التغيُّرات المناخية في اليمن: تأثيرات مؤلمة ومواجها ضئيلة

شبكة بيئة ابوظبي، إعداد عبد الغني درهم عبده اليوسفي. مستشار وباحث في الشؤون البيئية والمناخية، الجمهورية اليمنية 11 أكتوبر 2025

ملخص تنفيذي
يواجه اليمن أزمة إنسانية وبيئية غير مسبوقة، تفاقمت بفعل التغيرات المناخية التي تظهر تأثيراتها المدمرة بوضوح خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 يوليو 2025. تُظهر البيانات المناخية لهذه الفترة استمرارًا لظروف الجفاف واسعة النطاق وارتفاع درجات الحرارة، مع هطول أمطار أقل من المتوسط في معظم المناطق، تخللتها في بعض الأحيان فيضانات محلية مدمرة. هذه الظروف الجوية القاسية لا تزيد من تفاقم ندرة المياه وتدهور الأراضي فحسب، بل تضرب بشدة القطاع الزراعي، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وتشريد أعداد هائلة من السكان.

تُعد اليمن، بطبيعتها القاحلة وصراعاتها المستمرة، من أكثر الدول ضعفًا في مواجهة التغير المناخي. وقد أدت الظواهر الجوية المتطرفة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 إلى تدهور حاد في سبل العيش، وزيادة النزوح، وتصاعد التوترات حول الموارد الشحيحة. يواجه البلد تحديات هائلة في تنفيذ تدابير التكيف والتخفيف، بسبب ضعف الحوكمة، ونقص الموارد، والنزاعات المستمرة. يتطلب هذا الوضع المعقد استجابة متكاملة تجمع بين المساعدة الإنسانية العاجلة وجهود التنمية المستدامة، مع التركيز على بناء المرونة المناخية على المستويات المحلية والوطنية.

1. مقدمة: أزمة المناخ في اليمن في سياقها
1.1 خلفية التغير المناخي العالمية والإقليمية
يقع اليمن ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي منطقة تتميز بالجفاف الشديد وندرة المياه والتوسع الحضري السريع، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للمخاطر الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي. يشكل هذا السياق الإقليمي أهمية بالغة لفهم التحديات المناخية التي يواجهها اليمن. تزيد النزاعات القائمة في المنطقة من تعقيد هذه الظروف البيئية، مما يخلق تفاعلاً معقدًا من الضغوط التي تؤثر بشكل مباشر على حركة السكان والاستقرار العام.
على الصعيد العالمي، يُعترف الآن بأن التغير المناخي له تأثير كبير على جهود إدارة الكوارث، ويشكل تهديدًا كبيرًا للقدرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان الأكثر ضعفًا في جميع أنحاء العالم، وهو واقع ملموس بشدة في اليمن.

1.2 ضعف اليمن الفريد: الصراع، الهشاشة، والإجهاد البيئي
يواجه اليمن حاليًا واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وهي نتيجة مباشرة لتضافر الصراع المطول والأزمة الاقتصادية الحادة والكوارث الطبيعية المتكررة المرتبطة بالتغير المناخي. يخلق هذا التضافر من العوامل بيئة صعبة بشكل فريد.

البلاد هشة بطبيعتها، وتتسم باقتصاد ضعيف، وبنية تحتية متهالكة، ونمو سكاني سريع (حوالي 3% سنويًا)، ونزاعات سياسية مستمرة، وتدهور حاد في مواردها البيئية. تزيد هذه الظروف القائمة مسبقًا من تفاقم آثار التغير المناخي. لا يمثل التغير المناخي في اليمن مجرد تحدٍ إضافي؛ بل يعمل “كمضاعف لعدم اليقين”، مما يقيد بشدة آفاق التنمية المستقبلية للبلاد ويزيد من عمق نقاط الضعف القائمة في جميع القطاعات.

تُظهر الملاحظات أن العلاقة بين الصراع والتغير المناخي في اليمن ليست مجرد تزامن لأزمات متزامنة، بل هي حلقة مفرغة عميقة الجذور. فالصراع المطول يؤدي إلى تدهور منهجي في هياكل الحوكمة، ويدمر البنية التحتية الحيوية مثل شبكات المياه، ويحول الموارد بعيدًا عن الخدمات الأساسية والتخطيط طويل الأجل. هذا الضعف في قدرة الدولة يترجم مباشرة إلى قدرة تكيف غير كافية لإدارة المخاطر البيئية، حيث تتأثر بشدة القدرة على تنفيذ السياسات المناخية، وإجراء البحوث، أو بناء بنية تحتية مرنة.

ونتيجة لذلك، يصبح السكان والأنظمة الطبيعية أكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر. هذه الصدمات المناخية بدورها تزيد من حدة ندرة الموارد القائمة، خاصة المياه والأراضي الصالحة للزراعة. يؤدي تزايد التنافس على الموارد المتضائلة إلى نشوب أو تفاقم النزاعات بين المجتمعات والقبائل. كما يمكن أن يغير تكتيكات الجهات المسلحة، التي قد تستهدف البنية التحتية البيئية الحيوية لتحقيق مكاسب. يؤدي تدهور سبل العيش الناجم عن المناخ وندرة الموارد إلى الهجرة القسرية والنزوح. ويزيد تدفق النازحين إلى المجتمعات المضيفة الضغط على الموارد، مما يكثف المنافسة وقد يؤدي إلى نزاعات محلية. تعزز هذه النزاعات المتجددة أو المتفاقمة عدم الاستقرار، مما يجعل معالجة تحديات المناخ والاحتياجات الإنسانية أكثر صعوبة.

1.3 الغرض ونطاق التقرير (1 يناير – 30 يوليو 2025).
يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل شامل ومفصل للظروف الجوية والمناخية وهطول الأمطار وتغطية السحب السائدة في اليمن، وتحديداً خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 يوليو 2025. بالإضافة إلى الملاحظات الجوية، سيعمل التقرير على وضع هذه النتائج ضمن الإطار الأوسع لاتجاهات وتوقعات المناخ طويلة الأجل في اليمن. والأهم من ذلك، سيتعمق التقرير في “التأثيرات المؤلمة” للتغير المناخي على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، والوضع الإنساني، والمشهد الأمني، مع دراسة “المواجهات الضئيلة” أو التحديات الكبيرة التي تواجه تنفيذ تدابير التكيف والتخفيف الفعالة.

2. الظروف الجوية في اليمن (يناير – يوليو 2025)
2.1 تحليل درجات الحرارة: الأنماط والشذوذ
شهدت الفترة من يناير إلى يوليو 2025 تباينات كبيرة في درجات الحرارة عبر مناطق اليمن المختلفة، مما يعكس الطبيعة الجغرافية المتنوعة للبلاد.

يناير 2025: اتسم الشهر عمومًا بظروف معتدلة وجافة. في المكلا (محافظة حضرموت الساحلية)، بلغ متوسط درجة الحرارة 15 درجة مئوية. كان هناك قلق ملحوظ بشأن خطر الصقيع في مرتفعات اليمن، لا سيما في صنعاء وذمار، مما شكل تهديدًا مباشرًا لسبل العيش الزراعية.

فبراير 2025: ظلت الظروف معتدلة وجافة بشكل عام. سجلت إب في المرتفعات متوسط درجة حرارة 17 درجة مئوية. على النقيض، بلغ متوسط درجة الحرارة في الحد (محافظة لحج)، وهي منطقة ساحلية/منخفضة، 19 درجة مئوية.

مارس 2025: كان من المتوقع أن يواجه اليمن الحد الأدنى من الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، مما سيزيد من حدة ظروف الجفاف ويفاقم ندرة المياه. تراوحت درجات الحرارة نهارًا في المناطق الجبلية بين 18-25 درجة مئوية، مع ليالٍ أكثر برودة (10-15 درجة مئوية). شهدت المناطق الساحلية (حجة، الحديدة، تعز) درجات حرارة أكثر دفئًا بين 30-35 درجة مئوية، مصحوبة برطوبة عالية، بينما ارتفعت درجات الحرارة في المناطق الصحراوية الشرقية إلى 33-38 درجة مئوية خلال النهار. بلغ متوسط درجة الحرارة في حريب (محافظة مأرب) 22 درجة مئوية.

