رحلة في عالم التحريف العلمي (2)

«الغازلايتينغ»: والتلاعب بالحقائق العلمية لخداع العقل وتزييف الواقع

التلاعب بالعقول: سلاح فعال لتقويض الثقة بالحقائق العلمية

شبكة بيئة ابوظبي، د. طارق قابيل (*)، القاهرة، جمهورية مصر العربية، 25 أكتوبر 2024
في عالم يتسم بتدفق المعلومات وتنوع المصادر، يبرز التلاعب بالعقول أو «الغازلايتينغ» كظاهرة خطيرة تؤثر على فهمنا للحقائق العلمية. هذه الاستراتيجية النفسية، التي تهدف إلى تشويه الواقع وتقويض الثقة بالعلم، ليست مجرد أداة تستخدم في العلاقات الشخصية، بل أصبحت سلاحًا فعالًا في ميادين العلم والسياسة. ومع تزايد انتشار المعلومات المضللة، يصبح من الضروري أن نفهم كيف يُستخدم «الغازلايتينغ» لتغيير العقول وتقويض الثقة في الأدلة العلمية. سنتناول في هذا المقال كيفية استخدام «الغازلايتينغ» لتشويه الحقائق العلمية، ونستعرض أمثلة تاريخية ومعاصرة تُظهر تأثيره العميق على المجتمع، كما سنحاول تقديم بعض الحلول للتخلص من تأثيراته المدمرة.

«الغازلايتينغ»: خداع العقل وتزييف الواقع
يعد التلاعب بالعقول أو «الغازلايتينغ» (Gaslighting)‏ نوعا من أنواع التلاعب النفسي الذي يمارسه شخص على آخر، حيث يسعى ذلك الشخص إلى زرع بذور الشك في عقل شخص معين أو مجموعة معينة، مما يجعلهم يشكون في ذاكرتهم، وإدراكهم، وسلامتهم العقلية، باستخدام الإنكار المستمر والتضليل والكذب. كما يتضمن التلاعب بالعقل محاولات لزعزعة الاستقرار النفسي للضحية وتشكيكها في إيمانها [ ، ].

و«الغازلايتينغ» هو مصطلح نفسي في الأساس، ويشير إلى تقنية نفسية تُستخدم للتلاعب بالحقائق وتغيير إدراك الشخص للواقع. ويتم ذلك من خلال تشكيك الضحية في ذكائه أو ذاكرته، مما يؤدي إلى شعوره بالارتباك وفقدان الثقة في نفسه، حيث يقوم الشخص المتلاعب بتشكيك ضحيته في إدراكه للواقع، مما يؤدي إلى شعور الضحية بالارتباك والشك في نفسه. ويتم ذلك عن طريق مجموعة من الأساليب والتقنيات التي تهدف إلى تقويض ثقة الضحية في قدراته العقلية وحكمه على الأمور.
أما «الغازلايتينغ» في سياق التحريف العلمي، فيعني استخدام معلومات علمية حقيقية لدعم ادعاءات كاذبة، مما يجعل من الصعب على الناس التمييز بين الحقائق والأكاذيب. وتتراوح درجات التلاعب بالعقل بين إنكار المعتدي لأمور قد حدثت بالفعل إلى فبركة حوادث غريبة بنية إرباك الضحية.

ويعود أصل مصطلح «الغازلايتينغ» إلى مسرحية «الغاز لايت» (Gas Light) التي عُرضت في الأربعينيات، وتحكي المسرحية عن مصابيح الغاز في بيت الضحية التي يعمد زوجها إلى تخفيض ضوئها لإضاءة المصابيح بشكل أكبر أثناء بحثه الليلي وكان يستخدم الضوء الغازي لتغيير إضاءة المنزل، ويقنع زوجته أنها تتخيل الأمر، مما يجعل زوجته تشك في سلامة قواها العقلية، ثم جاء استقرار المعني بعد عرض الفيلمين المأخوذين عنها في عامي 1940 و1944 والذين حملا نفس العنوان. ثم تبع ذلك استخدام المصطلح في سياق علم النفس العلاجي والأبحاث العلمية إضافة إلى استخدامه في سياقات سياسية [ ].

