شبكة بيئة ابوظبي، حميد رشيل، الخبير البيئي، عضو جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، المملكة المغربية 4 نونبر 2024
عرف قطاع الطاقة بالمغرب مند الاستقلال نقاشاً عمومياً واسعاً، حيث شكل محورا للعديد من الإصلاحات بسبب هيمنة الطاقات الأحفورية عليه والمستوردة بالكامل تقريبا من الخارج، كما أن شبه غياب الموارد الأحفورية أجبر المغرب في تدبيره لهذا القطاع في معظم الأحيان بالسعي الدائم لضمان استمرارية التزود، رغم التكاليف الباهظة وغير المتوقعة للفاتورة الطاقية، والعجز الدائم في ميزان الأداءات، في ظل تزايد النمو الديموغرافي والتوسع العمراني وتضاعف الطلب الذي هيمنت عليه المحروقات.
إن الاستنزاف الفاحش والمهول لمناجم الطاقات الأحفورية ينذر بأن نهايتها قريبة لا محالة، لذا بدأ التفكير عالميا في الإنخراط بشكل جلي وملح في تطوير طاقات بديلة (شمسية، ريحية، كهرومائية، حرارة باطن الأرض، المواد العضوية)، ويبدو ذلك من خلال انتقال الإستهلاك الإجمالي لهذه الطاقات المتجددة عالميا من % 13 إلى % 15 والتي ستصل إلى %32 عند حدود 2030 وستبلغ % 80 سنة 2050.
إن المغرب بدوره عرف انخرطا مبكرا في هذه السياسة البديلة الطاقية مند أمد بعيد مكنته من تطوير طاقاته المتجددة بشكل واضح، وحسب الوكالة الدولية للطاقة فإن القدرة الإنتاجية الإجمالية للطاقات المتجددة بالمغرب بلغت ما يقارب 4,2 جيجاوات سنة 2023، أي بزيادة % 11 (والتي شكلت % 1,1 من إجمالي القدرة الإنتاجية العالمية للطاقة النظيفة) موزعة على النحو التالي:
• طاقة ريحية 1,5 جيجاوات (%36)؛
• طاقة كهروضوئية 1,4 جيجاوات (%33)؛
• طاقة كهرومائية 1,2 جيجاوات (% 29)؛
• طاقة الكتلة الحية 0,1 جيجاوات (% 2).
إن المغرب سطر مخططا لرفع حصة الطاقات النظيفة لحوالي 52% بحلول سنة 2030 من خلال تخصيص استثمارات بقيمة 50 مليار دولار، لا ننسى أن المغرب كذلك يكتسب الوسائل الضرورية التي تمكنه من اعتماد الخيار النووي بحلول سنة 2030.
1- نماذج لمصادر الطاقات المتجددة بالمغرب
أ – الطاقة الكهرومائية بالمغرب
يتوفر المغرب على 154 سدا كبيرا و136 سدا صغيرا، 30 سدا منها ذات إنتاج طاقة كهرومائية، نذكر منها على سبيل المثال:
• سد المسيرة: أنشئ سنة 1979 والذي يساهم ب %17 من الطاقة الكهرومائية المرتبطة في الأساس بالاحتياطات المائية؛
• سد الوحدة: الذي يعد جوهرة السدود المغربية تكلفة إنجازه بلغت 3,5 مليار درهم بقدرة إنتاجية بلغت 400 جيجاوات، والذي يساهم ب %15 من إجمالي الطاقة الكهربائية بالمغرب، كما أن أهم الأغراض التي أسس من أجلها تتمثل في:
إنتاج الكهرباء؛
الحد من الفيضانات؛
سقي أزيد من 100 ألف هكتار؛
توفير الماء الشروب لأزيد من 20 جماعة.
على الرغم من كل هذه الجهود المبذولة فإن السدود في المغرب أصبحت غير كافية لتوفير الحاجيات الوطنية الطاقية بسبب النمو الديموغرافي المتسارع والتوسع العمراني الكبير وازدياد الطلب على الكهرباء في ظل تراجع الطاقة التخزينية المائية بسبب الجفاف الحاد وتراجع التساقطات المطرية التي يعرفها المغرب في السنوات الأخيرة، لذا وجب البحث واللجوء إلى حلول بديلة مثل تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة لسد الحاجيات المائية بالمغرب.
