من التعليم إلى التمكين… حين تتحول المعرفة إلى طاقة للتغيير

مدرسة المناخ النسائية في مراكش – آسفي: نموذج رائد لقيادة النساء في العمل المناخي

شبكة بيئة ابوظبي، المملكة المغربية، 25 أكتوبر 2025
في عالمٍ تتسارع فيه تداعيات التغير المناخي، لم تعد المواجهة ممكنة دون إشراك النساء كقائدات في الصفوف الأولى. هذا ما أدركه مبكرًا مركز التنمية لجهة تانسيفت (CDRT) في المغرب، حين أطلق خلال سنة 2025 مبادرة نوعية تحت عنوان:
«مدرسة المناخ النسائية: الحلول الجديدة والمبتكرة لتخفيف آثار تغير المناخ وزيادة قدرة المرأة على التكيف»، بدعم من صندوق المنح الخضراء العالمي (GGF)، وبشراكة مع مؤسسات وطنية وجهوية، ضمن رؤية تسعى إلى تمكين المرأة بيئيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

🌱 المرأة في قلب العدالة المناخية
يستند المشروع إلى فلسفة بسيطة لكنها عميقة: لا عدالة مناخية بدون عدالة نوعية. فالنساء في القرى والمناطق الهشة هنّ الأكثر تضررًا من الجفاف والتصحر وندرة المياه، لكنهن أيضًا الأكثر قدرة على قيادة التغيير حين تُمنح لهن الأدوات والفرص.
ومن هنا، جاءت فكرة «مدرسة المناخ النسائية» كمبادرة تدريبية ومجتمعية تُحوّل النساء إلى فاعلات في تصميم وتنفيذ مشاريع بيئية محلية تراعي الخصوصيات الثقافية والبيئية للمنطقة.

من التعليم إلى القيادة
قدّمت المدرسة برنامجين متكاملين يجمعان بين التكوين الأكاديمي والتدريب العملي في مجالات:
• سياسات المناخ الوطنية والدولية،
• القيادة المجتمعية والترافع البيئي،
• إعداد المشاريع البيئية والتنموية،
• الزراعة الذكية والاقتصاد الدائري،
• الطاقات المتجددة وإدارة الموارد الطبيعية.
وشمل التدريب ثمانية أقاليم في جهة مراكش – آسفي: الحوز، آسفي، شيشاوة، الرحامنة، قلعة السراغنة، اليوسفية، مراكش، والصويرة.
وقد استفادت منه 15 امرأة قيادية من التعاونيات والجمعيات المحلية، تلقّين تكوينًا متخصصًا على أيدي أكاديميين وخبراء من جامعات مغربية. كما أُتيح لهن تنفيذ مشاريع بيئية مصغّرة داخل مجتمعاتهن، مما حوّل التدريب إلى تجربة ملموسة للتغيير الاجتماعي.

التجربة الميدانية… مختبر للابتكار المناخي
تميّزت المدرسة بدمج الزيارات الميدانية والنماذج التطبيقية ضمن برنامجها، حيث زارت المشاركات المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الماء والطاقة بجامعة القاضي عياض، وقرية الطاقة الشمسية «إيد مجاهدي» بإقليم الصويرة، كنموذج رائد يجسّد التلاقي بين الطاقات المتجددة وسلاسل إنتاج الأركان.
هذه التجارب الميدانية جعلت النساء يشاهدن بأعينهن كيف يمكن للابتكار أن يتحوّل إلى أداة لتحسين المعيشة، وخفض الانبعاثات، وتعزيز استقلالية القرى في إنتاج الطاقة النظيفة.

أثر بيئي واجتماعي متكامل
على المستوى المناخي، ساهمت المدرسة في نشر الوعي بقضايا المياه والتنوع البيولوجي والزراعة الذكية، وتعزيز ثقافة الترشيد وإعادة الاستخدام في المجتمعات المحلية.
أما على المستوى الاجتماعي، فقد رسّخت فكرة أن التمكين البيئي هو شكل من أشكال التمكين الاقتصادي، إذ شجّعت النساء على تأسيس مبادرات مدرّة للدخل تقوم على أسس بيئية، مثل إنتاج الأسمدة العضوية أو إنشاء مشاتل محلية.
كما ساهم المشروع في بناء شبكات تواصل وتحالفات بين القيادات النسائية والمنظمات المناخية، لرفع صوت المرأة المغربية في المحافل الإقليمية والدولية.

مدرسة قابلة للتوسّع والنقل الإقليمي
صُمّمت «مدرسة المناخ النسائية» كنموذج مفتوح قابل للتكرار أفقيًا في باقي جهات المغرب، وعموديًا على المستوى الإقليمي العربي، إذ يمكن تكييف تجربتها ضمن مبادرات عربية مشابهة.
ويعمل مركز التنمية لجهة تانسيفت على إعداد دليل عملي لإدارة الموارد الطبيعية من قبل المجتمعات النسائية، ليكون مرجعًا قابلًا للتطبيق في بلدان أخرى.

التقاء الرؤى بين المغرب والإمارات
إن مبادرة «مدرسة المناخ النسائية» تلتقي في جوهرها مع جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في دعم المرأة كقائدة في العمل المناخي، خصوصًا في إطار استراتيجية الحياد المناخي 2050، ومبادرات شبكة بيئة أبوظبي في تعزيز التعليم البيئي وتمكين المجتمعات المحلية.
ويؤكد هذا التلاقي أن العمل المناخي الفعّال لا يقوم على التكنولوجيا فقط، بل على الإنسان، وعلى بناء قدرات النساء والفتيات في قلب المجتمعات.

ختامًا
«مدرسة المناخ النسائية» ليست مجرد مشروع تدريبي، بل حركة معرفية واجتماعية تنطلق من القرى لتعيد رسم علاقة الإنسان بالبيئة.

فحين تتعلم النساء كيف يدُرن مواردهن، ويبتكرن حلولًا محلية، يتحوّل التغير المناخي من خطرٍ يهدد المستقبل إلى فرصة لبناء مجتمعات أكثر صمودًا وعدلًا واستدامة.

Loading

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

الجامعة الأوروبية للعلوم التطبيقية تحتفي بالاستدامة على النطاق العالمي

في برنامج محاكاة قمة المناخ كوب 30 في القاهرة البرنامج شهد تقديم ثلاثة طلاب لأوراق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *