رحلة في عالم التحريف العلمي (1)

من سوسة الطماطم إلى التكنولوجيا الحيوية

“الغازلايتينغ” والتلاعب بالحقائق العلمية: تأثيرات مضرة على القضايا البيئية العالمية

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 19 أكتوبر 2024

تخيل عالمًا تعيش فيه الشائعات حياة أطول من الحقائق، حيث يتم تزييف العلم ليناسب مصالح ضيقة، لتصبح الحقيقة مجرد رأي آخر. هذا هو عالمنا اليوم، عالم مليء بالمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة التي تهدد بتدمير ثقتنا في العلم والمعرفة. وفي عصرنا الحالي، حيث تتدفق المعلومات علينا من كل صوب، أصبح من الصعب تمييز الحقيقة من الخيال. وتنتشر الشائعات بسرعة البرق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتجد أرضاً خصبة في أذهان الناس، خاصةً عندما تتعلق بحياتنا ومخاوفنا اليومية. وحكاية سوسة الطماطم التي انتشرت مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي في جمهورية مصر العربية وغيرها من الدول العربية هي مثال حي على ذلك.

بدأت القصة كشائعة بسيطة، ربما انطلقت من ملاحظة بسيطة لثقبين صغيرين في ثمرة طماطم، وتطورت لتصل إلى حد الادعاء بأن تلك الثقوب ناتجة عن لدغات ثعابين سامة! ورغم أن هذه الفكرة تبدو سخيفة للكثيرين، إلا أنها وجدت طريقها إلى قلوبهم، وسرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم. والحقيقة أن الثقوب التي تظهر في الطماطم غالبًا ما تكون ناتجة عن إصابة النبات بحشرات، مثل سوسة الطماطم. هذه الحشرة الصغيرة تتغذى على أنسجة النبات، وتترك ثقوبًا واضحة. ورغم أن هذه الحشرة تسبب أضرارًا للمحصول، إلا أنها لا تشكل أي خطر على صحة الإنسان.

يعتبر هذا المثال من الأمثلة الشهيرة لما يعرف باسم “الغازلايتينغ” (Gaslighting) العلمي أو التحريف العلمي، وهي عملية تشويه الحقائق العلمية والتلاعب بها لأغراض سياسية أو تجارية، ويُعتبر التحريف العلمي تكتيكًا يستخدم لتشكيك الآخرين في إدراكهم للواقع، مما يؤدي إلى شعورهم بالارتباك والشك في أنفسهم. وفي عالم العلوم، يتم استخدام تكتيكات “الغازلايتينغ” العلمي، بشكل متزايد لتشويه الحقائق العلمية وتوجيه الرأي العام نحو اتجاهات معينة، قد تكون لأهداف اقتصادية أو تسويقية أو سياسية. لنستكشف معًا كيف يتم التلاعب بعقولنا من خلال التحريف العلمي، وبصفة خاصة على أهم القضايا البيئية، وكيف يمكننا حماية أنفسنا من هذه الحرب الخفية على العقل.

التحريف العلمي في قضايا البيئة
يتم استخدام التحريف العلمي في قضايا البيئة عن طريق استخدام التهديدات البيئية المبالغ فيها، مثل الاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية، لتخويف الجمهور وتوجيههم نحو سياسات معينة. ويتم التشكيك في النتائج العلمية التي لا تتوافق مع الأجندات السياسية أو الاقتصادية، مما يؤدي إلى الشك في صحة العلم. كما يتم الترويج لنظريات المؤامرة التي تهدف إلى تقويض الثقة في المؤسسات العلمية والخبراء.

علي سبيل المثال، يتم الترويج للخوف من الإشعاع النووي والتحذير من مخاطر الإشعاع النووي، على الرغم من أن العديد من الدراسات العلمية تثبت سلامة استخدام الطاقة النووية، والقدرة على تأمين المفاعلات النووية حاليا، وأن الكوارث التي حدثت في الماضي كانت نتيجة لأخطاء كارثية أو لإهمال أو عدم صيانة جيدة. ويتم التشكيك في تأثير المبيدات الحشرية على الصحة العامة، على الرغم من أن الدراسات العلمية تشير إلى أن معظم المبيدات الحشرية آمنة على البشر عند استخدامها بشكل صحيح. اما الترويج لنظريات المؤامرة حول الاحتباس الحراري التي تنفي وجود الاحتباس الحراري أو تنفي دور الإنسان في تسببه، فتقدم أكبر وأهم مثال عن على التحريف العلمي في قضايا المناخ.

التحريف العلمي في قضايا التكنولوجيا الحيوية والتعديل الجيني
تعتبر التكنولوجيا الحيوية والتعديل الجيني من المجالات التي تشهد الكثير من الجدل والتشكيك، مما يجعلها أرضًا خصبة للغازلايتج العلمي. ويعد الحديث عن الأغذية المعدلة وراثيًا (GMOs) من أهم الموضوعات التي سببت جدلا عالميا في العقود الأخيرة، وغالبًا ما يتم تصوير الأغذية المعدلة وراثيًا على أنها خطرة وغير آمنة، على الرغم من أن العديد من الدراسات العلمية تؤكد سلامتها. وفي الغالب يتم تصوير الأطعمة المعدلة وراثيًا على أنها خطر على الصحة، على الرغم من أن التعديل الجيني يمكن استخدامه لزيادة إنتاجية المحاصيل وتحسين قيمتها الغذائية وتقليل الأعراض الجانبية لهذه المنتجات بشكل كبير، وقد يصل في حالة استخدام تقنيات جديدة كالتحرير الجيني إلى درجة الصفر. كما يتم الترويج لخوف غير مبرر من هذه الأغذية، مما يؤثر على قرارات المستهلكين.

ويتم تداول الكثير من الشائعات حول لقاحات الأمراض المختلفة، مثل لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية، ولقاحات كوفيد-19. ويتم التشكيك في فعالية هذه اللقاحات وربطها بأعراض جانبية خطيرة، على الرغم من الأدلة العلمية والعملية الواضحة على فوائدها الكبيرة، حتى لو كان هناك بعض الأضرار الجانبية.
كما يتم التعبير عن مخاوف أخلاقية حول تعديل الجينات البشرية، ويتم تصويره على أنه “لعب دور الإله” أو تهديد للطبيعة البشرية، وفي الوقت نفسه يتم تجاهل الفوائد المحتملة لهذه التقنية في علاج الأمراض الوراثية الخطيرة والنجاحات التي قدمتها في المجال الطبي والصيدلي، وغيره من المجالات المرتبطة به.

أسباب انتشار “الغازلايتنج”
تعد ظاهرة “الغازلايتنج” العلمي مشكلة متزايدة في عالمنا المعاصر. وتتعدد العوامل التي تساهم في انتشار هذه الظاهرة، ومن أهمها المصالح الاقتصادية، حيث تسعى العديد من الشركات والمؤسسات إلى تحقيق أرباح من خلال الترويج لمنتجات أو خدمات معينة، بغض النظر عن آثارها البيئية أو الصحية. وقد يلجؤون إلى تشويه الحقائق العلمية لتقويض المنافسين أو حماية مصالحهم. فعلي سبيل المثال، فالشركات التي تبيع المنتجات العضوية أو الطبيعية قد تستفيد من الخوف من التكنولوجيا الحيوية والتعديل الجيني. وقد تستخدم بعض الجماعات السياسية هذه القضايا لفرض الأجندات السياسية، ولتحقيق مكاسب سياسية أو لتشويه سمعة الخصوم. ولكن في حقيقة الأمر، فغالبًا ما يرتبط الخوف من التكنولوجيا الحيوية والتعديل الجيني بالخوف من المجهول والتغيير. ولكن أهم ما يشعل نار التحريف العلمي هو نقص المعرفة العلمية، حيث يفتقر الكثير من الناس إلى الفهم الكافي للمفاهيم العلمية المتعلقة بالتكنولوجيا الحيوية والتعديل الجيني، مما يجعلهم عرضة للتأثر بالمعلومات المضللة.

