شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، المهندس عماد سعد خبير الاستدامة والمسؤولية المجتمعية، 18 ابريل 2025
مقدمة:
في عالم تتسارع فيه انبعاثات الكربون وتزداد آثار تغيّر المناخ حدّة، تأتي (ساعة الأرضEarth Hour (كأكبر فعالية بيئية تطوعية جماعية على مستوى العالم. يتم إحياؤها سنويًا في آخر يوم سبت من شهر مارس، عندما تُطفأ الأنوار في المنازل والمباني العامة والمعالم الشهيرة لمدة ساعة واحدة من 8:30 إلى 9:30 مساءً بالتوقيت المحلي. هذه المبادرة التي أطلقتها منظمة الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) في عام 2007 بمدينة سيدني الأسترالية، تحولت إلى رمز عالمي للتضامن البيئي، ورسالة توعوية هادئة، ولكنها عميقة الأثر.
ما الذي تُحدثه ساعة الأرض فعليًا؟ هل مجرد رمزية؟ أم لها أثر بيئي حقيقي؟
قد يظن البعض أن ساعة واحدة لا تكفي لتغيير مصير الكوكب، لكن الأرقام تخبرنا بقصة مختلفة تمامًا.
1. تقليل استهلاك الكهرباء مؤقتًا = خفض مباشر للانبعاثات
في كل دقيقة يتم فيها إطفاء الأنوار في مدينة كبرى، يتم تقليل الطلب على محطات توليد الكهرباء، ما يؤدي إلى خفض فوري في استهلاك الوقود الأحفوري. على سبيل المثال: ماليزيا خفضت استهلاكها الكهربائي بمقدار 603 ميغاواط ساعة خلال ساعة الأرض 2019 أي ما يعادل تقليل انبعاثات بنحو 210 طن من ثاني أكسيد الكربون في ساعة واحدة فقط. أما الفلبين فقد خفضت الاستهلاك بمقدار 165 ميغاواط عام 2022 مما يعني خفض انبعاثات تعادل 80 طن تقريبًا من CO₂.
2. أمثلة من مدن كبرى:
المصدر: تقارير ساعة الأرض الصادرة عن WWF، وبيانات وزارات الطاقة في الدول المشاركة.
تأثير ساعة الأرض على البيئة والمناخ:
رغم أن خفض الانبعاثات خلال ساعة واحدة قد يبدو قليلًا نسبيًا مقارنة بالاحتياجات العالمية، إلا أن الأثر التراكمي الرمزي والعملي كبير جداً.
رفع الوعي البيئي الجماعي العالمي: حيث نجد أكثر من 190 دولة ومنطقة شاركت في ساعة الأرض 2023. ومشاركة أكثر من 2 مليار شخص حول العالم بشكل مباشر أو غير مباشر. وإطفاء أكثر من 3000 معلم عالمي شهير (برج إيفل، برج خليفة، الكولوسيوم، دار الأوبرا في سيدني).
تحفيز السلوكيات المستدامة: الدراسات تؤكد أن المشاركين في ساعة الأرض يصبحون أكثر التزامًا بالممارسات البيئية اليومية: من حيث تقليل الاستهلاك. واستخدام الأجهزة ذات الكفاءة العالية. وتبني الطاقة الشمسية والبدائل النظيفة.
تأثير توعوي على صناع القرار: بدأت كثير من الحكومات بإدراج حملات ساعة الأرض ضمن استراتيجياتها الوطنية للتوعية البيئية. وفي بعض الدول ربطت ساعة الأرض بإطلاق سياسات خضراء أو تشريعات خاصة بالطاقة.
هل تكفي ساعة واحدة؟
لا. لكن رمزية الساعة تُطلق تأثيرًا يمتد على مدار العام. هي بمثابة “زر تذكير جماعي” للعالم كي يعيد التفكير في سلوكه البيئي، وتُصبح نقطة انطلاق لحملات أكبر مثل: (ساعة الأرض الرقمية)، و (الحي الأخضر)، و (أسبوع الطاقة النظيفة).
تقديرات محاكاة علمية لتأثير ساعة الأرض عالميًا:
وفقًا لتقارير (The Carbon Trust) و (IEA) إذا شارك 1 مليار شخص بإطفاء الكهرباء والأجهزة المنزلية لمدة ساعة: يتم توفير أكثر من 210,000 ميغاواط ساعة من الكهرباء عالميًا. كما يتم تخفيض نحو 94,000 طن من ثاني أكسيد الكربون في تلك الساعة فقط. وهذا يعادل انبعاثات رحلات طيران لأكثر من 30,000 شخص عبر المحيط الأطلسي.
عدد المدن والمناطق التي تشارك في حملة ساعة الأرض حول العالم:
وفقًا للتقارير الرسمية الصادرة عن الصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، في السنوات الأخيرة، شارك في الحملة أكثر من 7,000 مدينة وبلدة من مختلف دول العالم، وتغطي الحملة سنويًا أكثر من 190 دولة وإقليمًا. على سبيل المثال: في ساعة الأرض 2023، شاركت أكثر من 7,000 مدينة في 195 دولة ومنطقة، وتم إطفاء أنوار أكثر من 300 معلم عالمي بارز.
من أشهر المدن المشاركة:
باريس، نيويورك، لندن، سيدني، كيب تاون، طوكيو، هونغ كونغ، دبي، الرياض، القاهرة، بيروت، تونس، عمّان، الدوحة، الرباط، كوالالمبور، نيودلهي، جاكرتا، موسكو، بوينس آيرس، ريو دي جانيرو وغيرها الكثير.
مشاركة عالمية رمزية:
حتى في القرى النائية، يُطفئ الناس أنوار منازلهم تعبيرًا عن التضامن مع الأرض، ما يجعل ساعة الأرض أكبر فعالية بيئية تطوعية جماعية في تاريخ البشرية من حيث عدد المشاركين والمواقع الجغرافية.
أخيراً وليس آخراً ونحن في عالم يسير نحو حافة المناخ… ربما تكون ساعة من العتمة هي ما يُضيء طريق التغيير. ساعة الأرض ليست مجرد تقليد سنوي، بل حركة عالمية للتفكير الجماعي والتغيير المستدام. كل مصباح يُطفأ هو صوت يُرفع من أجل الكوكب… فكن جزءًا من هذا الضوء، ولو من خلال العتمة.