Warning: Undefined array key 1 in /home/abudhabienv/public_html/wp-content/plugins/visitors-online/visitors-online.php on line 505

Warning: Undefined array key 2 in /home/abudhabienv/public_html/wp-content/plugins/visitors-online/visitors-online.php on line 505

Warning: Cannot modify header information - headers already sent by (output started at /home/abudhabienv/public_html/wp-content/plugins/visitors-online/visitors-online.php:505) in /home/abudhabienv/public_html/wp-content/plugins/visitors-online/visitors-online.php on line 557
يوم الحمض النووي: جينوم الأرض.. حارس التنوع الحيوي وركيزة الاستدامة - بيئة أبوظبي

يوم الحمض النووي: جينوم الأرض.. حارس التنوع الحيوي وركيزة الاستدامة

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 25 ابريل 2025
في الخامس والعشرين من أبريل من كل عام، تحتفي المجتمعات العلمية والطلابية والمهتمون بالتقنية الحيوية بيومٍ ليس كغيره… يوم يُكرّم أعظم الاكتشافات العلمية في تاريخ البشرية: الحمض النووي (DNA). ويحتفل العالم بيوم الحمض النووي، ليس فقط لتكريم الاكتشاف التاريخي للتركيب اللولبي المزدوج عام 1953، أو لإحياء ذكرى اكتمال مشروع الجينوم البشري عام 2003، بل لاستحضار الدور الثوري لهذا الجزيء الصغير في تشكيل فهمنا للوجود البشري والحفاظ على كوكب الأرض.

وفي حقيقة الأمر، فهو يوم نُسلّط فيه الضوء على الشيفرة الجزيئية التي بُنيت عليها الحياة، ونستعرض خلاله المسيرة المذهلة لاكتشافاته وتطبيقاته، التي غيّرت وجه الطب، والزراعة، وعلوم البيئة، بل وحتى فهمنا لذواتنا كبشر. فالحمض النووي لم يعد مجرد “شفرة الحياة” داخل خلايانا، بل تحول إلى أداة علمية فائقة لقراءة تاريخ الكائنات، ومراقبة صحة النظم البيئية، ومواجهة التحديات البيئية التي تهدد مستقبلنا. فيوم الحمض النووي ليس مجرد ذكرى علمية… بل هو احتفال بالمعرفة، وانتصار للعقل البشري الذي نجح في فك طلاسم الجينات وتحويلها إلى أدوات لحماية كوكب الأرض، وتحسين جودة الحياة، ورسم ملامح المستقبل.

ثورة الجينات: كيف غيّر الحمض النووي عالمنا؟
في عام 1953، أعلن جيمس واتسون وفرانسيس كريك عن نموذجهم الثوري لبنية الحمض النووي: الحلزون المزدوج. مستندين إلى صور الأشعة السينية التي التقطتها روزاليند فرانكلين، شكّل هذا الاكتشاف نقطة تحوّل مفصلية في علم الأحياء. لم يكن الأمر مجرد تحديد لشكل جزيء، بل كان فتحاً علمياً كشف عن الآلية التي تُنسخ بها الحياة وتنقل صفاتها عبر الأجيال.

وبعد نصف قرن، في عام 2003، احتفل العالم بإتمام مشروع الجينوم البشري، الذي فكّ شيفرة كامل
المادة الوراثية للإنسان، واضعاً بين أيدينا أطلسًا جينيًا سيقود قرناً كاملاً من الاكتشافات.
والحمض النووي لم يعد مجرد مادة تعليمية في كتب الأحياء، بل أصبح أداةً رئيسية لفهم وتشخيص وعلاج وتحليل كل ما يحيط بنا من كائنات حية وبيئات متغيرة. بلغة الأرقام، يُعد كل كائن حي اليوم قاعدة بيانات حية مشفّرة في جيناته، وبفضل تقنيات البيولوجيا الجزيئية، أصبح فكّ شيفراتها ممكناً، بل وروتينياً.

1. في الطب:
• ساعد تحليل الحمض النووي في التشخيص المبكر للأمراض الوراثية.
• أتاح تصميم علاجات موجهة بدقة لجينات معينة في السرطان والأمراض النادرة.
• قاد إلى تطوير تقنيات التحرير الجيني مثل CRISPR-Cas9، التي تمنحنا القدرة على تعديل الجينات بدقة جراحية.

