بمناسبة اليوم العالمي للمياه 2025
شبكة بيئة ابوظبي، أ.د. يوسف الكمري، باحث واستشاري في علوم البيئة والتنمية المستدامة، المملكة المغربية، 25 مارس 2025
حماية موارد المياه المتجمدة من أجل المستقبل
موضوع يوم المياه العالمي لعام 2025 هو “الحفاظ على الأنهار الجليدية”. من الضروري إجراء تخفيضات عالمية في انبعاثات الكربون، وتنفيذ استراتيجيات محلية للتكيف مع الأنهار الجليدية الآخذة في التقلص. وفي يوم المياه العالمي، يجب أن نعمل معاً حتى يكون الحفاظ على الأنهار الجليدية هو محور خطط المجتمع الدولي الرامية إلى التصدي لتغير المناخ ومواجهة أزمة المياه العالمية.
22 آذار/مارس من كل عام يصادف اليوم العالمي للمياه ، وقد حُدِّد هذا اليوم لكي يكون وسيلة لإثارة الانتباه إلى الدور الأساسي للمياه العذبة، والدعوة إلى إدارة الموارد المائية العذبة بشكل عقلاني ومستدام. ويتمثل الهدف من هذا اليوم في اتخاذ إجراءات عملية للتعاطي مع الأزمة العالمية للمياه التي تهدد بعض مناطق كوكب الأرض، دعماً لتحقيق الهدف 6 من أجندة التنمية لسنة 2030: المياه والصرف الصحي.
لقد أعلنت الأمم المتحدة عام 2025 باعتباره السنة الدولية للحفاظ على الأنهار الجليدية، حيث تم الاحتفال بأول يوم عالمي للأنهار الجليدية في 21 آذار/مارس 2025، بهدف إذكاء الوعي العالمي بالارتباطات الحاسمة بين الغلاف الجليدي وتغير المناخ ودورة المياه، والاقتصاد، والبيئة والمجتمع. وفي هذا الصدد، تُعدّ الأنهار الجليدية أساسيةً لتنظيم المناخ العالمي وتوفير المياه العذبة، الضرورية لمليارات السكان. ومع ذلك، وبسبب تغير المناخ، الناجم أساسًا عن الأنشطة البشرية منذ القرن التاسع عشر، فإن هذه الموارد الحيوية تشهد ذوبانًا سريعًا. وقد أعلنت الأمم المتحدة عام 2025 عامًا دوليًا للحفاظ على الأنهار الجليدية لتسليط الضوء على أهميتها وضمان حصول من يعتمدون عليها، ومن يتأثرون بعمليات الغلاف الجليدي، على الخدمات الهيدرولوجية والجوية والمناخية اللازمة. وتُبرز هذه الجهود الدور الحاسم الذي تلعبه المناطق الجبلية كمصدر رئيسي للمياه العذبة وخدمات النظم الإيكولوجية العالمية.
كما يركز تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام 2025 على المياه الجبلية ودورها الهام بوصفها “أبراجاً للمياه”. ويبرز التقرير دور الجبال كموارد أساسية للمياه العذبة ذات دور حيوي في تلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان، وضمان أمن الغذاء والطاقة لمليارات السكان في المناطق الجبلية ومصبَّات الأنهار على حدٍّ سواء. كما يسلط التقرير الضوء على التحديات الملحة التي تواجهها نظم المياه الجبلية، خصوصاً التغير السريع الذي يطرأ على الغلاف الجليدي للجبال بسبب تغير المناخ العالمي. ويلفت التقرير الانتباه بوجه خاص إلى الذوبان المتسارع للأنهار الجليدية، وتراجع الغطاء الثلجي، والذوبان المتزايد للتربة الصقيعية، مما يزيد من عدم انتظام وتقلب تدفقات المياه من الجبال.
