شبكة بيئة ابوظبي، بروفيسور بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، كبير الخبراء، برنامج الخليج العربي للتنمية، أجفند 07 يوليو 2024
منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين، كنت أفكر في أسباب التطبيق المحدود للتمويل الخالي من الفائدة في الأنظمة المالية التقليدية، على الرغم من مزاياه. وبعد ذلك، اعتقدت أنه ينبغي تشجيع التوسع العالمي للأنظمة المالية التي تستخدم أساليب غير قائمة على الفائدة، بسبب هذه المزايا، ولكن من خلال تسميات وممارسات مختلفة. وفي وقت لاحق أصبح من الواضح لي أن التسمية الإسلامية، وربما الإطار التنظيمي بما في ذلك الالتزام بأسس الشريعة الاسلامية هو العائق الأساسي لتطبيق النظام الاسلامي في الغرب، بحسبانه أنه نظام يتعلق بالمسلمين أنفسهم.
يمكن للمقرضين التقليديين استخلاص صيغ التمويل القائمة على البيوع، وتقاسم الأرباح، والتأجير واستخدامها كإقراض “تكميلي” لسعر الفائدة لتوسيع التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، اذا لم ننظر إلى الصيغ الخالية من الفائدة في ظل التشريعات التقليدية السائدة من وجهة نظر دينية، بل من وجهة نظر عملية، خاصة وأن هذه الصيغ ليست حصرا على النظام الاسلامي في التمويل بل أيضا لها تطبيقات في النظام الوضعي الغربي في الأعمال التجارية وأنها أيضا مأخوذة في فكرتها من الأسس الفكرية الغربية مع تطويعها لخدمة أهداف النظام الاسلامي في التمويل، وهي بالنالي ليست غريبه على النظام الغربي. وبهذه الطريقة اللادينية، سيكون لها تطبيقات عالمية وإقليمية، دون أن يتم تحديدها على أنها إسلامية. على سبيل المثال، من حيث المبدأ، يمكن لرأس المال الاستثماري وأي وسيلة لتمويل الشراكة/الائتمان أن تعمل لصالح المؤسسات الصغيرة في بيئة مصرفية عالمية ولكن في الممارسة العملية فشل رأس المال الاستثماري الغربي الذي يستثمر في الأسهم في جعل خدماته متاحة لأصغر حجم من المؤسسات من خلال القطاع المصرفي وقطاع التمويل الأصغر. كما أن الاجارة (التأجير) والسلم (الاقراض الآجل) صيغ ليست غريبة على النظام الغربي مع الاختلافات الطفيفة في تطبيقها في المصارف الاسلامية احكاما لأسس الشريعه. يبدو إعادة النظر في أمر تطبيقات هذه الصيغ في النظام الغربي في التمويل على أسس تتفق مع هذه النظام امرا ضروريًا.
إن الاستفادة من الإطار التنظيمي الحالي في النظم الغربية للتمويل الخالي من الفائدة يوفر ميزة إضافية حيث تعتمد البنوك المركزية في الدول التي تطبق النظام الغربي في التمويل والاسلامي بشكل أساسي على أدوات السياسة النقدية الكمية التقليدية لتحقيق أهداف اقتصادية محددة. ورغم أن أغلب التدابير التي تنفذها البنوك المركزية في النظام الاسلامي في مجال السياسة النقدية تتبع الأساليب التقليدية، فإن هناك خطوات فريدة معينة اتخذتها البنوك المركزية في النظام المصرفي الاسلامي الكامل والمختلط. ومن بين الجوانب البارزة تشكيل مجالس استشارية شرعية من جانب البنوك الإسلامية لضمان الالتزام بمبادئ الشريعة في اتفاقياتها. ولكن على الرغم من تطبيق الشريعة، فإن الإطار التنظيمي والقانوني الشامل الذي يؤيد بشكل كامل النظام المالي الإسلامي لم يتم تأسيسه بعد، حيث تستند اغلب للوائح المصرفية الحالية إلى النموذج المصرفي الغربي.
إنني متفائل بشأن الشعبية المحتملة والنجاح الذي يمكن يحققه التمويل الخالي من الفائدة في البلدان غير الإسلامية لكل من العملاء والمقرضين بدون صبغة دينية. وأري أن ضف تطبيقه حاليا يأتي من المخاوف بشأن العقبات المحتملة من اللوائح ، فضلاً عن المقاومة من جانب البنوك التقليدية التي قد تتردد في التخلي عن حصتها في السوق في ظل هيكل تنظيمي مميز للتمويل الخالي من الفائدة بالطريقة التي يقوم بها النظام الاسلامي الكامل بسبب المنافسة المتوقعة للمؤسسات التقليدية من جانب المؤسسات المالية الإسلامية في هذا النظام. ومن ناحية أخرى، قد تواجه البنوك الإسلامية في الغرب صعوبة في تسويق هذا المفهوم الإسلامي الخالص الجديد في ظل إطار تنظيمي منفصل، إذا قبلته الهيئة التنظيمية. إن مفتاح نجاح التمويل الخالي من الفائدة في الدول غير الإسلامية يكمن في تطبيقه دون الحاجة إلى ضوابط إضافية وبدون اشارات دينية، على غرار النهج المتبع في الدول الأفريقي دون علم المؤسسات التي تطبيق الصيغ الخالية من الفائدة بأنها اسلاميه (حيث وجدننا ذلك في أكثر من عمل ميداني في التمويل القاعدي قمنا به في أفريقيا) . الدول التي لا يوجد لديها تشريعات للتمويل الإسلامي لا ينبغي أن تتخوف من تطبيق صيغ غير قائمة على الفائدة كنموذج تمويلي أسميته (التمويل التشاركي) بدون الحاجة لهذا التشريع اذا استبعدنا الالتزام بأصول الشريعه، كما هو الحال في في النظام الاسلامي. هذا النموذج يمكن أن يوسع وينوع قاعدة التمويل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، كمكمل للإقراض بفائدة دون ربطه بالتشريعات الإسلامية من قبل الجهات التنظيمية، وبمفهوم صيغ خالية من الفائدة في ظل اللوائح التنظيمية الحالية.