2. في الزراعة والغذاء:
• حسّن من جودة المحاصيل عبر الهندسة الوراثية، وجعلها أكثر مقاومة للأمراض والمناخ.
• ساهم في إنتاج سلالات حيوانية أكثر كفاءة، وتحسين الأمن الغذائي عالمياً.

3. في علوم البيئة:
• تُستخدم اليوم أدوات الحمض النووي البيئي (eDNA) في رصد التنوع الحيوي دون الحاجة للإمساك بالكائنات.
• تتيح هذه الأدوات رصد التلوث والتغيرات البيئية بدقة عالية، بل وحتى توقع الكوارث البيئية مسبقاً.
• تُمكننا من تحديد الأنواع المهددة بالانقراض ووضع استراتيجيات لإنقاذها.

والعالم يتغير بسرعة، والجينات تقود هذا التغيير. من الطب الدقيق، إلى الزراعة الذكية، إلى إعادة إحياء أنواع منقرضة، إلى الحوسبة الحيوية، كل هذه المجالات تقودها البيولوجيا الجزيئية وعلوم الجينوم.
ومع ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الجينومية، سنشهد تسارعاً غير مسبوق في وتيرة الاكتشافات. لقد أصبح الحمض النووي ليس فقط أداة لفهم الماضي، بل بوابةً للمستقبل. قد نصل قريبًا إلى علاج الشيخوخة، أو إعادة تصميم الميكروبات لخدمة الإنسان، أو بناء نباتات تمتص الكربون وتنتج الطاقة… كل ذلك بدأ من شيفرة صغيرة تحمل اسم (DNA).

من مختبرات كامبريدج إلى محيطات الأرض: البيئة تحت المجهر الجيني
عندما أعلن واتسون وكريك عن نموذجهم للحمض النووي قبل سبعة عقود، لم يتخيل أحد أن هذا الاكتشاف سيكون مفتاحاً لفك ألغاز بيئية معقدة. اليوم، أصبح الحمض النووي.. عين ترى ما لا تُبصره الكاميرات. ولم تعد تطبيقات الحمض النووي مقتصرة على الطب أو الزراعة، بل امتدت لتشكل عموداً فقرياً في علوم البيئة. ففي غابات الأمازون المطيرة، حيث تختبئ آلاف الأنواع المهددة بالانقراض، أو في أعماق المحيطات حيث الكائنات المجهرية تحكم دورة الكربون، يصبح جمع العينات التقليدي مهمة مستحيلة. هنا يأتي دور تقنيات مثل “الحمض النووي البيئي” (eDNA)، الذي يعمل كـ”بصمة جينية” تطفو في البيئة. فمن خلال تحليل عينات التربة أو الماء، يمكن للعلماء تحديد الأنواع الموجودة بدقة تفوق الوسائل التقليدية بنسبة 40%، وفقاً لدراسات نُشرت في مجلة Nature Ecology & Evolution.

هذه التقنية ليست مجرد ترف علمي، بل أداة إنقاذ: في نيوزيلندا، استُخدمت لاكتشاف تواجد ضفادع “الريكوروا” النادرة قبل أن تنقرض، وفي أفريقيا ساعدت في مراقبة هجرة الأفيال بتكلفة أقل بنسبة 70% من الطرق القديمة. وتُحدث هذه التقنية ثورة في كيفية مراقبة التنوع الحيوي، حيث يمكن لعينة ماء واحدة من نهر أو محيط أن تكشف عن وجود كائنات نادرة، أو تتبع غزو أنواع دخيلة، بل وحتى رصد التلوث قبل تفاقمه. وتعد هذه التقنية واحدة من أروع ثمار ثورة الحمض النووي، ولها أهمية كبيرة في تطبيقات البيئية. ففي عالمٍ يعاني من تغيّر مناخي متسارع، وتهديدات للتنوع البيولوجي، وندرة في الموارد، أصبحت الجينات سلاحاً بيئياً ناعماً. وبفضل الحمض النووي، أصبحنا قادرين على:

• تحليل المجتمعات الميكروبية في التربة والمحيطات وفهم دورها في دورة الكربون.
• مراقبة الأنظمة البيئية بطريقة غير تدميرية، واكتشاف أنواع غازية جديدة أو متحورة تهدد النظام البيئي.
• تطوير تقنيات زراعية مستدامة تعتمد على البكتيريا أو الفطريات المعدّلة وراثيًا التي تعزز خصوبة التربة دون كيمياء ضارة.
بكلمات أخرى، لقد أتاح لنا الحمض النووي أن “نسمع” أصوات الطبيعة الصامتة، وأن نفهم كيمياء الأرض من خلال جيناتها.