ب – الطاقة الريحية بالمغرب
يتوفر المغرب على مناطق شاسعة تنشط بها الرياح بنسب مهمة، دفعت به إلى السعي لإنشاء حقول مهمة لإنتاج الطاقة الريحية، نذكر منها على سبيل المثال:
• المحطة الريحية بالكدية البيضاء بالمنطقة الشمالية، التي كانت تتضمن في بداية اشتغالها 90 برجا لوحيا بقدرة إنتاجية بلغت 49 ميغاوات والتي استبدلت ب 20 برجا حديثا بقدرة إنتاجية بلغت 100 ميغاوات تستغل من طرف المديرية الوطنية للتنمية المستدامة؛
• حقل جبل خلادي أنجز بغلاف مالي بلغ 1,7 مليار درهم ذو قدرة إنتاجية تصل إلى 120 ميغاواط، والذي يجنب المغرب من انبعاث 336 ألف طن من الغازات الدفيئة سنويا؛
• حقل طرفاية الذي أنجز سنة 2014، يتضمن 131 برجا ريحيا بقدرة إنتاجية تصل إلى 301 ميغاواط، والذي بدوره جنب المغرب من انبعاث 900 ألف طن من الغازات الدفيئة سنويا؛
• حقل موقع أفتيسات (إقليم بوجدور) الذي يتضمن 221 برجا ريحيا بقدرة إنتاجية تصل إلى 400 ميغاواط.
إن المغرب يبدي اهتماما مستقبليا كبيرا لتوسيع حقوله الريحية في البحر على الرغم من تكلفتها الباهظة مع الإستمرار في تطويرها بريا.
ت – الطاقة الشمسية بالمغرب
يضمن الموقع الاستراتيجي للمغرب أزيد من 3000 ساعة مشمسة سنويا ما دفع به للتفكير بشكل ملي في استغلال هذه الطاقة الشمسية من خلال خلق مجمعات للألواح الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية ذات أصل شمسي، ولنا في ذلك مثالا حيا والذي هو مجمع نور ورززات.
يعد مجمع نور ورززات للطاقة الشمسية المركزة، الذي أنجز منذ سنة 2012 أهم منجزات الطاقة الشمسية، بحيث توفر هذه المنطقة أزيد من 3400 ساعة مشمسة في السنة، بمعدل 9 ساعات مشمسة في اليوم.
إن مجمع نور ورززات للطاقة الشمسية المركزة يتكون من أربع محطات لوحية شمسية بتكلفة 24 مليار درهم على مساحة تبلغ 3000 هكتار وبقدرة إنتاجية تصل إلى 580 ميغاوات والذي جنب المغرب من انبعاث حوالي مليون طن من الغازات الدفيئة. ويتوخى من هذا المجمع أن يحقق:
• توليد 2000 ميغاواط من الطاقة الشمسية سنة 2020؛
• توليد 3000 ميغاواط من الطاقة الشمسية سنة 2025؛
• توليد 4000 ميغاواط من الطاقة الشمسية سنة 2030؛
• لقد سطر المغرب مشاريع أخرى للطاقات الشمسية منها:
مشروع ميدلت المستقبلي للمحطة الشمسية الكبرى للمغرب والذي سيشكل مجمعا شمسيا ضخما؛
مشروع XLINKSبجهة كلميم واد نون الذي سيكون عبارة عن مركب من الألواح الشمسية والأبراج اللوحية بتكلفة 22 مليار دولار وبقدرة إنتاجية تصل إلى حوالي 10 جيجاوات، والتي ستنقل بأحبال بطول 3800 كلم إلى مدينة لندن لكهربة حوالي 7 مليون منزل.
يعترض مستقبل الطاقات المتجددة أساسا مشكل التسويق والتخزين، كما يعترض الطاقات الريحية والشمسية مشكل الإنقطاع في غياب كل من الرياح والأشعة الشمسية، مما دفع بالتفكير بشكل كبير لإيجاد حل لهذه المعضلة من خلال اعتماد:
• بطاريات خاصة لتخزين هذه الطاقات نهارا قصد استعمالها ليلا؛
• محطة نور تعتمد على نوع من الملح المذاب في درجات حرارة عالية بواسطة المرايا والذي يتمكن من المحافظة على هذه الحرارة، هذه الأخيرة تستعمل ليلا لإنتاج البخار الذي يحرك التوربينات لإنتاج الكهرباء حتى حدود 9 ساعات في غياب الأشعة الشمسية.
بطاريات تخزين الطاقة المتجددة
ث – الطاقة عبر الضخ بالمغرب
تتميز منطقة أفورار وورززات بتوفرهما على محطة لتحويل الطاقة عبر الضخ التي تنبني على مسبحين واحد علوي وآخر سفلي تتوسطهما محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بحيث:
• في الأيام العادية المتميزة بتوفر الكهرباء يتم ضخ المياه من المسبح السفلي نحو المسبح العلوي؛
• عند الحاجة إلى كهرباء يتم السماح للمياه بمغادرة المسبح العلوي لتعبر المحطة مشكلة طاقة ميكانيكية تعمل على خلق طاقة كهربائية.
