رؤية أكاديمية على شراكة مصر الحيوية مع اليونسكو
شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 16 مايو 2025
في عالم يواجه تحديات بيئية غير مسبوقة، من تغير المناخ المتسارع إلى فقدان التنوع البيولوجي بمعدلات تنذر بالخطر، يصبح التعاون الدولي والشراكات الفاعلة بين الدول والمنظمات العالمية أمراً حتمياً لا غنى عنه. إن صون الموارد الطبيعية، حماية النظم الإيكولوجية الحيوية، وتحقيق التنمية المستدامة ليست مجرد قضايا بيئية بحتة، بل هي أسس راسخة لضمان مستقبل مزدهر ومستقر للأجيال القادمة. وفي هذا السياق، يبرز برنامج “الإنسان والمحيط الحيوي” (Man and the Biosphere – MAB) التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) كنموذج عالمي رائد يسعى إلى التوفيق بين الحفاظ على الطبيعة والاستخدام المستدام لمواردها، مع التركيز على الدور المحوري للإنسان والمجتمعات المحلية كجزء لا يتجزأ من هذه المنظومة.
رؤية أكاديمية
لقد تابعت باهتمام بالغ، ومن موقعي كأكاديمي وباحث متخصص في علوم البيولوجي بصفة عامة، والتقنيات الحيوية بصفة خاصة، وككاتب في علوم البيئة والتنوع الحيوي، وبخبرة تمتد لأكثر من عقدين في الكتابة العلمية الصحفية، تفاصيل الاجتماع الهام الذي عقد مؤخراً بين قامات وطنية ودولية معنية بمستقبل البيئة والتنمية في مصر. جمع هذا اللقاء سعادة الأستاذ الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو، وسعادة الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، مع سعادة الدكتورة نوريا سانز، مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة والوفد المرافق لها. لم يكن هذا الاجتماع مجرد لقاء روتيني، بل عكس التزاماً رفيع المستوى من قبل الحكومة المصرية بتعزيز التعاون مع اليونسكو، وبشكل خاص في إطار برنامج “الإنسان والمحيط الحيوي”، بهدف دعم أنشطته، تعزيز الشراكة الثنائية، والمساهمة الفاعلة في صون الموارد الطبيعية، حماية التنوع البيولوجي والثقافي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تمثل جوهر رؤية مصر 2030.
من منظور أكاديمي، فإن برنامج “الإنسان والمحيط الحيوي” يمثل إطاراً علمياً وعملياً متقدماً لإدارة المناطق الطبيعية. فهو لا يقتصر على الحماية الصارمة للنظم الإيكولوجية النقية، بل يتبنى مقاربة أكثر شمولية وإدماجاً. محميات المحيط الحيوي، كما يحددها البرنامج، هي مواقع معترف بها دولياً تهدف إلى تحقيق ثلاثة وظائف رئيسية مترابطة: (1) وظيفة الحفاظ على التنوع البيولوجي والثقافي، (2) وظيفة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، و(3) وظيفة الدعم اللوجستي للبحث العلمي، الرصد البيئي، التعليم، والتدريب. هذا النموذج المتكامل يقر بأن الإنسان ليس بمعزل عن الطبيعة، بل هو جزء منها، وأن رفاهية المجتمعات المحلية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصحة النظم البيئية المحيطة بهم.
لقد كان تأكيد سعادة الأستاذ الدكتور أيمن عاشور على الأهمية المحورية لمنظمة اليونسكو ودورها في دعم مجالات التربية، العلوم، والثقافة، بمثابة تسليط للضوء على الشراكة الاستراتيجية التي تجمع مصر بالمنظمة منذ أكثر من 75 عاماً. هذه العلاقة التاريخية ليست مجرد إرث، بل هي أساس متين يمكن البناء عليه لتعزيز التعاون المشترك في تنفيذ أنشطة تخدم رؤية مصر 2030 وأهداف التنمية المستدامة. إشارة سيادته إلى الدور المحوري للجنة الوطنية المصرية لليونسكو ومساهماتها في الحفاظ على التنوع البيولوجي وإشراك السكان المحليين في إدارة محميات المحيط الحيوي تحت مظلة برنامج “الإنسان والمحيط الحيوي”، يؤكد على وجود بنية تحتية مؤسسية وخبرات متراكمة يمكن الاستفادة منها وتطويرها.
