ومضات معرفية (12) استشراف المستقبل والمسيرة الحرجة

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم د. حسام حاضري مستشار التطوير الاستراتيجي واستشراف المستقبل 11 يناير 2025

لما كان الاستشرافُ من الضرورات الملحة التي أفرزها التطورُ المتسارعُ ومعطيات العصر، فقد أصبح هاجساً للسواد الأعظم من الحكومات على اختلاف رؤاها، للحفاظ على مصالحها من جهة، ومن ثمّ الوصول إلى مستقبلٍ تنشدهُ لتحقيق طموحها الذهبي من جهةٍ أخرى. فالكلُّ يتنافسُ في الاستشراف على قاعدةِ “استشرف قبل أن يُستشرف لك”. وفي خضمِّ الانجراف الشديد نحو الاستشراف، يلوحُ في الأفق مفصلٌ محوريٌ يُؤثرُ في مسارهِ سلباً أو إيجاباً، وربّما يحدُّ من مخرجاته. فهل يمكن أن يتعثرَ الاستشراف ولماذا؟

وفقَ فرضيات المنهج الاستشرافي يتشكلُ المستقبلُ من ثلاث محددات تُعتبرُ بمثابة الأركان الأساسية لاستشراف المستقبل، وتتمثلُ في: المتغيرات التاريخية، والحقائق الطبيعية لمعطيات الحاضر واختيارات البشر، وبعض المؤشراتِ غير المتوقعة، وأنّ درجةَ مساهمة أيٍّ من المحددات الثلاثة، تختلفُ تبعاً للاستعداد والعمل المبكر في الاستشراف. وإنّ أيَّ إغفالٍ لأيِّ رُكنٍ من الأركان الثلاثة، يؤدي بالضرورةِ إلى خللِ البياناتِ المستخدمةِ في التحليل من حيثُ عدم اكتمالها، فتصبحُ غيرَ موثوقةٍ أو غيرَ ممثلةٍ للواقع، الأمرُ الذي يُفرزُ نتائجَ مضللة تُفشلُ عمليةَ الاستشراف، أو على أضعفِ تقديرٍ تؤدي إلى تعثرها، وتخلفها عن الركب، باعتبار أنّ الاستشراف ليس حِكراً على هذه الحكومة أو تلك، بل هو ميدانٌ تتسابقُ فيه الحكوماتُ للوصول إلى أقصى غاياتِ المنفعةِ، والطموح، وتبوئِ المراتبِ المتقدمةِ على مستوى العالم المنفتح على بعضه.

وأما الخللُ الثاني الذي قد يُصيبُ الاستشرافُ بالحرج، وربما الفشل، فهو عدمُ القدرة على القراءةِ التحليلية للمتغيرات. وهنا نقفُ أمام تحدٍ جللٍ، يتمثلُ في اختيار الكوادر المتميزة القادرة بكفاءةٍ على إنجاز مسح الأفق الدقيق لمحركات المستقبل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والبيئية.

إنّ أيَّ فترةٍ زمنيةٍ يوجدُ فيها مدىً واسعاً من البدائل المستقبلية، والتي يُمكنُ أن تتحققَ على أساس المتغيرات التاريخية، والحقائق الطبيعية، لكنَّ المؤثراتِ غير المتوقعة، إضافةً إلى الاختيار الإنساني للبدائل، هما اللذان يُشكلان الصورةَ النهائية للمستقبل، والاختيار الواعي لا يتمُ إلا من خلال التعرف على جميع البدائل المحتملة، واستكشافِ النتائج المترتبة على اختيار أيٍّ منها. وهنا تحديداً يتضاءلُ هامشُ الخطأ إلى نسبة 10%، وهي لابدّ منها، ويجب أن تُؤخذَ بعين الاعتبار كوننا نتعاملُ مع أمورٍ غيبيةٍ مستقبليةٍ لم تحدث بعد.

وخلاصةُ القول: إنَّ الاستشرافَ ملجأٌ جامعٌ ينضوي تحت لوائهِ سائرُ العلوم، ويتوقفُ نجاحهُ على دقة البيانات، وتحليلها بعمق لرسم صورةٍ واقعيةٍ للمستقبل. كما أنه أداةٌ قويةٌ لدعم صناع القرار في اتخاذِ خياراتٍ استراتيجيةٍ حكيمة، ولكن يبقى القرارُ البشري، هو الفيصلُ في تحديد مسار المستقبل. فهل نحنُ مستعدون لمواجهةِ التحديات والفرص التي يحملها؟

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

ومضات معرفية (8) التكامل الاستراتيجي لتحقيق التفوق التنافسي

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم د. حسام حاضري، مستشار التطوير الاستراتيجي، 02 أغسطس 2023 تتسابقُ المنظماتُ …