صراع الأمم على ما تبقى من الكوكب

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، 09 سبتمبر 2024

عندما التقط رائد الفضاء الأمريكي “وليام أندرس” أجمل وأشهر صورة لكوكب الأرض، التي عرفت فيما بعد باسم “شروق الأرض” كان أحد 3 أشخاص داروا حول القمر خلال مهمة أبولو (8) عام 1968، لم يكن يدري أنه مع هذه الصورة تكون قد بدأت قصة الاهتمام بكوكب الأرض، بل أن هذه الصورة كانت بمثابة شرارة الانطلاق الأولى التي حفزت الناس على الاهتمام بالبيئة ورفع قضاياها على المسرح العالمي ما أثمر عن انعقاد قمة الأرض لأول مرة في ستوكهولم بالسويد عام 1972، عقب ذلك بدأت مؤتمرات المناخ تُعقد تباعاً الى أن ظهرت لدينا سلسلة منتظمة من الــــ (COP) تسمى مؤتمر الأطراف (Conference of Parties) هو مؤتمر يجمع بين الدول التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، وعددها 198 دولة، إلى جانب الاتحاد الأوروبي (إجمالي عدد الأطراف 199).

يُعتبر مؤتمر الأطراف أعلى هيئة عالمية لاتخاذ القرارات بشأن القضايا المناخية ويُعقد سنوياً برئاسة إحدى الدول التي يجري اختيارها مسبقاً. ويختص مؤتمر الأطراف (COP) بمتابعة تنفيذ مواد بروتوكول كيوتو 1997 واتفاق باريس وهو اتفاق تاريخي بشأن المناخ تم التواصل إليه في عام 2015. حيث أقيمت الدورة الأولى (COP1) لمؤتمر الأطراف عام 1995 في بون بألمانيا، والدورة الثامنة والعشرين (COP28) في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.

في السابق كانت مؤتمرات الأطراف مقصورة على فئة محددة من المفاوضين الحكوميين. واليوم أصبحت مؤتمرات الأطراف تشكل فعاليات عالمية كبرى، تستقطب عشرات الآلاف من القادة السياسيين ورجال الأعمال والخبراء من مختلف القطاعات والمجالات والنشطاء والجمهور العام (كل أصحاب المصلحة). حيث تشكل مؤتمرات الأطراف منصة محورية تجمع بين مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية للإعلان عن جهودها في مجال العمل المناخي وبناء العلاقات والشراكات وإبرام الصفقات وإحداث أثر نوعي في العمل المناخي.

خريطة التحالفات في مفاوضات المناخ
تحت سطح اللغة المهذبة والإجراءات الرسمية، تبدو محادثات الأمم المتحدة أكثر ارتباطاً بالسياسة الواقعية مما تبدو عليه للوهلة الأولى. إن كل دولة تسعى إلى تعزيز مصالحها الداخلية، مع تكاتف القوى السياسية الأضعف للحصول على فرصة لسماع صوتها ضد اللاعبين الأكثر هيمنة، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين. ومع بدء المحادثات في باريس 2015، تم إعداد خريطة للدول الحليفة، وللدول التي لديها أقدام في أكثر من معسكر.

ولو نظرنا إلى خريطة التحالفات بين الدول الأعضاء في الاتفاقية الاطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخي (UNFCCC) وما هي حجم المصالح الاقتصادية والسياسية والبيئية التي تتقاطع فيما بينها ويجري التفاوض عليها خلف كواليس قاعات الاجتماع والتفاوض في مؤتمرات الـ (COP) ندرك تماماً حجم الصعاب التي ترافق اجتماعات ومفاوضات المناخ المرافقة للمؤتمر سواء في الاجتماع نصف السنوي الذي يعقد خلال شهر يوليو في مدينة “بون” بألمانيا، أو خلال أيام الـ (COP) ذاتها.

إن ضعف النتائج أو التوصيات التي تخرج بها مؤتمرات المناخ هي بمثابة مؤشر أداء يعكس خريطة الصراع الخفي بين المصالح السياسية والاقتصادية للدول الصناعية سواء في مجموعة الـ (G5) أو مجموعة الـ (G7). أو مجموعة الـ (G20) وغيرهم. حيث نجد عشرات الكتل السياسية والاقتصادية والبيئية بين الدول الأعضاء، بل أكثر من ذلك نجد أيضاً عدم التزام الدول الصناعية الكبرى (المسؤولة تاريخياً عن معظم غازات الدفيئة الموجودة في الغلاف الجوي) التي أدت الى الاحتباس الحراري وبالتالي التغير المناخي، بتنفيذ ما اتفقت ووقعت عليه خلال 28 دورة من دورات مؤتمرات المناخ (COP) ما يدل على عدم اكتراث وقلة إحساس بالمسؤولية اتجاه مستقبل الحياة -بسلام بيئي- على سطح الكوكب. وهذا ما نطلق عليه صراع الأمم على ما تبقى من الكوكب. وكأن كوكب الأرض عبارة عن سجادة جميلة نراها بأم أعيننا تنسحب من تحت أقدامنا رويداً رويداً، فكوكب الأرض لم يعد كما كان قبل الثورة الصناعية 1850؟ بل وصلنا إلى المكان الذي لا رجعة منه، أي بتنا في عين العاصفة ولم يعد بمقدورنا إلا التخفيف من غازات الدفيئة إلى جانب التكيف مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية (الإرث التاريخي للانبعاثات) حيث لن تكون هناك دولة واحدة بالعالم بمنأى عن الآثار السلبية للتغير المناخي.

على سبيل المثال فقد أسفرت مفاوضات المناخ في مؤتمر كوبنهاغن بالدانمارك للمناخ (COP15) خلال الفترة 07-18 ديسمبر عام 2009 عن إلزام الدول المتقدمة بدفع 30 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2010 – 2012 للدول النامية والأقل نمواً. وإلزام الدول المتقدمة بدفع 100 مليار دولار امريكي كل عام حتى 2020 الى البلدان الأكثر تضررا من أجل التكيف والتخفيف في البدلان النامية، مع إعطاء الأولوية لأقل البلدان نمواً. والنتيجة الجميع يعرفها أنها قول بلا فعل لحد الآن، وبالتالي لا حياة لمن تنادي.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

أفريقيا حان الوقت لكي يدفع الملوثون الأثرياء ثمن أزمة المناخ التي تسببوا فيها

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم هيلدا فلافيا ناكابوي 30 سبتمبر 2024 نيويورك ــ يقف العالم عند …