الطموح المصري
الطموح المصري، كما عبر عنه وزير التعليم العالي، يتجاوز الإنجازات الحالية ليطال “زيادة عدد محميات المحيط الحيوي” بالشراكة مع اليونسكو والشبكات العلمية الدولية. مصر، بمساحتها الجغرافية الشاسعة وتنوعها البيئي الفريد الذي يشمل بيئات صحراوية جافة وقاحلة، وسواحل بحرية غنية بالتنوع البيولوجي (خاصة في البحر الأحمر)، ونظم بيئية نهرية (نهر النيل والدلتا)، بالإضافة إلى الواحات والمناطق الجبلية، تمتلك إمكانات هائلة لتضمين المزيد من المناطق ضمن الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي. كل محمية جديدة تُضاف إلى هذه الشبكة ليست مجرد موقع جغرافي، بل هي مركز جديد للبحث العلمي، منصة للتعليم البيئي، ونموذج للتنمية المستدامة يمكن أن يلهم مناطق أخرى داخل مصر وخارجها.
ولم يتوقف الطموح عند محميات المحيط الحيوي، بل امتد ليشمل “إعداد ملفات ترشيح متنزهات جيولوجية” (Geo-parks). هذا المفهوم، الذي تدعمه اليونسكو أيضاً ضمن برنامجها الدولي للعلوم الجيولوجية والمتنزهات الجيولوجية العالمية، يركز على حماية التراث الجيولوجي ذي القيمة العلمية، التعليمية، والثقافية، مع ربطه بالتنمية الاقتصادية المحلية من خلال السياحة الجيولوجية والتعليم البيئي. تمتلك مصر تراثاً جيولوجياً فريداً يحكي قصة الأرض عبر ملايين السنين، من التكوينات الصخرية النادرة إلى الحفريات التي لا مثيل لها. الجمع بين محميات المحيط الحيوي التي تركز على التنوع البيولوجي والتفاعل بين الإنسان والطبيعة، والمتنزهات الجيولوجية التي تركز على التراث الجيولوجي، يوفر إطاراً أشمل وأكثر تكاملاً للحفاظ على التراث الطبيعي الغني والمتنوع لمصر بجميع مكوناته الحية وغير الحية.
كما شملت رؤية وزير التعليم العالي دعم أنشطة التدريب، الرصد، البحث، والابتكار بالشراكة مع الشبكات العلمية، وتعزيز دور المجتمعات المحلية، وإنشاء برامج تعليمية ومبادرات للسياحة البيئية. هذه العناصر مجتمعة تشكل ركائز أساسية لبناء القدرات الوطنية والمحلية اللازمة لإدارة فعالة ومستدامة للمناطق المحمية. البحث العلمي والرصد البيئي يوفران البيانات والمعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات المستنيرة، التدريب يبني الكفاءات، والابتكار يفتح آفاقاً جديدة لحلول التحديات البيئية والتنموية. أما إشراك المجتمعات المحلية وتمكينها من خلال برامج التعليم والسياحة البيئية، فهو يضمن قبولها ودعمها لجهود الحفاظ، ويحولها من مجرد مستفيدين إلى شركاء فاعلين في هذه الجهود، مع خلق “فرص عمل خضراء للشباب” تساهم في رفع الوعي بأهمية الحفاظ على الإرث الطبيعي والجيولوجي.
رؤية مصر
من جانبها، قدمت سعادة الأستاذة الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، استعراضاً شاملاً لرؤية مصر في إدارة مواردها الطبيعية، مركزة على التنوع البيولوجي، المحميات الطبيعية، والاقتصاد الأزرق على المستويات الوطنية، الإقليمية، ومتعددة الأطراف. الإعلان عن أن مصر تضم حالياً 30 منطقة محمية تغطي 15% من مساحتها هو إنجاز وطني كبير يستحق الإشادة. هذه المحميات تمثل كنوزاً طبيعية لا تقدر بثمن، وتحتوي على تنوع بيولوجي فريد ونظم إيكولوجية حيوية تلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على التوازن البيئي وتقديم الخدمات البيئية الضرورية للحياة.
ولم تقتصر جهود مصر على المستوى الوطني، بل امتدت لتشمل دوراً هاماً على الساحة الدولية والإقليمية. رئاسة مصر لمؤتمر اتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في عام 2018 لمدة ثلاث سنوات، والتي أثمرت عن إهداء العالم مسودة الإطار العالمي للتنوع البيولوجي الذي صدر لاحقاً، ودورها الهام في قيادة مشتركة مع الجانب الكندي لمشاورات ربط التنوع البيولوجي بتحدي تغير المناخ، كلها مؤشرات على وعي مصري مبكر بأهمية الربط بين مسارات اتفاقيات ريو الثلاث (التنوع البيولوجي، تغير المناخ، ومكافحة التصحر) ودورها الفاعل في صياغة الأجندة البيئية العالمية. استضافة مصر لمؤتمر اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث وخطة عمل المتوسط في نهاية العام الحالي، ستكون نقطة فارقة في دور مصر على المستوى الإقليمي، خاصة في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه البحر المتوسط، والذي يعد بحراً شبه مغلق ويتأثر بشدة بالأنشطة البشرية والتغيرات المناخية.
