التداعيات المناخية وطرق التكيف
شبكة بيئة ابوظبي، إعداد صالح بن أحمد مجوحان، ماجستير مخاطر بيئية، اليمن، 03 سبتمبر 2024
المقدمة:
توالت الأحداث المتعلقة بالتغيرات المناخية في اليمن، وأثرت بشكل كبير على العديد من المكونات البيئية الرئيسية، منها الزراعة والمياه وتفاقم الأخطار الطبيعة (السيول والانهيارات الارضية بمختلف أنواعها) نتج عن ذلك خسائر مادية وبشرية كبيرة، وفاقمت من تدني مستوى الدخل وتقليص بعض الأنشطة الاقتصادية، وبالرغم من أن اليمن دولة تعد مساهمتها في عملية الاحتباس الحراري لم يذكر (ضئيل جداً) في نفس الوقت تعد من أكثر دول العالم تأثراً بهذه التغيرات المناخية، والحقت مؤخراً تأثيرات مباشرة وأدى ذلك إلى وفاة العديد من السكان يقدر في هذا العام بحوالي (100) نسمة على مختلف الأراضي اليمنية.
كارثة انجراف ركام السفوح في جبال ملحان أواخر الشهر الماضي كانت إحدى نتائج هذه التغيرات المناخية، وقد حدثت هذه الكارثة بسبب وجود بيئة طبيعية وبشرية ذات قابلية عالية للتعرض وهشة، مما جعل من قيمة التغير المناخي في هذه البيئة مؤثراً وسبب في وفاة العديد من السكان وجرف وسائل نقل ومنازل وأراضي زراعية وطمر أجزاء من الطرق الترابية التي تربط قرى ومحلات المنطقة.
في هذا التقرير نوضح بعض الخصائص الطبيعية والإنسانية في منطقة الضرر وإعطاء تحليل موجز عن أبعاد هذه الكارثة وكيف يمكن تلافيها في المستقبل في المنطقة وكذلك في النطاق المجاور والمشابه للمنطقة.
الهدف:
يهدف التقرير العلمي الى تحقيق الاتي:
1. التعرف على ماهي عمليات انجراف التربة وكيف تحدث.
2. التعرف على هشاشة البيئة الطبيعية والبشرية والتي ساهمت في أن تصبح هذه العملية الى كارثة.
3. ذكر ما يمكن أن يعمل به تنظيمياً وهندسياً لغرض التكيف والمواجهة لهذه التغيرات في المستقبل.
لمحة عامة عن الموضوع:
من المعلوم إن المرتفعات الغربية من اليمن تمتاز بشدة عالية في التضاريس، نجدها عالية جداً وفي نفس الوقت انحدارات شديدة، وتمتاز بمناخ ملائم للاستيطان وللعديد من المحاصيل الزراعية، هذه الميزات جعلت من الإنسان اليمني ومنذ القدم التغلب على شدة الانحدار والارتفاع والعيش فيها، هذا التغلب تم وفق رؤية مناسبة حيث اختار مواقع السكن في أماكن ملائمة منها العروق لصخرية وعلى رؤوس الشرفات الجبلية، وابتعد قدر الامكان عن ممرات السيول أو أسفل المنحدرات الجبلية، ثم قام بنشاط زراعي على سفوح هذه المنحدرات التي يزيد انحدار البعض منها عن (45) درجة، وقد استخدام نظام بناء المدرجات التي يمتاز بها اليمن عن المحيط العربي المجاور، ساهم هذا العمل في انتشار السكان وبكثافة عالية، واستمرت الحالة بوضع شبه مستقر خلال عقود من الزمن، وفي السنوات الأخيرة شهدت اليمن تطوراً ملحوظاً في جميع النواحي، نتج عن ذلك وجود فرص عمل في المدن وكذلك تفتت الملكيات الزراعية وتدني الانتاج الزراعي، سبب في الهجرة الداخلية واهمال المدرجات الزراعية وتوسع البناء في مناطق غير مدروسة، إضافة إلى عمليات شق الطرقات على هذه المنحدرات وعمل خزانات مياه من قبل منظمات وجمعيات دون إشراف حكومي، كل ذلك جعل من البيئة الطبيعية والبشرية ذات هشاشة عالية وبمجرد حدوث كميات من الأمطار فوق المعتادة حصلت الكارثة.
انجراف ركام السفوح:
تعد هذه العملية من العمليات الديناميكية التي تحدث في المنحدرات، وعندما تتغلب قوى الجاذبية الأرضية المتمثلة في درجة الانحدار على القوى المضادة لها وهي التماسك والترابط والاحتكاك لهذه المواد الركامية، وتعد المياه السبب الرئيس في تحديد زمنية ووقت الانجراف في أغلب المنحدرات حيث أن تشبع نطاق الركام الفتاتي يزيد من وزنه من جهة ويشكل أسطح حركة مع جزيئات الأطيان التي تتوزع في الركام من جهة أخرى، لتتغلب بعد ذلك قوى الجاذبية الأرضية على القوى المعاكسة.
