شبكة بيئة ابوظبي، بقلم عماد سعد، خبير الاستدامة والتغير المناخي، 05 يونيو 2025
في الخامس من يونيو من كل عام، يحيي العالم يوم البيئة العالمي كأكبر منصة عالمية للتواصل البيئي، بمشاركة أكثر من 150 دولة لتسليط الضوء على أبرز القضايا البيئية.
وفي عام 2025، يحمل هذا اليوم شعارًا ذا أهمية قصوى: “معًا لإنهاء التلوث البلاستيكي”، ليؤكد الحاجة المُلِحّة للتصدي لأحد أخطر أزمات العصر. وتشير تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة (2023) إلى أن العالم ينتج سنويًا أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك، يُستخدم أكثر من ثلثيها مرة واحدة فقط، ويدخل منها نحو 11 مليون طن إلى المحيطات، ما يشكل تهديدًا خطيرًا على الحياة البحرية والنظم البيئية الساحلية، في حين يُكبد الاقتصادات العالمية خسائر تصل إلى 13 مليار دولار سنويًا بسبب التلوث البلاستيكي.
وللتلوث البلاستيكي آثارٌ واسعة على صحة الإنسان والبيئة؛ إذ يهدد أكثر من 800 نوع من الكائنات البحرية، ويتسبب في اضطرابات سلاسل الغذاء، فيما تتحلل المواد البلاستيكية إلى جزيئات دقيقة تُعرف بالميكروبلاستيك، تنتقل عبر الطعام والماء والهواء لتصل إلى دم الإنسان، ما يثير مخاوف صحية جسيمة.
منذ عام 2022، أطلقت الأمم المتحدة مفاوضات لإعداد معاهدة عالمية ملزمة قانونيًا لإنهاء التلوث البلاستيكي بحلول 2040، تشارك فيها 175 دولة بهدف تقليل إنتاج البلاستيك غير الضروري، والانتقال إلى بدائل مستدامة، وفرض مسؤولية ممتدة على المنتجين. وتُعد الإمارات العربية المتحدة من الدول الرائدة في مواجهة هذا التحدي، حيث أعلنت أبوظبي حظر استخدام الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد منذ يونيو 2022، وفرضت دبي رسومًا تمهيدية قبل حظرها الكامل، فيما يتبنى القطاع الخاص مبادرات “صفر بلاستيك”، وتنفذ الجامعات والمدارس حملات توعية بيئية.
كما يشهد العالم والمنطقة ابتكارات لافتة لمكافحة التلوث البلاستيكي، منها إنتاج البلاستيك الحيوي من نشا الذرة والطحالب، وتطوير أنظمة إعادة التدوير الذكية بالذكاء الاصطناعي، وتطبيق برامج الاسترجاع العكسي في متاجر التجزئة، إضافة إلى استخدام التقنيات الحيوية لتفكيك البلاستيك عبر إنزيمات أو ميكروبات طبيعية.
ورغم هذه الجهود، تظل هناك تحديات مهمة، مثل غياب البنية التحتية المتكاملة لإعادة التدوير في العديد من الدول النامية، واعتماد الصناعات الكبرى على البلاستيك الرخيص، وغياب التشريعات البيئية الصارمة، إضافة إلى سلوكيات المستهلك وغياب الوعي البيئي.
وللتغلب على هذه العقبات، هناك حاجة لحلول مجتمعية قابلة للتطبيق مثل تبني الاقتصاد الدائري، وتشجيع الشراء المسؤول وتقليل استخدام المواد ذات الاستخدام الواحد، ودمج التعليم البيئي في المناهج، ودعم مبادرات الشباب والابتكار الاجتماعي، وتقديم حوافز ضريبية للشركات التي تستخدم مواد مستدامة. وفي هذا الإطار، يمثل يوم البيئة العالمي 2025 دعوة صريحة لكل فرد ومؤسسة لاتخاذ خطوات عملية: كأفراد يمكننا حمل حقائب قماشية بدلًا من الأكياس البلاستيكية، استخدام زجاجات مياه قابلة لإعادة الاستخدام، ومقاطعة المنتجات ذات التغليف المفرط، والمشاركة في حملات تنظيف السواحل، أما المؤسسات فعليها تبني سياسات خضراء، تدريب الموظفين على تقليل البلاستيك، والاستثمار في البحث والابتكار البيئي.
وختامًا، فإن يوم البيئة العالمي 2025 ليس مجرد مناسبة، بل هو دعوة صادقة للعالم كي يختار مستقبلًا نظيفًا وخاليًا من التلوث البلاستيكي، مستقبلًا يتطلب تضافر جهود الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين، مدفوعين بإرادة سياسية، ووعي بيئي، واستعداد للتغيير الجذري من أجل العيش في عالم أكثر استدامة.