رحلة في عالم التحريف العلمي (16)

التغيرات المناخية في زمن التضليل: كيف تُعيق المعلومات المضللة جهود الإنقاذ؟

وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة ضد حقائق التغير المناخي

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 19 فبراير 2025

في عصرٍ يشهد تسارعًا غير مسبوق في تداعيات التغيرات المناخية، وتصاعد الكوارث الطبيعية، باتت الحاجة ملحة للحصول على معلومات مناخية دقيقة وموثوقة. غير أن وسائل التواصل الاجتماعي، التي يُفترض أن تكون منصات لنشر الوعي والمعرفة، تحولت إلى ساحة حربٍ ضروس ضد الحقائق العلمية. ففي خضم الكوارث الطبيعية المتزايدة، كارتفاع درجات الحرارة وحدوث موجات حرّ غير مسبوقة أدت لحرائق غابات تلتهم القارات، تُضخّ يوميًا كميات هائلة من المعلومات المضللة التي تُشكك في وجود الأزمة أو تُهوّن من آثارها، مما يُعيق الجهود العالمية لمكافحة هذه الظاهرة. ويتجه الملايين إلى منصات مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” للحصول على معلومات سريعة.

لكن ماذا لو تحولت هذه المنصات إلى بؤر لنشر الشكوك حول أسباب الكوارث؟ فقرار “ميتا” (الشركة الأم للمنصتين) – علي سبيل المثال – بإيقاف برنامج التحقق من الحقائق بالتعاون مع جهات خارجية في الولايات المتحدة يثير مخاوف الخبراء من تفاقم “الأكاذيب المناخية”، خاصة خلال الأزمات. وقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي بؤرًا لنشر المعلومات المناخية المضللة، مما يعيق الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة.

هذا المقال يسلط الضوء على الدور الخطير الذي تلعبه المعلومات المضللة في عرقلة جهود مواجهة التغير المناخي، وكيف تُستغل منصات التواصل الاجتماعي، وخاصةً شركة “ميتا”، في نشر هذه الأكاذيب. وسنستعرض في هذا المقال كيف تُصبح المعلومات المضللة سلاحاً يعيق جهود مواجهة التغير المناخي، وما دور التحولات السياسية والتكنولوجية في تعقيد هذه المعركة. ونبحث في كيفية تأثير المعلومات المناخية المضللة على الجمهور، وتقويض الثقة في العلم وتأخير العمل الفعال بشأن تغير المناخ.

1. المعلومات المضللة عن المناخ: تهديد عالمي
تتنوع المعلومات المضللة عن المناخ بين إنكار وجود تغير مناخي من الأساس، والتقليل من خطورته، وتشويه الحقائق العلمية، وتقديم معلومات مُضللة عن الحلول المقترحة. وتنتشر هذه المعلومات المضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، مثل فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، وإنستغرام، وتيك توك، وغيرها. وقد تستخدم أساليب مختلفة للوصول إلى الجمهور، مثل:

• نظريات المؤامرة: تُقدَّم على أنها حقائق علمية.
• الأخبار الكاذبة: تُصاغ بطريقةٍ جذابةٍ ومُثيرةٍ لجذب الانتباه.
• الصور ومقاطع الفيديو المُضللة: تُستخدم للتأثير على المشاعر وتشويه الحقائق.
• الحسابات الوهمية: تُستخدم لنشر المعلومات المضللة على نطاق واسع.
• دور منصات التواصل الاجتماعي في انتشار المعلومات المضللة
تتحمل منصات التواصل الاجتماعي مسؤولية كبيرة في مكافحة انتشار المعلومات المضللة على منصاتها. ومع ذلك، تُتَّهم هذه المنصات بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات فعالة للحد من انتشار هذه المعلومات، بل وتُتَّهم في بعض الأحيان بالتواطؤ مع مُروِّجيها. وتعتمد منصات التواصل الاجتماعي على خوارزميات مُعقَّدة لتحديد المحتوى الذي يظهر للمستخدمين. وقد تُساهم هذه الخوارزميات في انتشار المعلومات المضللة، حيث إنها قد تُعطي الأولوية للمحتوى الذي يحظى بتفاعل كبير، حتى لو كان هذا المحتوى مُضللًا.

