شبكة بيئة ابوظبي، تقرير وصفي وتاريخي إعداد المستشار عبد الغني اليوسفي، الجمهورية اليمنية 07 أكتوبر 2025
أولاً: الملخص التنفيذي والاستنتاجات الرئيسية.
1.1. تقييم المشروع: يمثل مشروع الدراسة المقترح، بعنوان “تأثير حرق المراعي والأشجار على جودة العسل في سياني، محافظة إب: دراسة تحليلية “اولية”.. وحلول مقترحة”، ضرورة قصوى ومحوراً استراتيجياً لتقييم سلامة أحد أهم المنتجات الوطنية اليمنية. يهدف المشروع إلى توفير دليل علمي يربط بين ممارسة بيئية ضارة ومخاطر صحية واقتصادية مباشرة، وهو ما يضع إطاراً قوياً للتدخل السياسي والتشريعي. إن التركيز على منطقة السياني في إب يسمح بإجراء تحليل دقيق ومُوجّه لمصدر تلوث محدد وخطير، وهو الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)، التي تتشكل نتيجة الاحتراق غير الكامل للمواد العضوية (١). إن تبني منهجية تحليلية صارمة، كما هو مفصل في هذا التقرير، يضمن مصداقية النتائج وقبولها دولياً.
1.2. الخطر البيئي في سياني، إب: التهديد المباشر لـ PAHs يشكل حرق المراعي والأشجار مصدراً مباشراً ومميزاً لمركبات PAHs في الغلاف الجوي والتربة المحيطة بخلايا النحل. هذه المركبات معروفة بكونها مسببات قوية للطفرات ومسرطنة (Mutagenic and Carcinogenic) (٢)، وتتراكم في التربة بسبب كرهها للماء. بناءً على الدراسات، فإن العناصر ذات الوزن الجزيئي الأعلى من PAHs تكون أقل قابلية للذوبان في الماء، لكن آثارها الضارة تتزايد بشكل ملحوظ (٣). هذا يعني أن ممارسات الحرق في المراعي تؤدي إلى تلويث العسل بمركبات قد تهدد صحة المستهلكين وتقلل بشكل جذري من إمكانية تصدير العسل اليمني، ما يؤكد أن هذا الخطر ليس بيئياً فقط، بل هو أزمة صحية عامة وتهديد اقتصادي مباشر.
1.3. النتائج المتوقعة والتوصيات المحورية من المتوقع أن تكشف الدراسة عن مستويات متباينة من PAHs في عسل السياني، خاصة في المواقع القريبة من نقاط الحرق. علاوة على ذلك، يجب أن تأخذ الدراسة في الحسبان وجود مخاطر مركبة؛ حيث أظهرت دراسات سابقة أن العسل اليمني يعاني بالفعل من تجاوزات في تراكيز المعادن الثقيلة كالرصاص والكادميوم مقارنة بالمعايير الدولية (EU و Codex) (٤). كما أن الانتشار المكاني لزراعة القات وما يصاحبه من استخدام كثيف للمبيدات يضيف طبقة أخرى من التلوث. التوصيات المحورية: يجب أن تدعو الدراسة إلى تدخل تشريعي عاجل لحظر ممارسات الحرق الجائر. كما يجب أن تركز الجهود الإعلامية على تحويل القضية من مشكلة بيئية مجردة إلى أزمة سلامة غذاء وصحة عامة، باستخدام عنوان “العسل اليمني في مرمى اللهيب” كأداة ضغط قوية لحماية “الذهب السائل”.
ثانياً: الإطار المفاهيمي والأهمية الاستراتيجية للعسل اليمني.
2.1. القيمة الاقتصادية والاجتماعية للعسل في إب واليمن يتمتع العسل اليمني، شأنه شأن البن اليمني، بقيمة اقتصادية ووطنية كبرى. يُنظر إلى العسل على أنه منتج وطني ذو سمعة عالمية وإمكانات تصديرية عالية، مما يجعله قادراً على دعم الاقتصاد الوطني إذا ما توفرت له الرعاية والاهتمام الكافيين من المستثمرين والجهات المسؤولة. على الصعيد الاجتماعي، تعتمد شريحة كبيرة من المجتمع اليمني، لا سيما في مناطق الإنتاج الرئيسية كحضرموت وإب، على تربية النحل وتجارة العسل كمصدر أساسي للدخل. وبالتالي، فإن أي تدهور في جودة هذا المنتج أو خسارة لسمعته العالمية يمثل تهديداً مباشراً للأمن المعيشي لهذه الأسر. يشير هذا الوضع إلى أن أي فشل في السوق المرتبط بجودة العسل سيتحول بسرعة إلى أزمة وطنية على مستوى الأمن الغذائي والاجتماعي.