استعرضت وزيرة البيئة أيضاً الجهود الوطنية الملموسة في صون الموارد الطبيعية، وعلى رأسها تطوير والحفاظ على المحميات الطبيعية وتعزيز الاستثمار في الأنشطة المستدامة بها. التوسع في السياحة البيئية في مصر وخلق المناخ الداعم لها كان “رحلة مليئة بالتحديات”، لكنها أثمرت عن خطوات مهمة. إعلان أول معايير للنزل البيئي في مصر هو خطوة أساسية لضمان أن تكون السياحة البيئية ممارسة مسؤولة تقلل من الآثار السلبية على البيئة وتزيد من الفوائد للمجتمعات المحلية. إنشاء لجنة للسياحة البيئية بمشاركة أساسية للقطاع الخاص يعكس إدراكاً لأهمية دوره كشريك رئيسي في تطوير هذا القطاع. وقصة نجاح تحويل شرم الشيخ لمدينة خضراء هي دليل عملي على قدرة مصر على تحويل السياسات إلى إجراءات تنفيذية على الأرض، مما يعطي أملاً كبيراً في إمكانية تكرار هذه النماذج في مناطق أخرى.
النقطة الأهم التي ركزت عليها الوزيرة، والتي تتفق تماماً مع فلسفة برنامج “الإنسان والمحيط الحيوي”، هي “إدراك الدور الأهم للمجتمعات المحلية فكانوا شركاء في عملية تطوير المحميات”. هذا التحول من التعامل مع السكان المحليين كمجرد قاطنين داخل أو حول المحميات إلى اعتبارهم شركاء أساسيين في إدارتها وصونها، هو مفتاح النجاح على المدى الطويل. خلق فرص عمل خضراء تساعدهم على صون تراثهم وتقاليدهم الموروثة، والتي تعد جزءاً ساحراً من طبيعة المكان، يربط بين الحفاظ على الطبيعة والحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمعات المحلية. حملة حوار القبائل “حكاوي من ناسها” لدعم 13 قبيلة للحفاظ على تراثها وثقافتها، ومشروع تطوير قرية الغرقانة في محمية نبق لتوفير حياة كريمة لـ 50 أسرة من خلال إنشاء منازل تناسب طبيعة المكان بمعايير بيئية، هي أمثلة حية على أن “مصر تضع الإنسان في قلب عملية التطوير”.
نجاح الحكومة في خلق المناخ الداعم للسياحة البيئية أدى إلى زيادة عدد الشركات الناشئة ورواد الأعمال والمستثمرين في هذا المجال، مما يعكس وجود فرص اقتصادية حقيقية مرتبطة بالحفاظ على الطبيعة. دعم إنشاء أول منظمة غير حكومية للسياحة البيئية يعكس دور الدولة كداعم ومحفز للمجتمع المدني للانخراط في هذا النوع من السياحة، مما يبرز الدور الهام للمجتمع المدني كشريك أساسي في العمل البيئي. التعاون مع الجمعية المصرية لحماية الطبيعة في إنشاء موقع لمشاهدة الطيور في الجلالة، وتشجيع الشركات السياحية على تضمين مشاهدة الطيور المهاجرة في أنشطتها، يفتح آفاقاً جديدة للسياحة البيئية المتخصصة التي تجذب شريحة معينة من السياح المهتمين بالطبيعة والحياة البرية. كما أن إتاحة حوالي 40 نشاطاً معتمداً يمكن تنفيذها في المحميات الطبيعية، مثل التزحلق على الرمال والاستمتاع بالطبيعة، يخلق تنوعاً في الأنشطة البيئية ويجذب شرائح مختلفة من الزوار، مع الحرص على أن تكون هذه الأنشطة مستدامة ولا تضر بسلامة المحميات. إنشاء مراكز بحثية داخل المحميات هو خطوة ممتازة لربط البحث العلمي بالإدارة الميدانية وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات الإدارية السليمة.