تاريخ «الغازلايتينغ»:
يمتد تاريخ «الغازلايتينغ» لعدة عقود، ولكن تم تسليط الضوء عليه بشكل أكبر في القرن العشرين. خلال تلك الفترة، بدأ استخدامه في العلاقات الشخصية، وخاصة في سياقات السيطرة النفسية، حيث يُستخدم من قبل الأفراد أو الجهات لتقويض ثقة الضحية في إدراكها للواقع. وفي التاريخ العلمي، هناك عدة أمثلة بارزة على «الغازلايتينغ»، وتوضح الأمثلة التالية كيف يمكن أن يؤثر «الغازلايتينغ» على الفهم العلمي ويقوض الثقة في الحقائق العلمية:

1. قضية غاليليو غاليلي:
في القرن السابع عشر، واجه غاليليو غاليلي مقاومة شديدة من الكنيسة الكاثوليكية بسبب دعمه لنظرية كوبرنيكوس التي تقول بأن الأرض تدور حول الشمس. وتم اتهامه بالهرطقة وتم إجباره على التراجع عن أفكاره، مما أدى إلى تشكيك المجتمع في الحقائق العلمية التي قدمها.

2. نظرية التطور:
بعد نشر “أصل الأنواع” لتشارلز داروين في عام 1859، واجهت النظرية معارضة شديدة من بعض الأوساط الدينية والعلمية. وتم استخدام «الغازلايتينغ» لتقويض مصداقية داروين، حيث تم تصويره كعدو للدين والأخلاق، مما أثر على قبول النظرية في المجتمع.

3. التغير المناخي:
في العقود الأخيرة، تم استخدام «الغازلايتينغ» من قبل بعض الجماعات لإنكار الحقائق العلمية المتعلقة بالتغير المناخي. ومن خلال نشر معلومات مضللة وتقليل أهمية الأبحاث العلمية، تم تشكيك الجمهور في الحقائق المثبتة حول تأثيرات النشاط البشري على المناخ.

4. الطب النفسي:
تم استخدام «الغازلايتينغ» ضد المرضى الذين يعانون من حالات نفسية. وعلى سبيل المثال، تم تجاهل أو تقليل أعراض النساء المصابات باضطرابات مثل الاكتئاب أو القلق، مما أدى إلى عدم تصديق تجاربهن.

«الغازلايتينغ» والتلاعب بالحقائق العلمية
يمثل «الغازلايتينغ» تحدياً كبيراً للأفراد والمجتمعات، حيث يُعرّض الثقة في المعرفة العلمية للخطر. ويمكن أن يحدث «الغازلايتينغ» في مختلف العلاقات، سواء كانت علاقات عائلية، أو علاقات رومانسية، أو علاقات عمل. وقد يتعرض له شخص ما عندما يُخبر بأن معلوماته العلمية صحيحة ولكن يتم تقديمها بشكل مضلل، مما يجعله يشك في معرفته. وفي بعض النقاشات العامة، يمكن أن يستخدم بعض الأفراد «الغازلايتينغ» لتقويض الثقة في الأبحاث العلمية المعتمدة، مما يؤدي إلى تآكل المصداقية العلمية.

