اليوم العالمي للأنواع المهددة بالانقراض 16 مايو/أيار
شبكة بيئة ابوظبي، بقلم المهندس عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، والأستاذ الخبير البيئي مصطفى بنرامل رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ من المملكة المغربية، 18 مايو 2025
في عالم يشهد تغيّرات بيئية متسارعة، يصبح الاحتفاء باليوم العالمي للأنواع المهددة بالانقراض (Endangered Species Day) فرصة علمية وإنسانية للتفكّر في مصير آلاف الكائنات الحية التي تتراجع أعدادها بشكل مقلق. يُصادف هذا اليوم في الجمعة الثالثة من شهر مايو كل عام، ويهدف إلى رفع الوعي العام بالتهديدات التي تواجه الأنواع النباتية والحيوانية، ودعم جهود المحافظة على التنوع البيولوجي. ومع تزايد فقدان المواطن الطبيعية، وتغيّر المناخ، والأنشطة البشرية الجائرة، تبرز الحاجة إلى توسيع دائرة الفعل العالمي لحماية هذه الأنواع، التي تمثل ليس فقط ثروة بيولوجية، بل أيضًا ركائز للنظم البيئية التي يعتمد عليها الإنسان نفسه.
أولًا: خلفية علمية – ما المقصود بـ”الأنواع المهددة بالانقراض”؟
يعرف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) الأنواع المهددة بالانقراض بأنها: “الأنواع التي تواجه خطرًا مرتفعًا جدًا للانقراض في البرية خلال المستقبل القريب.” وذلك وفقًا لتقييمات “القائمة الحمراء للأنواع المهددة” التي تصدر بشكل دوري، وتُعدّ أدق مرجع علمي لحالة الكائنات الحية عالميًا.
فقد وضع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) تصنيف علمي على النحو التالي: مهددة بالانقراض (Endangered)، معرّضة للخطر (Vulnerable)، حرجة الانقراض (Critically Endangered)، منقرضة في البرية (Extinct in the Wild)، ومنقرضة (Extinct). حتى عام 2024، ضمت القائمة الحمراء للاتحاد أكثر من 44,000 نوع مصنف ضمن الفئات المهددة، من أصل نحو 157,000 نوع تم تقييمه.
ثانيًا: الأسباب العلمية لانقراض الأنواع
1. فقدان المواطن الطبيعية: إزالة الغابات، التوسع العمراني، الزراعة الكثيفة، وتجزئة المواطن.
2. الصيد والاستغلال الجائر: تجارة الحيوانات البرية، الصيد الرياضي، والأسواق غير القانونية.
3. التلوث: التسمم بالمعادن الثقيلة، التلوث البلاستيكي، المبيدات الكيميائية.
4. الأنواع الدخيلة الغازية: كائنات تُدخل إلى بيئات غير أصلية وتنافس الأنواع المحلية (مثل الجرذان في جزر المحيط الهادئ).
5. تغير المناخ: رفع درجات الحرارة، تغيّر توزيع الأمطار، وذوبان الجليد، مما يؤثر على المواطن البيئية الحساسة.
6. الأمراض الحيوانية المنشأ: انتقال أمراض مدمرة إلى الحياة البرية (مثل فطر الكيتريد الذي يقضي على الضفادع).
ثالثًا: أهمية التنوع البيولوجي في استدامة الحياة
1. التوازن البيئي: كل كائن حي يؤدي دورًا في شبكة الحياة؛ انقراض نوع واحد قد يُحدث تأثير الدومينو على بقية الأنواع والنظم.
2. الأمن الغذائي: 75% من المحاصيل الزراعية تعتمد على التلقيح الطبيعي من الحشرات والطيور والخفافيش.
3. الأدوية والابتكارات: أكثر من 50% من الأدوية الحديثة مصدرها الكائنات الحية؛ النباتات والحيوانات توفر كنزًا بيولوجيًا غير مكتشف بعد.
4. الثقافة والهوية: العديد من الأنواع ترتبط بالتراث الثقافي والروحي للمجتمعات الأصلية (مثل النسر المقدس في ثقافة الأميركيين الأصليين).
