“كيف يمكن حساب البصمة الكربونية؟”، طرحتُ هذا السؤال خلال دورة تدريبية متقدمة في صحافة المناخ، نظمتها منصة أوزون بدعم من مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة التابع لشبكة الصحفيين الدوليين في مارس/آذار 2023.
تتطلب الإجابة التعرف على عدد من الأدوات التي يمكنها أن تساعد الصحفيين والصحفيات على كتابة القصص المعمقة حول البصمة الكربونية للأفراد والمؤسسات.
ويشير مصطلح “البصمة الكربونية” إلى كمية انبعاثات غازات الدفيئة المرتبطة بأنشطة الشخص. وتُقاس الانبعاثات بمكافئات ثاني أكسيد الكربون CO2e، والتي لا تأخذ في الاعتبار ثاني أكسيد الكربون فحسب، بل أيضًا غازات الدفيئة الأخرى مثل الميثان وأكسيد النيتروز، عن طريق تحويلها إلى مكافئ الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون له نفس إمكانية الاحترار العالمي، وفق الأمم المتحدة.
-مواقع وتطبيقات لحساب البصمة الكربونية
يتيح عدد من المواقع والتطبيقات الهاتفية استخدام حاسبات مخصصة لهذا الغرض، تترجم البيانات المُدخلة إليها إلى مكافىء من ثاني أكسيد الكربون. على سبيل المثال بإمكانك أن تستخدم “حاسبة البصمة الكربونية للأمم المتحدة” المجانية لحساب البصمة الكربونية لأفراد أسرتك سنويًا.
تحتاج أولًا إلى جمع بيانات حول حجم استهلاك أفراد الأسرة على ثلاثة مستويات وهي: المنزل، التنقلات، أسلوب الحياة، ثم تقوم بإدخال البيانات في الخانات المخصصة لذلك، وبعدها تطلب من الحاسبة أن تحسب لك بصمتك الكربونية. وتظهر لك النتائج عدد أطنان ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن استهلاك الأسرة سنويًا، بالإضافة إلى مقارنتها مع المتوسط السنوي في بلدك والمتوسط العالمي كذلك.
من البيانات التي تحتاجها الحاسبة للقيام بالمهمة المطلوبة معرفة عدد أفراد الأسرة، بلد الإقامة، مساحة المنزل، حجم استهلاك الكهرباء شهريًا، نسبة الاعتماد على الطاقة النظيفة (هل لديك ألواح شمسية أو تعتمد على مصابيح أو أجهزة موفرة للطاقة)، وفيما يتعلق بوسائل المواصلات عليك أن تحدد نوع وسائل المواصلات المستخدمة (قطار، مترو أنفاق، دراجة..) أو حتى إذا كنت تذهب سيرًا على الأقدام، وتحسب عدد ساعات الاستخدام أسبوعيًا لجميع أفراد الأسرة، وإذا كنت تستقل سيارة خاصة أو دراجة نارية، عليك أن تذكر عدد الكيلومترات التي تقطعها سنويًا، ومتوسط عدد الكيلومترات للرحلات الطويلة التي تقطعها الأسرة سنويًا، أما أسلوب الحياة، فتحدد نسبة اعتمادك على اللحوم في وجباتك مقابل الخضروات، وهل تبتاع سلعًا محلية أم مستوردة في الغالب، بالإضافة إلى عدد مرات تناول الطعام خارج المنزل أسبوعيًا، وإن كنت تقوم بإعادة تدوير أي من النفايات المنزلية مثل الورق أو البلاستيك أو الزجاج.
وهناك حسابات أخرى متعددة تقوم بالمهمة نفسها، وحاسبات مخصصة لأغراض محددة مثل حساب البصمة الكربونية الناتجة عن مختلف أنواع الأطعمة أو البلاستيك أو الرحلات الطويلة البرية والبحرية والجوية، ومن بين هذه الحاسبات:
Free food carbon footprint calculator
Carbon Footprint Calculator for Travel (sustainabletravel.org)
Carbon Footprint & CO2 Tracker
-مواقع توفر بيانات حول البصمة الكربونية
وهناك مصادر مفتوحة يمكن الاستعانة بها للحصول على بيانات مجمعة بالفعل حول البصمة الكربونية، تستطيع أن تستخدمها في إعداد التقارير من بينها موقع environmental insights explorer ويمكنك أن تحصل من خلاله على بيانات حول البصمة الكربونية للمباني ووسائل المواصلات سنويًا على مستوى الدول والمدن، وإجمالي مكافىء ثاني أكسيد الكربون في حال تم تخفيض الانبعاثات والتحول بنسب معينة للطاقة النظيفة.