ومن الأمثلة الشائعة على «الغازلايتينغ»:
• في العلاقات الرومانسية: قد ينكر الشريك وجود مشكلة ما في العلاقة، أو يتهم الشريك الآخر بالجنون أو المبالغة في ردود أفعاله.
• في مكان العمل: قد يقوم المدير بتحميل الموظف مسؤولية الأخطاء التي لم يرتكبها، أو ينكر تعليمات معينة أعطاها للموظف.
• في العائلة: قد يقوم أحد أفراد الأسرة بتشويه صورة فرد آخر أمام بقية أفراد الأسرة، أو ينكر مشاعر وأحاسيس فرد آخر.
ولذلك فمن المهم تعزيز الوعي حول هذه الظاهرة ومكافحتها من خلال التعليم والتفكير النقدي. ويُعتبر «الغازلايتينغ» أيضاً وسيلة للتلاعب بالحقائق العلمية، حيث يتم استخدامه لتشويه أو إنكار الأدلة العلمية.

كيف يعمل «الغازلايتينغ»؟
يستخدم المتلاعب مجموعة من الأساليب الخبيثة لتحقيق أهدافه، منها:
1. إنكار الواقع: ينكر المتلاعب حقيقة ما يراه أو يسمعه الضحية، ويصر على أن الضحية مخطئ أو يتخيل الأمور.
2. التحريف: يقوم المتلاعب بتحريف كلمات الضحية أو أفعاله، ويقدم تفسيرات مختلفة لها لتضليل الضحية.
3. التشكيك في الذاكرة: يجعل المتلاعب الضحية يشك في ذاكرته، ويجعله يعتقد أنه لا يتذكر الأمور بشكل صحيح.
4. إلقاء اللوم على الضحية: يلوم المتلاعب الضحية على المشاكل التي تحدث، ويجعله يشعر بالذنب والمسؤولية.
5. التلاعب بالعواطف: يستخدم المتلاعب العواطف للتلاعب بالضحية، مثل الإطراء الزائد، أو اللوم، أو التهديد.
6. الإنكار العلمي: مثل إنكار التغير المناخي أو الأوبئة.
7. التلاعب بالبيانات: تقديم معلومات مضللة أو مشوهة لدعم أجندة معينة.
8. التأثير على الرأي العام: من خلال نشر معلومات مضللة تؤدي إلى تباين في الآراء حول موضوعات علمية.

آليات واستراتيجيات «الغازلايتينغ» المستخدمة في الأبحاث العلمية
يُمثل «الغازلايتينغ» تحديًا كبيرًا للتفكير النقدي والفهم العلمي. من الضروري تعزيز الوعي حول هذه الآليات وضرورة التحقق من المعلومات وتعزيز التعليم النقدي لمواجهة هذا التحدي. وتتعدد الطرق التي يُستخدم بها الغازلايتينغ في المجال العلمي، ومنها:
1. تشويه الحقائق: تقديم معلومات مضللة أو انتقائية لتشويه الحقائق العلمية، مثل استخدام بيانات غير دقيقة لدعم وجهة نظر معينة.
2. إعادة صياغة المعلومات: تغيير السياق أو صياغة الأدلة العلمية بطريقة تؤدي إلى استنتاجات مضللة.
3. التحكم في المعلومات: منع الوصول إلى المعلومات الصحيحة أو تقليل الوصول إلى الأبحاث والدراسات التي تدعم الحقائق العلمية.
4. إثارة الشكوك: نشر الشكوك حول مصداقية العلماء أو المؤسسات العلمية، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في المجتمع العلمي.
5. التحريض على الانقسام: استغلال الاختلافات الفكرية أو السياسية لتقسيم الآراء حول القضايا العلمية، مما يؤدي إلى تباين الآراء وتفتيت الفهم العام.

