شبكة بيئة ابوظبي، المهندس محمد بنعبو، الخبير في المناخ والتنمية المستدامة، المملكة المغربية، 29 يوليو 2023
تفعيلاً للتوجيهات الملكية السامية، تم إعداد برنامج وطني للتزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي للفترة الممتدة ما بين 2020 -2027 بكلفة مالية تصل إلى 142 مليار درهم، بمشاركة مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية المتدخلة في قطاع الماء، ومن بين أهداف البرنامج تنمية العرض المائي من خلال بناء سدود جديدة إدارة أفضل للطلب على الماء وتثمينه خاصة في مجال الفلاحة وتعزيز الإمداد بالماء الصالح للشرب في الوسط القروي، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لري المساحات الخضراء والتحسيس والتوعية بأهمية الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استخدامها واتباعاً للتوجيهات الملكية فيما يتعلق ببرنامج توفير المياه في مجال الفلاحة، خصصت ميزانية إجمالية قدرها 14.7 مليار درهم لتزويد مياه الري، بما يغطي 510.000 هكتار يستفيد منها 000 160 شخص، وتوضع مثل هذه البرامج كاستجابة أخرى لمشكلة ندرة المياه التي يواجهها المغرب حالياً، والذي من المحتمل أن يواجه نقصاً كبيراً في المياه في المستقبل القريب بسبب “زيادة الطلب على الماء” و”انخفاض هطول الأمطار بسبب تغير المناخ“. وبالرغم من ذلك، لا ترتبط ندرة المياه في المغرب بالطلب المتزايد على الموارد المائية من قبل الأسر أو القطاع الصناعي حيث يستهلك كلاهما حوالي 20 في المائة من الموارد المعبأة. وفي الواقع، ترتبط ندرة المياه في المغرب ارتباطا وثيقا بطريقة استخدام المياه في الري الذي يستهلك حوالي 80 في المائة من مياه المغرب سنوياً، ولقد تم تنفيذ الاستراتيجية الفلاحية، التي تستند إلى مقاربة “توفير وتخزين الماء”، بطريقة تجعل الفلاحين أكثر اعتماداً على هطول الأمطار وأكثر عرضة للجفاف، وقد يكون لاستخدام التكنولوجيا بعض الفوائد، إلا أن القضايا الحاسمة لا تزال قائمة. وجدير بالذكر أن المغرب يعطي أولوية الري للصادرات، وبالنسبة لبلد يعاني من الإجهاد المائي، فإن صادرات منتجاته الفلاحية تعني تصدير جزء من المياه التي تشتد الحاجة إليها. وربما تكون سياسة الري الحالية قد عمقت التفاوتات الاجتماعية؛ فمن ناحية، أفادت هذه السياسة الفلاحين الكبار أساساً، حيث أن المستفيدين الرئيسيين من هذه السياسة هم المقاولون والفلاحون الذين يركزون على الإنتاج الموجه للتصدير، ومن ناحية أخرى، فإن الفلاح المغربي التقليدي الذي يعتمد على الأمطار والمياه الجوفية لم يستفد كثيرا من تحديث الفلاحة وقد تسبب ذلك في بعض الأحيان في مشاكل أكثر مما كان عليه الوضع في البداية.
وتعرف ندرة المياه بأنها “نقص الوصول إلى كميات كافية من المياه للاستخدامات البشرية والبيئية”، وهو المصطلح المستخدم عالمياً لوصف حالة الموارد المائية عند الضغط، ومن أجل قياس مستوياتها، فإن المؤشر المرجعي بهذا الخصوص هو “مؤشر الإجهاد المائي” الذي وضعه فالدنمارك وآخرون من خلال حساب إجمالي موارد المياه المتاحة لسكان بلد ما: إذا كانت كمية المياه العذبة في بلد ما أقل من 1700 متر مكعب للفرد في السنة، يقال إن البلد يعاني من إجهاد مائي؛ أقل من 1000 متر مكعب للفرد سنويا يقال إنه يعاني من ندرة المياه، وأقل من 500 متر مكعب يعني أن البلد يعاني ندرة مياه مطلقة. وقد أطلق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي جرس الإنذار، في 26 شتنبر 2019، بإعلانه أن موارد المغرب المائية قد استنزفت بشدة حيث تقدر حاليا بأقل من 650 متراً مكعباً للفرد سنوياً، مقارنة بـ 2500 متر مكعب في عام 1960 كما من المتوقع أن تنخفض إلى أقل من 500 متر مكعب بحلول عام 2030.