2.2. التحديات البيئية الراهنة التي تهدد قطاع النحل يتعرض قطاع النحل اليمني لتهديدات متعددة تفاقمت بفعل الصراع المستمر. تشير مؤشرات الإنتاجية إلى ضعف عام كان قائماً قبل نشوب الصراع، لكنه ازداد تدهوراً مع اشتداد العنف وتدمير البنى التحتية للمياه والزراعة. بالإضافة إلى تدهور البنية التحتية، يواجه النحل تلوثاً كيميائياً واسع النطاق. فقد أظهرت البيانات أن كميات المبيدات المستوردة قد بلغت مستويات عالية، حيث وصلت إلى حوالي 632,039 طن/لتر في عام 2018 (٥). هذا الاستخدام الكثيف للمبيدات والأسمدة الكيميائية يهدد سلالة النحل اليمني وجودة العسل بمتبقيات سامة (٦). هذا السيناريو يؤكد أن التهديد الاقتصادي لقطاع العسل ليس مقتصراً على الحرق (PAHs) فحسب، بل هو خطر مركب ناجم عن تضافر الانهيار البيئي والفشل المؤسسي والتلوث الكيميائي.
2.3. أهمية الدراسة المقترحة في سياق الأمن الغذائي وسلامة المنتج توفر الدراسة المقترحة دليلاً علمياً موثقاً يربط ممارسة الحرق الزراعي المحددة بتدهور الجودة. يعد هذا التوثيق ضرورياً وحاسماً لفرض التشريعات المحلية وضمان الامتثال للمعايير الدولية، التي تشكل البوابة الرئيسية لإعادة فتح أسواق التصدير. إن الحاجة إلى هذه الدراسة تتعاظم في ظل وجود ملوثات هيكلية مزمنة (المبيدات والمعادن الثقيلة). فالدراسة لا تقتصر على إثبات وجود PAHs، بل تساعد في عزل وتحديد الأولويات البيئية. إذا أظهرت الدراسة أن تلوث PAHs هو خطر حاد وفوري يترافق مع المخاطر المزمنة الأخرى، فإن الإجراءات المقترحة يمكن أن تكون مستهدفة وفعالة. إن الفشل في معالجة تلوث PAHs بشكل خاص، خاصة وأن الدراسات السابقة وثقت بالفعل تجاوز الحدود الدولية للمعادن الثقيلة (٤)، سيعمل على ترسيخ عدم امتثال المنتج اليمني للمعايير العالمية، مما يضر بالسمعة التجارية لـ “الذهب السائل” على مستوى العالم. لذا، تعمل هذه الدراسة كتدقيق حاسم للسوق وجودة المنتج الوطني.

ثالثاً: التحليل العلمي: مسارات التلوث الكيميائي الناتج عن الحرق.
3.1. الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs): مسبباتها وتأثيرها السمّي.
3.1.1. آلية التشكيل والتراكم تُعد الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs) مجموعة من المركبات التي تتشكل نتيجة الاحتراق غير الكامل للمواد العضوية، مثل حرق المراعي والأشجار (١). يمكن أن تنشأ هذه المركبات من مصادر طبيعية كحرائق الغابات والانفجارات البركانية، أو من مصادر بشرية كالمنشآت الصناعية، مصافي النفط، احتراق القمامة، أو حتى التدخين. في سياق سياني، يُعتبر الحرق الزراعي أو البري للمراعي هو المصدر الأساسي والملح الذي يجب التركيز عليه. تتميز PAHs بخاصيتها **الكارهة للماء (Lipophilic) **، مما يفسر ميلها إلى الالتصاق بالجسيمات الدقيقة في الدخان والتراكم في التربة (٢). من التربة، أو من جزيئات الدخان المتساقطة مباشرة على النباتات، يمكن أن تنتقل هذه المركبات إلى النحل أثناء جمعه للرحيق وحبوب اللقاح، لتجد طريقها في نهاية المطاف إلى العسل، وكذلك إلى الشمع وصمغ النحل.