استراتيجيات «الغازلايتينغ» في الأبحاث العلمية
تعتمد استراتيجيات «الغازلايتينغ» في الأبحاث العلمية على التلاعب بالمعلومات بطريقة تضعف الثقة في المعرفة العلمية. ومن المهم أن يكون الباحثون والمجتمع العلمي على دراية بهذه الاستراتيجيات لتعزيز التفكير النقدي والمساءلة في الأبحاث.
تتضمن استراتيجيات «الغازلايتينغ» في الأبحاث العلمية عدة طرق تهدف إلى تشويه الحقائق أو التلاعب بالمعلومات مثل الاستراتيجيات التالية:
1. اختيار البيانات الانتقائية: استخدام مجموعة محددة من البيانات التي تدعم وجهة نظر معينة، مع تجاهل البيانات التي قد تتعارض معها.
2. تقديم معلومات مضللة: نشر نتائج غير دقيقة أو غير مكتملة، مما يؤدي إلى استنتاجات خاطئة.
3. التلاعب بالتحليل الإحصائي: استخدام طرق تحليل إحصائي غير مناسبة أو غير صحيحة لتضخيم النتائج أو تقليلها، مما يؤثر على مصداقية البحث.
4. تغيير السياق: إعادة صياغة المعلومات العلمية أو نتائج الأبحاث بحيث تبدو مختلفة أو مضللة، مما يؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة.
5. تقويض العلماء والنقد: مهاجمة مصداقية العلماء أو الباحثين الذين يقدمون أدلة تتعارض مع الأجندة المقصودة، مما يقلل من تأثير أبحاثهم.
6. استغلال العواطف: استخدام العواطف للضغط على الجمهور، مثل الخوف أو الإحباط، بدلاً من تقديم أدلة منطقية.
7. تأطير المشكلة العلمية بشكل مضلل: عرض مشكلة علمية معينة بشكل يجعلها تبدو أكثر تعقيدًا أو اختلافًا مما هي عليه، مما يؤدي إلى انقسام الآراء وعدم الثقة في المعلومات.
8. تأثير وسائل الإعلام: استخدام وسائل الإعلام لنشر معلومات مضللة أو غير دقيقة، مما يسهل انتشار «الغازلايتينغ» على نطاق واسع.

أمثلة واقعية عن «الغازلايتينغ» في العلم
1. إنكار التغير المناخي:
على الرغم من التوافق العلمي الواسع حول تأثير النشاط البشري على التغير المناخي، تم استخدام «الغازلايتينغ» من قبل بعض جماعات الضغط والشركات لتشويه الحقائق. تم نشر دراسات انتقائية أو مضللة لتقليل المخاوف من التغير المناخي، مما أثر على الرأي العام وصنع القرار.
2. دراسات حول تغير المناخ:
على الرغم من الإجماع العلمي حول التغير المناخي، استخدمت بعض الشركات والنقابات الصناعية «الغازلايتينغ» لتشكيك في صحة الأبحاث. من خلال تمويل دراسات مُضللة أو نشر مقالات تظهر شكوكًا حول النتائج العلمية، تم إبطاء الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
3. إساءة استخدام علم الوراثة:
في القرن العشرين، تم استخدام علم الوراثة لتبرير سياسات مثل التعقيم القسري. تم تقديم أبحاث مضللة لتقويض حقوق الأفراد، مما أدى إلى انتهاكات خطيرة. استخدم «الغازلايتينغ» لتشويه الحقائق حول التأثيرات الاجتماعية والسياسية لهذه السياسات.
4. الأبحاث حول الأطعمة المعدلة وراثيًا:
تم استخدام «الغازلايتينغ» في النقاشات حول الأطعمة المعدلة وراثيًا، حيث تم نشر معلومات مضللة حول سلامتها. استخدمت بعض المجموعات استراتيجيات مثل تشويه البيانات أو تقديم معلومات انتقائية لتقويض الثقة في الأبحاث العلمية التي تدعم سلامة هذه الأطعمة.
5. الانفجار في استخدام المضادات الحيوية:
في فترة من الزمن، تمت التوصية باستخدام المضادات الحيوية بشكل مفرط في الزراعة. جرى استخدام «الغازلايتينغ» لتقويض الأبحاث التي تربط بين هذه الممارسة وزيادة مقاومة المضادات الحيوية، مما أدى إلى تفشي مشاكل صحية عالمية.
6. إعادة صياغة الأبحاث الزراعية:
في مجال الزراعة، تم استخدام «الغازلايتينغ» لتشويه الحقائق حول الأطعمة المعدلة وراثيًا، حيث تم تقديم أبحاث معينة بشكل مضلل لتأكيد المخاوف غير المبررة، مما أثر على قبول هذه الأطعمة في الأسواق.
7. فحص الأطعمة والمواد الكيميائية:
تم استخدام «الغازلايتينغ» في جدل حول سلامة بعض المواد الكيميائية المستخدمة في الأغذية. على سبيل المثال، تم تقديم دراسات تُظهر أن هذه المواد آمنة، بينما تم تجاهل أو التقليل من أهمية الأبحاث التي تُظهر آثارها الضارة على الصحة. وتم استخدام «الغازلايتينغ» في النقاشات حول سلامة المواد الكيميائية في المنتجات الاستهلاكية. تم نشر دراسات مُضللة من قبل بعض الشركات لتقويض النتائج السلبية التي أظهرتها الأبحاث المستقلة، مما أثر على تنظيم استخدام هذه المواد.
8. قضية الميثيل الزئبقي:
في التسعينيات، أثيرت مخاوف بشأن تأثير الميثيل الزئبقي في الأسماك على صحة الإنسان. استخدمت بعض الصناعات «الغازلايتينغ» لتقويض الأبحاث التي تشير إلى المخاطر، مما أدى إلى تردد في اتخاذ إجراءات تنظيمية لحماية الجمهور من التعرض المفرط.
9. قضية الأسبستوس:
على مدار عقود، تم استخدام «الغازلايتينغ» من قبل شركات الأسبستوس لتقليل المخاطر الصحية المرتبطة باستخدام هذه المادة. تم نشر أبحاث مضللة لتشويه الحقائق، مما أدى إلى تأخير التشريعات التي تحمي العمال والمستهلكين.