ذكرنا سابقاً المرتفعات الجبلية الغربية من اليمن ومنها جبال ملحان ويمكن توضيح هنا عملية الانجراف الحاصلة في المنطقة، حيث يمكن ذكرها في الآتي:
1: المواد الركامية للسفوح:
تتكون صخور جبال المنطقة من الصخور البركانية الثلاثية في اليمن التي تتصف وخاصة البعض منها بالتحلل العالي نتيجة التجوية الكيميائية وتحولها الى أطيان متحللة زلقة وتعمل التجوية الفيزيائية وغيرها على تفتت الصخور الى مفتتات صخرية، كما يساهم انتشار الغطاء النباتي الى تشكل الترب الزراعية وبالتالي يمكن اعتبار المواد التي يتكون منه ركام السفوح في منحدرات هذه المنطقة هي (اطيان، تربة، فتات صخري) تجمعت هذه المواد حول بعضها البعض واستقرت في زوايا معينة من الانحدار وانجرفت في الانحدارات الشديدة وفي معظم السفوح تم حجزها بواسطة مدرجات متتالية تبنى بشكل جدار موازي للسفوح وتختلف سماكتها بين (1ـ3) متر، يتخلل السفوح مجاري مائية معلقة تنطلق المياه من خلالها وفي الرتبة المائية الأولى التي تمتاز بشدة في الاندفاع والجرف، بينما المدرجات تعمل على خزن وتشبع للمياه من خلالها للأراضي الزراعية.
استمرت هذه الحالة دون حدوث كوارث مسجلة وخلال العقود السابقة، خاصة وقد رافق هذه العملية صيانة للمدرجات وتنظيف للمجاري الرئيسة، وعدم البناء من مقربتها أو أسفل المدرجات وغيرها، وما أن حدثت بعض التغيرات في المناخ وضعف في المجتمع، حتى تداخلت عدد من المؤثرات منها التوسع في البناء اسفل المدرجات او بالقرب من المجاري المائية، ناهيك عن عمل الخزانات المائية أعالي المنحدرات ليسهل عمليات الري في الأسفل دون استهلاك الطاقة، كل ذلك مع حصول كميات غير معتادة من الأمطار سواء في طول فترة الصبيب المطري وكذلك الشدة نتج عن ذلك في هذه المنطقة انفجار خزانات مائية ومدرجات زراعية وكون المنحدر شديد الانحدار وحمولة المياه للسيول أصبحت صلبة سببت بعد ذلك في زيادة شدة الانجراف والارتطام والتهديم لما يقع أسفلها من مباني وغيره ونتج عن ذلك الكارثة المأساوية التي توفي خلالها العشرات من السكان وتهدم العديد من المباني السكنية.
2: هشاشة المكونات:
بما أن الكارثة حدثت في جبال معلقة وعند حيازات زراعية محدودة، وبالتالي يمكن تقييم المكونات التي وقع عليها عمليات الانجراف ضعيفة وهشة وتتمثل هذه المكونات في المباني السكنية ونوعها، إذ نجدها غير خرسانية وإنما شعبية كما يقال محلياً، ولا يوجد أي أعمال احترازية كعمل سواند ومصدات خلف المباني كما في الشكل (1) لتساهم في حماية تدفق المواد المنجرفة، إضافة الى أن هناك مصادر خطر إضافية في أعالي المنحدرات تتمثل في الخزانات والتي يفترض أن يتم تفريغها عند كل موسم وانذار جوي، ولكن تم همال هذا المكون إضافة إلى أن المجتمع ريفي وغالبية سكانه من كبار السن والأطفال وبالتالي يمكن وصف قابلية التعرض بأنها عالية جداً في هذه المجتمعات.
3: التكيف والمواجهة مع التغيرات المناخية:
طالما وأن هناك تغيرات مناخية وأصبح الجميع يلاحظها ويدفع بشكل مباشر أو غير مباشر تكاليف إضافية بسببها، يتطلب الأمر من الجميع وبالذات المؤسسات الدولية التصدي والمواجهة لهذه التغيرات وتقليل الخسائر الناتجة عنها من ذلك ما يلي:
1. الابتعاد بقدر الامكان في البناء للسكن من مصادر الخطر الانهيارات الأرضية ومجاري السيول وسن قوانين ولوائح مجتمعية تضبط الجميع بهذا الالتزام.
2. الصيانة المستمرة للمدرجات الزراعية وعمل مفائض لها بحيث تقلل من عملية خزن المياه وزيادة التشبع عن النسبة اللازمة.
3. الاهتمام بالطاء النباتي في المنحدرات وخاصة الحشائش التي تساهم في تثبيت المنحدرات.
4. تنظيف مجاري السيول من الاشجار والمعوقات الصلبة للجريان.
5. عد عمل خزانات مياه أعالي المنحدرات وأن وجدت يتم تفريغها بعد سماع وجود تغيرات مناخية أو طارئة.
6. متابعة الاخبار عن الحالة الجوية للبلاد.
7. التوعية المستمرة بقضايا تغيرات المناخ.
النتائج:
يمكن سرد أهم النتائج كم يلي:
1. البيئة الطبيعية اليمنية وكذلك قابلية التعرض للمجتمع مناسبة لحدوث هذه الكوارث المناخية.
2. الابعاد المناخية جعلت من انتشار كثيف للسكان على مرتفعات اليمن الغربية رغم المخاطر التي قد تحدث فيها.
3. ضعف الوعي بعمليات التغير المناخي والبناء قريب من مجاري المياه أو أسفل المدرجات.
4. تصنف ما حدث بمنطقة ملحان بانها كارثة ونتج عن ذلك خسائر مادية وبشرية.
التوصيات:
1. الدعم المستمر من قبل صناديق تمويل الدول الفقيرة في مجال التغيرات المناخية لهذه المجتمعات
2. رفع القدرات المادية في البناء والطرق وغيره.
3. التوعية المستمرة ببرامج التكيف والتأقلم مع التغيرات المناخية.
4. سن لوائح وقوانين تساعد هذه الدول في عملية تنظيم وادارة المخاطر الطبيعة.