كما أعلن نفس المجلس أن تغير المناخ قد يتسبب في اختفاء 80 في المائة من الموارد المائية المتاحة في المغرب خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة، وتجدر الإشارة إلى أن المغرب كان قد احتل المرتبة 22 عالمياً أي بمعدل 3.89 من أصل 5 يقترب الطلب على المياه العذبة من 80 في المائة من الإمداد السنوي المتجدد، مما يؤدي إلى زيادة المنافسة الاجتماعية والاقتصادية على المياه وزيادة مخاطر انقطاع الإمداد، وقد أشارت التوقعات التي أعلنها نفس المعهد في عام 2015 عن نتيجة إجهاد مائي أساسية تبلغ 4.68 بحلول عام 2040، مما يجعل المغرب في المركز الثامن عشر.
وبشكل عام، فإن الأمن المائي للمغرب هو موضع تساؤل وتحد رئيسي: كيف نتأكد من أن المياه “تدار بشكل فعال وبشكل عادل ومستدام، إن سياسات الري سواء السابقة أو الحالية هي سياسات غير متوازنة، وإنه لمن الضروري أن تسير التنمية القروية والاقتصادية جنباً إلى جنب من خلال نهج شامل.
إلا أنه و حتى الآن، في سياق الجفاف الهيكلي وتغير المناخ، فضلت السلطات العامة تصدير المياه على حساب الفلاحين المعيشيين، إضافة إلى أن السياسات المطبقة تفاقم فقط ندرة المياه التي تصيب الضعفاء أولا، والأهم من ذلك أنه لم يتم تحديد وضعية الندرة، فتغير المناخ يؤدي إلى انخفاض هطول الأمطار مما يحد بدوره من سعة تخزين الماء في المغرب، ولكن من المهم أيضاً أن نفهم أن ندرة المياه مبنية على الطلب على الماء، وكيفية إدارته، والخيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يتم اتخاذها، وبالتالي، يحتاج المغرب إلى سياسة ري جديدة تعود إلى الأولويات والمبادئ الأساسية، وإلى جانب كونها محركا للنمو الاقتصادي، يتعين على الفلاحة أن تكون محركا للتنمية الاجتماعية أيضا، كما يجب أن يكون التركيز على تحسين الأمن الغذائي والمائي للمواطن المغربي.
النجاعة المائية في مواجهة الإجهاد المائي والتراجع الخطير لمخزون السدود
تعاني معظم الدول العربية من “الندرة المطلقة للمياه” إذ تنخفض إمدادات المياه إلى أقل من 500 متر مكعب للشخص الواحد وتشمل “ندرة المياه” انخفاض إمدادات المياه إلى أقل من 1000 متر مكعب بينما يعني انخفاضها إلى أقل من 500 متر مكعب وصول عتبة الندرة المائية المطلقة، حيث تراجع خلال الأيام الأخيرة المخزون المائي بالمغرب حيث تسبب الانخفاض الواضح في التساقطات المطرية في تراجع خطير لمخزون السدود والتي لم تعد نسبة ملئها تتعدى 30 في المائة، هذه النسبة التي من المحتمل أن تصبح معرضة هي الأخرى لمزيد من التناقص نتيجة موجات الحرارة المتتالية، ويعزى هذا التراجع في مستوى مياه السدود إلى الانخفاض الكبير في حجم التساقطات المطرية هذا العام فاليوم سواء كنا في المغرب أو في أي بقعة في العالم فنحن لا نملك سوى هذا الكوكب فهو موطننا الوحيد، وعلينا حماية موارده المحدودة.
