عندما تحكي الأحافير قصة الأرض..

مفترسات ما قبل التاريخ في مصر: اكتشاف علمي يكشف أسرار التغير المناخي القديم

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 28 فبراير 2025

في قلب الصحراء المصرية، حيث تبدو الرمال ممتدة بلا نهاية، تختبئ أسرار تعود إلى ملايين السنين. هناك، بين طبقات الصخور، نجح فريق بحثي مصري بقيادة الدكتور هشام سلام، مؤسس مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة، في الكشف عن مفاجأة علمية جديدة: جنس جديد من الثدييات المفترسة عاش في مصر خلال عصور ما قبل التاريخ. هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة الحفريات الفقارية الدولية، يفتح نافذة فريدة لفهم تطور الحيوانات المفترسة وتأثير التغير المناخي على النظم البيئية القديمة.

مفترسات ما قبل التاريخ في مصر: كنوز مدفونة تكشف ماضياً غامضاً
لم يكن هذا الاكتشاف الوحيد لفريق جامعة المنصورة، فقد سبق لهم أن حققوا إنجازات علمية مهمة، مثل اكتشاف الديناصور المصري منصوراسورس، الذي عاش قبل 80 مليون عام، مما ساعد العلماء على فهم الروابط البيولوجية بين القارات القديمة. كما اكتشف الفريق حفرية توتسيتس، أصغر حفرية لحوت قديم دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية، مما قدم أدلة قوية على تطور الحيتان من كائنات برية إلى بحرية.

لكن الاكتشاف الأحدث يختلف عن سابقيه، إذ يتحدث عن كائنات مفترسة جابت مصر القديمة، منها باستيتودون وسخمتوبس، اللذان عاشا خلال عصر الإيوسين، عندما كانت مصر تغطيها الغابات الاستوائية والمستنقعات. يمثل هذا الكشف خطوة مهمة لفهم كيف تكيفت هذه الحيوانات مع التغيرات البيئية، وما الذي أدى إلى انقراضها في النهاية.

كيف غيّر التغير المناخي خريطة الحياة في مصر القديمة؟
لطالما كان التغير المناخي أحد العوامل الحاسمة في تطور الحياة على الأرض. منذ ملايين السنين، تعرضت مصر لتغيرات مناخية جذرية، انتقلت خلالها من بيئات استوائية غنية بالحياة إلى صحاري جافة قاحلة. هذه التغيرات لم تؤثر فقط على الكائنات الحية التي عاشت آنذاك، ولكنها تركت آثارها واضحة في السجلات الأحفورية.

يقول الدكتور هشام سلام: “إن فهم تأثير التغيرات المناخية القديمة يساعدنا على التنبؤ بما يمكن أن يحدث في المستقبل. من خلال دراسة كيف تعاملت الكائنات الحية مع تغير درجات الحرارة، الجفاف، وارتفاع مستويات البحر، يمكننا فهم التحديات البيئية التي يواجهها كوكبنا اليوم.”

وهناك دراسات تربط بين التغيرات المناخية القديمة والانقراضات الحديثة. على سبيل المثال، أظهرت دراسة نُشرت في عام 2014 أن التغيرات المناخية الحادة في مصر القديمة أدت إلى انهيار الشبكات البيئية وانقراض العديد من الثدييات. تشير هذه الدراسة إلى أن التغيرات المناخية، بالتزامن مع النمو السكاني البشري، يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات كبيرة في المجتمعات البيئية.

بالإضافة إلى ذلك، حذرت دراسة صادرة عن منظمة “جرينبيس” الدولية في عام 2022 من أن معدلات الانقراض الحالية أعلى بحوالي 100 إلى 1000 مرة مما كانت عليه في عصور ما قبل الإنسان، مما قد يؤدي إلى الانقراض الجماعي السادس. ترتبط هذه المعدلات المرتفعة بالتغيرات المناخية والتدخلات البشرية السلبية في البيئة.
هذه الدراسات تسلط الضوء على أهمية فهم التغيرات المناخية القديمة وتأثيرها على النظم البيئية، مما يساعد في التنبؤ بتأثيرات التغير المناخي الحالية والمستقبلية على التنوع البيولوجي.