محطة لتحويل الطاقة عبر ضخ المياه من العالية للسافلة
ج – الهيدروجين الأخضر بالمغرب
يشكل حاليا الهيدروجين الأخضر مستقبلا واعدا للطاقة في العالم والمغرب بدوره يتطلع ليكون رائدا في هذا المجال سيما وأنه مصنف ضمن الدول الخمس الأولى المؤهلة مستقبلا لإنتاج الهيدروجين الأخضر والتي هي السعودية وأستراليا والشيلي والولايات المتحدة الأمريكية. ويتنبأ له كذلك أن يتمكن من تلبية من %4 الى %5 من الطلب العالمي من هذه الطاقة، كما أنه بإمكانه أن يرقى لمستوى تزويد أوربا بهذه المادة الحيوية ذات الطلب المتزايد.
2- مشاريع واعدة وطموحة للطاقات المتجددة بالمغرب
• توسيع مساحة التغطية الكهربائية بالمجال القروي التي وصلت إلى نسبة %99,8؛
• تزايد الطلب على الألواح الشمسية بالمدن والقرى؛
• انخراط القطاع الفلاحي الذي يساهم ب % 14 من الناتج الداخلي الخام الوطني ويشغل أزيد من %40 من اليد لعاملة، في توظيف الطاقات المتجددة قصد توفير مياه السقي من خلال الضخ بالاستعانة بطاقة الألواح الشمسية، وتنظيم وتعميم عملية الري بالتنقيط بشكل واسع ومعقلن ومستدام.
• انخراط المكتب الشريف للفوسفاط في الإنتقال الطاقي لإزالة الكربون في أفق 2040 من خلال:
تخصيص 230 مليار درهم على مدى 5 سنوات انطلاقا من 2022 لرفع الإنتاج من 12 الى 20 مليون طن سنويا
العمل على إنتاج 5 جيجاوات من الكهرباء سنويا في أفق 2027
إنتاج أسمدة خضراء خاصة ومتنوعة؛
تجهيز المكتب الشريف للفوسفاط مجمع قائم على الطاقات المتجددة بطرفاية، من خلال حقول شمسية وريحية ستعمل على تزويد محطة لتحلية مياه البحر بالمنطقة بالطاقة اللازمة، كما أن جزءا مهما من هذه المياه المنتجة ستخضع لظاهرة التحلل الكهربائي لإنتاج كميات مهمة من الهيدروجين الأخضر والذي بدوره سيستخدم لإنتاج الأمونياك الذي يستورده الكتب بالكامل والذي يعد مادة أساسية في تصنيع الأسمدة؛
اعتبار جامعة محمد السادس متعددة التخصصات رائدة في الدراسات والبحوث المهتمة بتطوير الطاقة النظيفة بالمغرب؛
انخراط المكتب الوطني للسكك الحديدية من أجل إقحام البراق للتزود بالطاقة النظيفة بنسبة %25 سنة 2022 والتي رفعت الي %60 في سنة 2023 ومن المنتظر أن تبلغ نسبة %100 مستقبلا
تقديم أول نموذج لسيارةNAMX تعمل بالهيدروجين قام بتطويرها شاب مغربي يدعى فوزي النجاح.
افتتاح شعبة جديدة بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط بداية من الموسم 2024 – 2025 تخصص تحلية مياه البحر بالاعتماد أساسا على الطاقات المتجددة.
3- توصيف السياسة الطاقية المتجددة بالمغرب
على الرغم من أن المغرب:
• سطر استراتيجية وطنية للطاقات المتجددة 2009 التي تهدف في الأساس:
تعميم الحصول على الطاقة بأسعار تنافسية؛
تعزيز أمن الإمدادات وضمان توافر الطاقة؛
ضبط الطلب؛
المحافظة على البيئة؛
• جعل من مرتكزاته الإستراتيجية حول الطاقات المتجددة في الأساس:
خلق مزيجاً طاقياً متنوعاً يقوم على خيارات تكنولوجية موثوقة وتنافسية
تعبئة الموارد الوطنية من خلال زيادة حصة الطاقات المتجددة
اعتماد النجاعة الطاقية باعتبارها أولوية وطنية
تعزيز الاندماج الإقليمي
التنمية المستدامة
• تمكن من ضخ 4,2 جيجاوات في شبكته الكهربائية من خلال استثمارات بلغت 6 مليار دولار ما بين 2009-2022.
• وسع من وثيرة الدراسات والبحوث قصد توطيد سياسات الطاقات المتجددة.