. 3.1.2. الخطر السمّي لمركبات PAH4 إن الخطر السمّي لا يتعلق بالكمية الإجمالية لمركبات PAHs فحسب، بل بنوعيتها. مع زيادة الوزن الجزيئي لمركبات PAHs، تقل قابليتها للذوبان في الماء، لكن تزداد بشكل ملحوظ قدرتها على إحداث الطفرات (Mutagenicity) والسرطنة (Carcinogenicity) (٣). هذه المركبات الثابتة، وذات الوزن الجزيئي الأعلى، مثل البنزو(أ)بيرين (Benzo(a)pyrene) (٧)، والبنز(أ)أنثراسين، والكريسين، والبنزو(ب)فلورانثين (والتي تشكل مجموعة PAH4)، هي الأكثر تنظيماً دولياً وتعتبر مؤشراً مباشراً لتلوث الاحتراق. لذلك، يجب أن يركز التحليل العلمي في الدراسة على تحديد وقياس مجموعة PAH4 بشكل خاص، لأنها تمثل الخطر الأكبر على الصحة العامة وهي المحدد الرئيسي للامتثال التنظيمي للاتحاد الأوروبي (٨).
. 3.2. تحليل مؤشرات جودة العسل الحساسة للحرارة والتخزين يجب أن يشمل التحليل العلمي قياس الهيدروكسي ميثيل فورفورال (HMF)، وهو مركب كيميائي حساس للغاية للحرارة (٩). يُعد ارتفاع HMF مؤشراً موثوقاً على أن العسل قد تعرض لحرارة زائدة أثناء المعالجة أو التخزين السيئ، ما يؤدي إلى تدهور جودة العسل، وزيادة لزوجته وكثافته، وانخفاض نشاط إنزيماته. على الرغم من أن حرق المراعي لا يرفع مستويات HMF مباشرة، إلا أنه من الضروري قياس هذا المؤشر. قد تكون البيئات التي تعاني من سوء الإدارة البيئية (كالحرق) بيئات مصحوبة أيضاً بممارسات استخلاص وتخزين رديئة لا تلتزم بمعايير الجودة، أو قد تساهم الحرارة المنبعثة من الحرائق القريبة في رفع درجة حرارة الخلايا بشكل غير طبيعي. يوفر قياس HMF عامل جودة إضافي لتقييم مدى العناية التي يتلقاها العسل في مناطق الدراسة.
. 3.3. التلوث بالعناصر الثقيلة والمبيدات كعوامل مرافقة لتحديد التأثير الخاص لحرق المراعي، لا بد من عزل المخاطر المركبة الأخرى. 3.3.1. تأثير زراعة القات والمبيدات تشهد محافظة إب توسعاً كبيراً في زراعة شجرة القات، الأمر الذي يستنزف المياه الجوفية ويتطلب استخداماً كثيفاً للمبيدات والأسمدة الزراعية المستوردة (٥). هذه المواد الكيميائية تساهم بشكل كبير في تلوث البيئة النحلية وتصنف على أنها تهديد خطير لسلالة النحل اليمني. يجب إجراء تحاليل لمتبقيات المبيدات في عينات السياني لتقييم التلوث الكيميائي الشامل (٦). هذا التداخل المكاني بين مواقع الحرق ومزارع القات يخلق مشكلة تلوث مركبة تتطلب حلاً متكاملاً. إن التلوث بالمبيدات والمعادن الثقيلة يمثل مشكلة هيكلية مزمنة ناجمة عن ضعف البنية التحتية والتحول الزراعي، بينما يشكل الحرق خطراً حاداً ومحدداً (PAHs). يجب على الدراسة أن تميز بوضوح بين هذه المخاطر الحادة والمزمنة لضمان استجابة سياساتية مستهدفة وفعالة.
3.3.2. تأكيد التلوث بالمعادن الثقيلة أكدت الدراسات الأكاديمية أن عينات العسل اليمني تحتوي بالفعل على تركيزات عالية نسبياً من الرصاص (Pb) والكادميوم (Cd) التي تجاوزت الحدود المسموح بها وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي (1.0 mg/kg) وهيئة دستور الأغذية (Codex) (٤). يجب أن يشمل التحليل في منطقة سياني قياس هذه العناصر كعوامل ضابطة لا ترتبط مباشرة بالحرق، بل بالتلوث البيئي العام والناتج عن الصراع والتدهور المؤسسي. 3.4. النحل ككائن مؤشر حيوي للتلوث البيئي في منطقة الدراسة إن اختيار العسل كـ “مقياس” للتلوث في سياني مبرر تماماً، حيث يعتبر النحل ومنتجاته (العسل، حبوب اللقاح، الشمع، الصمغ) مؤشرات حيوية ممتازة لتقدير مستويات التلوث البيئي، وخاصة بالعناصر الثقيلة (١٠). كما أن PAHs كارهة للماء (دهنية)، وبالتالي فإنها تتراكم بكفاءة عالية في المصفوفات الشمعية والراتنجية لصمغ النحل (البروبوليس) والشمع (١١). أظهرت الأبحاث أن أعلى تركيز للملوثات يظهر غالباً في صمغ النحل، مما يعني أن الخلايا تعمل كمرشحات بيئية طبيعية. لذلك، يوفر تحليل صمغ النحل والشمع إلى جانب العسل دليلاً أقوى على التعرض البيئي للمنطقة بالكامل، وليس فقط جودة المنتج النهائي. إذا كانت مستويات PAHs منخفضة في العسل ولكن مرتفعة في الصمغ، فإن الاستنتاج ينحو إلى أن البيئة ملوثة، ولكن المنتج النهائي قد يكون على الحافة الآمنة. أما إذا كانت المستويات مرتفعة في كليهما، فهذا يشير إلى خطر بيئي حاد ومباشر.