هل هناك مؤشرات في الحفريات تشير إلى استراتيجيات تكيف قد تفيد الكائنات الحديثة؟
تكشف دراسة الحفريات عن العديد من استراتيجيات التكيف التي ساعدت الكائنات القديمة على النجاة من التغيرات المناخية الحادة، والتي قد تفيد الكائنات الحديثة في مواجهة التغيرات البيئية الحالية. فيما يلي بعض المؤشرات الأحفورية التي توضح آليات التكيف البيولوجي والتطور البيئي:

1. تغيير الحجم الجسدي (قاعدة بيرغمان)
تشير الحفريات إلى أن بعض الكائنات التي عاشت خلال الفترات الدافئة أصبحت أصغر حجمًا بمرور الوقت، مما يساعدها على فقدان الحرارة بشكل أكثر كفاءة. ومثال على ذلك: الثدييات الصغيرة خلال العصر الجليدي تطورت لتصبح أكبر حجمًا عندما انخفضت درجات الحرارة، والعكس صحيح خلال الفترات الدافئة.

2. التكيف في الشكل والوظائف الجسدية
الكائنات التي نجت من التغيرات البيئية غالبًا ما أظهرت تعديلات تشريحية، مثل الأطراف الطويلة للحركة السريعة، أو أسنان أكثر تخصصًا لتناول أنواع مختلفة من الطعام. ومثال على ذلك: تُظهر الحفريات كيف تحولت أسنان بعض الثدييات من القواطع الحادة للحوم إلى أسنان مسطحة لمضغ النباتات بسبب تغيرات بيئية.

3. الهجرة والتوزيع الجغرافي
تبين الحفريات أن بعض الكائنات لم تنقرض، بل هاجرت إلى بيئات أكثر ملاءمة عندما تغير المناخ. ومثال على ذلك: حفريات الحيتان القديمة المكتشفة في مصر، مثل “توتسيتس”، تُظهر مراحل انتقال الحيتان من بيئات المياه العذبة إلى المحيطات، وهو تكيف استراتيجي ناجح للبقاء.

4. تغيرات في استراتيجيات الغذاء
الكائنات التي كانت قادرة على تغيير نظامها الغذائي أثناء فترات نقص الموارد كانت أكثر قدرة على البقاء. وعلى سبي المثال: دراسة حفريات التماسيح والديناصورات العاشبة في مصر كشفت عن تغيرات في أنماط التغذية استجابةً للجفاف وندرة النباتات.

5. القدرة على تحمل فترات طويلة من الظروف القاسية
بعض الكائنات طورت استراتيجيات مثل الخمول الشتوي أو الجفاف الطويل، وهو ما يمكن ملاحظته في الحفريات من خلال بنية العظام أو أنماط النمو المتقطعة. وعلى سبيل المثال: تشير الحفريات إلى أن بعض البرمائيات والزواحف طورت القدرة على “النوم الصيفي” (Aestivation) في أوقات الجفاف الطويلة.

6. الابتكار في طرق التكاثر
بعض الكائنات القديمة طورت استراتيجيات تكاثرية سريعة في فترات الأزمات، مثل زيادة معدل الإنجاب لضمان بقاء الأجيال القادمة. وعلى سبيل المثال: تظهر الحفريات أن بعض الثدييات الصغيرة خلال العصور الجليدية كانت تتكاثر بمعدلات أسرع في فترات القحط لضمان استمرار النوع.

كيف يمكن مقارنة هذه التغيرات المناخية القديمة بالتغيرات الحالية؟
يمكن مقارنة التغيرات المناخية القديمة بالتغيرات الحالية من خلال تحليل البيانات الجيولوجية والبيئية، مما يساعد العلماء على فهم الأنماط المناخية المتكررة وتوقع التأثيرات المستقبلية. إليك بعض الطرق الرئيسية للمقارنة:

1. تحليل الرواسب والصخور
تحتوي طبقات الصخور على أدلة حول الظروف المناخية القديمة، مثل مستويات الرطوبة، درجات الحرارة، ووجود البحيرات أو الصحاري. ويمكن مقارنة هذه البيانات مع التحولات الجارية اليوم، مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار.