رابعًا: الأنواع المهددة حول العالم – مؤشرات وأرقام
بحسب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) فقد وفر لنا مجموعة من البيانات الإحصائية حول الأنواع المهددة بالانقراض حول العالم بحسب الفئات على سبيل المثال:
1. فئة الثدييات: عدد الأنواع المهددة بالانقراض من هذه الفئة وصل إلى (1430) مثل نمر آمور، وحيد القرن الأسود، الدولفين النهر الأمازوني
2. فئة الطيور: عدد الأنواع المهددة بالانقراض من هذه الفئة وصل إلى (1180) مثل ببغاء الكاكابو، نسر رأس السُّكر، طائر اللقلق الأبيض الآسيوي
3. البرمائيات: عدد الأنواع المهددة بالانقراض من هذه الفئة وصل إلى (2310) مثل ضفدع الذهب البنمي، السمندل الصيني العملاق
4. الأسماك: عدد الأنواع المهددة بالانقراض من هذه الفئة وصل إلى (2000) مثل قرش المطرقة، سمك الأرابيما، سمك السلمون الأطلسي
5. النباتات: عدد الأنواع المهددة بالانقراض من هذه الفئة وصل إلى (9300) مثل نخيل مدغشقر، أشجار البن البرية، نبات الرافسيا
خامسًا: الوضع في العالم العربي
تشهد عدة دول عربية معدلات تدهور متسارعة في التنوع البيولوجي بسبب التصحر، الجفاف، الحروب، الرعي الجائر، وانعدام الحوكمة البيئية. علماً بأن الأراضي العربية المشمولة في “مناطق محمية ذات فعالية حقيقية”، لا تتجاوز 2.5 % وفق تقرير البيئة العربي 2022. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. المها العربي (Arabian Oryx): كان منقرضًا في البرية، ثم أُعيد توطينه بنجاح في الإمارات وعُمان والسعودية.
2. النمر العربي (Arabian Leopard): مهدد بالانقراض الحرج، لم يتبقَ منه إلا عشرات في عُمان واليمن والإمارات.
3. سلحفاة منقار الصقر: تعيش في سواحل الخليج العربي والبحر الأحمر، تتراجع أعدادها بفعل التلوث البحري.
سادسًا: الجهود الدولية لحماية الأنواع
1. اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD): تهدف لحفظ الأنواع، والاستخدام المستدام، والتقاسم العادل للمنافع.
2. اتفاقية سايتس (CITES): تنظم التجارة الدولية في الأنواع البرية لحمايتها من الاستغلال.
3. استراتيجية “كُندمينتو مونتريال 2030”: تُعد خارطة طريق لحماية 30% من كوكب الأرض بحلول عام 2030.
4. برنامج الإنسان والمحيط الحيوي (MAB): تديره اليونسكو لتفعيل حماية النظم البيئية والأنواع.
5. مبادرات إقليمية: مثل الشبكة العربية للمحميات الطبيعية، ومشاريع الإحياء في الخليج والمغرب العربي.
سابعًا: الأدوات العلمية لحماية الأنواع المهددة بالانقراض
تشكّل الأدوات العلمية والتقنية حجر الزاوية في جهود الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض، حيث تُمكِّن الباحثين والمخططين من رصد التغيرات، فهم الديناميكيات البيئية، التدخل المبكر، وابتكار حلول فعّالة لحماية الأنواع داخل مواطنها الطبيعية أو خارجها. ومع تصاعد تهديدات الانقراض، باتت هذه الأدوات أكثر تنوعًا وارتباطًا بالتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي.
1. المحميات الطبيعية والتخطيط المكاني البيئي
المحميات تمثل أداة قانونية وإيكولوجية أساسية لحماية الأنواع من الضغوط البشرية المباشرة مثل الرعي، الصيد، العمران، والتلوث. ويعتمد تصميم المحميات الفعّالة على تحليل بيانات التنوع البيولوجي، نمذجة التوزيع الجغرافي للأنواع، وربط المواطن ببعضها عبر ما يُعرف بـ “الممرات البيئية”.
مثال عربي: “محميّة وادي رم” في الأردن توفر مأوى لنحو 25 نوعًا نادرًا من الثدييات والزواحف، مثل الضبع المخطط والذئب العربي.
2. إعادة التوطين وإكثار الأنواع خارج بيئتها
عندما يكون بقاء نوع معين مهددًا في البرية، يمكن اللجوء إلى: الإكثار في الأسر، أو حدائق الحيوان البحثية، أو المشاتل النباتية الجينية، أو الحدائق الوراثية. ثم يُعاد إدخال هذه الأنواع إلى موائلها الطبيعية بعد تأهيلها بيئيًا وسلوكيًا، وفق شروط علمية صارمة لضمان النجاح البيئي وعدم التأثير السلبي على المواطن الأصلية.