أمثلة واقعية عن «الغازلايتينغ» في الطب
1. الإنكار العلمي في مجال الفيروسات:
خلال تفشي فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، تم استخدام «الغازلايتينغ» لتقويض الأدلة العلمية حول كيفية انتقال الفيروس، مما أثر على استجابة المجتمع وأدى إلى وصمة عار ضد المصابين. وفي بداية جائحة كوفيد-19، تم استخدام «الغازلايتينغ» للتشكيك في جدية الفيروس، حيث تم نشر معلومات مضللة تشير إلى أن الفيروس ليس خطيرًا، وأدى هذا إلى التردد في اتخاذ احتياطات السلامة العامة.
2. الطب البديل:
تم استخدام «الغازلايتينغ» من قبل بعض مؤيدي الطب البديل لتقويض الأبحاث العلمية التي تدعم العلاجات التقليدية. يتم تقديم التجارب الفردية كأدلة على فعالية العلاجات البديلة، مما يؤدي إلى تشكيك الجمهور في فعالية الطب القائم على الأدلة.
3. التحذيرات من التدخين:
خلال القرن العشرين، كانت هناك دراسات علمية تربط بين التدخين وأمراض مثل السرطان وأمراض القلب. استخدمت شركات التبغ استراتيجيات «الغازلايتينغ» من خلال تمويل أبحاث مضللة أو نشر مقالات تشكك في صحة هذه الدراسات، مما ساهم في تأخير اتخاذ إجراءات تنظيمية ضد التدخين.
4. التحذيرات من الأدوية:
في حالات معينة، مثل الأدوية المضادة للاكتئاب، تم نشر معلومات مضللة تشير إلى أن هذه الأدوية لا تسبب أي آثار جانبية أو مخاطر. استخدمت بعض الشركات استراتيجيات «الغازلايتينغ» لتقويض الأبحاث التي أظهرت مخاطر محتملة، مما أثر على قرارات الأطباء والمرضى.
5. قضية لقاح شلل الأطفال:
في التسعينيات، تم نشر دراسة غير دقيقة زعمت أن لقاح شلل الأطفال يسبب التوحد. على الرغم من تفنيد هذه الدراسة لاحقًا، استمر تأثيرها السلبي على الثقة في اللقاحات. استخدمت هذه الحالة «الغازلايتينغ» لتشكيك الجمهور في سلامة اللقاحات، رغم وجود أدلة علمية قوية تدعم فعاليتها.
6. المعالجة بالهرمونات البديلة:
في البداية، تم الترويج للعلاج بالهرمونات البديلة كعلاج آمن وفعال للنساء بعد انقطاع الطمث. ومع ذلك، أظهرت دراسات لاحقة مخاطر صحية مرتبطة به. استخدمت بعض الشركات استراتيجيات «الغازلايتينغ» لتقويض نتائج الدراسات الجديدة، مما أدى إلى استمرار استخدام العلاج بطريقة غير آمنة.
7. أبحاث الصحة العقلية:
في الماضي، تم استخدام «الغازلايتينغ» لتشكيك في فعالية العلاجات النفسية، مثل العلاج النفسي. تم تقديم معلومات مضللة لتقويض الأدلة العلمية التي تدعم هذه العلاجات، مما أثر على كيفية تعامل المجتمع مع الصحة العقلية.
8. مقاومة المضادات الحيوية:
تم تجاهل التحذيرات العلمية بشأن الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية في الزراعة، حيث تم تقديم معلومات مضللة من قبل بعض الصناعات الزراعية لتقليل المخاوف من مقاومة المضادات الحيوية. هذا التلاعب أدى إلى تأخير اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الصحة العامة.
9. مخطط “اللقاح ضد الإيدز”:
في أواخر التسعينيات، تم الترويج لمعلومات مضللة تُشير إلى أن لقاح الإيدز كان موجودًا ولكن تم حجبه لأسباب مالية أو سياسية. هذا النوع من «الغازلايتينغ» ألحق الضرر بالثقة في الأبحاث الصحية وأثر على استجابة المجتمع للوباء.