2. دراسة الحفريات والمقارنة مع الكائنات الحديثة
تُظهر الأحافير كيف تكيفت أو انقرضت الكائنات نتيجة التغيرات المناخية السابقة. وبمقارنة هذه النتائج مع استجابات الأنواع الحديثة (مثل انقراض بعض الحيوانات بسبب الاحتباس الحراري) يساعد في توقع المسارات المحتملة لتغير التنوع البيولوجي مستقبلاً.

3. تحليل مستويات ثاني أكسيد الكربون (CO₂) في الغلاف الجوي
يتم قياس تركيزات CO₂ القديمة من خلال فقاعات الهواء المحبوسة في الجليد القطبي، مما يكشف عن ارتباط ارتفاعها مع الفترات الحارة أو الجافة في الماضي. وبالمقارنة، نشهد اليوم زيادة غير مسبوقة في مستويات CO₂ بسبب النشاط البشري، مما يؤكد تأثيره على المناخ الحالي.

4. دراسة تغيرات مستوى سطح البحر
أظهرت السجلات الجيولوجية أن ارتفاع درجات الحرارة في الماضي أدى إلى ذوبان الجليد القطبي وارتفاع مستوى البحر. وحاليًا، تشهد الأرض ارتفاعًا مشابهًا في مستوى البحر بسبب ذوبان الأنهار الجليدية في القطبين، مما يهدد المدن الساحلية والمنظومات البيئية.

5. تغير أنماط الطقس والكوارث الطبيعية
تُظهر الأدلة الجيولوجية أن فترات التغير المناخي القديم كانت مصحوبة بزيادة العواصف، الفيضانات، وموجات الجفاف. واليوم، نرى أنماطًا مماثلة من الظواهر المتطرفة، مثل الأعاصير القوية والحرائق البرية المتزايدة، مما يعكس تأثير الاحتباس الحراري.

6. مقارنة تأثيرات الاحتباس الحراري الطبيعي مقابل الاحتباس الحراري البشري
في العصور القديمة، كانت التغيرات المناخية ناتجة عن عوامل طبيعية مثل النشاط البركاني، التغيرات في مدار الأرض، أو اصطدام الكويكبات. في المقابل، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن التغير المناخي الحالي يحدث بسرعة أكبر بسبب الانبعاثات البشرية، مما يجعل التكيف أكثر تحديًا للكائنات الحية.

ما الذي يمكن أن يفيدنا من هذه الاكتشافات اليوم؟
تساعد مقارنة الماضي بالحاضر في تقديم دروس حول كيفية استجابة الطبيعة للكوارث المناخية، مما يمكن العلماء من التنبؤ بالتغيرات المستقبلية ووضع استراتيجيات للتخفيف من آثارها. من خلال فهم الماضي، يمكننا اتخاذ قرارات أكثر استدامة لحماية الأرض والحفاظ على التنوع البيولوجي للأجيال القادمة.

تُظهر الحفريات أن القدرة على التكيف، سواء من خلال تغيير الحجم أو الهجرة أو تعديل النظام الغذائي، كانت مفتاح البقاء في الماضي. وبما أن كوكبنا يمر اليوم بتغيرات مناخية سريعة، فإن دراسة هذه الاستراتيجيات القديمة قد توفر حلولًا لمواجهة التحديات البيئية المستقبلية. ويمكن أن تساعد هذه الاستراتيجيات العلماء في حماية الكائنات الحية المعرضة للخطر اليوم، مثل تعزيز المناطق المحمية لحماية الأنواع التي تحتاج إلى الهجرة. كما توفر هذه الاكتشافات نماذج حيوية للتكيف الحديث، حيث يمكن للباحثين دراسة الأنواع التي أظهرت نجاحًا سابقًا في النجاة من تغير المناخ، وتطبيق نفس المبادئ في برامج الحفظ البيئي.

ما العوامل التي تجعل بعض الأنواع تنجو من التغير المناخي بينما تنقرض أخرى؟
التغير المناخي يفرض ضغوطًا كبيرة على الكائنات الحية، لكن بعض الأنواع تمتلك استراتيجيات تساعدها على النجاة، مثل التكيف السريع، التنوع الغذائي، والهجرة. في المقابل، الأنواع المتخصصة أو البطيئة في التطور تواجه خطر الانقراض إذا لم تتمكن من التكيف مع الظروف الجديدة. وتعتمد قدرة بعض الأنواع على النجاة من التغير المناخي بينما تنقرض أخرى على عدة عوامل بيولوجية وبيئية وسلوكية. فيما يلي بعض العوامل الرئيسية التي تحدد مصير الكائنات الحية خلال فترات التغير المناخي:

1. القدرة على التكيف البيئي
الكائنات التي تستطيع العيش في بيئات متنوعة وتمتلك نطاقًا واسعًا من التوزيع الجغرافي تكون أكثر قدرة على النجاة. مثال: الطيور المهاجرة يمكنها التنقل إلى أماكن أكثر ملاءمة، بينما الكائنات التي تعتمد على بيئة محددة تواجه خطر الانقراض.

2. سرعة التكاثر والتكيف الجيني
الأنواع ذات دورة الحياة القصيرة (مثل الحشرات وبعض القوارض) تتطور بسرعة أكبر وتتكيف وراثيًا مع الظروف الجديدة، مما يمنحها فرصة للبقاء. في المقابل، الكائنات ذات التكاثر البطيء، مثل الفيلة والحيتان، قد تواجه صعوبة في التكيف قبل أن تصبح بيئتها غير صالحة للحياة.

3. التنوع الغذائي مقابل التخصص الغذائي
الأنواع التي تتغذى على مصادر غذائية متنوعة يمكنها التكيف مع تغير توفر الغذاء. بينما الكائنات المتخصصة، مثل دببة الباندا التي تعتمد على الخيزران فقط، تكون أكثر عرضة للخطر إذا اختفى مصدر غذائها.

4. القدرة على الهجرة والانتشار
الأنواع التي تستطيع الانتقال إلى بيئات جديدة أكثر ملاءمة لديها فرص أكبر للبقاء. على سبيل المثال، بعض الأسماك تتحرك إلى أعماق أبرد مع ارتفاع حرارة المحيطات، بينما الشعاب المرجانية، التي لا تستطيع الانتقال، تتعرض لخطر الانقراض بسبب تبيُّض المرجان.

5. مقاومة الضغوط البيئية
بعض الكائنات تمتلك سمات فيزيولوجية تمكنها من تحمل التغيرات المناخية القاسية، مثل الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة. على سبيل المثال، بعض الصحراويات لديها قدرة على الاحتفاظ بالمياه لفترات طويلة، بينما الأنواع التي تعتمد على الرطوبة العالية قد لا تبقى على قيد الحياة.

6. التفاعل مع الأنواع الأخرى
إذا كان نوع ما يعتمد على كائنات أخرى مهددة بالانقراض، فقد يتأثر أيضًا. مثال: إذا انقرضت الحشرات الملقحة بسبب التغير المناخي، فقد تتضرر النباتات التي تعتمد عليها، مما يؤدي إلى انهيار النظام البيئي المرتبط بها.

7. التأثير البشري والتكيف الحضري
بعض الأنواع استفادت من التغيرات التي أحدثها الإنسان، مثل الطيور التي تتكيف مع البيئات الحضرية أو الثدييات التي تستفيد من مصادر الطعام البشرية. في المقابل، الكائنات التي تحتاج إلى بيئات طبيعية غير متأثرة بالبشر تعاني من الانقراض المتزايد.