3. تراجع “ميتا” عن مكافحة الأكاذيب: من حُرّاس الحقائق إلى “ملاحظات المجتمع”
في خطوةٍ أثارت قلق الخبراء، أعلنت شركة “ميتا” عن إلغاء برنامج التحقق من الحقائق الخاص بها، والذي كان يعتمد على جهات خارجية مستقلة للتحقق من صحة المعلومات المنشورة على منصاتها. ويُعدُّ هذا القرار بمثابة ضربة قوية لجهود مكافحة المعلومات المضللة على الإنترنت، حيث إنه يُزيل أحد أهم الآليات التي كانت تُستخدم للحد من انتشار هذه المعلومات. ويخشى الخبراء من أن يُؤدِّي هذا القرار إلى زيادة انتشار المعلومات المضللة على منصات “ميتا”، وخاصةً خلال الأزمات والكوارث الطبيعية، حيث يُمكن أن تُستغل هذه المعلومات المضللة لتضليل الرأي العام، وإعاقة جهود الإغاثة، وزرع الفتنة.

النظام القديم: درع واقٍ ضد التضليل
في عام 2020، أطلقت ميتا مركز معلومات علوم المناخ على فيسبوك للرد على المعلومات المضللة حول المناخ. حاليًا، يقوم مدققو الحقائق التابعون لجهات خارجية يعملون مع ميتا بوضع علامة على المنشورات الكاذبة والمضللة. ثم تقرر ميتا ما إذا كانت ستعلق عليها علامة تحذير وتقليل مقدار الترويج لها من قبل خوارزميات الشركة. تفرض سياسات ميتا على مدققي الحقائق إعطاء الأولوية لـ “المعلومات الكاذبة الفيروسية” والخدع و”الادعاءات الكاذبة التي يمكن إثباتها والتي تأتي في الوقت المناسب وتنتشر بشكل كبير ولها عواقب وخيمة”. تنص شركة Meta صراحةً على أن هذا يستبعد محتوى الرأي الذي لا يتضمن ادعاءات كاذبة، ستنهي الشركة اتفاقياتها مع منظمات التحقق من الحقائق التابعة لجهات خارجية ومقرها الولايات المتحدة في مارس 2025.

وقبل مارس 2025، تعاونت “ميتا” مع 80 منظمة عالمية للتحقق من صحة المنشورات، خاصة تلك التي تنتشر بسرعة. عند اكتشاف معلومات خاطئة حول المناخ—مثل إنكار دور البشر في الاحتباس الحراري—كانت تُعلَّم بتحذير وتُخفَّض أولويتها في الخوارزميات، مما قلل انتشارها بنسبة 95% في بعض الحالات. ولن تؤثر التغييرات المخطط لها والمقرر طرحها على المستخدمين في الولايات المتحدة على محتوى التحقق من الحقائق الذي يشاهده المستخدمون خارج الولايات المتحدة. تواجه صناعة التكنولوجيا قيودًا أكبر على مكافحة المعلومات المضللة في مناطق أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي.

القرار الجديد: خطوة إلى الوراء والمستخدمون يصبحون “حراس الحقائق”
بعد إلغاء التعاقد مع جهات التحقق في الولايات المتحدة، تعتزم “ميتا” تبني نموذج “الملاحظات المجتمعية” (Community Notes) المُستوحى من منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، حيث يُصوِّت المستخدمون على صحة المنشورات. لكن الدراسات تشير إلى بطء هذه الطريقة؛ فخلال الكوارث، تنتشر الأكاذيب أسرع من قدرة الجمهور على تصحيحها.

دوافع القرار: بين السياسة والانحياز
برّر مارك زوكربيرغ القرار بالادعاء أن مدققي الحقائق “منحازون سياسياً” وأن نظام “الملاحظات المجتمعية” يعزز حرية التعبير. إلا أن المراقبين يرون أن القرار يتماشى مع توجهات الحزب الجمهوري والرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي انتقد سابقاً سياسات التحقق ووصفها بـ”الرقابة” 35. كما تزامن القرار مع تبرع زوكربيرغ بمليون دولار لصندوق تنصيب ترامب، مما أثار تساؤلات حول دوافع الشركة.