إلا أن الانتقال الطاقي الفعلي لا يعني تركيب الألواح فقط، بل العمل على توسيع نطاق توظيف الطاقات المتجددة في مجالات حيوية متعددة وحسب الأولوية كالنقل والمعمار والفلاحة والصناعة والصحة والسياحة، قصد اقتصاد الماء والطاقة وتدبير النفايات واحترام للبيئة سيما وأن السياسة الطاقية تهدف في الأساس إلى تراجع التبذير وخفض تكلفة الطاقة. وبالتالي لم يعد أمام المغرب اليوم أي سبب لتجاهل علامات الإنذار بخطورة وتفاقم تدهور المناخ وتنامي الاحترار واتساع رقعة الجفاف، ولذا فإن مستقبل المغرب أصبح مرهونا بتغيير أنماط العيش به والمراهنة الجادة على الإنتقال الفعلي الطاقي والنجاعة الطاقية وإزالة الكربون من خلال التخلي بشكل قطعي مع الطاقات الأحفورية واعتماد الطاقات النظيفة والمتجددة التي تعد بدورها فقط جزءا من الحل وليس حلا قطعيا.
4- مقترحات وتوصيات لتسريع وثيرة نجاح سياسة الإنتقال الطاقي بالمغرب
لتحقيق نجاح مهم وواسع في الإنتقال بشكل إيجابي لتوظيف الطاقات المتجددة وجب على المغرب:
• إعادة النظر في النصوص القانونية والتشريعية التي تعيق تنزيل مشاريع النجاعة الطاقية والإنتقال الطاقي؛
• تقوية وتوسيع الشبكة الكهربائية الوطنية لرفع الترابط في توزيع الكهرباء بين الموردين والمستهلكين؛
• المزيد من تشجيع وتطوير البحث العلمي من خلال بنية تحتية متينة قصد وضع قطيعة مع التبعية الطاقية والتبعية التكنولوجية؛
• توطين الكفاءات وتوطين التكنولوجيات الخاصة بالطاقات المتجددة قصد احتضان صناعة طاقية نظيفة مغربية ذات قيمة مضافة كبيرة؛
• توسيع وعاء الكادر المغربي الوطني المكون والمؤهل بجميع جهات المملكة قصد النهوض بالمغرب ليتصدر مراكز متقدمة عالميا في مجالات الطاقات المتجددة؛
• الإسراع في توفير المزيد من الاستثمارات الوطنية لتحقيق تنزيل ناجح للسياسات الخاصة بالطاقات النظيفة المستدامة؛
• توسيع الوعاء العقاري الوطني المخصص لإنشاء المحطات والحقول المنتجة للطاقات المتجددة.
• الرفع من الإعفاءات الضريبية على الإستثمارات في مجال الطاقات المتجددة؛
• الدفع في اتجاه إلزامية اعتماد المنشآت العمومية والخاصة في طور التشييد بكل أصنافها بضرورة الاعتماد على الطاقات النظيفة للتزود بالطاقة الكهربائية؛
• المزيد من التحفيز والتشجيع في تزيل مشاريع الإنتاج الذاتي؛
• بما أن المغرب يتوفر على المواد الأولية للطاقات المتجددة، فما عليه سوى توفير بنية تحتية مناسبة وتجهيزات أساسية ليرقى فعليا إلى مصاف الدول المصدرة للطاقات النظيفة بدل الإستمرار في استيراد الطاقة الرمادية الأحفورية؛
• العمل على توطين وتوسيع علامة صنع بالمغرب بالنسبة لصناعة كل الأدوات والمعدات والتقنيات الخاصة بالطاقات المتجددة؛
• الإصرار على التدقيق الجيد في عروض الطلب الخاصة بكل الأدوات والمعدات والتقنيات الخاصة بالطاقات النظيفة وعدم تفويتها لجهات يكون هدفها الربح السريع، مما سيخلق فوارق شاسعة بين كلفة المشاريع والإنتاج؛
• العمل على جعل النموذج المغربي في مجالات الطاقة النظيفة يحتذى به ومطلوب إقليميا ودوليا.
المراجع
1. البرنامج الوطني لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية 2008.
2. الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي 2009.
3. تقرير المجلس الوطني الإجتماعي والإقتصادي والبيئي حول الانتقال الطاقي 2020.
4. تقارير الوكالة المغربية للطاقة المستدامة MASEN.
5. الصندوق الأخضر للمناخ GCE.
6. تقرير شركة إرنست أند يونغ ERNEST AND YOUNG
7. تقرير المجلس العالمي لطاقة الرياح GWEC.
8. تقارير ومقالات وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة.
9. تقرير آفاق الطاقة العالمي 2023 الصادر عن الوكالة الدولية للطاقةIEA .