ومن أهم أسباب انتشار التحريف العلمي هو الأجندات السياسية، حيث تستخدم الأحزاب السياسية والمنظمات السياسية التحريف العلمي لتأييد سياسات معينة أو لتشويه سمعة الخصوم السياسيين. وتلعب وسائل الإعلام دورًا حاسمًا في نشر المعلومات، ولكن في بعض الأحيان قد تعطي مساحة أكبر للأخبار المثيرة والمثيرة للجدل، مما يؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة. وتتيح منصات التواصل الاجتماعي انتشار المعلومات بسرعة كبيرة، ولكنها أيضًا تسهل انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة. ومن الملاحظ أن الكثير من الناس يفتقرون إلى الخلفية العلمية اللازمة لتقييم المعلومات العلمية وتحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ. ويميل الناس إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتهم القائمة، مما يجعلهم أكثر عرضة للتصديق على المعلومات المضللة التي تتوافق مع آرائهم. كما قد يشعر الناس بالضغط للتصديق على معتقدات معينة بسبب الضغوط الاجتماعية أو الانتماء إلى مجموعات معينة.

كيفية تصبح مستهلكًا أكثر ذكاءً للمعلومات العلمية
يؤدي التحريف العلمي إلى تراجع الثقة في العلم والعلماء، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن القضايا العلمية. ولهذا، فيمكن أن يعطل التحريف العلمي التقدم العلمي من خلال تشويه الحقائق العلمية وإعاقة البحث العلمي. ويمكن أن يؤدي التحريف العلمي إلى زيادة التكاليف الاقتصادية من خلال توجيه الموارد نحو حلول غير فعالة أو غير ضرورية. كما يمكن أن يؤدي التحريف العلمي إلى تدهور الصحة العامة من خلال تشجيع الناس على اتخاذ قرارات غير صحية بناءً على معلومات خاطئة.
ويؤدي التحريف العلمي إلى تراجع الثقة في العلم والعلماء، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن القضايا البيئية. ويمكن أن يعطل التحريف العلمي التقدم العلمي من خلال تشويه الحقائق العلمية وإعاقة البحث العلمي. كما يمكن أن يؤدي التحريف العلمي إلى زيادة التكاليف الاقتصادية من خلال توجيه الموارد نحو حلول غير فعالة أو غير ضرورية، حيث أن التمييز بين المعلومات العلمية الصحيحة والمضللة يتطلب جهدًا ووعيًا.

ومن خلال اتباع الخطوات التالية، يمكنك أن تصبح مستهلكًا أكثر ذكاءً للمعلومات العلمية.
لمواجهة التحريف العلمي يجب التركيز على تعليم العلوم في المدارس والجامعات، وتشجيع التفكير النقدي والقدرة على تقييم المعلومات. كما يجب دعم الصحافة التي تقوم بالتحقيق في المعلومات العلمية وتكشف عن أي تحريف أو تلاعب. ويجب على العلماء أن يكونوا أكثر نشاطًا في التواصل مع الجمهور وتبسيط المعلومات العلمية. ومن المهم بالطبع التمييز بين التشكيك المشروع في النتائج العلمية والتحريف العلمي لنتائج البحوث العلمية، فالتشكيك العلمي المشروع هو جزء أساسي من العملية العلمية، ولكن التحريف العلمي يهدف إلى تشويه الحقائق العلمية عمدًا. ويتطلب مواجهة التحريف العلمي في قضايا البيئة تعزيز الوعي العلمي، وتعزيز التواصل بين العلماء والجمهور، ودعم المؤسسات العلمية المستقلة.

ومن خلال العمل الجماعي، يمكننا حماية العلم من التلاعب والتشويه، وبناء مستقبل أكثر استدامة للكوكب. وتعتبر القدرة على تمييز المعلومات العلمية الصحيحة عن المضللة مهارة أساسية في عصرنا الحالي، حيث يتعرض الأفراد لفيض من المعلومات من مصادر متنوعة. ويمكن للمواطن العادي أن يتحقق أولا من المصدر، ويحاول معرفة هل المصدر مؤسسة علمية مرموقة أو موقع إخباري موثوق به؟ وبالطبع يجب تجتنب المواقع التي تفتقر إلى المصداقية أو التي تدعم آراء متطرفة. ومن المهم السؤال: هل الكاتب متخصص في المجال الذي يتحدث عنه؟ هل لديه مؤهلات علمية؟ هل المعلومات حديثة أم قديمة؟ هل تم تحديثها؟ هل تستند المعلومات إلى دراسات علمية منشورة في مجلات علمية مرموقة؟ هل تم مراجعتها من قبل خبراء آخرين في المجال؟ هل يتم استخدام الإحصائيات بشكل صحيح؟ هل يتم تقديم السياق الكامل للإحصائيات؟ هل يتم اقتباس العلماء والخبراء بشكل صحيح؟ هل يتم تقديم وجهة نظر متوازنة؟ وغيرها من الأسئلة الملحة.