إن قرار شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام، بإنهاء برنامج التحقق من الحقائق وتقليل تعديل المحتوى يثير تساؤلًا حول الشكل الذي سيبدو عليه المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي هذه في المستقبل. إن أحد الاحتمالات المثيرة للقلق هو أن التغيير قد يفتح الباب أمام المزيد من المعلومات المضللة حول المناخ على تطبيقات ميتا، بما في ذلك الادعاءات المضللة أو خارج السياق أثناء الكوارث.

4. الذكاء الاصطناعي: سلاح ذو حدين
وجد تقرير زيادة في المعلومات المضللة حول تغير المناخ على X في أعقاب استحواذ إيلون ماسك على منصة التواصل الاجتماعي في 27 أكتوبر 2022. وأصبحت أدوات مثل “Midjourney” قادرة على توليد صور واقعية لكوارث لم تحدث، مما يخلق ما يُسمى “AI slop” (محتويات رقمية زائفة). خلال الأزمات، تُستخدم هذه الصور لاستغلال المشاعر الإنسانية، مثل صور مزعومة لحيوانات عالقة في فيضانات. وتزيد الصور المزيفة منخفضة الجودة التي تم إنشاؤها باستخدام برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، من الارتباك عبر الإنترنت أثناء الأزمات. على سبيل المثال، في أعقاب إعصاري هيلين وميلتون المتتاليين في الخريف الماضي، انتشرت صور مزيفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لفتاة صغيرة ترتجف وتحمل جروًا في قارب، على منصة التواصل الاجتماعي X. أعاق انتشار الشائعات والمعلومات المضللة استجابة وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية للكوارث.

ما يميز المعلومات المضللة عن المعلومات المضللة هو نية الشخص أو المجموعة التي تقوم بالمشاركة. المعلومات المضللة هي محتوى كاذب أو مضلل يتم مشاركته دون نية نشطة لتضليل. من ناحية أخرى، المعلومات المضللة هي معلومات مضللة أو كاذبة يتم مشاركتها بقصد الخداع.

إن حملات التضليل تحدث بالفعل. ففي أعقاب حرائق الغابات في هاواي عام 2023، وثق باحثون في Recorded Future وMicrosoft وNewsGuard وجامعة ماريلاند بشكل مستقل حملة دعائية منظمة من قبل عملاء صينيين تستهدف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة. وأصبحت موجات الحر والفيضانات وظروف الحرائق أكثر شيوعًا وكارثية مع ارتفاع درجات الحرارة في العالم. غالبًا ما تؤدي أحداث الطقس المتطرفة إلى زيادة الاهتمام بتغير المناخ على وسائل التواصل الاجتماعي. تصل المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ذروتها أثناء الأزمة، ولكنها تنخفض بسرعة.

ومن المؤكد أن انتشار المعلومات والشائعات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي ليس مشكلة جديدة. ومع ذلك، ليس لكل أساليب تعديل المحتوى نفس التأثير، وتغير المنصات كيفية تعاملها مع المعلومات المضللة. على سبيل المثال، استبدلت X ضوابط الشائعات التي ساعدت في فضح الادعاءات الكاذبة أثناء الكوارث سريعة الحركة بعلامات من إنشاء المستخدمين، Community Notes.، ويمكن أن تساعد عمليات التحقق من الحقائق في تصحيح المعلومات المضللة السياسية، بما في ذلك حول تغير المناخ. وتؤثر معتقدات الناس وأيديولوجيتهم ومعرفتهم السابقة على مدى نجاح عمليات التحقق من الحقائق. ويمكن أن يساعد العثور على رسائل تتوافق مع قيم الجمهور المستهدف، إلى جانب استخدام رسل موثوق بهم – مثل المجموعات المحافظة الصديقة للمناخ عند التحدث إلى المحافظين السياسيين. وكذلك الأمر بالنسبة للمناشدة بالمعايير الاجتماعية المشتركة، مثل الحد من الضرر للأجيال القادمة.