رابعاً: المنهجية التحليلية المقترحة وضمان الجودة الدولية لتكون نتائج الدراسة ذات مصداقية علمية وقابلة للاستخدام في السياق التنظيمي الدولي، يجب الالتزام ببروتوكولات تحليلية صارمة تعتمد على المعايير العالمية.
4.1. استراتيجية أخذ العينات: تحديد مواقع الدراسة والضوابط المرجعية.
4.1.1. متطلبات التصميم والتباين المكاني يجب أن يعتمد تصميم الدراسة على توزيع منهجي لأخذ العينات يماثل دراسات المؤشرات الحيوية المعتمدة. يتطلب ذلك تجميع عينات من: * مناطق التأثير الشديد (Burning Hotspot): مواقع في السياني تجاور مباشرة مناطق الحرق الحديثة أو المتكررة. * مناطق عازلة (Buffer Zone): مناطق السياني البعيدة نسبياً عن نقاط الحرق، ولكنها قد تكون معرضة لتساقط الدخان. * منطقة الشاهد الضابطة (Control Zone): منطقة زراعية نقية جغرافياً وبعيدة عن ممارسات الحرق وتلوث زراعة القات (خارج محافظة إب) لإنشاء خط أساس طبيعي للمقارنة. يجب تجميع العينات خلال مواسم متعددة (ثلاثة فصول على الأقل) لتقييم التباين الموسمي في كثافة ممارسة الحرق وتوافر المرعى. يجب تحليل العسل وحبوب اللقاح والشمع والصمغ لتقديم صورة شاملة عن درجة تعرض النحل للملوثات المختلفة.

4.2. البروتوكولات المخبرية لتحليل الملوثات
إن اختيار البروتوكولات التحليلية يجب أن يضمن قبول البيانات من قبل الهيئات التنظيمية الدولية.
4.2.1. تحليل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات (PAHs)
يجب استخدام طرق معتمدة دولياً لتحليل PAHs، نظراً لتعقيدها وحاجتها إلى معدات متخصصة. يوصى باستخدام طرق وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) مثل EPA 8270 أو EPA 3540C، والمستخدمة في قياس PAHs في التربة والأغذية (١٢). هذا يضمن أن البيانات الناتجة قوية بما يكفي لتحمل التدقيق من الجهات المانحة الدولية والهيئات التنظيمية (مثل الاتحاد الأوروبي)، وهو أمر ضروري لتبرير التمويل والتدخل السياسي. يجب تحديد وقياس الـ 16 مركب PAH القياسي، مع التركيز الخاص على المركبات الأربعة الأكثر سمية (PAH4).
4.2.2. تحليل المخاطر المركبة
من الضروري إجراء قياسات لتركيز العناصر الثقيلة مثل الرصاص (Pb) والكادميوم (Cd) باستخدام تقنيات مثل مطياف الكتلة البلازمي المقترن حثياً (ICP-MS) (٤)، وكذلك تحليل متبقيات المبيدات باستخدام تقنيات عالية الدقة (مثل LC-MS/MS) (٦). هذا التحليل المزدوج حيوي لعزل التأثير المباشر للحرق عن التلوث الهيكلي الناتج عن زراعة القات والمشاكل البيئية الأوسع.