10. إساءة استخدام المعلومات حول الأدوية:
في حالات عديدة، تم استخدام «الغازلايتينغ» لدعم استخدام أدوية معينة رغم المخاطر. على سبيل المثال، تم الإشارة إلى أن بعض الأدوية كانت آمنة وفعالة، بينما تم تجاهل الأبحاث التي أظهرت آثارًا جانبية خطيرة.
11. قضية الأدوية النفسية:
في النقاشات حول فعالية الأدوية المضادة للاكتئاب، تم استخدام «الغازلايتينغ» لتشكيك في الدراسات التي تظهر فوائد هذه الأدوية. تم تقديم معلومات مضللة أو انتقائية لتقويض الثقة في العلاجات المعتمدة على الأدلة.
12. التحذيرات من استخدام الهواتف المحمولة:
تم نشر دراسات تشير إلى أن استخدام الهواتف المحمولة قد يكون مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بالسرطان. ومع ذلك، تم استخدام «الغازلايتينغ» من قبل بعض الشركات لتقويض هذه الدراسات، مما أدى إلى تأخير التحذيرات العامة حول المخاطر المحتملة.
13. قضية “الطب البديل”:
في السياقات التي يتم فيها تفضيل الطب البديل على الطب التقليدي، تم استخدام «الغازلايتينغ» لتقويض الأدلة العلمية التي تدعم العلاجات الطبية المثبتة، مما أثر على خيارات العلاج للمرضى وأدى إلى تدني الثقة في المجتمع الطبي.
14. أبحاث حول الأوبئة:
خلال تفشي بعض الأوبئة، مثل إنفلونزا الخنازير أو كوفيد-19، تم استخدام «الغازلايتينغ» لتشويه الحقائق حول مدى انتشار المرض أو فعالية اللقاحات وطرق الوقاية، مما أثر على استجابة المجتمع وخطط الصحة العامة.
15. التلاعب بمعلومات الصحة العامة:
خلال أزمة الأوبئة السابقة، مثل فيروس الإيبولا، تم نشر معلومات مضللة تُظهر أن خطر انتقال العدوى كان مبالغًا فيه. استخدمت بعض الجهات «الغازلايتينغ» لتقويض استجابة الحكومات والمجتمعات، مما أثر على اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار الفيروس.
16. تجارب اللقاح ضد فيروس كورونا:
خلال جائحة كوفيد-19، انتشرت الكثير من المعلومات المضللة حول اللقاحات. استخدمت بعض الجماعات استراتيجيات «الغازلايتينغ» لتشويه الحقائق حول فعالية اللقاحات وسلامتها، مما أثر على معدل التطعيم وثقة الجمهور.
17. المزاعم حول علاج السرطان:
في بعض الحالات، تم الترويج لعلاجات بديلة للسرطان لا تستند إلى أدلة علمية قوية. استخدمت شركات معينة «الغازلايتينغ» لتقويض الأبحاث التي تدعم العلاجات التقليدية، مما أدى إلى استغلال الأمل لدى المرضى في الحصول على علاج غير فعال.
18. التلاعب في أبحاث التغذية:
تم استخدام «الغازلايتينغ» في النقاشات حول بعض الأنظمة الغذائية والأطعمة، مثل الدهون المشبعة والسكر. تم تقديم معلومات مضللة أو مشوهة لتشكيك في الأبحاث التي تربط هذه العناصر بمشاكل صحية، مثل السمنة وأمراض القلب.
19. قضية “التحكم في النسل”:
تم استخدام «الغازلايتينغ» في سياق النقاشات حول وسائل التحكم في النسل. تم تقديم معلومات مضللة لتشكيك في سلامة وفعالية هذه الوسائل، مما أثر على سياسات الصحة العامة وحقوق النساء في الحصول على رعاية صحية مناسبة.