8. أمثلة تاريخية على النجاة والانقراض
أنواع نجت: التماسيح والسلحفاة البحرية عاشت منذ عصر الديناصورات لكنها نجت بسبب تكيفها مع التغيرات البيئية.
أنواع انقرضت: الديناصورات لم تستطع التكيف بسرعة بعد اصطدام الكويكب الذي أدى إلى تغير مناخي مفاجئ، مما أدى إلى انقراضها.

كيف يمكن لهذه الاكتشافات أن تساعد في التنبؤ بتأثيرات التغير المناخي المستقبلية؟
تساعد هذه الاكتشافات في التنبؤ بتأثيرات التغير المناخي المستقبلية من خلال تقديم أدلة على كيفية استجابة الكائنات الحية للتغيرات البيئية عبر العصور الجيولوجية. إليك بعض الطرق التي تساهم بها:

1. تحليل أنماط الانقراض والبقاء
توضح الحفريات كيف أثرت التغيرات المناخية السابقة، مثل الارتفاع في درجات الحرارة أو الجفاف الشديد، على التنوع البيولوجي. مثلاً، دراسة انقراض بعض الكائنات المفترسة في مصر القديمة قد تكشف عن العوامل البيئية التي أدت إلى تراجع أعدادها، مما يساعد في فهم المخاطر التي تواجه الأنواع الحية اليوم بسبب الاحتباس الحراري.

2. فهم تكيف الكائنات مع التغيرات البيئية
تُظهر الحفريات كيف تكيفت بعض الأنواع مع بيئات متغيرة، سواء من خلال الهجرة، أو تغير النظام الغذائي، أو التطور البيولوجي. يمكن أن تساعد هذه المعلومات العلماء على توقع كيفية تفاعل الأنواع الحديثة مع ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وارتفاع مستوى سطح البحر.

3. توقع تأثير تغيرات الغطاء النباتي والمسطحات المائية
من خلال دراسة البيئات القديمة التي عاشت فيها هذه الكائنات، يمكن للعلماء استنتاج كيف أثرت التقلبات المناخية على توزيع الغابات، الأنهار، والمستنقعات، وهي عوامل تؤثر بشكل مباشر على النظم البيئية الحديثة.

4. مقارنة الفترات المناخية المختلفة
عند تحليل الفترات المناخية السابقة التي تشابه الظروف الحالية، يمكن وضع نماذج علمية تتنبأ بكيفية تغير المناخ مستقبلاً. فمثلاً، إذا أظهرت الحفريات أن التغير المناخي أدى في الماضي إلى فقدان مجموعات مفترسة معينة، فقد يشير ذلك إلى أن التغيرات الحالية قد يكون لها تأثير مماثل على السلاسل الغذائية.

5. مساعدة صُنّاع القرار في حماية التنوع البيولوجي
عبر دراسة أسباب انقراض الكائنات في الماضي، يمكن توجيه السياسات البيئية لحماية الأنواع المهددة اليوم. يمكن لهذه الدراسات أن تدعم الجهود المبذولة للحفاظ على النظم البيئية، وتوفير خطط مستدامة للتعامل مع تغير المناخ.

كيف يمكن استخدام تقنيات تحليل الحفريات للتنبؤ بمستقبل النظم البيئية؟
تقنيات تحليل الحفريات توفر نافذة إلى الماضي، مما يساعد العلماء على فهم كيفية تفاعل الكائنات الحية مع التغيرات البيئية عبر العصور. يمكن استخدام هذه التقنيات للتنبؤ بمستقبل النظم البيئية من خلال عدة طرق:

1. تحليل أنماط الانقراض والبقاء
بدراسة الحفريات، يمكن للعلماء تحديد الفترات الزمنية التي شهدت انقراضات كبيرة وربطها بالعوامل البيئية مثل تغير درجات الحرارة أو ارتفاع مستوى البحار. ويساعد هذا في التنبؤ بأنواع الكائنات الحية التي قد تكون أكثر عرضة للخطر في المستقبل، استنادًا إلى استجابتها السابقة للتغيرات البيئية.