4.3. مقارنة النتائج بالمعايير العالمية والوطنية
يجب مقارنة تركيزات الملوثات المكتشفة بشكل صارم مع الحدود القصوى المسموح بها (MRLs) الصادرة عن الاتحاد الأوروبي وهيئة دستور الأغذية (Codex) (٨، ٤). يوضح الجدول التالي أهم القياسات المطلوبة وحدودها التنظيمية:
الحدود التنظيمية الدولية لأهم ملوثات العسل (القياسات المطلوبة)

خامساً: السياق البيئي في إب: العوامل المساهمة في تدهور المراعي لا يمكن تقييم تأثير حرق المراعي بمعزل عن السياق البيئي الزراعي الأوسع في محافظة إب، والذي يتميز بالصراع على الموارد وتدهور الحوكمة.
. 5.1. توسع زراعة القات وتداعياته على المراعي واستنزاف المياه يشكل توسع زراعة شجرة القات عاملاً هيكلياً يفاقم المشكلة البيئية. حيث يتم استغلال مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية والمراعي الطبيعية لزراعة القات، مما يقلل من الغطاء النباتي الغني بالرحيق وحبوب اللقاح الضروري للنحل. الأهم من ذلك، أن ممارسة حرق المراعي قد تكون في جوهرها عرضاً لضغط التوسع الناتج عن زراعة القات. قد يلجأ المزارعون إلى حرق الأراضي الهامشية المتبقية لتجهيزها بسرعة أو للتخلص من الكتلة الحيوية غير المنتجة بسبب ندرة الأراضي. هذا يفسر لماذا يرتفع خطر PAHs في مناطق ذات كثافة سكانية وزراعية عالية. علاوة على ذلك، تستنزف زراعة القات كميات هائلة من المياه الجوفية نتيجة الري الجائر (٥)، مما يفاقم نقص الموارد المائية الذي يعاني منه القطاع الزراعي والمنزلي بالفعل بسبب الصراع وتدمير البنى التحتية.
5.2. أثر استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية في تلوث البيئة النحلية تعتمد زراعة القات على مدخلات زراعية كثيرة، بما في ذلك المبيدات والأسمدة المستوردة. كما ذكرنا، فإن الكميات الكبيرة من المبيدات تهدد سلالة النحل اليمني وجودة العسل بمتبقيات سامة (٦). يؤدي الاستخدام المفرط وغير المنظم للمبيدات، بالإضافة إلى التلوث الناتج عن PAHs، إلى إنشاء بيئة سمّية مركبة في إب. وبما أن مناطق زراعة القات قد تتداخل مع المراعي التي يتم حرقها، فإن النحل قد يتعرض لخطر مزدوج: متبقيات المبيدات من الزراعة القائمة، وملوثات الاحتراق (PAHs) من حرق المخلفات الزراعية والمراعي..
5.3. التدهور المؤسسي والتشريعي في ظل الصراع يشير التدهور الواسع النطاق في البيئة اليمنية (١٣) إلى وجود فراغ تنظيمي كبير. بالرغم من وجود هيئة لحماية البيئة تهدف إلى المحافظة على المكونات البيئية والتنوع البيولوجي والتحكم في التلوث (١٤)، فإن مؤشرات الإنتاجية والرقابة كانت ضعيفة قبل الصراع وازدادت تدهوراً معه. إن وجود سلطة بيئية ذات تفويض واضح (١٤) بالتزامن مع توثيق التلوث واسع النطاق بالمعادن الثقيلة (٤) والمبيدات (٦)، يؤكد وجود فراغ تشريعي وهيكلي عميق ناتج عن الحرب. يجب أن تكون التوصيات السياساتية للدراسة قادرة على استخدام النتائج العلمية (خاصة الخطر المسرطن لـ PAHs) كورقة ضغط لإعادة تمكين هيئة حماية البيئة وتفعيل الرقابة، مع الاستعانة بجهود المنظمات المحلية التي تركز على التوعية بأخطار الظواهر البيئية.
سادساً: تقييم الجانب الإعلامي واستراتيجيات التوعية إن النجاح الحقيقي لهذه الدراسة لا يكمن فقط في دقتها العلمية، بل في قدرتها على إحداث تغيير في السلوك العام والسياسات.
6.1. قوة العنوان “الذهب السائل في مرمى اللهيب” كأداة ضغط (Media Framing) يتمتع العنوان الفرعي “العسل اليمني في مرمى اللهيب: مأساة حرق المراعي وتأثيرها على جودة “الذهب السائل” في السياني، إب” بقوة تأثير إعلامي استثنائية. إنه يربط بين القيمة الرمزية والاقتصادية العالية للمنتج الوطني (“الذهب السائل”) وبين التهديد المأساوي والواضح (اللهيب). هذا التناقض العاطفي يضمن جذب انتباه الجمهور ووسائل الإعلام بشكل فعال. لضمان أقصى تأثير، يجب أن يتبنى التقرير أسلوب الصحافة الاستقصائية في معالجة القضية، والتركيز على أسباب المشكلة وآثارها، وتحديداً استخدام الخبراء كمصدر أساسي للمعلومات.
. 6.2. استراتيجية التواصل وتحويل الخطر البيئي إلى أزمة صحية في بيئة متأثرة بالصراع، غالباً ما تتراجع القضايا البيئية المجردة أمام أولويات الأمن والحياة المعيشية. لذلك، يجب على الاستراتيجية الإعلامية تحويل تركيزها من مجرد “حماية البيئة” إلى “أزمة صحة عامة وسلامة غذاء”. يتم ذلك عن طريق: * التأكيد على PAHs كخطر مسرطن: التركيز على أن الملوثات الناتجة عن الحرق (PAHs) هي مركبات مسرطنة ومنظمة دولياً. هذا الارتباط المباشر بالصحة العامة يولد استجابة سياسية ومجتمعية أسرع ويساعد على تجاوز الجمود المؤسسي. * ربط الممارسات الفردية بالخسارة الجماعية: يجب توعية المزارعين ومربّي النحل بأن ممارسة الحرق الفردية تؤدي إلى تدهور سمعة العسل كمنتج وطني، مما يؤدي إلى خسارة اقتصادية جماعية.
6.3. تحديد الجمهور المستهدف واستراتيجيات التوعية يجب أن تكون التوعية موجهة بدقة لتشمل ثلاث مجموعات رئيسية: * المزارعون ومربو النحل: يجب توفير برامج إرشادية حول البدائل الآمنة لإدارة المخلفات الزراعية بدلاً من الحرق، وتوعيتهم بأهمية إبعاد خلايا النحل عن مصادر الدخان. * الجمهور والمستهلكون: يجب تمكين المستهلكين وتشجيعهم على طلب عسل مُختبر ومعتمد، مما يخلق حافزاً سوقياً قوياً لمربّي النحل لتبني ممارسات أكثر أماناً ووقف الحرق، خاصة في ظل ضعف الإنفاذ التنظيمي. * الجهات الحكومية والمانحة: تقديم النتائج التحليلية (PAHs، المعادن الثقيلة) كدليل قاطع على الخطر، والربط بين تلوث العسل والحاجة الملحة لإعادة بناء القدرات المخبرية والبنية التحتية البيئية المدمرة. يجب استخدام وسائل إعلانية وإعلامية متنوعة تشمل البوسترات والمحاضرات والبرامج الموجهة.
سابعاً: الحلول المقترحة والتوصيات التفصيلية بناءً على التحليل العلمي والبيئي والإعلامي، تُقدم التوصيات التالية كخارطة طريق متكاملة لمعالجة تلوث العسل في السياني، إب، واليمن عموماً.
7.1. التوصيات العلمية والتقنية: إدارة المراعي المستدامة والبدائل الآمنة 7.1.1. تطوير برامج إرشاد زراعي مستدام يجب توفير تدريب مكثف للمزارعين حول تقنيات إدارة المخلفات الزراعية والمراعي دون اللجوء إلى الحرق. يمكن استخدام المخلفات الزراعية كسماد عضوي لزيادة خصوبة التربة، أو كعلف للماشية (١٥)، خاصة وأن الأسر الريفية تعتمد على المحاصيل لتكون أعلافاً لمواشيها في حال تأخر هطول الأمطار. هذا يوفر بديلاً اقتصادياً ومستداماً لعملية الحرق الضارة.
7.1.2. حماية وتوثيق مواقع الخلايا يجب توعية النحالين بضرورة تحديد ونقل خلايا النحل بعيداً عن أي مصدر محتمل للدخان الساخن أو تساقط الرماد أثناء مواسم الحرق. ينبغي تطبيق ممارسات وقائية تشمل إنشاء حواجز طبيعية مؤقتة (مثل أشجار كثيفة أو حواجز رياح) لحماية الخلايا من التعرض المباشر.
. 7.1.3. دعم القدرات المخبرية المتخصصة لتحقيق الامتثال لمعايير التصدير، يجب توفير الدعم المالي والتقني لتجهيز مختبرات يمنية قادرة على إجراء تحاليل PAHs المعقدة (باستخدام بروتوكولات EPA 8270) ومتبقيات المبيدات بدقة عالية (١٢، ٦). هذا الاستثمار ضروري ليس فقط لحماية المنتج المحلي، ولكن لإعادة بناء الثقة العالمية في العسل اليمني.