فعلى الرغم من الجهود المبذولة من طرف المملكة المغربية منذ سنوات الستينيات من أجل إنشاء البنيات التحتية المائية التي مكنته من التوفر حاليا على 152 سد كبير، وحوالي 136 سد صغير وبحيرات تلية وآلاف الآبار والثقوب فقد أصبح المغرب على موعد مع عتبة الندرة المطلقة بالنسبة للماء في أفق سنة 2050، إلا أن تدبير قطاع الماء يتطلب تجاوز عدد من أوجه القصور، كالتوزيع غير المتوازن بين الأحواض المائية، حيث تعاني جهات من الجفاف بينما يضيع فائض المياه في مناطق أخرى باتجاه البحر دون الاستفادة منه، إضافة إلى الاستغلال المفرط للمياه الجوفية ما سيؤدي إلى استنزافها، أما بالنسبة لمجال التحول إلى الري الموضعي للحد من استنزاف المياه الجوفية فقد بذلت المملكة المغربية جهودا مهمة في إطار مخطط المغرب الأخضر لاعتماد الري على نطاق واسع بهدف الاقتصاد في المياه، لكن هذه الجهود لم تنجح في احتواء زيادة الطلب على مياه السقي، بل لوحظ أن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية قد تفاقم بسبب توسع المساحات المسقية، لذلك فحماية الموارد المائية أصبحت بحاجة اليوم إلى اعتماد مزروعات مقتصدة في استهلاك الماء، ما يتطلب اللجوء للبحث الزراعي لتقديم أحسن الاقتراحات، لكن التقرير سجل غياب الاندماج بين البحث الزراعي والاختيارات المعتمدة في المجال الزراعي فيما يتعلق بتطوير تقنيات زراعية جديدة او إنشاء بذور وأصناف تناسب البيئات المعنية، ومن أجل المحافظة على الموارد المائية وحمايتها لابد أن نشرع في تحديد الملك العام المائي، وتتبع مصادر تلوث المياه، حيث تقدر تكلفة تدهور الموارد المائية بحوالي 1.26 في المائة من الناتج الداخلي الخام، منها 18.5 في المائة مرتبطة بالتلوث الصناعي للمياه، ويصل حجم التلوث إلى 51 مليون متر مكعب في السنة من مخلفات المصانع التحويلية، و 685 ألف متر مكعب من مخلفات مصانع الزيوت، وأزيد من 9 مليون متر مكعب من مخلفات المجازر، وحوالي 2 مليون متر مكعب من مخلفات المدابغ وصناعة النحاس بالإضافة إلى ضرورة تعزيز شرطة المياه بسبب ارتفاع عدد مستغلي المياه بدون ترخيص،بينما يتم تسجيل ضعف في التنسيق بين مختلف المتدخلين في القطاع، إلى جانب عدم تفعيل أجهزة التنسيق الرئيسية، تجدر الإشارة إلى أن المجلس الأعلى للماء والمناخ، لم ينعقد منذ سنة 2001، إلى جانب غياب استراتيجية تواصل متكاملة ومتعددة الدعامات، مرتبطة بتثمين وحماية الموارد المائية وإشاعة ثقافة الاقتصاد في استهلاك الماء، حيث أثارت مهمتا مراقبة تسيير مخطط اقتصاد الماء والمخطط الوطني لاقتصاد الماء في المجال الفلاحي قصورا في تحسيس الفلاحين في المناطق الساحلية بمنطقة الغرب بخطر تسرب مياه البحر إلى الفرشة المائية نتيجة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية.