مثال عالمي: برنامج إعادة توطين طائر الكندور في كاليفورنيا، بعد أن كان على حافة الانقراض.
مثال عربي: إعادة إطلاق المها العربي في سلطنة عُمان والإمارات بعد برامج إكثار ناجحة.
3. البنوك الجينية وبنوك البذور
تقوم هذه البنوك بحفظ المواد الوراثية للكائنات الحية (DNA، بذور، خلايا منوية أو بويضات) في درجات حرارة منخفضة (تحت الصفر)، لتكون بمثابة “صندوق أمان بيولوجي” يُستعاد منه التنوع المفقود مستقبلاً في حال الانقراض أو الكوارث البيئية.
مثال عالمي: قبو سفالبارد العالمي للبذور” في النرويج، يحتوي على أكثر من مليون عينة بذور من مختلف دول العالم.
مثال عربي: بنك الجينات العربي التابع لإيكاردا (ICARDA) في سورية لبنان والمغرب، يحفظ موارد وراثية نباتية فريدة لبيئات قاحلة.
4. التتبع الجغرافي باستخدام الأقمار الصناعية
تُستخدم أجهزة التتبع المزودة بتقنية الأقمار الصناعية لمراقبة حركة الحيوانات المهددة ومعرفة مناطق التغذية والتكاثر، ومسارات الهجرة، والمناطق التي تحتاج إلى حماية إضافية، بالإضافة إلى أسباب الوفاة المحتملة (مثل الصيد غير المشروع أو التسمم)
مثال عربي: برنامج تتبع السلاحف البحرية في الخليج العربي باستخدام شرائح تتبع لاسلكية، وفّر البرنامج بيانات ساعدت في تحديد مناطق الصيد الخطرة.
5. الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات البيئية
أصبحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي أداة مركزية لتحليل الصور والفيديوهات القادمة من الكاميرات الميدانية، ورصد الأنواع النادرة أو الليلية أو المخفية، كما تساعد في:
• التعرف على الأصوات الحيوانية (Bioacoustics)
• تحليل بصمات الحمض النووي البيئي (eDNA) في التربة والمياه
• التنبؤ بأماكن تواجد الأنواع بناءً على المعطيات المناخية والبيئية
مثال عالمي: مبادرة “Wildbook” تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد حيوانات فردية من صور السياح أو الكاميرات، كالحيتان والفهود.
6. تحليل الحمض النووي البيئي
تقنية حديثة تقوم على جمع عينات من الماء أو التربة وتحليل بقايا الحمض النووي للكائنات الحية الموجودة فيها، ما يسمح برصد الأنواع دون رؤيتها فعليًا، وبكشف الأنواع الغازية قبل انتشارها، وبتقييم صحة المواطن البيئية بدقة
مثال عالمي: استخدمت eDNA لاكتشاف وجود سمك الحفش النادر في نهر التايمز، دون اصطياده.
7. نمذجة الموائل وتوقع أخطار الانقراض
في هذا المجال توجد مجموعة من البرامج مثل (MaxEnt) أو (BIOMOD) تساعد العلماء في توقع كيفية تغيّر توزّع الأنواع بفعل تغير المناخ، وتحديد المواطن المحتملة المستقبلية، وتوجيه جهود الحماية والإكثار الميداني، تستخدم هذه النماذج من قبل (IUCN) لتحديث حالة الأنواع في القائمة الحمراء.
تكامل الأدوات العلمية مع السياسات البيئية
لا قيمة فعلية للأدوات العلمية إن لم تُدمج ضمن إطار حوكمة بيئية رشيدة يضمن أولاً سنّ تشريعات وطنية لحماية الأنواع، وتخصيص موازنات للبحوث والمراقبة، بالإضافة إلى إدماج نتائج الأدوات في تخطيط المدن والزراعة والصناعة، وتفعيل التعاون الإقليمي والدولي لمكافحة الصيد والاتجار غير المشروع
مثال عربي على التكامل الناجح: الإمارات أطلقت “المنصة الوطنية للتنوع البيولوجي” التي تربط قواعد بيانات الأنواع المهددة بالقرارات البيئية والتمويل والمراقبة.
مستقبل الأدوات العلمية لحماية الأنواع
• التحول الرقمي في الحماية البيئية سيفتح آفاقًا جديدة للمراقبة شبه الفورية للحياة البرية.
• الذكاء الاصطناعي التفسيري سيُسرّع تحليل التهديدات واتخاذ القرار.