أبريل 2025: استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، مع موجات حر متقطعة تؤثر على المناطق الشرقية والساحلية للبحر الأحمر. ومع ذلك، ظلت المناطق الجبلية أكثر اعتدالًا.

مايو 2025: استمرت درجات الحرارة المرتفعة عن المعدل الطبيعي خلال النهار والليل في معظم المحافظات. شهدت المناطق الصحراوية الشرقية (حضرموت، المهرة، مأرب) حرارة شديدة، وصلت إلى 44 درجة مئوية، مما زاد من مخاطر موجات الحر. عانت المناطق الساحلية والمنخفضة (لحج، تعز، عدن، الحديدة) من درجات حرارة عالية جدًا، حيث بلغت ذروتها نهارًا 42 درجة مئوية وليلاً حوالي 29 درجة مئوية. شهدت المناطق الجبلية (صنعاء، إب، تعز) درجات حرارة أكثر اعتدالًا وملاءمة للزراعة، تتراوح بين 31-34 درجة مئوية نهارًا و14-18 درجة مئوية ليلاً.

يونيو 2025: لوحظت درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية على نطاق واسع في شرق اليمن والمناطق الساحلية. واجهت المحافظات الصحراوية الشرقية (حضرموت، المهرة، الجوف) حرارة شديدة مستمرة، حيث تراوحت درجات الحرارة القصوى نهارًا بين 44-47 درجة مئوية في أواخر يونيو. كانت المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وبحر العرب حارة ورطبة (35-40 درجة مئوية نهارًا، >28 درجة مئوية ليلاً)، مما ساهم في استمرار الإجهاد الحراري. ظلت المرتفعات الغربية دافئة بشكل معتدل (28-33 درجة مئوية).

يوليو 2025: كان من المتوقع أن تتحسن الظروف الجوية الزراعية في المرتفعات، مع بقاء درجات الحرارة نهارًا معتدلة بشكل عام (25-30 درجة مئوية) وليالٍ أكثر برودة بشكل ملحوظ. ومع ذلك، استمرت المناطق الصحراوية الشرقية (حضرموت، المهرة) في تجربة درجات حرارة عالية بشكل مستمر، مما يشكل تهديدات خطيرة لسبل العيش الزراعية. كان من المتوقع أن تصل درجات الحرارة القصوى نهارًا على طول البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب إلى قيم متوسطة تبلغ حوالي 42 درجة مئوية. سجلت سنحان (محافظة صنعاء) متوسط درجة حرارة 21 درجة مئوية. سجل مطار عدن 91 درجة فهرنهايت (32.8 درجة مئوية).

تُظهر البيانات المناخية للفترة من يناير إلى يوليو 2025 وجود تباينات إقليمية كبيرة في درجات الحرارة وهطول الأمطار في جميع أنحاء اليمن. وهذا يشير إلى أن تأثيرات المناخ ليست موحدة. فبينما قد تشهد المرتفعات درجات حرارة أكثر اعتدالًا أو بعض الأمطار، تعاني المناطق الساحلية والصحراوية الشرقية في الوقت نفسه من حرارة وجفاف شديدين. وهذا يعني أن كل منطقة تواجه مجموعة مميزة من التحديات المناخية، مما يتطلب استجابات محلية ومصممة خصيصًا تأخذ في الاعتبار الظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بكل منطقة.

الجدول 2.1: متوسط درجات الحرارة الشهرية (يناير-يوليو 2025) للمناطق الرئيسية

2.2 نظرة عامة على الهطول: اتجاهات الأمطار والعجز
اتسمت الفترة من يناير إلى يوليو 2025 بشكل عام بظروف جافة واسعة النطاق وهطول أمطار أقل من المتوسط في العديد من مناطق اليمن.

يناير-فبراير: كانت هذه الأشهر جافة بشكل عام، مع الإبلاغ عن الحد الأدنى أو عدم وجود أمطار في المناطق الساحلية مثل المكلا (0.0 ملم) والحد (0.0 ملم). تلقت إب، الواقعة في المرتفعات، بعض الأمطار المحلية (7.5 ملم في فبراير).

مارس: كان من المتوقع أن تشهد البلاد الحد الأدنى من الأمطار، حيث تتلقى معظم المناطق أقل من 5 ملم، وتشهد المناطق الصحراوية عمليًا عدم وجود أمطار، مما يزيد من تفاقم ندرة المياه. سجلت حريب (محافظة مأرب) 0.6 ملم فقط.

أبريل: بينما شهدت بعض المناطق الجبلية زيادة في شدة الأمطار مقارنة بمارس، حيث تلقت ما يصل إلى 66 ملم، أظهرت البلاد بشكل عام اتجاهات جفاف أوسع نطاقًا مقارنة بالمعدل الطبيعي، مما يشير إلى ظروف شبيهة بالجفاف في المرتفعات الوسطى والجنوبية والمناطق الشرقية. تلقت المغرابة (محافظة حجة) 7.3 ملم.

مايو: استمرت الظروف الجافة واسعة النطاق، خاصة في المرتفعات، مع تركز الأمطار المحلية في المرتفعات الجنوبية، لا سيما في إب. شهدت البلاد بشكل عام عجزًا في الأمطار يتراوح بين -10% و**-20%**.

يونيو: شهد اليمن ظروفًا جافة واسعة النطاق مع الحد الأدنى من الأمطار المحلية، خاصة في المحويت وأجزاء من المرتفعات الوسطى والجنوبية. تلقت معظم المناطق أمطارًا أقل من المتوسط.

يوليو: كان من المتوقع أن تتحسن الظروف الجوية الزراعية في المرتفعات بسبب زيادة الأمطار الموسمية، مع احتمال تجاوز الأمطار التراكمية 60 ملم في مناطق مثل محافظة إب. ومع ذلك، ظلت الأمطار الإجمالية أقل من المتوسط طويل الأجل بنحو 40% في المنطقة. كان من المتوقع أن تكون الأمطار التراكمية في إب وذمار أقل بنسبة 40% من المتوسط طويل الأجل. سجلت سنحان (محافظة صنعاء) 0.0 ملم من الأمطار.

تُظهر البيانات المناخية للفترة من يناير إلى يوليو 2025 أن اليمن قد شهد فترات جفاف طويلة، وعجزًا واسع النطاق في هطول الأمطار، وارتفاعًا في درجات الحرارة. ومع ذلك، فإن السياق الأوسع لنقاط الضعف المناخية في اليمن وتاريخه الحديث يكشف عن نمط من “الدورات القاسية من الجفاف والفيضانات”. وهذا يعني أن المجتمعات تكافح في وقت واحد آثار الجفاف (فشل المحاصيل، ندرة المياه) والفيضانات المفاجئة (تدمير المنازل والبنية التحتية وسبل العيش). هذا التقلب يجعل إدارة المياه والتخطيط الزراعي والتأهب للكوارث أمرًا صعبًا للغاية، حيث يجب على المجتمعات أن تستعد لكلا النقيضين في فترات قصيرة، مما يزيد من ضعفها ويعيق بناء المرونة على المدى الطويل.

تُظهر الملاحظات خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2025 أن تغطية السحب كانت متغيرة، مع تكرار ظواهر جوية مثل العواصف الترابية التي أثرت على جودة الهواء والرؤية.

 

الجدول 2.2: إجمالي هطول الأمطار الشهري (يناير-يوليو 2025) والشذوذ النوعي عن المتوسط طويل الأجل للمناطق الرئيسة

2.3 تغطية السحب والظواهر الجوية (مثل العواصف الترابية)
يناير-فبراير: لوحظت ظروف جافة مستمرة، مع احتمال ضئيل لانتشار الجراد. أشارت بيانات تغطية السحب للمكلا في يناير إلى ظروف صافية بشكل عام.

مارس: كان من المتوقع أن تؤدي الرياح المعتدلة في المناطق الصحراوية اليمنية، لا سيما شمال حضرموت، إلى عواصف ترابية محلية. وعلى الرغم من أن هذه العواصف لم تكن متوقعة أن تشكل مخاطر كبيرة على المجتمعات الزراعية بشكل مباشر، إلا أنها لا تزال تمثل عامل إجهاد بيئي.