آثار «الغازلايتينغ»
بشكل عام يمكن أن يكون للـ«الغازلايتينغ» آثار سلبية عميقة على الصحة النفسية للضحية، حيث يمكن أن يؤدي إلى:
1. انخفاض الثقة بالنفس: يشعر الضحية بعدم القيمة وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.
2. الاكتئاب والقلق: يعاني الضحية من أعراض الاكتئاب والقلق، مثل الشعور بالحزن واليأس والتوتر.
3. العزلة الاجتماعية: يميل الضحية إلى الانعزال عن الآخرين خوفًا من أن يتعرضوا لنفس المعاملة.
4. صعوبة في بناء العلاقات: يجد الضحية صعوبة في بناء علاقات صحية مع الآخرين بسبب الخوف من التلاعب.

تأثير «الغازلايتينغ» على التفكير النقدي
يمكن أن يؤثر «الغازلايتينغ» بشكل كبير على القدرة على التفكير النقدي، حيث يُحدث ارتباكاً في إدراك الحقائق والمعلومات. ومن هذه التأثيرات:
1. فقدان الثقة بالنفس: الضحية تُصبح مشكّكة في قدرتها على تقييم المعلومات، مما يؤدي إلى اعتمادها على الآخرين في اتخاذ القرارات.
2. تقويض التفكير العقلاني: عندما تتعرض لضغوط «الغازلايتينغ»، قد تتجاهل الضحية أدلة علمية أو منطقية، مما يؤثر على قدرتها على التحليل النقدي.
3. تأثير العواطف: «الغازلايتينغ»يلعب على المشاعر، مما يجعل الأفراد أكثر عرضة للتأثر بالعواطف بدلاً من المنطق.
4. الانغلاق الفكري: الضحية قد تُصبح أكثر انغلاقًا على الأفكار والمعلومات، مما يمنعها من التفكير بطريقة نقدية.