وفقًا لتقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية واليونسكو، في عام 2023، فقدت الأنهار الجليدية أكثر من 600 جيجا طن من المياه، وهذه أكبر خسارة مسجلة في كتلتها منذ 50 عاماً. كما يوجد حوالي 70٪ من المياه العذبة على الأرض على شكل ثلج أو جليد. ويعتمد ما يقرب من 2 مليار شخص في الشرب والزراعة وإنتاج الطاقة على المياه من الأنهار الجليدية وذوبان الثلوج والجريان السطحي للمياه من الجبال. وحسب، اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يسهم الذوبان المتزايد للأنهار الجليدية بشكل كبير في ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم، حيث يرتفع مستوى سطح البحر اليوم بحوالي 20 سم عما كان عليه في عام 1900. كما يمكن أن يؤدي الحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية إلى إنقاذ الأنهار الجليدية في ثلثي مواقع التراث العالمي حسب تقرير لليونسكو/ الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.
في تصريح لـ Medi1 TV Afrique صرحت البروفسور ليلى ماندي، الخبيرة في الموارد المائية والمديرة السابقة للمركز الوطني للدراسات والأبحاث في مجال المياه والطاقة التابع لجامعة القاضي عياض مراكش، المملكة المغربية: “إن اعتماد تقنيات حديثة من أجل تجميع مياه الأمطار والمياه الناتجة عن ذوبان الثلوج في أعالي الجبال وإعادة استخدامها في الشرب والري، وأيضاً في تغذية مخزون المياه الباطنية والسدود والانهار، يمكن أن يكون له دور كبير في تعزيز الاستدامة المائية ومكافحة تغير المناخ”.
كما تؤكد الباحثة ماندي، عضو الأكاديمية الفرنسية للمياه، على أن البنيات التحتية المؤهلة على مستوى المدن المستدامة يمكن أن تلعب دوراً أساسياً في استدامة الموارد المائية الحضرية، مع امكانية اللجوء إلى جمع مياه الأمطار وإعادة استخدامها سواء على المستوى الفردي أو على مستوى التخطيط الحضري، مثلاً عبر تركيب أنظمة لجمع مياه الأمطار في أسطح المباني لاستخدامها في ري المساحات الخضراء أو تنظيف الشوارع والساحات العمومية، وأيضاً عبر إنشاء حدائق مطرية وأحواض تجميع المياه لتعزيز امتصاصها في التربة وتقليل الجريان السطحي، وتشجيع الأسطح الخضراء والحدائق العامة التي تساعد على امتصاص المياه وتقليل الفيضانات وتحسين الرطوبة في المدن … كدلك، من خلال معالجة المياه العادمة من أجل إعادة تغذية المياه الجوفية وسقي المزروعات، بحيث تمكن هذه العملية من توفير كميات كبيرة من المياه وتقليل الضغط على الموارد المائية التقليدية.
وفي الختام، إنّ الحفاظ على الأنهار الجليدية وإصلاح النظم الإيكولوجية الجبلية أمرٌ ضروري من أجل استقرار دورة المياه في العالم وتأمين الإمدادات الغذائية العالمية. ولا تقتصر آثار تغيّر المناخ في المناطق الجبلية على تلك المناطق فحسب، بل يطال أثرها الجميع. كما يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم المنافسة الشرسة بالفعل على الموارد المائية المحدودة، خاصةً خلال الأشهر الحرجة التي يشتد فيها اعتماد الزراعة عليها. وفي اليوم العالمي للمياه لهذا العام أي 2025، يتعيّن على المجتمع الدولي أن يتحد من أجل إسناد الأولوية للحفاظ على الأنهار الجليدية كاستراتيجية مركزية في التصدي لتغير المناخ وأزمة المياه العالمية.
لائحة المصادر المعتمدة:
الموقع الالكتروني للأمم المتحدة الخاص باليوم العالمي للمياه: https://www.un.org/ar/observances/water-day
الموقع الإلكتروني لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة:
https://www.fao.org/world-water-day/ar
الموقع الإلكتروني لمنظمة لليونسكو:
https://www.unesco.org/ar/days/world-water
الموقع الاخباري Medi1 TV Afrique