مايو: كانت هناك توقعات لتركيزات عالية من الغبار (تصل إلى 2000 ميكروجرام/متر مكعب) في المناطق الصحراوية الشمالية لليمن، كنتيجة لموسم الجفاف. كما أثرت مستويات معتدلة من الغبار على المناطق الساحلية المرتفعة. كان من المتوقع أن تؤدي هذه الأحداث الغبارية، المدفوعة بأنظمة الضغط المنخفض الموسمية والرياح القوية، إلى تقليل الرؤية وجودة الهواء، مما يشكل مخاطر كبيرة على صحة الإنسان والزراعة.

يونيو: كانت الرياح المعتدلة إلى القوية (15-30 كم/ساعة) متوقعة في المناطق الصحراوية الشرقية وخليج عدن. ومن المرجح أن تؤدي هذه الظروف إلى عواصف ترابية محلية، والتي يمكن أن تقلل بشكل كبير من الرؤية وتدهور جودة الهواء.

يوليو: كانت الرياح المعتدلة إلى القوية (20-35 كم/ساعة) متوقعة عبر المناطق الساحلية والصحراوية في اليمن، مما يزيد من احتمالية حدوث عواصف ترابية محلية، لا سيما في المناطق المعرضة للخطر مثل الحديدة، المهرة، مأرب، وتمتد إلى صنعاء. أبلغ مطار عدن عن “عدم وجود سحب مهمة” ولاحظ “رمالًا متطايرة، غبارًا واسع الانتشار، ضبابًا” في عدة أيام من يوليو 2025، مع الإبلاغ عن عواصف رعدية أيضًا. تشكل هذه العواصف الترابية مخاطر صحية (خاصة مشاكل الجهاز التنفسي للسكان الضعفاء) وتعطل طرق النقل.

تُعد العواصف الترابية، على الرغم من كونها ظاهرة طبيعية في المناطق القاحلة، تهديدًا مباشرًا للصحة وسبل العيش في اليمن. فالجفاف المطول والتصحر يؤديان إلى انكشاف التربة وتفككها. ثم تلتقط الرياح القوية، وهي ظاهرة جوية شائعة في اليمن، هذه التربة المتفككة، مما يخلق عواصف ترابية. هذه العواصف تدهور جودة الهواء بشكل كبير، مما يؤدي مباشرة إلى زيادة مشاكل الجهاز التنفسي، خاصة للفئات الضعيفة مثل كبار السن وذوي الحالات الصحية المزمنة. وهذا يفاقم أزمة الصحة العامة في بلد يعاني من انهيار نظام الرعاية الصحية. كما أن انخفاض الرؤية بسبب العواصف الترابية يعطل النقل، مما يعقد الوصول إلى الأسواق للمنتجات الزراعية ويعيق إيصال المساعدات الإنسانية. وهذا يزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي والضائقة الاقتصادية.

2.4 الظواهر الجوية المتطرفة: الجفاف، موجات الحر، والفيضانات المحلية
اتسمت الفترة من يناير إلى يوليو 2025 بظواهر جوية متطرفة، أبرزها الجفاف وموجات الحر، مع حدوث فيضانات محلية مدمرة في بعض الأحيان.

الجفاف: تميزت الفترة من يناير إلى يوليو 2025 بظروف جافة مستمرة وهطول أمطار أقل من المتوسط على نطاق واسع. أدت هذه الظروف إلى إجهاد شديد للمحاصيل والمراعي، وتأخر في الزراعة وانخفاض في الغلات، وتدهور في ظروف الثروة الحيوانية، وزيادة كبيرة في انعدام الأمن الغذائي لملايين الأشخاص في جميع أنحاء البلاد. كما أدى الجفاف إلى تفاقم نقص المياه، مما أجبر على زيادة الاعتماد على إمدادات المياه الجوفية المتناقصة.

موجات الحر: تجاوزت درجات الحرارة باستمرار 40 درجة مئوية في شرق اليمن والمناطق الساحلية خلال يونيو 2025. واجهت المحافظات الصحراوية الشرقية حرارة شديدة مستمرة، حيث تراوحت درجات الحرارة القصوى نهارًا بين 44 درجة مئوية و47 درجة مئوية في أواخر يونيو. كانت المناطق الساحلية حارة ورطبة، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 35 درجة مئوية إلى 40 درجة مئوية خلال النهار. أدت درجات الحرارة المرتفعة هذه إلى زيادة التبخر، مما أدى إلى تقليل رطوبة التربة وإجهاد المحاصيل حتى في المناطق الجبلية الأكثر برودة عادةً. كما تم التنبؤ بحرارة غير طبيعية في الأجزاء الغربية من البلاد في أوائل أغسطس 2025، مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1-4 درجات مئوية فوق المتوسط.

الفيضانات المحلية: بينما كانت السمة المناخية الأساسية للفترة من يناير إلى يوليو 2025 هي الجفاف، تشير الأبحاث إلى أن “الأمطار الغزيرة كانت تضرب المرتفعات المجاورة” مما أدى إلى “فيضان مدمر” على الساحل الغربي لليمن. تسببت هذه الفيضانات في دمار واسع النطاق، حيث ألحقت أضرارًا بأنظمة الري الشمسية، ودفنت الآبار تحت الطين والصخور، وأثرت على سبل العيش، وتسببت بشكل مأساوي في وقوع إصابات ووفيات. كما عطلت هذه الأحداث أنماط هطول الأمطار المعتادة، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة في البلاد. من المهم ملاحظة أن فيضانات كبيرة قد تم الإبلاغ عنها في أغسطس 2024، مما يشير إلى نمط متكرر وشديد من أحداث الهطول المتطرفة التي يمكن أن تتبع فترات جفاف طويلة.

تُظهر الفترة من يناير إلى يوليو 2025، والسياق الأوسع لمناخ اليمن، نمطًا خطيرًا من الظواهر الجوية المتطرفة المتتالية. فالجفاف المطول وموجات الحر تسبب إجهادًا شديدًا للأنظمة الزراعية، وتستنزف موارد المياه، وتدهور التربة. وهذا يترك المجتمعات والنظم البيئية في حالة ضعف وهشاشة. وعندما تحدث أحداث هطول أمطار غزيرة وقصيرة المدة بعد فترات الجفاف هذه، لا تستطيع الأراضي الجافة والمتدهورة امتصاص الماء بفعالية. وهذا يؤدي إلى جريان سطحي سريع وفيضانات مفاجئة مدمرة، بدلاً من تجديد المياه المفيد. تعني هذه الدورة “الجفاف ثم الفيضان” أن المجتمعات في حالة رد فعل مستمرة، وغير قادرة على التعافي من صدمة قبل أن تضربها أخرى. يفقد المزارعون محاصيلهم بسبب الجفاف، ثم يفقدون ما تبقى من بنيتهم التحتية أو منازلهم بسبب الفيضانات. هذا التأثير المركب يمنع التعافي طويل الأجل وبناء المرونة، مما يحبس السكان في حلقة من الضعف المتزايد والاحتياجات الإنسانية. وهذا يؤكد الحاجة إلى استراتيجيات متكاملة للحد من مخاطر الكوارث تأخذ في الاعتبار كلا النقيضين.

3. اتجاهات وتوقعات المناخ طويلة الأجل في اليمن
3.1 التحولات المناخية التاريخية (ارتفاع درجة الحرارة، تقلبات الهطول)
اليمن بلد شبه استوائي قاحل إلى حد كبير، حيث تتحدد درجة الحرارة بشكل أساسي بالارتفاع، وفي المناطق الساحلية، بالمسافة من البحر. يبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية في اليمن ما يزيد قليلاً عن 25 درجة مئوية، مع حدوث الفترة الأكثر دفئًا عادة بين يونيو وأغسطس.