5. ماذا بعد؟ خطوات لحماية أنفسنا ومجتمعاتنا
مخاطر المعلومات المضللة على جهود مكافحة التغير المناخي
تُشكِّل المعلومات المضللة عن المناخ خطرًا كبيرًا على جهود مكافحة هذه الظاهرة، حيث أنها:
• تُقلِّل من الوعي بالتغير المناخي: تُؤدِّي إلى تضليل الرأي العام حول خطورة المشكلة وأسبابها.
• تُضعف الثقة في العلوم: تُقوِّض الثقة في الحقائق العلمية وتُشكِّك في مصداقية العلماء.
• تُؤخِّر اتخاذ إجراءات فعالة: تُعيق الجهود المبذولة للتوصل إلى حلول فعالة لمواجهة التغير المناخي.
• تُعرِّض المجتمعات للخطر: تُؤدِّي إلى عدم الاستعداد لمواجهة آثار التغير المناخي، مما يُعرِّض المجتمعات للخطر.

بين حرارة الكوكب وحرارة الخطاب.. أين الحقيقة؟
التغير المناخي لم يعد مجرد تحدٍ بيئي، بل تحول إلى معركة معلوماتية تُحدد مصير ملايين الأرواح. قرارات مثل التي اتخذتها “ميتا” قد تحول منصات التواصل من أدوات للتوعية إلى أبواق للتضليل، لكن المعرفة تبقى سلاحنا الأقوى: فكلما تعلمنا تشريح الأكاذيب، أصبحنا جزءاً من الحل.
ووفقاً لبحث من جامعة كامبريدج، فإن تكرار المعلومات الخاطئة—حتى عند دحضها—يجعلها تُخزن في الذاكرة طويلة المدى. الحل؟ ويوصي العلماء باستراتيجية “التلقيح” (Inoculation)، التي تعتمد على:
1. تقديم الحقائق أولاً: مثل “97% من العلماء يتفقون على أن حرق الوقود الأحفوري هو السبب الرئيسي للاحتباس الحراري”.
2. تحذير مقتضب من الأكاذيب الشائعة: دون إطالة في شرحها لتجنب ترسيخها.
3. تفسير دوافع المضللين: كربط إنكار التغير المناخي بتمويل شركات النفط.

كيف نُواجه المعلومات المضللة عن المناخ؟
تتطلب مكافحة المعلومات المضللة عن المناخ تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك:
منصات التواصل الاجتماعي: يجب عليها اتخاذ إجراءات فعالة للحد من انتشار المعلومات المضللة على منصاتها، مثل تحسين خوارزمياتها، وتطبيق سياسات صارمة لمكافحة المعلومات المضللة، والتعاون مع جهات خارجية للتحقق من صحة المعلومات. وتعزيز الشفافية لكشف كيفية عمل الخوارزميات في ترتيب المحتوى خلال الكوارث.
• الحكومات: يجب عليها سن قوانين وتشريعات تُجرم نشر المعلومات المضللة، وتُحاسب المسؤولين عنها. ويجب أن تضع تشريعات صارمة: مثل قانون الخدمات الرقمية (DSA) في الاتحاد الأوروبي، الذي يلزم المنصات بمراقبة المحتوى الضار.
• المجتمع المدني: يجب عليه لعب دور فعال في فضح المعلومات المضللة، وتوعية الجمهور بمخاطرها، وتشجيعهم على التحقق من صحة المعلومات قبل مشاركتها.
• الأفراد: يجب عليهم التحلي بالتفكير النقدي، والتحقق من صحة المعلومات قبل مشاركتها، وعدم تصديق كل ما يرونه على الإنترنت.

نصيحة للجمهور: كيف تتجنب الوقوع في الفخ؟
• تحقق من المصدر: هل الموقع أو الصفحة معروفة بدقة معلوماتها؟
• ابحث عن الصورة العكسية: عبر “Google Lens” لتحديد إذا كانت الصورة مُعدلة.
• تجنب المشاركة العاطفية السريعة: المنشورات المُصممة لإثارة الغضب أو الخوف غالباً ما تكون مضللة.