7.2. التوصيات التشريعية والرقابية: تفعيل دور هيئة حماية البيئة وتعزيز الرقابة.
7.2.1. إعادة تفعيل هيئة حماية البيئة (EPA) إن هيئة حماية البيئة هي الجهة المناط بها المحافظة على المكونات البيئية والتنوع البيولوجي (١٤). يجب دعم الهيئة مالياً ولوجستياً لتمكينها من مراقبة التلوث، وملاحقة ممارسات الحرق الجائر والرقابة على استخدام المبيدات والأسمدة.
7.2.2. سن تشريع محلي لحظر الحرق الجائر يجب اتخاذ إجراءات تشريعية محلية صارمة في محافظة إب تحظر الحرق الموسمي للمراعي، مع تحديد عقوبات واضحة وفعالة للمخالفين. يجب أن يقترن هذا التشريع بتوفير البدائل العملية للمزارعين لضمان التعاون والالتزام.
. 7.2.3. تنظيم استيراد واستخدام المبيدات يجب تفعيل الرقابة على نوعية وكميات المبيدات المستوردة (التي بلغت مستويات ضخمة في 2018) (٥) ، والتركيز على تشجيع استخدام المبيدات الآمنة في المناطق المتاخمة لمواقع النحل. هذا ضروري لمواجهة التهديد المركب الناتج عن زراعة القات والممارسات الزراعية غير الآمنة.
. 7.3. التوصيات الاقتصادية والاجتماعية: دعم المزارعين وتوفير مدخلات زراعية آمنة.
7.3.1. برامج التمويل الموجهة والتنويع الاقتصادي يجب توجيه التمويل الصغير لمزارعي العسل والمراعي لدعم التحول نحو بدائل اقتصادية ومستدامة بدلاً من الاعتماد الكلي على زراعة القات، والتي تتطلب مدخلات باهظة وتستنزف الموارد. إن تشجيع الاستثمار في قطاع العسل يدعم سلسلة القيمة الكاملة، من تربية النحل إلى المعالجة والتحليل المخبري.
. 7.3.2. إنشاء نظام شهادات الجودة والشفافية ينبغي إنشاء نظام شهادات جودة محلي، بالتعاون مع المنظمات الدولية، لاختبار العسل بشكل دوري مقابل المعايير العالمية (بما في ذلك PAHs، HMF، والمعادن الثقيلة). هذا النظام سيمكن المصدرين من الحصول على شهادات الجودة اللازمة لفتح أسواق جديدة، ويخلق حوافز تسويقية للمنتجات التي تثبت خلوها من تلوث الحرق والمبيدات. إن الشفافية في نتائج التحليل (التحليل ضد معايير Codex و EU) هو السبيل الوحيد لإعادة بناء ثقة المستهلك والسوق العالمي في العسل اليمني.
المراجع اليمنية
1. الدستور #والقوانين #مرجعيةالجميع#
2. الدستور والقوانين
3. قانون السلطة المحلية
4. قانون الزراعة
5. قانون المحاجر
6. قانون البنا
7. قانون البيئة
8. قانون الصحة
9. قانون السياحة
10. قانون الآثار
11. قانون حقوق الإنسان
12. قانون الطفولة
13. الاتفاقية العربية
14. الاتفاقية الدولية
15. القانون الدولي..