كما توفر مواقع مثل our world in data و statista وغيرهما بيانات إحصائية حول الانبعاثات الكربونية في مجالات مختلفة مثل المواصلات، البنوك، شركات النفط، الصناعات المختلفة، الزراعة وغيرها من المجالات، كما يمكنكم أن تجدوا الكثير من الحقائق والأرقام حول البصمة الكربونية من خلال مواقع الأمم المتحدة والبنك الدولي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
كيف يمكن استخدام هذه الأدوات في القصص الصحفية؟
تتيح هذه الأدوات الفرصة لإنتاج تقارير متنوعة حول البصمة الكربونية للأفراد والمؤسسات، سواء بهدف التوعية أو المساءلة.
– يمكن استعراض المواقع والتطبيقات المختلفة التي تساعد الأفراد على حساب بصمتهم الكربونية بما يساهم في نشر الوعي المجتمعي، مع ضرورة طرح البدائل للمواطنين، وتقدم الأمم المتحدة مجموعة توصيات تساعد الأفراد على تقليل بصمتهم الكربونية خلال هذا التقرير (اشرعوا بهذه الإجراءات العشرة!).
وينوه التقرير إلى أنه للحفاظ على مناخ صالح للعيش، يجب أن ينخفض متوسط انبعاثات الفرد سنويًا حوالي 2 إلى 2.5 طن من مكافئ الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، كما يورد التقرير أرقامًا حول نسبة التخفيض المحتملة في الانبعاثات في حال اتبع الفرد أسلوب حياة أكثر صداقة للبيئة كتحسين كفاءة الطاقة في المنزل، الاعتماد بشكل أكبر على الخضروات في نظامه الغذائي، تقليل هدر الطعام، تقليل الرحلات الجوية وغيرها من التوصيات.
-يمكن لفت الأنظار إلى الخيارات الأقل في إصدار الانبعاثات في التقارير الصحفية، مثل هذا التقرير الذي نشرته بي بي سي فيوتشر، ويستعرض الأطعمة الغنية بالبروتين والجيدة للمناخ في الوقت نفسه معتمدًا على تحليل كم هائل من البيانات الخاصة بالبصمة الكربونية لأنظمة الغذاء، بما يساعد القراء في فهم الخيارات التي يمكن أن تساعد في الحد من الانبعاثات.
– نستطيع كذلك أن نستخدم حاسبة خاصة بالأطعمة لحساب البصمة الكربونية لأنواع وكميات الأطعمة التي قدمت خلال فعاليات كبرى أو مؤتمرات دولية، وبالفعل بدأت بعض الجهات الالتفات إلى تقديم طعام منخفض الانبعاثات خلال الفعاليات التي تنظمها لاسيما المتعلقة بتغير المناخ مثلما يحدث في مؤتمر الأطراف COP.
-يمكن أيضًا إنتاج التقارير التي تستهدف مساءلة المشاهير، ووضعهم أمام مسؤوليتهم المجتمعية مثل هذا المقال الذي نشرته مجلة فوربس بعنوان “البصمة الكربونية لليوناردو دي كابريو أعلى بكثير مما يعتقد”، ولفت الأنظار إلى الرحلات الجوية المتعددة التي قام بها الفنان العالمي (تجاوزت 20 رحلة في عام واحد حول العالم)، مع الإشارة إلى أن الاعتماد على طائرات خاصة في تنقلاته علاوة على قضاء الإجازات على اليخوت تسبب في انبعاثات كربونية أعلى بكثير من المتوسط.
وفي تقرير آخر قامت صحيفة L’equipe الفرنسية بحساب البصمة الكربونية للرحلات الجوية التي قطعها لاعب كرة القدم ليونيل ميسي بطائرته الخاصة خلال 3 أشهر وبلغت 52 رحلة جوية، ووصلت البصمة الكربونية إلى ألف ونصف طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل ما ينتجه المواطن الفرنسي العادي خلال أكثر من 150 عامًا وفق الصحيفة. (يمكن قراءة النسخة الإنجليزية المنقولة عن التقرير الأصلي من خلال هذا الرابط).