يُعد ارتفاع درجة الحرارة اتجاهًا تاريخيًا مهمًا: فمنذ عام 1971، ارتفعت درجات الحرارة في اليمن بمعدل 0.42 درجة مئوية لكل عقد. يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي حوالي 190 ملم. ومع ذلك، تختلف أنظمة هطول الأمطار اختلافًا كبيرًا في جميع أنحاء البلاد: تتلقى المناطق الساحلية حوالي 80% من أمطارها السنوية خلال فصل الشتاء، بينما تشهد المرتفعات موسمين مميزين للأمطار، وهما الصيف (أبريل-مايو) والخريف (يوليو-سبتمبر). وعادة ما تكون أمطار الخريف عبارة عن أحداث قصيرة ومكثفة.

تاريخيًا، تعرض اليمن لمخاطر مرتبطة بالمناخ تشمل درجات الحرارة القصوى، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، وارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف. وعلى الرغم من أن هذه الظواهر تحدث بشكل طبيعي، فمن المتوقع أن تزداد شدتها وتواترها في ظل المناخ المتغير.

تشير البيانات التاريخية بوضوح إلى أن اليمن كان دائمًا عرضة لمخاطر طبيعية معينة مثل الجفاف والفيضانات ودرجات الحرارة القصوى. إن المناخ القاحل في اليمن واعتماده على الزراعة البعلية يؤسس لضعف أساسي أمام تقلبات المناخ. ويُعد اتجاه الاحترار الملحوظ، حيث ارتفعت درجات الحرارة بمعدل 0.42 درجة مئوية لكل عقد منذ عام 1971، مؤشرًا واضحًا على التغير المناخي. وتذكر الملاحظات “تغير أنماط هطول الأمطار” والطبيعة القصيرة والمكثفة لأمطار الخريف، مما يشير إلى تحول في خصائص الهطول. إن التغير المناخي لا يقدم أنواعًا جديدة تمامًا من المخاطر إلى اليمن، بل يزيد من شدة وتواتر المخاطر القائمة. وهذا يعني أن التحديات التي يواجهها اليمن ليست غريبة، ولكن حجمها وتأثيرها أصبحا لا يمكن التحكم فيهما بسبب هذا التفاقم. وهذا يشير إلى أن آليات التكيف التقليدية أصبحت غير كافية بشكل متزايد، وأن البلاد تواجه تفاقمًا حادًا لنقاط ضعفها البيئية المتأصلة، مما يجعل الاستجابة الإنسانية والتنمية طويلة الأجل صعبة للغاية.

3.2 سيناريوهات المناخ المستقبلية المتوقعة (درجة الحرارة، الهطول، ارتفاع مستوى سطح البحر)
تُشير التوقعات المناخية لليمن إلى تحولات كبيرة في درجات الحرارة وأنماط الهطول وارتفاع مستوى سطح البحر، على الرغم من وجود درجات متفاوتة من عدم اليقين.

توقعات درجات الحرارة: من المتوقع أن يزداد متوسط درجة الحرارة السنوية في اليمن بشكل ملحوظ، بمقدار 1.2-3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060. وتشير التوقعات الإضافية لشذوذ متوسط درجة حرارة الهواء السطحي للفترة 2080-2099 في ظل سيناريوهات الانبعاثات العالية (SSP5-8.5) إلى ارتفاع كبير في درجة الحرارة. على وجه التحديد، تُظهر توقعات الحد الأقصى اليومي لدرجات الحرارة القصوى للفترة 2040-2059 في ظل مسارات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المشتركة (SSPs) زيادات عبر جميع الفصول، حيث تصل بعضها إلى أكثر من 41 درجة مئوية في فترة يونيو-يوليو-أغسطس.

توقعات الهطول: على الرغم من وجود درجة عالية من عدم اليقين، تشير التغيرات المتوقعة في الهطول الموسمي (كنسبة مئوية) للفترة 2040-2059 في ظل SSPs المختلفة إلى زيادات محتملة، لا سيما في مواسم مارس-أبريل-مايو ويونيو-يوليو-أغسطس. وبالمثل، تشير التغيرات المتوقعة في متوسط أكبر هطول ليوم واحد أيضًا إلى زيادات عبر جميع الفصول للفترة 2040-2059. ومع ذلك، فإن هناك تحذيرًا مهمًا يتمثل في “درجة عالية من عدم اليقين بشأن مستقبل مناخ اليمن”، حيث تُظهر النماذج المناخية العالمية عدم يقين كبير على المستويات المحلية والإقليمية بسبب التباين التضاريسي المعقد في البلاد (الصحراء، المرتفعات، السواحل) وتأثير الرياح الموسمية الهندية ومنطقة التقارب المداري.

توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر: تُعرف مدينة عدن الساحلية، التي تعمل كعاصمة مؤقتة، بأنها سادس أكثر المدن ضعفًا في العالم أمام ارتفاع مستوى سطح البحر. يؤدي هذا الارتفاع في مستوى سطح البحر إلى تغلغل المياه المالحة، مما يجعل طبقات المياه الجوفية الساحلية مالحة وغير صالحة للشرب. تتوفر توقعات ارتفاع مستوى سطح البحر في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليمن من تقرير التقييم السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لعام 2021، وتقدم مستويات ثقة مختلفة بناءً على SSPs متنوعة. تاريخيًا، بلغ إجمالي التغير في مستوى سطح البحر من 1993-2024 0.12 مترًا، وكانت “الديناميكا الحرارية” (احترار المحيطات والتيارات) هي المساهم الأكبر. تشير التوقعات المستقبلية إلى استمرار الارتفاع، متأثرًا بالذوبان المستمر للجليد والتوسع الحراري وحركة الأرض العمودية.

على الرغم من أن النماذج المناخية تقدم توقعات واضحة لزيادات درجات الحرارة واتجاهات عامة للهطول وارتفاع مستوى سطح البحر، فإن الملاحظات تؤكد مرارًا وتكرارًا “درجة عالية من عدم اليقين بشأن مستقبل مناخ اليمن”. هذا عدم اليقين يجعل التخطيط الدقيق وطويل الأجل للتكيف مع المناخ صعبًا للغاية. فمن الصعب تصميم بنية تحتية محددة أو استراتيجيات زراعية عندما تكون أنماط المناخ المستقبلية الدقيقة (مثل مكان وزمان هطول الأمطار) غير واضحة. وهذا الوضع يستدعي التركيز على خيارات التكيف التي لا تندم عليها – وهي التدابير التي تكون مفيدة بغض النظر عن أنماط المناخ المستقبلية الدقيقة. وعادة ما تتضمن هذه الخيارات تعزيز الأنظمة الأساسية مثل إدارة المياه والزراعة. وهذا يعني الحاجة إلى أطر حوكمة وسياسات مرنة وقابلة للتكيف يمكنها التكيف مع أنماط المناخ الناشئة بدلاً من السياسات الصارمة والمحددة بناءً على توقعات غير مؤكدة.

3.3 نظرة عامة على المخاطر الرئيسية المرتبطة بالمناخ
يواجه اليمن مجموعة من المخاطر المرتبطة بالمناخ، بما في ذلك درجات الحرارة القصوى، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، وارتفاع مستوى سطح البحر، والجفاف. تشير التوقعات إلى أن فترات الجفاف الطويلة، والجفاف الشديد، والتصحر ستظل تشكل تهديدات كبيرة. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أيضًا حدوث فيضانات مفاجئة، وعواصف شديدة، وتزايد ندرة المياه، مما يسلط الضوء على التحدي المزدوج المتمثل في قلة المياه وكثرتها. إن المناخ القاحل إلى شبه القاحل المتأصل في البلاد، إلى جانب أنماط هطول الأمطار المتغيرة عبر مناطقها المتنوعة، يجعلها عرضة بشكل استثنائي لهذه المخاطر.