النجاعة المائية آلية للتأقلم مع التغيرات المناخية
تستخدم معظم القطاعات كالصناعة والسياحة وغيرها من الأنشطة المياه وقد انخرطت جميع القطاعات بدورها في منطق الاستدامة بهدف الاندماج الأخضر والتحول إلى شريك مميز لأوروبا في هذا المجال، وأصبح المغرب اليوم البلد الرائد عالميا في تحلية مياه البحر على مستوى الساحل لضمان وتأمين احتياجات سكان هذه المناطق، وكذا توفير ما يكفي من المياه للمناطق الداخلية وعلى هذا المنوال ينبغي كذلك تعبئة موارد المياه غير التقليدية، عبر تسريع عملية تحلية المياه لمواجهة الخصاص، والتحديات المطروحة على بالمملكة خلال المرحلة المقبلة، فبفضل السياسة المائية الاستباقية والاستشرافية، بعيدة المدى والقائمة على التخطيط والبرامج الطموحة، بالموازاة مع وضع إطار قانوني ومؤسساتي لخلق الظروف الملائمة للتدبير المستدام للموارد المائية، أضحى المغرب يتوفر حالياً على رصيد مهم من المنشآت والتجهيزات المائية تتلخص في 152 سداً كبيراً بسعة إجمالية تفوق 20 مليار متر مكعب، و12 محطات لتحلية مياه البحر بقدرة 147 مليون مكعب في السنة بالإضافة إلى آلاف الآبار والأثقاب لاستخراج المياه الجوفية، ومنشآت لتحويل المياه، و رغم أهمية المكتسبات التي تحققت، والتي بوأت المغرب مكانة متميزة في مجال الماء على الصعيد الدولي، ” إلا أن القطاع ما يزال يشكو من بعض النواقص، كما أشار تقرير النموذج التنموي الجديد إلى معظمها. وبالفعل، هذه النجاحات لا ينبغي أن تخفي بعض النواقص وبعض الإخفاقات التي قررت الحكومة معالجتها ضمن أولوياتها “.
يعتبر البرنامج الوطني للماء مرحلة أولى للمخطط الوطني للماء، والذي سيكلف تنزيله غلافا ماليا يبلغ 142 مليار درهم، فمنذ توقيع الاتفاقية الإطار لإنجاز البرنامج تم إعطاء الانطلاقة لإنجاز 11 سداً كبيراً بسعة 4,25 مليون متر مكعب في السنة وكلفة إجمالية تبلغ 15,5 مليار درهم وذلك من أصل 20 سداً مبرمجاً، وسيتم أيضاً إنجاز أثقاب وتجهيزيها بغلاف مالي يفوق 100 مليون درهم، فضلاً عن وضع برنامج وطني للسدود الصغرى والتلية، من خلال برمجة 120 سدا تليا خلال الثلاث سنوات المقبلة بكل أقاليم المملكة، من جهة أخرى، سيتم الشروع في إعداد مشروع محطة تحلية المياه بمدينة الدار البيضاء الكبرى، بقدرة انتاجية تبلغ 300 مليون متر مكعب، بشراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى مشروع تحلية المياه بمدينة آسفي ومواصلة البرنامج على الصعيد الوطني.
هناك قناعة حاصلة بأن الامكانية الوحيدة لمواجهة تقليص الامكانيات المائية هو التركيز على تحلية المياه، وخير دليل على ذلك هو أن إنجاز أول مشروع محطة تحلية المياه بمدينة الداخلة بواسطة استعمال الطاقة الهوائية، وبتكلفته أقل بكثير، وبخصوص العالم القروي، فقد خصص البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي محورا خاصا لتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي، وذلك من خلال تسريع وتيرة إنجاز البرامج المسطرة من طرف مختلف المتدخلين وعلى رأسهم المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أو البرامج الأخرى كبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، بالإضافة إلى اعتماد برنامج تكميلي بالنسبة للمناطق التي لا يشملها أي من البرامج السالفة الذكر.
وفي هذا الإطار ندعو إلى تفعيل نجاعة مائية حقيقية بهدف مواجهة الإجهاد المائي الذي يخيم حاليا على البلاد، فتحسين النجاعة المائية بالمغرب يجب أن يكون في صلب الانشغالات، بما في ذلك قطاعات البناء والإدارة، فالمغرب انتقل اليوم من مرحلة ندرة المياه إلى الإجهاد المائي، هذا المعطى الناجم عن التغيرات المناخية حيث من المرتقب أن يفقد المغرب حوالي 30 بالمائة من الموارد المائية سنويا في أفق سنة 2050، ومن جانب آخر هناك عدة عوامل فاقمت هذه الوضعية، خاصة ارتفاع درجات الحرارة، فالمغرب يسجل، في المتوسط، 140 مليار متر مكعب من التساقطات المطرية، 108 مليارات متر مكعب منها تتعرض للتبخر، في الوقت الذي يبلغ فيه متوسط الاستهلاك السنوي من الماء 606 متر مكعب لكل نسمة