6. من منظور علمي: كيف يمكن تغيير المواقف السلبية من قضية التغير المناخي؟
في سياق البحث عن أفضل السبل لتغيير مواقف الناس من قضية التغير المناخي، يرى الباحثون أن الاهتمام بكيفية تنفيذ التثقيف المناخي لا يقل أهمية عن التثقيف نفسه. ففي دراسة حديثة نُشرت في دورية “نيتشر هيومان بيهافيور”، اختبر الباحثون تأثير إطلاع الناس على ما يُجمع عليه العلماء من أن التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية هو حقيقة واقعة، ووجدوا أن هذه الرسالة الاجتماعية تُسهم في تغيير المواقف، خاصة لدى الأقل درايةً بالموضوع أو المتشككين في علوم المناخ.

دراسة عالمية تؤكد قوة العلم
أظهرت الدراسة أن إطلاع الناس على الإجماع العلمي يُعد خطوة أولى مهمة، ولكنه ليس كافيًا لتحقيق تحول دائم في المواقف. فالتحول المستدام، بحسب الدراسة، يتطلب النزول إلى الناس ومخاطبتهم مباشرة، لأن “تأثير التغير المناخي يشمل البشر والأماكن والأشياء التي نحبها”، كما يقول أنتوني لايزروفيتس، مدير برنامج التثقيف الإعلامي حول التغير المناخي بجامعة ييل.
ويُعد هذا الاكتشاف إضافة معتبرة إلى الدراسات السابقة التي توصلت إلى أن إطلاع الناس على الإجماع العلمي يُمكن أن يُغير مواقفهم. إلا أن معظم هذه الدراسات ركزت على الولايات المتحدة، مما دفع الباحثة بوجانا فيتكالوف وفريقها إلى اختبار هذا التأثير على مستوى عالمي.
أجرى الفريق استطلاعًا في 27 دولة، ووجدوا أن بعض المشاركين، بمن فيهم المحافظون سياسيًا، غيروا آراءهم بعد اطلاعهم على الإجماع العلمي. وترى فيتكالوف في ذلك “دليلًا على ما يتمتع به العلم من سلطة عالمية عابرة للثقافات”. ولكن مع تأكيد الدراسة على أهمية الرسائل الاجتماعية، إلا أنها لم تختبر مدى استمرارية هذا التغيير في الآراء والمواقف. كما أن الباحثين يرون أن استراتيجيات التثقيف المناخي أصبحت أكثر تعقيدًا، ولم يعد كافيًا عرض صور لدببة قطبية على الجليد الذائب.

ويشير الباحثون إلى أن التواصل الشخصي المباشر يُعد من المجالات البحثية الواعدة. وينصح ماثيو جولدبرج بالبدء بما يقع في دائرة اهتمام الجمهور، ثم ربطها بقضية التغير المناخي.

تؤكد مونتانا بورجس، المديرة التنفيذية لمنظمة “الجيران متحدون”، على أهمية الابتعاد عن تلقين الحقائق والاستعاضة عنها بتبادل القصص الشخصية. فهي تشارك تجربتها مع حرائق الغابات التي تسببت في إصابة طفلها بالربو، وكيف أن هذه التجربة الشخصية ساعدتها على فهم التغيرات المناخية بشكل ملموس.

يُشير جولدبرج إلى أهمية الإنصات و”الربط” بين تجربة المرء الشخصية والمعلومات المتوفرة عن طقس المنطقة. ويستند في ذلك إلى دراسة سابقة أظهرت فعالية الحوارات الشخصية في تغيير المواقف تجاه قضايا أخرى.

ويختتم لايزروفيتس المقال بقصة شخصية عن إقناعه أحد أفراد عائلته، الذي كان ينكر تغير المناخ، بتغيير رأيه بعد “عشرين سنة من الأحاديث الهادئة، الدؤوبة، الحانية، الداعمة”. هذه التجربة تُعطي الأمل في إمكانية تغيير المواقف السلبية من قضية التغير المناخي، من خلال الجمع بين العلم والتواصل الشخصي المباشر.