تصف الملاحظات باستمرار التغير المناخي بأنه “يفاقم نقاط الضعف”، و”يهدد سبل العيش”، و”يؤثر على النزاعات القائمة”. يعاني اليمن بالفعل من نقاط ضعف عميقة الجذور بسبب الصراع والانهيار الاقتصادي وضعف الحوكمة. التغير المناخي لا يقدم مشاكل جديدة تمامًا، بل يزيد من حدة وتعقيد هذه التحديات القائمة. على سبيل المثال، ندرة المياه مشكلة قائمة منذ فترة طويلة، لكن التغير المناخي يجعلها أكثر شدة وتواترًا. وتترابط التأثيرات: فالجفاف يؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي، مما يفاقم النزوح، الذي يرهق الخدمات، وهكذا دواليك. يعمل التغير المناخي كمحفز في هذا النظام المعقد. وهذا يعني أن العمل المناخي في اليمن لا يمكن عزله كجهد بيئي بحت. يجب أن يكون متكاملاً بعمق في الجهود الإنسانية والتنموية الأوسع نطاقًا، ومعالجة الهشاشة الكامنة والقضايا النظامية التي تجعل السكان عرضة جدًا للصدمات المناخية. فمعالجة التغير المناخي بمعزل عن غيره ستكون غير فعالة، حيث أن آثاره مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأزمة المتعددة الأوجه التي تمر بها البلاد.

4. التأثيرات المترابطة: التغير المناخي، الأزمة الإنسانية، والصراع في اليمن
4.1 تدهور سبل العيش وانعدام الأمن الغذائي الحاد
لقد أدت الضغوط المرتبطة بالمناخ، بما في ذلك الجفاف الشديد، والفيضانات المدمرة، والارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة، إلى تدهور عميق في ظروف سبل العيش، لا سيما في القطاع الزراعي. وقد أسفرت الظروف الجوية السيئة التي لوحظت في يونيو 2025 عن تدهور واسع النطاق في صحة الغطاء النباتي وإجهاد مائي حاد في الزراعة، خاصة في المحافظات الجبلية التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة البعلية.

إن تضافر الظروف الحارة والجافة، إلى جانب تأخر الأمطار وانخفاضها عن المعدل الطبيعي من مارس إلى يونيو 2025، أدى إلى إجهاد كبير للمحاصيل والمراعي، مما أدى إلى تقليل أنشطة الزراعة وانخفاض الغلات. كما أدى ذلك إلى تفاقم ظروف الثروة الحيوانية وزيادة كبيرة في انعدام الأمن الغذائي لملايين الأشخاص في جميع أنحاء البلاد. وبالمثل، تسبب الجفاف الشديد في عام 2024 في إجهاد غلات المحاصيل وتقليل الإنتاجية الزراعية، مما أجبر العديد من المزارعين على تعليق عملهم أو اللجوء إلى زيادة ضخ الآبار، مما أدى إلى تدهور إضافي في استدامة موارد المياه على المدى الطويل. وعلى النقيض، أدت الفيضانات، عند حدوثها، إلى إتلاف مساحات زراعية واسعة، مما أدى إلى خفض إنتاج الغذاء بشكل كبير ورفع أسعار السلع الأساسية.

يتمثل التأثير التراكمي في انعدام الأمن الغذائي الحاد: حيث يعاني ما يقدر بنحو 17.1 مليون شخص من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع وجود 5 ملايين على شفا المجاعة. ومن المتوقع أن يزداد هذا الوضع خطورة بين سبتمبر 2025 وفبراير 2026، حيث يُتوقع أن يصل ما يقدر بنحو 18.1 مليون شخص إلى مستويات الأزمة أو أسوأ.

يعتمد القطاع الزراعي في اليمن بشكل أساسي على الأساليب التقليدية والزراعة البعلية، مما يجعله عرضة بشكل خاص لتقلبات المناخ. تُظهر البيانات المناخية لعام 2025 بوضوح الظروف الجافة المستمرة، وانخفاض هطول الأمطار عن المعدل الطبيعي، والحرارة المنتشرة. تؤدي هذه الظروف مباشرة إلى “تدهور واسع النطاق في صحة الغطاء النباتي وإجهاد مائي حاد في الزراعة”، مما يؤدي إلى “تأخر الزراعة”، و”إجهاد المحاصيل والمراعي”، وفي النهاية “انخفاض الغلات”. وعندما تحدث الفيضانات، فإنها تدمر البنية التحتية الحيوية للري، مما يزيد من شل القدرة الزراعية. ويترجم هذا الانهيار المنهجي للقطاع الزراعي مباشرة إلى “زيادة انعدام الأمن الغذائي”، مما يؤثر على ملايين الأشخاص الذين يعتمدون على الإنتاج الغذائي المحلي.

4.2 ديناميكيات الهجرة والنزوح الناجمة عن المناخ
لقد أدى الصراع الطويل، إلى جانب الكوارث المرتبطة بالمناخ مثل الجفاف والفيضانات المفاجئة، والنقص الحاد في المياه، إلى تفاقم الهجرة القسرية والنزوح الداخلي داخل اليمن بشكل كبير. يُقدر أن 4.5 مليون شخص، يمثلون 14% من إجمالي السكان، نازحون حاليًا داخل اليمن، وقد تعرض عدد كبير منهم لعمليات نزوح متعددة على مدى عدة سنوات. وهذا يضع اليمن ضمن أكبر ست أزمات نزوح داخلي على مستوى العالم.

غالبًا ما يُجبر النازحون داخليًا على العيش في مناطق خطرة أو معرضة للفيضانات، حيث يواجهون مواردًا محدودة ونقصًا حادًا في الخدمات الأساسية، بما في ذلك الغذاء والمياه والصرف الصحي. يؤدي تدفق النازحين والمهاجرين إلى المجتمعات المضيفة إلى زيادة الضغط على الموارد المحدودة بالفعل مثل الغذاء والمأوى والمياه والطاقة والرعاية الصحية. ويمكن أن يؤثر هذا التنافس المتزايد سلبًا على التماسك الاجتماعي ويساهم في النزاعات المحلية.

النزوح في اليمن ظاهرة معقدة، مدفوعة بالضغوط المزدوجة للصراع والتغير المناخي. فبينما يُعد الصراع محركًا أساسيًا، فإن الصدمات المرتبطة بالمناخ (الجفاف والفيضانات) تدفع بشكل متزايد الناس إلى مغادرة منازلهم من خلال تدمير سبل العيش وجعل المناطق غير صالحة للسكن. هذه الضغوط المزدوجة تُعيد تشكيل الجغرافيا البشرية بنشاط، مما يؤدي إلى نزوح داخلي واسع النطاق (4.5 مليون شخص). وغالبًا ما يُدفع السكان النازحون، وهم بالفعل ضعفاء، إلى مناطق هامشية ومعرضة للخطر (مثل المخيمات المعرضة للفيضانات). وهذا يخلق حلقة مفرغة حيث تؤدي تأثيرات المناخ إلى النزوح، والنزوح بدوره يزيد من الضعف أمام صدمات المناخ المستقبلية. كما أن وصول أعداد كبيرة من النازحين يضع ضغطًا هائلاً على الموارد والخدمات المحدودة بالفعل في المجتمعات المضيفة. ويمكن أن يؤدي هذا التنافس المتزايد على الموارد إلى تفاقم التوترات الاجتماعية القائمة والمساهمة في نزاعات محلية جديدة، مما يحول الأزمات الإنسانية إلى تحديات أمنية.

4.3 تفاقم ندرة المياه والنزاعات القائمة على الموارد
يواجه اليمن نقصًا مزمنًا في المياه، حيث يتجاوز معدل استهلاك المياه بشكل كبير معدل تجديدها. وتقترب آبار المياه التي تغذي المدن الكبرى مثل صنعاء من الجفاف. لقد أدى التغير المناخي والتدهور البيئي بشكل مباشر إلى تفاقم ندرة المياه، مما أدى إلى زيادة النزاعات المرتبطة بهذا المورد الحيوي. وقد أدت عوامل مثل تدهور خصوبة التربة، وتآكل التربة، والتصحر، وعدم المساواة في الوصول إلى موارد المياه إلى نشوب نزاعات حول حقوق الأرض والمياه.

شهد اليمن ارتفاعًا كبيرًا في النزاعات القبلية على موارد المياه الجوفية المتنازع عليها، لا سيما فيما يتعلق بمشاريع الري التي تعتمد على المياه الجوفية. في عام 2010، قدرت الحكومة اليمنية أن حوالي 4000 شخص قتلوا سنويًا بسبب النزاعات المتعلقة بالمياه أو الأراضي. وقد ساهم ضعف أنظمة حوكمة المياه والموارد الطبيعية في التدهور الشديد للمياه الجوفية والحفر غير القانوني غير المنظم، والذي غالبًا ما يستفيد منه الأغنياء وبعض الجمعيات الزراعية.