2. التعرف على آليات التكيف البيولوجي
بعض الكائنات تطورت لمقاومة تغيرات بيئية معينة، مثل زيادة الملوحة أو ارتفاع درجات الحرارة. وتكشف دراسة الهياكل العظمية والتغيرات التشريحية للحفريات كيف تكيفت الأنواع الناجية مع بيئاتها، مما يوفر أدلة على استراتيجيات التكيف الممكنة للكائنات الحية اليوم.

3. إعادة بناء النظم البيئية القديمة
باستخدام تحليل النظائر المستقرة (Stable Isotope Analysis) في بقايا الأحافير، يمكن تحديد الأنظمة الغذائية للكائنات القديمة ومستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما يساعد على إعادة بناء النظم البيئية السابقة. ويمكن لهذه البيانات أن تقدم نماذج للتغيرات المستقبلية في السلاسل الغذائية والنظم البيئية الحديثة.

4. التنبؤ بتأثيرات الاحتباس الحراري
دراسة الحقب الجيولوجية التي شهدت احترارًا عالميًا سابقًا، مثل العصر الباليوسيني-الإيوسيني، يمكن أن تساعد العلماء على فهم تأثيرات الاحتباس الحراري الحالي، مثل تغير توزيع الكائنات الحية وهجرة الأنواع.

5. النمذجة الحاسوبية للتطور البيئي
يتم إدخال البيانات الأحفورية في نماذج حاسوبية تحاكي كيفية استجابة النظم البيئية للكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية. ويمكن استخدام هذه النماذج لمحاكاة السيناريوهات المستقبلية، مثل ارتفاع درجات الحرارة أو تحمّض المحيطات، وفهم كيفية تأثيرها على التنوع البيولوجي.

2. مقارنة الفترات الزمنية المختلفة
من خلال مقارنة تغيرات المناخ السابقة والحالية، يمكن للعلماء تحديد مدى سرعة حدوث التغيرات اليوم مقارنة بالماضي، مما يساعد في تقييم مخاطر فقدان التنوع البيولوجي في المستقبل.

رسائل من الماضي لفهم المستقبل
فهم الماضي هو مفتاح التنبؤ بالمستقبل، وتحليل الحفريات يوفر أدلة قوية حول كيف ستتفاعل النظم البيئية مع الضغوط البيئية القادمة. يمكن أن تساعد هذه البيانات صناع القرار في وضع استراتيجيات للحفاظ على التنوع البيولوجي والحد من تأثيرات التغير المناخي على الحياة البرية والإنسانية.

وبينما يحاول العلماء فك رموز الماضي من خلال الحفريات، فإن العالم الحديث يواجه تحديات بيئية مشابهة، مثل الاحتباس الحراري وفقدان التنوع البيولوجي. يشير الباحثون إلى أن دراسة الكائنات المنقرضة تمنحنا أدلة على كيفية تأثير تغير المناخ على الأنواع الحية، مما يساعد على تطوير استراتيجيات لحماية التنوع البيولوجي اليوم.

ربما تكون الصحراء المصرية قد تحولت إلى أرض قاحلة، لكن تحت رمالها، لا تزال الأحافير تحكي قصصاً لم تُروَ بعد عن كائنات كانت تهيمن على الأرض، ثم اختفت بفعل الزمن. ومع كل كشف علمي جديد، تقترب البشرية خطوة أخرى من فهم الماضي، والاستعداد لمستقبل يتغير بوتيرة متسارعة.

في النهاية، تُعد الأحافير بمثابة أرشيف طبيعي يسجل كيف تفاعل كوكب الأرض مع التغيرات المناخية على مدى ملايين السنين. من خلال فك شفرة هذه السجلات، يمكننا تحسين فهمنا لكيفية التعامل مع الأزمات البيئية الحالية، والتخطيط لمستقبل أكثر استدامة.

Loading

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

رحلة في عالم التحريف العلمي (15)

المعلومات المضللة والشائعات خطر يهدد عالمنا المعاصر العالم على مفترق طرق: التعاون أم الانهيار؟ شبكة …