وفي النهاية فإن إن مكافحة التغير المناخي لم تعد مجرد معركة ضد ارتفاع درجات الحرارة أو الفيضانات، بل هي حربٌ ضروس ضد التضليل الإعلامي الذي يُقوّض جهودنا لإنقاذ كوكبنا. ففي الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة الكوارث الطبيعية، تتزايد معه حدة المعلومات المضللة التي تسعى إلى تشتيت انتباهنا وتضليلنا.

وتُشكِّل المعلومات المضللة عن المناخ تحديًا كبيرًا لجهود مكافحة هذه الظاهرة. ويجب علينا جميعًا أن نكون على درايةٍ بمخاطر هذه المعلومات المضللة، وأن نُساهم في الحد من انتشارها. إن قرار “ميتا” بإلغاء برنامج التحقق من الحقائق يُعدُّ بمثابة خطوة إلى الوراء في هذه المعركة، حيث يُعطي الضوء الأخضر لانتشار المعلومات المضللة على منصاتها، ويُعرّض مستقبلنا للخطر. لكن، يبقى الأمل موجودًا في قدرتنا على مواجهة هذا التحدي. فمن خلال تضافر جهودنا، كأفراد ومجتمعات، يمكننا أن نُحدث فرقًا. علينا أن نتحلى بالوعي النقدي، وأن نُشكك في المعلومات التي نتلقاها عبر الإنترنت، وأن نتحقق من مصادرها قبل مشاركتها. كما يجب علينا أن ندعو منصات التواصل الاجتماعي إلى تحمل مسؤوليتها في مكافحة انتشار المعلومات المضللة، وأن نُطالب الحكومات بسن قوانين تُجرم نشر الأخبار الكاذبة. ويجب أن نُدرك أن مكافحة المعلومات المضللة عن المناخ ليست مجرد مسؤولية منصات التواصل الاجتماعي أو الحكومات، بل هي مسؤوليةٌ تقع على عاتقنا جميعًا. يجب علينا أن نكون جزءًا من الحل، لا جزءًا من المشكلة.

المصادر:
• الاتحاد الأوروبي – مكتب مكافحة الاحتيال: استطلاع: “الفجوة السياسية في تصديق التغير المناخي” (2023) يربط بين الانتماءات الحزبية وتأثر الجمهور بالتضليل.
• أليكس سوليمان (2025). من منظور علمي: كيف يمكن تغيير المواقف السلبية من قضية التغير المناخي؟. نيتشر ميدل إيست.
• تقرير “إنفلوينس ماب” (InfluenceMap): يكشف تمويل شركات النفط الكبرى (مثل إكسون موبيل) لحملات التشكيك في سياسات المناخ.
• تيد توك: محاضرة: “كيف تُصبح صيادًا للأكاذيب المناخية” للباحثة كاثرين هايهو.
• جامعة ييل – برنامج التواصل المناخي: دراسة: “الفجوة بين العلم والرأي العام في قضايا المناخ” (2022) تُظهر تأثير المعلومات المضللة على الثقة في العلماء.
• المركز الدولي للصحفيين (ICFJ):دليل: “كيف تُحارب المعلومات المضللة المناخية” (2023) يقدم أدوات عملية للصحفيين والناشطين.
• مشروع “ديسبورا” (DeSmog): قاعدة بيانات تفاعلية لتتبع الأفراد والمنظمات المروجين لإنكار التغير المناخي.
• معهد أكسفورد للإنترنت (Oxford Internet Institute). ورقة بحثية: “خوارزميات وسائل التواصل وتضخيم الأكاذيب المناخية” (2023) تُحذر من تحيز المنصات لصالح المحتوى المثير.
• منصة “كلينتيك” أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتتبع انبعاثات الكربون الفعلية، كردّ على الادعاءات المضللة للدول والشركات. الرابط: climatetrace.org.
• مؤشر التضليل العالمي (Global Disinformation Index).
• الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC).

د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
– عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
https://orcid.org/0000-0002-2213-8911
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg

Loading

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

رحلة في عالم التحريف العلمي (15)

المعلومات المضللة والشائعات خطر يهدد عالمنا المعاصر العالم على مفترق طرق: التعاون أم الانهيار؟ شبكة …