تمثل الزراعة نسبة هائلة تتراوح بين 90-95% من سحب المياه في اليمن. ومن المساهمين الرئيسيين في ذلك زراعة القات (Catha edulis)، وهو نبات مخدر خفيف ذو قيمة سوقية عالية، يستهلك أكثر من 40% من موارد المياه المتجددة في اليمن وأكثر من ربع (32%) إجمالي المياه الجوفية في البلاد.

ندرة المياه في اليمن قضية حرجة، تفاقمت بفعل التغير المناخي (الجفاف،) وسوء الإدارة البشرية (الاستخراج المفرط،). فالجفاف المتزايد يقلل من تجديد المياه الجوفية والسطحية، مما يدفع السكان إلى الاعتماد بشكل أكبر على الاستخراج المفرط للمياه الجوفية. هذا الاستنزاف يؤدي إلى تدهور نوعية المياه وتملحها في المناطق الساحلية. وفي بيئة تعاني من ضعف الحوكمة، تتحول ندرة المياه إلى نقطة اشتعال للنزاعات، خاصة بين القبائل والمجتمعات. إن زراعة القات، التي تستهلك كميات هائلة من المياه، تزيد من هذا الضغط، وتُعد مثالاً صارخًا على السياسات الزراعية غير المستدامة. وهذا يؤكد أن أزمة المياه ليست مجرد تحدٍ بيئي، بل هي عامل رئيسي يغذي عدم الاستقرار والصراع، ويكشف عن فشل عميق في أنظمة إدارة الموارد، مما يتطلب تدخلات عاجلة لمعالجة كل من الجفاف وسوء الإدارة.

4.4 الأثر على الصحة العامة والأمن البشري
تتجاوز تأثيرات التغير المناخي مجرد الظواهر الجوية، لتطال بشكل مباشر الصحة العامة والأمن البشري في اليمن، مما يفاقم أزمة إنسانية متجذرة.

تفاقم الأزمات الصحية: تُعد معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال في اليمن من بين الأعلى عالميًا، حيث تحتاج 1.4 مليون امرأة حامل أو مرضع إلى علاج لسوء التغذية الحاد. يموت الأطفال بمعدلات مرتفعة بشكل متزايد بسبب الأمراض التي يمكن الوقاية منها وسوء التغذية، حيث تشير اليونيسف إلى أن واحدًا من كل طفلين دون سن الخامسة في اليمن يعاني من سوء التغذية. وتساهم خدمات الرعاية الصحية المنهارة في هذه الأزمات الصحية.

تدهور جودة الهواء ومخاطر الجهاز التنفسي: يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الغبار، المرتبطان غالبًا بظروف الجفاف، إلى تفاقم المشاكل الصحية، خاصة لكبار السن وذوي أمراض الجهاز التنفسي. وتُظهر بيانات 2025 توقعات لتركيزات عالية من الغبار في المناطق الصحراوية الشمالية، مما يقلل من الرؤية وجودة الهواء، ويشكل مخاطر صحية كبيرة.

انتشار الأمراض المنقولة بالمياه: أدت الحرب الطويلة في اليمن إلى تدمير البنية التحتية للمياه، مما فاقم التلوث والنقص. وقد وثقت أكثر من 1.9 مليون حالة محتملة من الكوليرا منذ عام 2017 نتيجة لتدمير أنظمة الصرف الصحي. وقد أبرزت تفشيات الإسهال المائي الحاد والكوليرا في عام 2024 الحاجة الملحة لدعم إضافي للمرافق الصحية التي تعاني من نقص الموارد ولأنشطة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والبنية التحتية، خاصة في مواقع النزوح المكتظة وعلى طول طرق الهجرة.

تأثيرات على الفئات الضعيفة: تتحمل النساء والأطفال العبء الأكبر من الأزمة. فبالإضافة إلى النزوح، تُجبر النساء والفتيات على تحمل مسؤولية إعالة أسرهن بينما يواجهن عدم المساواة، ومحدودية الوصول إلى الخدمات، وعوائق متعددة بسبب الأعراف الاجتماعية والثقافية المتأصلة. ويواجهن مخاطر متزايدة من المجاعة، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستغلال، والزواج المبكر.

تُبرز هذه التحديات أن التغير المناخي لا يقتصر على كونه تهديدًا بيئيًا، بل هو عامل رئيسي في تفاقم الأزمات الإنسانية القائمة. فالمخاطر الصحية تتضاعف في ظل انهيار الخدمات، وتُصبح الفئات الأكثر ضعفًا هي الأكثر تضررًا، مما يستدعي استجابة إنسانية شاملة تأخذ في الاعتبار هذه الروابط المعقدة.

5. تحديات المواجهة: التكيف والتخفيف في سياق يمني معقد
5.1 ضعف القدرة المؤسسية ونقص الموارد
يواجه اليمن تحديات كبيرة في تنفيذ تدابير التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي، ويعود ذلك في المقام الأول إلى ضعف القدرة المؤسسية ونقص الموارد.
القيود المالية: في معظم البلدان النامية، بما في ذلك اليمن، تُعد ندرة الموارد والحاجة إلى التركيز على المشاريع ذات الأولوية والبنى التحتية غير المكتملة قضية رئيسية تواجه صانعي القرار. غالبًا ما لا تستطيع الحكومات توفير الميزانية المطلوبة لتنفيذ تدابير التخفيف المقترحة، خاصة إذا لم تُحقق فوائد قصيرة الأجل.

نقص البيانات والأبحاث: تُعد الدراسات التفصيلية المتعلقة بالتغير المناخي وإدارة الموارد الطبيعية قليلة في اليمن بسبب نقص البيانات المرصودة طويلة الأجل حول درجات الحرارة وهطول الأمطار. كما أن هناك نقصًا في الميزانيات المخصصة للبحوث الميدانية، مما يحد من القدرة على إجراء دراسات شاملة.
ضعف التنسيق: يوجد ضعف في التنسيق بين الحكومة والوكالات البحثية، مما يعيق الجهود المتكاملة.
غياب دور القطاع الخاص: دور القطاع الخاص في معالجة قضايا التغير المناخي غائب إلى حد كبير.

الاضطرابات السياسية والأمنية: تُعيق الاضطرابات السياسية والأمنية المتكررة الجهود الرامية إلى تنفيذ استراتيجيات طويلة الأجل.
عدم اليقين في التوقعات المناخية: أفكار اختيار وتنفيذ أفضل طرق التكيف أو التخفيف غير مؤكدة وقد تختلف من مكان لآخر بسبب المستوى العالي من عدم اليقين في النماذج المناخية العالمية على المستويات المحلية والإقليمية.

تُظهر هذه التحديات أن القدرة المؤسسية الضعيفة ونقص الموارد في اليمن لا يمثلان مجرد عوائق أمام العمل المناخي، بل هما انعكاس لأزمة حوكمة أوسع نطاقًا. فغياب التنسيق، وعدم وجود التمويل اللازم للأبحاث، والاضطرابات المستمرة، كلها عوامل تمنع بناء القدرة على التكيف والتخطيط للمستقبل. وهذا يعني أن أي استجابة فعالة للتغير المناخي يجب أن تبدأ بمعالجة هذه المشاكل الهيكلية الأساسية، وإلا فإن الجهود ستظل مجزأة وغير كافية.

5.2 تحديات التكيف في الزراعة وإدارة المياه
يواجه قطاعا الزراعة والمياه في اليمن تحديات هائلة في التكيف مع التغيرات المناخية، تفاقمها ممارسات قديمة ونقص في الاستثمار.

الزراعة التقليدية: يُوصف القطاع الزراعي في اليمن بأنه تقليدي، ويعتمد بشكل أساسي على الأساليب البدائية وتيارات الأمطار، مما يجعله عرضة للتغيرات المناخية الشديدة مثل الجفاف والفيضانات. أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في اليمن تعتمد على الزراعة البعلية.