المراجع العلمية
1. Ravindra, K., et al. (2008). Atmospheric polycyclic aromatic hydrocarbons: Source attribution, emission factors and regulation. Atmospheric Environment, $\text{42(2)$. (Source and formation of PAHs)[https://doi.org/10.1016/j.atmosenv.2007.10.010](https://doi.org/10.1016/j.atmosenv.2007.10.010)
2. IARC Working Group on the Evaluation of Carcinogenic Risks to Humans. (2010). Some non-heterocyclic polycyclic aromatic hydrocarbons and some related exposures. IARC Monographs on the Evaluation of Carcinogenic Risks to Humans, 92. (Carcinogenicity of PAHs) [https://publications.iarc.fr/110](https://publications.iarc.fr/110)
3. Abdel-Shafy, H. I., & Mansour, M. S. M. (2018). A review on polycyclic aromatic hydrocarbons: source, environmental impact, exposure and treatment. Egyptian Journal of Petroleum, 27(4). (Properties and toxicity of high molecular weight PAHs) [https://doi.org/10.1016/j.ejpe.2018.02.001](https://doi.org/10.1016/j.ejpe.2018.02.001)
4. Al-Qadhi, B. H., et al. (2021). Trace metals contamination in Yemeni honey: health risk assessment and comparison with international standards. International Journal of Environmental Analytical Chemistry, 101(1). (Heavy metals in Yemeni honey exceeding EU/Codex limits) [https://doi.org/10.1080/03067319.2020.1718870](https://doi.org/10.1080/03067319.2020.1718870)
5. Al-Dubai, S. M. (2021). The Environmental Impact of Qat Cultivation in Yemen: A Critical Review. Journal of Sustainable Development, 14(3). (Qat, water depletion, and pesticide use in Yemen) [https://doi.org/10.5539/jsd.v14n3p112](https://doi.org/10.5539/jsd.v14n3p112)
6. Al-Gheethi, A. A., et al. (2021). Review on pesticide residues in honey and bee products: an alarming threat to human health. Food Production, Processing and Nutrition, 3(1). (Pesticide threat to honey and bees) [https://doi.org/10.1186/s43014-021-00057-y](https://doi.org/10.1186/s43014-021-00057-y)
7. European Food Safety Authority (EFSA). (2008). Polycyclic Aromatic Hydrocarbons in Food: Scientific Opinion of the Panel on Contaminants in the Food Chain. EFSA Journal, 6(7). (Focus on Benzo[a]pyrene as indicator) [https://doi.org/10.2903/j.efsa.2008.724](https://doi.org/10.2903/j.efsa.2008.724)
8. European Commission Regulation (EU) No 835/2011. (2011). Amending Regulation (EC) No 1881/2006 as regards maximum levels for polycyclic aromatic hydrocarbons in foodstuffs. (EU regulatory limits for PAH4) [https://eur-lex.europa.eu/eli/reg/2011/835/oj](https://eur-lex.europa.eu/eli/reg/2011/835/oj)
9. Codex Alimentarius Commission. (2019). Revised Standard for Honey (CXS 12-1981, Rev. 2019). (HMF standard in honey) $\text{[https://www.fao.org/fao-who-codexalimentarius/sh-
10. proxy/en/?lnk=1&url=https%253A%252F%252Fworkspace.fao.org%252Fsites%252Fcodex%252FStandards%252F](https://www.fao.org/fao-who-
11. codexalimentarius/sh-proxy/en/?lnk=1&url=https%253A%252F%252Fworkspace.fao.org%252Fsites%252Fcodex%252FStandards%252F)}\text{CXS 12-1981%252FCXS\_012e.pdf}
12. Rashed, M. N., & Soltan, M. E. (2004). Major and trace elements in different types of Egyptian mono-floral and non-floral honeys and their determination by ICP-OES. Food Chemistry, 88(4). (Honey as a bioindicator) [https://doi.org/10.1016/j.foodchem.2004.02.016](https://doi.org/10.1016/j.foodchem.2004.02.016)
13. Frazzoli, C., et al. (2017). Bees as bioindicators of chemical pollution: a narrative review of studies on contaminants in honey, bee-pollen and beeswax. Science of The Total Environment, 599. (PAH accumulation in beeswax and propolis) [https://doi.org/10.1016/j.scitotenv.2017.05.071](https://doi.org/10.1016/j.scitotenv.2017.05.071)
14. US EPA Method 8270D. (2007). Semivolatile Organic Compounds by Gas Chromatography/Mass Spectrometry (GC/MS). (Laboratory method for PAHs)[https://www.epa.gov/sites/default/files/2015-12/documents/8270d.pdf]
15. https://www.epa.gov/sites/default/files/2015-12/documents/8270d.pdf
16. UNDP. (2021). Yemen: The Environmental and Humanitarian Crisis. (General environmental degradation in Yemen) [https://www.undp.org/yemen/publications/yemen-environmental-and-humanitarian-
17. crisis](https://www.undp.org/yemen/publications/yemen-environmental-and-humanitarian-crisis)
18. (متاح كمحتوى عام)
19. القانون اليمني رقم (1) لسنة 2002 بشأن حماية البيئة. (2002). (Legal framework for environmental protection in Yemen) (قانون محلي، رابط متاح عادةً عبر بوابات التشريع الوطنية)
20. FAO. (2017). Integrated pest management in beekeeping: A guide for sustainable honey production. (Alternatives to burning agricultural waste)[https://www.fao.org/3/i6954en/i6954en.pdf] https://www.fao.org/3/i6954en/i6954en.pdf
![]()
بيئة أبوظبي وسيلة إعلامية غير ربحية مسؤولية مجتمعية تملكها مجموعة نايا للتميز