من التغير المناخي إلى الأمن الغذائي: جينوم الأرض يحكي قصصاً متشابكة
لا تقتصر ثورة الحمض النووي على الرصد، بل تمتد إلى حل أزمات بيئية وجودية. ففي مختبرات الزراعة الذكية، يُستخدم تحليل الجينوم لتطوير محاصيل مقاومة للجفاف، مثل نبات “الكينوا” المهندَس وراثياً لتحمل الملوحة العالية، مما يفتح آفاقاً لزراعة 30% من الأراضي المتصحرة حالياً. وفي مواجهة التغير المناخي، يساعد تسلسل الحمض النووي للطحالب البحرية على فهم قدرتها على امتصاص الكربون، مما قد يُترجم إلى تقنيات احتجاز كربوني مستوحاة من الطبيعة.

وشهدت السنوات الأخيرة قفزاتٍ غير مسبوقة في تطويع الحمض النووي لإصلاح النظم البيئية. ففي البرازيل، استخدم العلماء تقنيات تحرير الجينات مثل تقنية “كريسبر-كاس 9” لتعديل جينوم أشجار “الآراز الأحمر” المهددة بالانقراض، مما زاد مقاومتها لحرائق الغابات بنسبة 40%، وفقاً لتقرير حديث في مجلة Science Advances. وفي المحيط الهادئ، تُستخدم تقنية “التتبع الجيني” لمراقبة هجرات السلاحف البحرية، مما ساهم في خفض معدلات صيدها غير القانوني بنسبة 60% منذ 2022.

أما في مجال مكافحة التلوث، فقد مكّن تحليل الميكروبيوم البيئي (مجتمعات الميكروبات في التربة) من عزل سلالات بكتيرية قادرة على تفكيك البلاستيك في 6 أشهر بدلاً من قرون، كما جاء في بحث لمجموعة علمية ألمانية نُشر عام 2023. بل إن بعض الشركات الناشئة بدأت تسويق “محللات حيوية” تعتمد على الحمض النووي لاكتشاف تسرب النفط قبل وصوله للسواحل. وفي مجال مكافحة التلوث البلاستيكي، فقد نجح تحالفٌ دولي من علماء الأحياء الدقيقة في تطوير إنزيمات مُهندَسة وراثياً (مستوحاة من جينومات بكتيريا التربة) تتفكك البولي إيثيلين في 72 ساعة فقط، مقارنةً بالقرون التي يتطلبها التحلل الطبيعي.

ويعد إطلاق المرحلة الأولى من مشروع “أطلس الجينوم البيئي العالمي” (GEGA)، الذي يهدف إلى تسجيل التسلسلات الجينية لكل الأنواع الحية بحلول 2035أحد أبرز إنجازات 2024. هذا المشروع، الذي تدعمه 70 دولة، وهو ليس مجرد أرشيفٍ رقمي، بل أداة للإنذار المبكر. فمن خلال مقارنة جينومات الكائنات عبر الزمن، يمكن رصد الطفرات الناتجة عن التلوث أو الاحتباس الحراري، كما حدث مع ضفادع الإنديكاتور في الأمازون، حيث كشفت تغيراتها الجينية عن تسربات زئبقية قبل اكتشافها بالطرق التقليدية.

التحديات
رغم هذه الإمكانيات الهائلة، فإن تطبيقات الحمض النووي في البيئة ليست خالية من التعقيدات. فتقنية الحمض النووي البيئي، على سبيل المثال، تواجه تحديات في الدقة الزمنية: وجود الحمض النووي في الماء قد لا يعكس الوجود الفعلي للكائن حالياً، بل ربما يشير إلى مروره قبل أسابيع. كما أن التكلفة العالية للتسلسل الجيني الشامل تُصعّب استخدامها في البلدان النامية، حيث تتركز 80% من النقاط الساخنة للتنوع الحيوي عالمياً، وفقاً لليونسكو.