وفي النهاية، من الأهمية بمكان أن نعلم أن «الغازلايتينغ» في العلم ليس مجرد ظاهرة حديثة، بل له جذور تاريخية عميقة تؤثر على كيفية فهمنا للحقائق العلمية وصنع القرارات. ومن المهم أن نكون واعين لهذه الظواهر ونعزز ثقافة التفكير النقدي والتحقق من المعلومات، لضمان عدم تأثير «الغازلايتينغ» على صحتنا ومعرفتنا العلمية.
إن التعرف على «الغازلايتينغ» أمر ضروري للتخفيف من آثاره. وتُظهر الأمثلة السابقة كيف يمكن أن يؤثر «الغازلايتينغ» على الفهم العام للعلوم. وتظهر هذه الأمثلة كيف يمكن أن يكون «الغازلايتينغ» أداة قوية لتقويض الثقة في المعرفة العلمية والصحة العامة. ومن المهم أن نكون واعين لهذه الاستراتيجيات وأن ندعم ثقافة البحث العلمي والتحقق من المعلومات. ولهذا فمن الضروري تعزيز الشفافية والبحث القائم على الأدلة، بالإضافة إلى تشجيع التفكير النقدي في المجتمع والتحقق من المعلومات لمواجهة هذه الظواهر الضارة، وأن تعزز هذه الجهود من قدرة الأفراد والمجتمعات على اتخاذ قرارات مستنيرة قائمة على الحقائق. ومن خلال دعم الأبحاث القائمة على الأدلة وتعزيز الشفافية، يمكننا تقليل تأثير «الغازلايتينغ» وضمان اتخاذ قرارات مستنيرة مستندة إلى الحقائق.

المصادر:
https://blog.hubspot.com/marketing/gaslighting-at-work
https://getmarlee.com/blog/gaslighting-at-work
https://parade.com/living/red-flags-of-gaslighting-at-work-according-to-psychologists

Gaslighting at Work: Examples, Signs, and How to Deal With It


https://www.betterup.com/blog/gaslighting-at-work
https://www.businessinsider.com/boss-gaslighting-me-advice-not-get-fired-2022-1
https://www.flourishpsychology.ca/post/gaslighting-what-it-means-how-it-manifests-itself
https://www.healthline.com/health/gaslighting
https://www.medicalnewstoday.com/articles/gaslighting

Identifying Gaslighting: Signs, Examples, and Seeking Help

How to handle what feel like gaslighting attempts from your boss?
by incareeradvice


https://www.scientificamerican.com/article/how-gaslighting-manipulates-reality/
https://www.theguardian.com/science/2017/mar/16/gaslighting-manipulation-reality-coping-mechanisms-trump
https://www.themuse.com/advice/gaslighting-at-work-signs-examples-tips
https://www.verywellmind.com/is-someone-gaslighting-you-4147470
https://www.webmd.com/mental-health/what-is-gaslighting-in-relationships

د. طارق قابيل
– أكاديمي، خبير التقنية الحيوية، كاتب ومحرر ومترجم علمي، ومستشار في الصحافة العلمية والتواصل العلمي
– عضو هيئة التدريس بقسم التقنية الحيوية – كلية العلوم – جامعة القاهرة
– الباحث الرئيسي لمشروع خارطة طريق “مستقبل التواصل العلمي في مصر ودوره في الاعلام العلمي”، أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مصر.
– مقرر لجنة الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية والدراسات الاستراتيجية ومؤشرات العلوم والتكنولوجي، وزميل أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، وزارة التعليم العالي – مصر.
– عضو المجموعة الاستشارية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التابعة للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث للدول العربية.
https://orcid.org/0000-0002-2213-8911
http://scholar.cu.edu.eg/tkapiel
tkapiel@sci.cu.edu.eg

About هيئة التحرير

Check Also

رحلة في عالم التحريف العلمي (1)

من سوسة الطماطم إلى التكنولوجيا الحيوية “الغازلايتينغ” والتلاعب بالحقائق العلمية: تأثيرات مضرة على القضايا البيئية …