وفي القضايا العلمية الحيوية المؤثرة لا تعتمد على مصدر واحد فقط، بل ابحث عن معلومات من مصادر مختلفة ومتنوعة. وحاول العثور على آراء خبراء مستقلين في المجال. وابحث عن مناقشات علمية حول الموضوع، وحاول فهم الحجج المختلفة. لا تدع العناوين الجذابة تخدعك، فاقرأ النص كاملاً لتفهم المعنى الحقيقي، وكن حذرًا من القصص المثيرة التي تهدف إلى جذب الانتباه، فقد تكون مبسطة أو مضللة. وكن حذرًا من الادعاءات القاطعة التي لا تدعمها أدلة علمية قوية.

ومن ناحية أخري يجب على القارئ تطوير ثقافته العلمية عن طريق قراءة كتب ومقالات علمية موجهة للجمهور العام، ويمكنه الاشتراك في دورات تدريبية تعزز فهمه للمفاهيم العلمية الأساسية مع المشاركة في مناقشات علمية مع الآخرين، وطرح الأسئلة. كما يمكن للقارئ استخدم محركات البحث المتخصصة، فهناك محركات بحث مصممة خصيصًا للبحث عن المعلومات العلمية، مثل Google Scholar، ويتحقق من المصادر الأولية مع محاولة الوصول إلى الدراسات العلمية الأصلية بدلاً من الاعتماد على التقارير الصحفية. وإذا كنت غير متأكد من صحة معلومة ما، فلا تتردد في طلب المساعدة من خبراء أو منظمات علمية.

دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في مكافحة ظاهرة التحريف العلمي
تلعب المؤسسات التعليمية والإعلامية دورًا حاسمًا في مكافحة ظاهرة التحريف العلمي، والتي تهدد الثقة في العلم وتعيق التقدم. ومن أهم الأدوار التي يمكن أن تقوم بها كل مؤسسة هي تدريس التفكير النقدي، ويجب أن تشجع المؤسسات التعليمية على تدريس مهارات التفكير النقدي والتحليل، مما يساعد الطلاب على تقييم المعلومات وتحديد المصادر الموثوقة. ويجب أن يتم التركيز على تدريس الأسس العلمية والمنهجية العلمية، مما يساعد الطلاب على فهم كيفية عمل العلم وكيفية تقييم الأدلة العلمية. كما يجب تشجيع الطلاب على المشاركة في الأنشطة البحثية، مما يساعدهم على تطوير مهارات البحث العلمي وتحليل البيانات.