أضف إلى ذلك المخاوف الأخلاقية: القدرة على تعديل جينوم كائنات برية قد يؤدي إلى اضطرابات غير متوقعة في السلاسل الغذائية. فتجربة إطلاق البعوض المهندَس وراثياً في فلوريدا عام 2021 أثارت جدلاً واسعاً، رغم نجاحها في خفض أعداد البعوض الناقل للأمراض بنسبة 95%.

وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة، تظل التطبيقات البيئية للحمض النووي ساحةً للجدل. ففي أستراليا، أثارت خطة استخدام “الجينات الانتحارية” للقضاء على القطط البرية (التي تفتك بـ2 مليار حيوان محلي سنوياً) مخاوف من اضطراب السلاسل الغذائية. كما أن تقنية الحمض النووي البيئي تواجه تحديات خصوصية: ففي كندا، رفضت مجتمعات السكان الأصليين مشاركة عينات جينية من أسماك السلمون، اعتقاداً بأنها تحمل “روح الأجداد”، مما يطرح أسئلةً عن التوازن بين العلم والمعتقدات الثقافية.

احتفال علمي… ومسؤولية مجتمعية
في الخامس والعشرين من أبريل، لا يكتفي العالم بالاحتفاء باكتشاف بنية الحمض النووي أو إنجازات مشروع الجينوم البشري، بل يُعيد تأكيد دوره كحليفٍ استراتيجي في معركة الحفاظ على كوكب الأرض. فاليوم، تحوَّل الحمض النووي من جزيءٍ مختبري إلى “مفتاح ذهبي” لفك ألغاز التنوع الحيوي، ومواجهة التغير المناخي، وبناء جسورٍ بين العلم والمجتمع. هذا العام، يحمل الاحتفال طابعاً استثنائياً مع تزايد الوعي بأن حماية الجينوم ليست ترفاً علمياً، بل شرطاً لبقائنا.

ولم يعد يوم الحمض النووي مناسبةً أكاديمية بحتة، بل تحول إلى مهرجانٍ عالمي يُشرك الجمهور في رحلة الاكتشاف. ففي 2024، أطلقت اليابان مبادرة “جينوم مدينتك”، حيث يُحلّل الطلاب الحمض النووي البيئي (eDNA) في أنهار طوكيو لاكتشاف الكائنات المائية المخفية. أما في كينيا، فقد حوّل الرعاة التقليديون تقنيات التسلسل الجيني إلى أداةٍ لتتبع هجرات الحيوانات البرية المتضررة من الجفاف. هذه المبادرات تعكس تحولاً جوهرياً: العلم لم يعد حبيس الأوراق البحثية، بل أداة تمكينٍ مجتمعي.

ولهذا فنتمنى أن الاحتفال بيوم الحمض النووي لا يقتصر على المختبرات في الجامعات والمدارس والمراكز العلمية فقط، بل يتجاوز العلم ليشمل بناء جسور من الثقة والوعي بين العلماء والمجتمع. وتُقام فعاليات تثقيفية، ومعارض تفاعلية، وورش عمل توعوية، تهدف إلى تقريب هذا العالم المعقد من الجمهور.

نحن اليوم بحاجة إلى هذا الجسر أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل تصاعد نظريات المؤامرة والمخاوف من التعديل الوراثي، والجهل بتطبيقات الحمض النووي. إن مهمة العلماء لم تعد فقط اكتشاف الجينات، بل أيضاً تبسيطها للناس، وتأكيد دورها الإنساني والأخلاقي في خدمة البشرية.

الكاتب: د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار الصحافة العلمية والتواصل العلمي.
– أستاذ جامعي متفرغ، وعضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– أمين مجلس الثقافة العلمية، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.

https://orcid.org/0000-0002-2213-8911
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg

Loading

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

صرخة النخيل الصامتة

معركة خفية مواكبة للاحتفال باليوم الدولي لصحة النبات دور تكنولوجيا النانو في مكافحة سوسة النخيل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *