وأيضا البيئي بالنظر لتكلفته الملوثة.

“ويمكن الحديث هنا طبعا عن جودة الهواء في المجال الحضري، وارتفاع معدلات التلوث، وكذلك التأثير على الموارد الطبيعية الأساسية وتنامي مشاكل النفايات الصناعية والمنزلية وتقليص استهلاك الطاقة وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي تساهم الطاقة الاحفورية في تفاقمها”.

انتقال طاقي وتنمية مستدامة
في العام 2009، أطلق ملك المغرب محمد السادس الاستراتيجية الطاقية الوطنية، ومنذ ذلك الحين توالت المبادرات المطروحة والمشاريع المنجزة في هذا الجانب.

مشاريع للطاقة الشمسية والريحية والكهرومائية، مكنت من رفع القدرة الكهربائية المنشأة من مصادر الطاقات المتجددة إلى ما يفوق 4,1 جيغاواط، حسب الوزارة الوصية على القطاع. وهو ما يمثل حوالي 38 في المائة من القدرة الكهربائية الإجمالية المنشأة في المغرب.

ولاشك أن تفعيل مشروع الإنتاج الذاتي للكهرباء، هو جزء لا يتجزأ من رؤية شاملة للمملكة، في السير نحو تحول طاقي يحقق الأهداف المرجوة، لتنمية مستدامة على المدى القريب.

تنمية بمثابة دعوة إلى تغيير مؤسسي، يروم انخراطا فعالا لكافة القطاعات في المؤسسات الحكومية، والقطاع الخاص وباقي مكونات المجتمع. تشمل كل ماهو اجتماعي واقتصادي وسياسي وتعليمي، عبر الاستغلال الأمثل للموارد، وللطاقات البشرية والمادية، وتشكيل عملية لتطوير وتحسين الواقع، بأخذ العبر من تجارب الماضي، وفهم الواقع والتخطيط للمستقبل.

ويمكن تحقيق كل ذلك من خلال التنزيل الفعال، للاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة. في هذا الصدد، يقول نجيب باحسينا، رئيس جمعية “إيكولوجيا” إن هاته الاستراتيجية تندرج ضمن المشاريع الرائدة في المغرب، “لكون تفعيلها على أرض الواقع ممكن تحقيقه، بإشراك جميع مكونات المجتمع، أفراد ومؤسسات، كإطار موحد للانتقال إلى النمو المستدام”.

نمو يقوم على التوفيق بين الرفاهية وحماية البيئة ومواردها، واعتماد مقاربات مخصصة لكل جهة، من أجل تنمية شاملة ومتوازنة، تسهل انتقال المغرب إلى اقتصاد منخفض الكربون بحلول عام 2050.

الصدر، موقع مدار24

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

“مصدر” تستضيف قمة الهيدروجين الأخضر 16 أبريل

لتطوير قطاع الووقد النظيف عالمياً محمد جميل الرمحي: مصدر تسهم بدور فاعل في تسريع خطى …