-من المهم في مثل هذه النوعية من التقارير، التي تتضمن أرقامًا كبيرة، استخدام الخلفيات المعلوماتية والصور البصرية والمقارنات -مثلما فعلت الصحيفة الفرنسية- بما يفسر الرقم ويعطيه مدلولًا، ويطرحه في سياق مفهوم للقارىء غير المتخصص.
وبالمثل نشرت صحيفة الجارديان تقريرًا انتقدت فيه بشدة رئيس وزراء المملكة المتحدة لاستخدامه طائرة خاصة في تنقلاته، وأوردت خلال تقريرها الكثير من المعلومات والأرقام حول الفاتورة الباهظة لاستخدام الطائرات الخاصة، وذكر التقرير أنّ الطائرة الخاصة المتوسطة ينبعث منها طنان من الكربون في الساعة في حين أن المواطن الأوروبي العادي مسؤول عن انبعاثات قدرها نحو ثمانية أطنان من الكربون في عام كامل.
ويمكنكم الحصول على معلومات وإحصاءات حول البصمة الكربونية لمختلف وسائل المواصلات من خلال موقع “النقل والبيئة”.
-نستطيع إنتاج المزيد من التقارير لحساب البصمة الكربونية الناتجة عن الرحلات الطويلة سواء بالطائرة (سفر اقتصادي أو مرتفع التكلفة) أو عن طريق البحر (يخت، رحلة بحرية..) أو عن طريق السيارة، باستخدام هذه الأداة التي أشرنا إليها سابقًا:
Carbon Footprint Calculator for Travel (sustainabletravel.org)، وتعمل عن طريق إدخال بيانات حول الرحلة (مدينة المغادرة والوصول، المسافة، نوع الوقود المستخدم..) ومن ثم يظهر المكافىء من ثاني أكسيد الكربون سواء لرحلة واحدة أو اختيار رحلات متعددة، كما أنها تعطي المبلغ المكافىء للتعويض عن هذه الانبعاثات والخسائر المتسببة فيها.
-لا تقتصر التقارير الصحفية المتعلقة بالبصمة الكربونية على مساءلة المشاهير من لاعبي الكرة والفنانين والمسؤولين والشخصيات العامة، ولكنها يمكن أن تشمل كذلك مساءلة المؤسسات والشركات والجامعات والبنوك وغيرها من الهيئات حول الجهود التي تتخذها لتقليل بصمتها الكربونية والتحول إلى مباني خالية من الكربون.
-تتيح المصادر المفتوحة وموقع الإحصاءات التي توفر بيانات ضخمة حول انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الفرصة لإنتاج تقارير مدفوعة أو مدعومة بالبيانات من خلال تحليل البيانات واستخلاص علاقات بينها وعمل المقارنات على المستوى المحلي والدولي، على سبيل المثال: يمكن المقارنة بين البصمة الكربونية لوسائل المواصلات على مستوى المدن داخل دولة معينة، والإشارة للمدينة صاحبة النصيب الأكبر في انبعاثات وسائل المواصلات، أو المقارنة بين انبعاثات المباني على مستوى الدول العربية أو دول أوروبا واستخلاص أقل أو أكثر 10 دول تصدر مبانيها انبعاثات كربونية من خلال البيانات المتاحة على موقع environmental insights explorer.
-تحتاج التقارير التي تستعرض كمًا كبيرًا من البيانات إلى تمثيل بصري جذاب، ويمكن استخدام هذه الأدوات مثل Canva و Flaticon وفلوريش و journaliststudio لإنتاج تصميمات جذابة بطريقة سهلة.
-يمكن كذلك إنتاج تقارير البصمة الكربونية في إطار صحافة الحلول، واستعراض التوصيات، المشاريع، المبادرات، الأبحاث القائمة على تقليل البصمة الكربونية وتفنيدها ومناقشة إمكانية تطبيقها وما يعوق تحقيق ذلك.
الصورة الرئيسية من الدورة التدريبية المتقدمة في صحافة المناخ التي نظمتها منصة أوزون بدعم من مركز التوجيه للمبادرات الإعلامية الناشئة.
المصدر، موقع شبكة الصحفيين الدوليين، بواسطة رحمة ضياء 26 يونيو 2023