• تقنية التعديل الجيني CRISPR تثير جدلاً أخلاقيًا بشأن إمكانية “إعادة الأنواع المنقرضة”، لكن أيضًا قد تساعد في إنقاذ الأنواع من الأمراض الوراثية.
• التحليل التشاركي عبر تطبيقات الهواتف الذكية سيحوّل المواطنين إلى مراقبين بيئيين في خدمة التنوع الحيوي.
ثامنًا: دور المجتمع المدني والتعليم والإعلام
التثقيف البيئي في المدارس حول التنوع الحيوي، وحملات توعوية (مثل: #SaveTheTigers أو #ExtinctionCrisis)، وإشراك المجتمعات الأصلية في الحماية والرصد، إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي في كشف جرائم البيئة (الصيد غير القانوني، تهريب الأنواع).
تاسعًا: توصيات عملية لحماية الأنواع
1. زيادة المناطق المحمية وتوسيع نطاقها الجغرافي والوظيفي.
2. دمج حماية الأنواع في السياسات الزراعية والمائية والطاقة.
3. دعم البحوث العلمية المحلية حول الأنواع المهددة.
4. تعزيز العقوبات على الاتجار غير المشروع بالحيوانات والنباتات.
5. التمويل المستدام لمشاريع الحفاظ على الطبيعة، خاصة في البلدان النامية.
6. تطوير قاعدة بيانات وطنية وعربية موحدة للأنواع المهددة.
7. تحفيز القطاع الخاص لتمويل مبادرات الحماية ضمن مسؤوليته البيئية.
أخيراً وليس آخراً، اليوم العالمي للأنواع المهددة بالانقراض ليس مجرد تاريخ نُسطّره في رزنامة البيئة العالمية، بل هو صرخة ضمير علمية وأخلاقية تتجاوز الجغرافيا والسياسة، وتخاطب البشرية جمعاء بأن استمرار تجاهلنا لانهيار النظم البيئية ستكون له عواقب وجودية علينا نحن البشر، قبل أن تمسّ الكائنات الأخرى.
إن فقدان نوع من الأنواع لا يعني فقط اختفاء كائن حي، بل يُمثّل اختلالًا في شبكة الحياة التي تعتمد عليها كل الكائنات بما فيها الإنسان. فحين ينقرض نحل التلقيح مثلًا، تتأثر الزراعة والغذاء، وحين تختفي المفترسات الكبرى، تختل السلاسل الغذائية وتتفشى الآفات. الانقراض ليس ظاهرة بيولوجية فقط، بل هو أزمة تنموية وأمنية وصحية تُهدد استقرار المجتمعات واقتصادات الدول.
وبحسب العلماء، نحن نعيش حاليًا ما يُعرف بـ”الانقراض الجماعي السادس”، ولكن هذه المرة ليس بسبب كارثة طبيعية مثل النيازك أو البراكين، بل بفعل الإنسان. وهنا، فإن مسؤوليتنا الأخلاقية كمجتمعات علمية، مدنية، واقتصادية تتطلب إعادة النظر في علاقتنا بالطبيعة، وتبني أنماط عيش أكثر احترامًا للحياة بكل أشكالها.
إن حماية الأنواع ليست ترفًا بيئيًا أو رفاهية فكرية، بل ضرورة استراتيجية لضمان الأمن الغذائي، والصحي، والمائي، والاقتصادي. التنوع البيولوجي هو البنية التحتية الخفية التي يقوم عليها استقرار كوكبنا. وكل جهد يُبذل للحفاظ عليه هو جهد في خدمة الأجيال القادمة.
فمن هنا، ندعو إلى:
• اعتبار حماية الأنواع قضية حقوق إنسان من الجيل الثالث.
• تعزيز تمويل البحث العلمي حول الكائنات المحلية والمهددة.
• إشراك المجتمعات الأصلية والرعوية في خطط الحماية، فهم حراس الطبيعة الفعليون.
• تعزيز التعاون الدولي لنقل التكنولوجيا والمعرفة في حفظ الأنواع.
• غرس ثقافة التعايش مع الكائنات الأخرى، لا السيطرة عليها.
في النهاية، ليس أمامنا ترف التأجيل. فما نخسره من تنوع اليوم، لن نستطيع استعادته غدًا. فلنصنع من هذا اليوم العالمي محطة وعي، وبداية التزام، وحافزًا للعمل الجماعي على كل المستويات، نحو عالم يعيش فيه الإنسان والكائنات الأخرى في توازن واحترام متبادل.