استنزاف المياه الجوفية: تعتمد الأراضي الزراعية المتبقية على الري من مصادر المياه الجوفية المحدودة، والتي تتناقص بسرعة بسبب الاستخراج المفرط ومعدلات التغذية غير الكافية. لم تُنظم حقوق ملكية واستخدام المياه الجوفية في اليمن منذ أواخر الستينيات، مما أدى إلى حفر غير قانوني غير منظم، خاصة في المناطق الريفية، مما يفيد الأغنياء وبعض الجمعيات الزراعية.

مقاومة أنظمة الري الحديثة: لم تُحقق الحقول التجريبية لأنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط نجاحًا في المدرجات الزراعية الضيقة بسبب الفيضانات المتكررة، والاختلافات في مستويات سطح التربة، ومتطلبات الصيانة، وتكاليف التشغيل، وصغر الحيازات الزراعية.

تدهور الممارسات التقليدية: بدأت العديد من الممارسات التقليدية، مثل الزراعة الحراجية، والزراعة البينية، والحفاظ على البذور الأصلية، في الاختفاء بسبب عوامل مثل الهجرة إلى المدن بحثًا عن فرص عمل.
عبء صيانة المدرجات: تُعد صيانة المدرجات الزراعية، على الرغم من فعاليتها، مهمة صعبة ومكلفة للمزارعين، خاصة في المناطق ذات التضاريس المعقدة، حيث تتعرض المدرجات بشكل متكرر للجريان السطحي والتآكل.

تفتت الأراضي: أدى تقسيم الأراضي الزراعية الصغيرة إلى حيازات أصغر للمورثين وأفراد العائلات الكبيرة إلى تدهور زراعي، مما جعل الزراعة لم تعد المصدر الرئيسي للدخل للكثيرين.

تفضيل المحاصيل ذات العائد السريع: يقتصر أولوية العمل الزراعي ونوع الزراعة على العوائد قصيرة الأجل وعلى مستوى الحقل، متأثرة بالسوق المحلي. على سبيل المثال، يستمر المزارعون في زراعة القات بسبب عوائده الأسرع والأكثر ربحية، على الرغم من الدعوات للسيطرة عليه.

تُظهر هذه التحديات أن القطاعين الزراعي والمائي في اليمن يواجهان ضغوطًا هائلة من التغير المناخي، لكن قدرتهما على التكيف تُعيقها عوامل هيكلية عميقة. فالاعتماد على أساليب زراعية قديمة، والاستنزاف غير المنظم للمياه الجوفية، ومقاومة الابتكارات، وتدهور الممارسات التقليدية، كلها عوامل تزيد من هشاشة القطاع. وهذا يشير إلى أن أي استراتيجية تكيف يجب أن تتجاوز مجرد تقديم حلول تقنية، لتشمل معالجة قضايا الحوكمة، وتمكين المجتمعات المحلية، وتغيير السلوكيات، وتوفير حوافز اقتصادية مستدامة لدعم التحول نحو ممارسات زراعية ومائية أكثر مرونة.

5.3 الحوكمة والنزاعات: عوائق أمام الاستجابة المناخية
تُعد الحوكمة الضعيفة والنزاعات المستمرة عوائق رئيسية أمام قدرة اليمن على الاستجابة بفعالية للتغير المناخي، مما يزيد من تعقيد الأزمة.
تدهور أنظمة الحوكمة: أدت أنظمة حوكمة المياه والموارد الطبيعية الضعيفة إلى تدهور المياه الجوفية، مما يزيد من خطر التنافس بين القبائل والمجتمعات على الوصول إلى المياه في ظل المناخ المتغير.
تفاقم النزاعات: أصبح الصراع بين المجتمعات على المياه والأراضي أكثر فتكًا وتداخلاً مع ديناميكيات الحرب الأهلية. وقد تدهورت آليات حل النزاعات التقليدية والمحلية بسبب الصراع المسلح وتهميش النخب السياسية المركزية.

استغلال الموارد من قبل الجهات المسلحة: مع تأثير التغير المناخي على توافر الموارد الطبيعية، تُكيف الجماعات المسلحة تكتيكاتها، ويمكن أن يؤدي التنافس على الموارد الشحيحة إلى صراع عنيف. وقد تصاعدت الهجمات على البنية التحتية البيئية الحيوية، أو القتال للسيطرة عليها، حيث يزيد التغير المناخي الضغط على الموارد الطبيعية، مما يعزز النفوذ المكتسب من السيطرة على هذه البنية التحتية.

الألغام الأرضية والفيضانات: اليمن ملوث بشدة بالألغام الأرضية ومخلفات الحرب المتفجرة بسبب الصراع الطويل. وقد تسببت الأمطار الغزيرة والفيضانات المفاجئة في عام 2022 في انجراف هذه المتفجرات إلى الطرق والمناطق المدنية، مما أدى إلى إصابات ووفيات وزيادة الضغط على القطاع الزراعي.

غياب التخطيط الشامل: أدى التوسع العمراني وغياب التخطيط المناسب إلى فقدان الأراضي الزراعية الخصبة وسد مجاري السيول والأودية، مما يفاقم مشاكل الأمن الغذائي ويزيد من تواتر الفيضانات.
تُظهر هذه العوائق أن التغير المناخي في اليمن ليس مجرد مشكلة بيئية، بل هو جزء لا يتجزأ من أزمة حوكمة وصراع أوسع. فضعف الأنظمة، وتفاقم النزاعات على الموارد، واستغلال الجهات المسلحة، وغياب التخطيط، كلها عوامل تمنع أي استجابة متماسكة وفعالة. وهذا يعني أن بناء المرونة المناخية في اليمن يتطلب بالضرورة معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتعزيز الحوكمة الرشيدة للموارد، وإعادة بناء الثقة بين المجتمعات، لتمكين البلاد من مواجهة تحدياتها البيئية والإنسانية المعقدة.

6. الخاتمة
يُظهر التحليل الشامل للظروف المناخية في اليمن خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2025، ضمن السياق الأوسع للاتجاهات المناخية طويلة الأجل، صورة قاتمة لبلد يواجه أزمة متعددة الأوجه. لقد أدت الظروف الجافة المستمرة، وارتفاع درجات الحرارة، وتناقص هطول الأمطار عن المعدلات الطبيعية، إلى تفاقم شديد في ندرة المياه وتدهور الأراضي، مما أثر بشكل مباشر على سبل العيش، خاصة في القطاع الزراعي الذي يُعد العمود الفقري للاقتصاد اليمني.

تُعد اليمن، بطبيعتها القاحلة وصراعاتها المستمرة، من أكثر الدول ضعفًا أمام التغيرات المناخية. فالتغير المناخي لا يقدم تحديات جديدة تمامًا، بل يزيد من حدة وتواتر المخاطر القائمة مثل الجفاف والفيضانات وموجات الحر. وقد أدت هذه الظواهر الجوية المتطرفة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 إلى تدهور حاد في صحة الغطاء النباتي، وإجهاد مائي شديد في الزراعة، مما أدى إلى تأخر الزراعة وانخفاض الغلات، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي لملايين الأشخاص.

إن تأثيرات التغير المناخي تتجاوز الجانب البيئي لتطال بشكل مباشر النسيج الاجتماعي والاقتصادي والأمني. فقد أدت ندرة المياه وتدهور سبل العيش إلى تفاقم النزوح الداخلي، حيث يُجبر ملايين الأشخاص على مغادرة منازلهم، مما يضع ضغطًا هائلاً على المجتمعات المضيفة ويزيد من حدة التوترات الاجتماعية والنزاعات على الموارد الشحيحة. كما أن العواصف الترابية المتزايدة تزيد من المخاطر الصحية، خاصة لأمراض الجهاز التنفسي، في بلد يعاني من انهيار خدمات الرعاية الصحية.

تُعيق التحديات الهيكلية العميقة، بما في ذلك ضعف القدرة المؤسسية، ونقص الموارد، والنزاعات المستمرة، قدرة اليمن على تنفيذ تدابير التكيف والتخفيف الفعالة. فالحوكمة الضعيفة للموارد المائية، والممارسات الزراعية غير المستدامة، واستغلال الموارد من قبل الجهات المسلحة، كلها عوامل تزيد من هشاشة البلاد وتمنع بناء المرونة المناخية.

لذلك، فإن الاستجابة لأزمة المناخ في اليمن لا يمكن أن تكون مجرد تدخلات بيئية منعزلة. بل تتطلب نهجًا متكاملًا وشاملًا يربط بين المساعدة الإنسانية العاجلة وجهود التنمية المستدامة، مع التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للضعف والصراع. يجب أن تُصمم التدخلات لتكون خاصة بالسياق الإقليمي، مع الأخذ في الاعتبار التباينات الجغرافية والمناخية والاجتماعية في جميع أنحاء البلاد. إن بناء المرونة المناخية في اليمن يتطلب تعزيز الحوكمة الرشيدة للموارد، ودعم الممارسات الزراعية المستدامة، وتمكين المجتمعات المحلية، وتوفير آليات فعالة لحل النزاعات، لتمكين البلاد من مواجهة التحديات المناخية والإنسانية المعقدة التي لا تزال تؤثر بشكل مؤلم على سكانها.

7-المصادر المقتبَس منها:
. 1. IOM Yemen: MIGRATION, ENVIRONMENT AND CLIMATE CHANGE …, https://yemen.un.org/en/297576-iom-yemen-migration-environment-and-climate-change-yemen
2. Yemen, Rep. – Vulnerability | Climate Change Knowledge Portal, https://climateknowledgeportal.worldbank.org/country/yemen-rep/vulnerability
3. Climate, Peace and Security Fact Sheet: Yemen 2023 – SIPRI, https://www.sipri.org/sites/default/files/2023-06/2023_sipri-nupi_fact_sheet_yemen_june.pdf
4. Yemen Crisis Explained – USA for UNHCR, https://www.unrefugees.org/news/yemen-crisis-explained/
5. Yemen | Global Humanitarian Overview 2025, https://humanitarianaction.info/document/global-humanitarian-overview-2025/article/yemen-2
6. Potential of Traditional Adaptation Measures in Mitigating the Impact …, https://www.mdpi.com/2071-1050/15/21/15442
7. Governance of Climate Change in Yemen – United Nations Development Programme, https://www.undp.org/sites/g/files/zskgke326/files/migration/ye/UNDP-YEM-Governance-of-Climate-Change-in-Yemen.pdf
8. From Palms to Sands: How Climate Change Is Destroying Green …, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/palms-sands-how-climate-change-destroying-green-yemen
9. Environmental issues in Yemen – Wikipedia, https://en.wikipedia.org/wiki/Environmental_issues_in_Yemen
10. REPORT ON MIGRATION, ENVIRONMENT, AND CLIMATE CHANGE IN YEMEN – IOM MENA, https://mena.iom.int/resources/desk-review-country-report-migration-environment-and-climate-change-yemen
11. Average temperature, wind and rain in Al Mukalla, Yemen for january – PredictWind, https://www.predictwind.com/weather/yemen/hadhramaut-governorate/al-mukalla/january?year=2025
12. YEMEN JOINT MONITORING REPORT – ACAPS, https://www.acaps.org/fileadmin/Data_Product/Main_media/20250131_ACAPS_Yemen_joint_monitoring_report_issue_7_.pdf
13. Average temperature, wind and rain in Ibb, Yemen for february – PredictWind, https://www.predictwind.com/weather/yemen/ibb-governorate/ibb/february
14. Average temperature, wind and rain in Al Had, Yemen for february – PredictWind, https://s18004.pcdn.co/weather/yemen/lahij-governorate/al-had/february
15. Agrometeorological Early Warning Bulletin (11 –
20 March 2025) [EN/AR] – Yemen, https://reliefweb.int/report/yemen/agrometeorological-early-warning-bulletin-11-20-march-2025-enar
16. Average temperature, wind and rain in Ḩarīb, Yemen for march – PredictWind, https://www.predictwind.com/weather/yemen/marib-governorate/arb/march
17. Yemen Agrometeorological Update: Food Security and Early Warning Information System (01 – 30 April 2025) [EN/AR] – ReliefWeb, https://reliefweb.int/report/yemen/yemen-agrometeorological-update-food-security-and-early-warning-information-system-01-30-april-2025-enar
18. Agrometeorological Early Warning Bulletin (21 – 31 May 2025) [EN/AR] – Yemen | ReliefWeb, https://reliefweb.int/report/yemen/agrometeorological-early-warning-bulletin-21-31-may-2025-enar
19. Yemen Agrometeorological Update: Food Security and Early Warning Information System (01 – 31 May 2025) [EN/AR] – ReliefWeb, https://reliefweb.int/report/yemen/yemen-agrometeorological-update-food-security-and-early-warning-information-system-01-31-may-2025-enar
20. Yemen Agrometeorological Update: Food Security and Early …, https://reliefweb.int/report/yemen/yemen-agrometeorological-update-food-security-and-early-warning-information-system-01-30-june-2025-enar
21. Agrometeorological Early Warning Bulletin (21 – 30 June 2025) [EN/AR] – Yemen, https://reliefweb.int/report/yemen/agrometeorological-early-warning-bulletin-21-30-june-2025-enar
22. Agrometeorological Early Warning Bulletin (01 – 10 July 2025) [EN/AR] – Yemen – ReliefWeb, https://reliefweb.int/report/yemen/agrometeorological-early-warning-bulletin-01-10-july-2025-enar
23. Average temperature, wind and rain in Sanhan, Yemen for july – PredictWind, https://www.predictwind.com/weather/yemen/sanaa-governorate/sanhan/july
24. July 2025 Weather History at Aden Airport Yemen, https://weatherspark.com/h/m/148811/2025/7/Historical-Weather-in-July-2025-at-Aden-Airport-Yemen
25. Yemen, Rep. – Climatology – World Bank Climate Change Knowledge Portal, https://climateknowledgeportal.worldbank.org/country/yemen-rep/climate-data-historical
26. Yemen: Water situation worsens amid scant rains – Norwegian Refugee Council (NRC), https://www.nrc.no/news/2025/july/yemen-water-situation-worsens-amid-scant-rains
27. Average temperature, wind and rain in Al Maghrabah, Yemen for april – PredictWind, https://predictwind.com/weather/yemen/hajjah-governorate/al-maghrabah/april?year=2025
28. Life-saving aid critical as torrential rain sparks deadly floods across Yemen [EN/AR], https://reliefweb.int/report/yemen/life-saving-aid-critical-torrential-rain-sparks-deadly-floods-across-yemen-enar
29. Flooding in Yemen’s West Coast: Devastating Impact on Lives and Livelihoods – IOM MENA, https://mena.iom.int/stories/flooding-yemens-west-coast-devastating-impact-lives-and-livelihoods
30. Acute malnutrition and food insecurity in Yemen, 2021: Evidence from a two-stage cluster randomised survey in a protracted crisis – PMC, https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles/PMC12250524/
31. 2025-HAC-Yemen.pdf – Unicef, https://www.unicef.org/media/165851/file/2025-HAC-Yemen.pdf
32. Climate Prediction Center’s Yemen Hazards Outlook For USAID / FEWS-NET 07 August – NOAA, https://www.cpc.ncep.noaa.gov/products/international/yemen_rfe/yemen_hazard.pdf
33. Yemen, Rep. – Mean Projections Expert | Climate Change Knowledge Portal, https://climateknowledgeportal.worldbank.org/country/yemen-rep/climate-data-projections
34. Yemen Assessing the Impacts of Climate Change and Variability on the Water and Agricultural Sectors and the Policy Implications, https://research.fit.edu/media/site-specific/researchfitedu/coast-climate-adaptation-library/middle-east/arabian-peninsula/World-Bank.–2010.–Yemen—Assessing-the-Impacts-of-CC.pdf
35. Shared crisis, different impact | United Nations Development Programme, https://www.undp.org/arab-states/stories/shared-crisis-different-impact
36. Yemen Crisis Response Plan 2025, https://crisisresponse.iom.int/response/yemen-crisis-response-plan-2025

Loading

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

تقرير: التضليل المناخي يحول الأزمة إلى كارثة

يقول باحثون إن الادعاءات الكاذبة تعيق العمل المناخي، وسط دعوات لتجريم الأكاذيب المناخية يقول مؤلفو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *