شبكة بيئة ابوظبي، بقلم الياس عبدو، الرئيس التنفيذي لشركة هايدرو باور، دبي، الإمارات العربية المتحدة، 12 سبتمبر 2024
بعد مضي ستة أشهر على انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ 2023 والتحفيز الذي أحدثه مؤتمر المناخ (كوب28) على قطاع الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي. ما الذي سيحدث!
كان مؤتمر المناخ الثامن والعشرون الذي انعقد في دبي حدثًا بارزًا في صناعة الطاقة المتجددة والاستدامة في المنطقة إذ خرج بالتزام الأطراف المشاركة بزيادة انتاج الطاقة المتجددة العالمية بحلول عام 2030، من 3400 جيجاوات إلى 10500-11000 جيجاوات بحلول عام 2030، مما يعني إضافة سنوية تزيد عن 1500 جيجاوات بحلول عام 2030.
وقد تناول المؤتمر هذا الهدف عبر الكثير من المناقشات حول كيفية تحقيقه في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تستهلك نحو 2.5٪ من الكهرباء المولدة في العالم. أي ما يعادل حوالي 37.5 جيجاوات من الطاقة.
كما تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي الست من أكثر دول العالم تعرضًا لأشعة الشمس، ولديها القدرة على توفير كميات كبيرة جدًا من الطاقة الشمسية منخفضة التكلفة، إلا أنها إلى الآن لا تنتج سوى 0.7٪ فقط من توليد الطاقة الشمسية على المستوى العالمي. مما يستدعي ضرورة تظافر الجهود لسد الفجوة بين متطلبات إنتاج الطاقة لديها وقدرتها الحقيقية على التوليد.
لقد أدركت خمس من دول مجلس التعاون الخليجي الست هذه الحقيقة، فحددت تواريخ محددة للوصول إلى مستويات انبعاثات الكربون الصفرية، وبالتالي فإن تطوير وتشغيل حلول الطاقة المتجددة يشكل اختباراً رئيسياً لطموحاتها ولنشر تقنياتها في المنطقة بالتزامن مع تنفيذ جميع الدول استراتيجيات التنويع الاقتصادي بعيداً عن الهيدروكربونات والتوجه نحو الطاقة الخضراء التي باتت ضرورة ملحة.
تتعدد العوامل التي تلعب دورًا في تجديد توجهات دول المنطقة نحو الطاقة المتجددة واستدامة المياه. حيث تشهد الدول في المنطقة بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نهضة بعد جائحة كوفيد-19، التي تعاملت معها الدولتان بشكل مثالي مقارنة بالعديد من الاقتصادات الأخرى، كما أظهرت الدولتان نموًا بارزا مع توسيع قطاعاتهم غير النفطية والاستفادة من الأسواق الناشئة والمتقدمة في العديد من الأجزاء الأخرى من العالم.
وكان للطابع الحيوي لتركيبة المجتمع الشاب في المنطقة دورا أساسيا في خلق قناعة وثقة لدى قيادات المنطقة بإمكانية خلق نمو في الناتج المحلي الإجمالي وتوفير فرص عمل جديدة والقدرة على تعزيز الأعمال التجارية، حيث استثمروا في قطاع التكنولوجيا بشتى أصنافها بما في ذلك من الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية والمشفرة، إضافة إلى التركيز على مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الخضراء. فبعد جائحة كوفيد-19 التي تسببت بالعمل بعيدا عن سلاسل التوريد الطويلة ونقل الشركات والصناعات إلى الخارج لتقليل المخاطر الناجمة عن الوباء. وتواجدت هذه الصناعات في أسواق مستقرة مرنة أخرى، والتي كانت تتميز بانخفاض بصمتها الكربونية. واليوم تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بهذا النوع من الأسواق وبإمكانات مبشرة في مجال توليد الطاقة المتجددة. كما تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بموقعها الجغرافي الذي يربط بين الاقتصادات العالمية.
وللإجابة على السؤال المطروح فيما إذا كانت المنطقة قادرة على إنتاج 37.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، علينا الأخذ في الاعتبار أن القوة التي تتمتع بها الاقتصادات الإقليمية، إلى جانب التركيبة السكانية الشابة فإننا سنرى نموا هائلا في الأفق. فالمملكة العربية السعودية وحدها ملتزمة بتوليد أكثر من 20 جيجاوات من الطاقة بحلول عام 2030، ومن المرجح أن تزيد دول مجلس التعاون الخليجي إنتاجها بأكثر من 10 أضعاف عن مستويات عام 2022 بحلول عام 2030.
ونستطيع أن نرى أن توليد واستخدام المزيد من التقدم التكنولوجي في مجال الطاقة المتجددة سيعطي المنطقة الريادة في هذا القطاع الذي تتمتع به بالفعل في مجال تحلية المياه واستدامة المياه.
لقد لعبت دول مجلس التعاون الخليجي دوراً رائداً في مجال تحلية المياه، حيث بدأت هذه الدول في أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وهي اليوم تقود العالم في هذا المجال، حيث تعمل محطات تحلية المياه في 186 دولة حول العالم، وتنتج 140 مليون متر مكعب من المياه النظيفة يومياً، وتصل حصة دول مجلس التعاون الخليجي الى ما يقارب من نصف هذا الإنتاج، على الرغم من أنها تشكل أقل من 1% من سكان العالم.
ويمكننا القول إن الريادة التي ظهرت في مجال تحلية المياه سوف تتحقق في نهاية المطاف مع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين المتجددة، حتى نصل إلى نقطة تصبح فيها المنطقة مصدرة للطاقة الخضراء إلى الدول غير الأعضاء في دول مجلس التعاون الخليجي.
تعتبر لوجستيات نقل المياه أسهل بكثير من نقل وتخزين الطاقة في كثير من النواحي، ولهذا السبب تتطلع المنطقة إلى مجالات أوسع مثل تخزين الطاقة في البطاريات.
مع كل تكنولوجيا جديدة يأتي التغيير الذي يجب إدارته. سواء كان الأمر يتعلق بتأثير توربينات الرياح على الحياة البرية أو إدارة المحلول الملحي الناتج عن تحلية المياه، فإن هذه المناطق تحتاج إلى إدارة دقيقة دون إغفال الرسائل التي أخذناها جميعًا من مؤتمر المناخ. لم يعد خيار تجاهل تغير المناخ موجودًا. يجب اتخاذ الإجراءات، ونحن نعتقد أن القادة في دول مجلس التعاون الخليجي أصبحوا لاعبين مهمين للغاية من خلال توجيهاتهم بضرورة تطوير مصادر الطاقة المستدامة بنفس الطريقة التي غيروا بها الطريقة التي يمكننا بها الآن معالجة ندرة المياه.