ثمنت وزيرة البيئة المقترحات المقدمة لتعزيز التعاون المشترك مع اليونسكو بإجراءات تنفيذية، ومنها دعم خلق الوظائف الخضراء، إتاحة الفرصة لرواد الأعمال، دعم الاقتصاد الأزرق، والتعاون في إعلان مناطق جيوبارك. هذه المقترحات تعكس فهماً عميقاً لكيفية تحويل جهود الحفاظ إلى فرص اقتصادية واجتماعية مستدامة. الترحيب بالمشاركة في الدورة الخامسة للمؤتمر العالمي لمحميات المحيط الحيوي في الصين، والذي يعقد كل عشر سنوات لتحديد الأولويات ووضع خطة عمل عالمية، يعكس طموحاً مصرياً للمساهمة الفاعلة في صياغة الأجندة العالمية للحفاظ على المحيط الحيوي وتوحيد الجهود مع الأطر العالمية الرئيسية مثل الإطار العالمي للتنوع البيولوجي واتفاق باريس لتغير المناخ. التطلع إلى تشكيل مجموعة عمل مشتركة من وزارتي البيئة والتعليم العالي وفريق اليونسكو للخروج برؤية يتم عرضها في المؤتمر للوضع المصري والعربي وخطط تنفيذية للمستقبل، يؤكد على جدية مصر في قيادة جهد إقليمي في هذا المجال.
الاجتماع تناول بشكل خاص متابعة الجهود المبذولة في محميتي العميد ووادي العلاقي، وهما من المحميات المصرية المعلنة ضمن برنامج “الإنسان والمحيط الحيوي”. التركيز على هاتين المحميتين يعني العمل على تطوير خطط إدارتها، تعزيز أنشطة البحث والرصد فيها، ودعم المجتمعات المحلية التي تعيش داخلها وحولها، لكي تصبحا نموذجاً ناجحاً لتطبيق مفهوم محميات المحيط الحيوي.
كما تم مناقشة مفهوم “الجيوبارك” كأحد أدوات دعم المجتمعات المحلية من خلال استثمار التراث الجيولوجي الفريد في أنشطة بيئية واقتصادية مستدامة. وفي هذا السياق، تم بحث مقترح اليونسكو بإدراج محمية وادي الجمال بمحافظة البحر الأحمر كمحيط حيوي نموذجي، وهو اختيار موفق نظراً لتنوعها البيولوجي (بحري وبري)، وتراثها الثقافي الغني المرتبط بالمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى أهميتها الجيولوجية. إدراجها كمحيط حيوي نموذجي سيعزز من مكانتها الدولية ويوفر إطاراً متكاملاً لإدارتها. مناقشة إمكانية تأسيس جيوبارك بمحافظة الفيوم هو أيضاً خطوة ممتازة، فمحافظة الفيوم تتمتع بموارد طبيعية وجيولوجية فريدة، وتضم محميات مهمة مثل وادي الحيتان (الذي هو موقع تراث عالمي طبيعي جيولوجي بامتياز) ووادي الريان، مما يؤهلها بقوة لتكون وجهة عالمية للسياحة الجيولوجية والبيئية المستدامة، وتوفير فرص تنمية للمجتمعات المحلية.
بقيادة مصرية.. رؤية إقليمية شاملة لإدارة محميات المحيط الحيوي
لعل الاتفاق الأكثر أهمية على المستوى الإقليمي هو بلورة “رؤية إقليمية شاملة لإدارة محميات المحيط الحيوي تقودها مصر بالشراكة بين اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو، المكتب الإقليمي لليونسكو بالقاهرة، وزارة البيئة، وممثلي الدول العربية، وذلك من خلال تنظيم مؤتمر إقليمي يضم ممثلي جامعة الدول العربية والشركاء الإقليميين”.
هذه المبادرة المصرية لقيادة جهد إقليمي لتعزيز التعاون العربي وتوحيد الجهود في مجال حماية المحيط الحيوي هي خطوة استراتيجية بالغة الأهمية. الدول العربية تشترك في العديد من التحديات البيئية، وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات يمكن أن يعزز بشكل كبير من قدرتها على صون مواردها الطبيعية. عرض هذه الرؤية الإقليمية في المؤتمر العالمي لمحميات المحيط الحيوي في الصين في سبتمبر 2025 سيكون له صدى عالمي ويعكس التزام المنطقة العربية بمسؤوليتها تجاه قضايا البيئة والتنمية المستدامة على الساحة الدولية. هذا المؤتمر، الذي يعقد كل عشر سنوات، هو فرصة فريدة لتحديد الأولويات العالمية وتعزيز التعاون الدولي وتحديد خطة العمل المستقبلية لشبكة محميات المحيط الحيوي العالمية.
من جانبها، أكدت سعادة الدكتورة نوريا سانز، مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي، على حرص المنظمة على تعزيز التعاون مع مصر في مجالات حماية البيئة والمحميات الطبيعية، مشيدة بدورها الريادي في دعم برنامج الإنسان والمحيط الحيوي. هذا الإشادة من ممثلة منظمة دولية مرموقة تؤكد على المكانة التي تحتلها مصر في هذا المجال وعلى الثقة التي تضعها اليونسكو في قدرتها على قيادة الجهود. تأكيدها على أهمية تبادل الخبرات وتعزيز العمل الإقليمي المشترك، ونهج اليونسكو متعدد القطاعات الذي يشمل التنوع البيولوجي، الثقافي، الجيني، والجيولوجي، يوضح الإطار الشامل الذي تعمل فيه المنظمة ويلقي الضوء على أهمية النظر إلى قضايا الحفاظ على الطبيعة من زوايا متعددة ومتكاملة. التزام المنظمة بدعم الدول الأعضاء في حماية مواقع التراث الطبيعي، محميات المحيط الحيوي، والشعاب المرجانية، وفقاً لاتفاقياتها الدولية، يوفر مظلة قانونية ودولية قوية لدعم الجهود الوطنية.
لقد شهد الاجتماع حضوراً رفيع المستوى من الوزارتين، مما يعكس الأهمية التي توليها القيادات لهذه الشراكة. من وزارة التعليم العالي، حضر د. أيمن فريد مساعد الوزير للتخطيط الإستراتيجي والتدريب والتأهيل لسوق العمل والقائم بأعمال رئيس قطاع الشئون الثقافية والبعثات والإشراف على اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو، ود. رامي مجدي مساعد الأمين العام للجنة الوطنية لليونسكو لشئون الإيسيسكو، ود. منال فوزي رئيس لجنة الإنسان والمحيط الحيوي باللجنة الوطنية المصرية لليونسكو. ومن وزارة البيئة، حضر د. علي أبوسنة رئيس جهاز شئون البيئة، ود. هدى عمر مساعد وزيرة البيئة للسياحة البيئية، ود. أحمد سلامة مستشار رئيس جهاز شئون البيئة، ود. سها طاهر رئيس الإدارة المركزية للتعاون الدولي. هذا الحضور المتخصص يؤكد على أن المناقشات كانت تفصيلية وعملية، وأن هناك فرق عمل جاهزة للبدء في تنفيذ المقترحات التي تم الاتفاق عليها.
لحظة محورية
في الختام، يمكن القول بأن الاجتماع بين وزيري التعليم العالي والبيئة ومديرة مكتب اليونسكو الإقليمي يمثل لحظة محورية في مسار جهود مصر نحو الحفاظ على طبيعتها وتحقيق التنمية المستدامة. التركيز على برنامج الإنسان والمحيط الحيوي، الذي يجمع بين الحفاظ والتنمية وإشراك المجتمعات المحلية، هو التوجه الصحيح في عالم معقد ومتغير. الطموح المصري لزيادة عدد محميات المحيط الحيوي وإدراج مناطق جيوبارك، مع دمج الاقتصاد الأخضر والسياحة البيئية كأدوات للحفاظ والتنمية، يعكس رؤية شاملة ومستقبلية. والأهم من ذلك، هو المبادرة المصرية بقيادة رؤية إقليمية عربية في هذا المجال، مما يعزز من دور مصر الريادي في المنطقة ويساهم في توحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية المشتركة.
إن النجاح في ترجمة هذه الرؤى والاتفاقات إلى واقع ملموس على الأرض يتطلب استمرار هذا التنسيق الوثيق بين الوزارات المعنية، وتضافر جهود كافة مؤسسات الدولة، والمشاركة الفاعلة للمجتمع المدني والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية. إنها ليست مهمة سهلة، ولكنها ضرورية وملحة. إن مستقبل مصر الأخضر والأزرق، ومستقبل أجيالها القادمة، يعتمد على مدى قدرتنا على صون كنوزنا الطبيعية وإدارتها بحكمة واستدامة. هذا الاجتماع يبعث برسالة أمل وتفاؤل بأن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق هذا الهدف النبيل، مستفيدة من شراكاتها الدولية وخبراتها الوطنية، وواضعة الإنسان والطبيعة في قلب استراتيجيتها التنموية.
الكاتب: د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي.
– أستاذ جامعي متفرغ، وعضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– أمين مجلس بحوث الثقافة والمعرفة، التابع لقطاع المجالس النوعية، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
https://orcid.org/0000-0002-2213-8911
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg