التمويل الأصغر المدعوم والأديان

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم ابراهيم، كبير مستشاري برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند، 18 ابريل 2024

لا زال النقاش حول كفاءة عمليات التمويل الأصغر وأثرها على الفقراء قائما. ولا تزال المخاوف قائمة بشأن انحراف المهام، والمخاطر الأخلاقية، والاستدامة داخل مؤسسات التمويل الأصغر، مما يؤدي إلى عدم اليقين بشأن النموذج الأكثر ملاءمة. ويرى البعض أن هناك معضلة أخلاقية في التمويل الأصغر فيما يتعلق بآليات تحقيق الربح، بينما معالجة الفقر يتطلب اتباع نهج غير مرتبط بالسوق وغير ربحي وغير أناني. في حين يرى البعض أن الإعانات والتبرعات التي ترتبط بالتمويل الأصغر الديني يمكن أن تدعم نجاح مؤسسات التمويل الأصغر، إلا أنها قد تعرقل، وبدون قصد، فعالية وكفاءة واستدامتها على المدى الطويل.

ربطت العديد من الدراسات التدين بالتنمية الاقتصادية العالمية، خاصه على المستوى القاعدي، ومع ذلك هناك ندرة في الأبحاث حول كيف خلق نموذج أعمال إسلامي مبتكر قائم على المنح والاعانات، وخاصة استخدام أداة المنح والصدقات لتحقيق تحولًا مجتمعيًا يعتمد على المبادئ المالية الإسلامية وربطه بالتمويل الأصغر الذي ينبغي أن يعمل على الأسس الربحية لضمان الاستدامة. هذه الأداة غير المستكشفة يمكنها المساهمة في تطوير ريادة الأعمال والتمكين المالي اذا احسن استخدامها. على العموم لم تتم دراسة تأثير الكيانات الدينية على التمويل الأصغر المعاصر بشكل شامل. وقد حددت بعض الكتاب المبررات العقائدية التي تفسر لماذا ينبغي للمنظمات المسيحية مثلا أن تشارك في التمويل الأصغر وريادة الأعمال، في حين قارن آخرون بين مؤسسات التمويل الأصغر من خلفيات دينية مختلفة، بما في ذلك الإسلام والمسيحية والهندوسية.

وتشير الأبحاث التي أجريت على الذين حصلوا على التمويل الإسلامي الأصغر، إلى أن برامجها كانت مفيد للعملاء. كما قامت أبحاث سابقة بتقصي تأثير التدين على الدور الاجتماعي لمؤسسات التمويل الأصغر. وأظهرت دراسة لمقارنة الأداء الاجتماعي والاستدامة المالية لأكثر من 500 مؤسسة تمويل أصغر تقليدية وأكثر من 100 مؤسسة تمويل أصغر إسلامية تعمل في دول إسلامية وغير إسلامية، أن مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية تتفوق على مؤسسات التمويل الأصغر التقليدية من حيث الانتشار والأداء المالي، في حين تتفوق مؤسسات التمويل الأصغر التقليدية على مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية من حيث الاتساع والعمق. وتشير كثير من الأدبيات أن مؤسسات التمويل الأصغر الإسلامية تمثل أحد النماذج الأكثر استدامة لمؤسسات التمويل الأصغر.

أما بالنسبة للتمويل ذي الطبيعة الخيرية كالزكاة والوقف والصدقات تظل الاستدامة على المدى الطويل مشكلة بسبب اعتماد التمويل المرتبط بالأديان على المنظمات المانحة واعتماد مبادئ ليست على غرار المعايير المؤسسية واسعة النطاق في تحقيق هدفها الأساسي. بالإضافة إلى ذلك:

1. تعتبر الإعانات والتبرعات أدوات حقيقية تهدف إلى تعزيز الأداء الفعال في مؤسسات التمويل الأصغر. وقد تبدو الإعانات مفيدة للوهلة الأولى، لكن عواقبها على أداء منظمات التمويل الأصغر وكفاءتها واستدامتها الذاتية قد تكون ضارة.

2. كما تبين أن حجم المؤسسات وعمرها قد يؤثران على النتائج. إذ تحتفظ مؤسسات التمويل الأصغر بأهداف حقيقية في خدمة الفقراء، ولكن مع نموها بشكل أكبر، فإنها تميل إلى أن تكون أكثر ميلاً نحو أهداف الاستدامة بموارد سوقية.

3. فيما يتعلق بالاستدامة، تؤكد المبادئ المالية الإسلامية الأساسية على العدالة الاجتماعية، والشمول، وتقاسم الموارد بين “من يملكون” ومن “لا يملكون”. والواقع أن السمتين المتميزتين “تقاسم المخاطر والأرباح” و”إعادة توزيع الثروة” تميزان بشكل كبير هذا النهج في التعامل مع التنمية القاعدية والاستدامة الماليه عن الصناعة المالية التقليدية.

ولتحقيق الاستدامة في التمويل الأصغر المرتبط بالاديان، نرى التالي:

1. ينبغي لمؤسسات التمويل الأصغر من مختلف الأديان أن تقلل أولا من اعتمادها على الأموال المتبرع بها لتصبح مؤهلة من الناحية التشغيلية في السوق أولا ومن ثم قادرة على الاستمرار ماليا. ومع ذلك، يجب أن يتم ذلك بحذر، نظرًا لتأثير الابتعاد عن التبرعات على الاستمرارية، حيث تعتمد غالبية مؤسسات التمويل الأصغر على المساهمة في الأسهم أو الدخل المدعوم، خاصة في سنواتها الأولى.

2. كما ينبغي لها أن تعمل على زيادة عدد المقترضين (مدى انتشارها) لتعزيز حجم مبيعاتها/قروضهم. ومع ذلك، فإن عدد كبير من القروض قد لا يكون كافياً لضمان الاستدامة المالية، وبالتالي ينبغي استكماله بمتابعة فعالة لضمان معدل سداد أكبر واستهداف خفض النفقات التشغيلية بشكل كبير لكل مقتر، خاصة باستخدام التقنية في المدفوعات.

3. وبالمثل، يجب على مؤسسات التمويل الأصغر أن تعمل على زيادة متوسط حجم القرض ( او ما يسمى بالتجسير من التمويل الأصغر للصغير والمتوسط) حتى تتمكن من الاكتفاء الذاتي. وهذا يعني أن تنفيذ متوسط حجم قرض أكبر من شأنه أن يعزز الاستدامة المالية، ولكنه سيؤدي أيضاً إلى زيادة احتمالات الفشل في السداد. وبالتالي، لابد لمؤسسات التمويل الأصغر أن تبذل كل جهد ممكن لتحقيق التوازن بين متوسط حجم القرض والسداد، خاصة وأن نتائج الدراسات تشير إلى أن ربحية مؤسسات التمويل الأصغر، وبالتالي استدامتها، تزداد بالتوازي مع متوسط حجم القرض، مما يشير إلى انتشار أقل بقروض أكبر، وهذا قد يكون مؤشر على انحراف المهمة. ولذلك، يجب على مؤسسات التمويل الأصغر التأكد من أن نمو ربحيتها يتوافق مع أهدافها إذا أرادت الاستمرارمع تحقيق هذه الأهداف.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

هل يمكن تطبيق الصيغ غير المعتمده على الفائدة في ظل النظام المصرفي التقليدي بدون تغير في الاطر التنظيمية؟

شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، …