تعزيز التواصل العلمي مع الجمهور
يُعتبر التواصل الفعال بين العلماء والجمهور عاملاً حاسمًا في بناء ثقة الجمهور في العلم ودعم البحث العلمي. وهناك بعض الطرق الشهيرة التي يمكن للعلماء من خلالها أن يلعبوا دورًا أكثر فعالية في التواصل مع الجمهور، فعلي سبيل المثال، يجب على العلماء أن يسعوا إلى تبسيط المصطلحات العلمية المعقدة وتقديم المعلومات بطريقة واضحة ومباشرة، بعيدًا عن التعقيدات التقنية. ويمكن للعلماء استخدام منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لنشر المعلومات العلمية والتفاعل مع الجمهور، والإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم. كما يمكن للعلماء المشاركة في المحاضرات العامة، والمؤتمرات، والندوات، لتقديم معلومات علمية بطريقة شيقة وممتعة.
ويجب أن يتعاون العلماء مع الصحفيين والإعلاميين لتقديم معلومات علمية دقيقة وموثوقة، والتصدي للشائعات والأخبار الكاذبة. ويمكن للعلماء كتابة مقالات علمية مبسطة في الصحف والمجلات، أو إنشاء مدونات علمية خاصة بهم، والمشاركة في البرامج التلفزيونية والإذاعية التي تناقش القضايا العلمية، وتقديم وجهة نظر علمية موثوقة. ويمكن أن يقوموا بإنشاء قنوات على يوتيوب لعرض تجاربهم العلمية، وشرح المفاهيم العلمية المعقدة بطريقة مبسطة وممتعة، ولكن يجب على العلماء تجنب استخدام المصطلحات العلمية المعقدة، والتركيز على شرح الأفكار الأساسية بلغة بسيطة وواضحة، واستخدام الأمثلة العملية لتوضيح المفاهيم العلمية المعقدة، وربطها بحياة الناس اليومية، والبحث عن نقاط مشتركة مع الجمهور، والاستماع إلى مخاوفهم وأسئلتهم.

ويجب على المعلمين أن يكونوا قدوة في التواصل العلمي، وأن يشجعوا الطلاب على طرح الأسئلة والتعبير عن آرائهم. ويجب على المؤسسات الإعلامية أن تلتزم بالتحقق من الحقائق قبل نشر أي معلومات، وأن تتأكد من صحتها ومصدرها. كما يجب على المؤسسات الإعلامية أن تقدم تقارير متوازنة تعكس مختلف وجهات النظر حول القضايا العلمية، وأن تتجنب التبسيط المفرط أو التهويل. ويجب على المؤسسات الإعلامية أن تكشف عن أي محاولات لتشويه الحقائق العلمية أو التلاعب بالرأي العام. كما يجب على المؤسسات الإعلامية أن توفر منصة للنقاش العلمي بين الخبراء والجمهور، وأن تشجع الحوار البناء.

ويجب على الأفراد أن يسعوا إلى زيادة ثقافتهم العلمية وأن يتعلموا كيفية تقييم المعلومات. ويجب أن يكون الأفراد متشككين في المعلومات التي يتلقونها، وأن يبحثوا عن أدلة إضافية قبل تصديق أي شيء. كما يجب على الأفراد أن يدافعوا عن العلم وأن يقاوموا أي محاولات لتشويه سمعته.

ولتحقيق أقصى استفادة من جهود مكافحة التحريف العلمي، يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين المؤسسات التعليمية والإعلامية والحكومية والمنظمات غير الحكومية. فبالتعاون والعمل الجماعي، يمكننا بناء مجتمع أكثر وعياً بالعلم وقادرًا على اتخاذ قرارات مستنيرة. ويساعد التواصل الفعال على بناء الثقة بين العلماء والجمهور، مما يزيد من تقبل الجمهور للحقائق العلمية، ويساعد على حشد الدعم المالي والسياسي للبحث العلمي، كما يساعد مكافحة انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، وعلى توعية الجمهور بالقضايا العلمية الهامة، وتمكينه من اتخاذ قرارات مستنيرة. وبالتعاون بين العلماء ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية، يمكننا بناء مجتمع أكثر وعياً بالعلم وقادرًا على اتخاذ قرارات مستنيرة.

إن التحريف العلمي ليس مجرد تهديد للمعرفة، بل هو تهديد للمجتمع بأكمله. فهو يقوض ثقتنا في المؤسسات، ويؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة، ويحرمنا من التقدم العلمي. ولكن، لا يزال هناك أمل. فبالتعليم والتوعية، وبناء مجتمع يقوم على العلم والمنطق، يمكننا مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة وحماية أنفسنا من التضليل. لنجعل من العلم سلاحنا في هذه الحرب، ولنعمل معًا لبناء مستقبل أفضل.

د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
– عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

بذور التغيير: تعليم المناخ هو الحل لزراعة الوعي البيئي في أجيال المستقبل

نحو مستقبل مستدام: استكشاف دور التعليم في مواجهة التحديات البيئية ومكافحة تغير المناخ شبكة بيئة …