“وجبة ….. إبداع وابتكار (14) استشراف المستقبل ” تتمة – الأساليب الحديثة في علم الدراسات المستقبلية ” (10)

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير تصميم سيناريوهات المستقبل 18 يونيو 2017

مقدمة :
تتمة للاساليب الحديثة التي تشكل مجموعة أفكار تطورت بشكل سريع بالاعتماد على العلم والتكنولوجيا حسب الترتيب من المقالات السابقة، وهي:

16. مصفوفة التأثير المتقاطع (Cross-Impact Matrices)
تعد مصفوفة التأثير المتقاطع من أهم الأساليب التي استخدمت ومازالت تستخدم في توقع الاختراعات التكنولوجية وتحسين التنبؤات العلمية، كما أنها تستخدم حالياً وبفعالية في تخطيط التغييرات الاجتماعية وفي توقع الإبداعات في مجال الإنسانيات، تقوم هذه الفرضية على أساس مؤداها أن معظم الأحداث والاتجاهات ترتبط بطريقة أو بأخرى بالأحداث والاتجاهات الأخرى، لذا فإن المصفوفة تستخدم لتنظيم البيانات التي تجمع عن مؤسسة ما ولفحص المنظم للعلاقات المتبادلة بين مختلف الأحداث الممكنة إحصائياً، وهذه العملية كثيراً ما تهمل أثناء التخطيط للتغيير.(1) (سيتم التعرض إليها لاحقا بشكل تفصيلي لأهميتها).

فمصفوفة التأثير المتقاطع تستخدم بصفة عامة في غرضين يحددهما “مارتينو” في (Martino;1983):
• بحث الاتساق بين التنبؤات الفردية، أو ما تدل عليه التفاعلات والعلاقات.
• تحديد الأحداث الحاكمة والتي تتسبب في إحداث اختلافات كثيرة في النتائج المترتبة على حدوث أو عدم حدوث هذه التنبؤات وتوقيت ذلك.

17. أسلوب السيناريوهات: Scenarios
ترجع لفظة السيناريو إلى ايطاليا وهو مصطلح سينمائي ، أما أصل تقنية السيناريو فترجع إلى الفيزيائي الذي تحول إلى عالم مستقبلي (هرمان خان) في شركة (راند) التي عملت لصالح الجيش الأمريكي 1950، وقد أصبح وزملائه من كتبة الروايات الخيالية التي تستعمل من قبل مخططي الجيش الأمريكي عندما كانوا يفكرون بأسوأ الاحتمالات لأسوأ الأسلحة وما يتعلق بالطوارئ، والسيناريو عملية تجزئة وتفكيك المشكلة إلى مكوناتها، وقد ولد السيناريو في وقت توتر بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، فيما إذا قصفت المدن بقنابل نووية في أمريكا وهو ما عملت عليه مؤسسة راند، وكانت مدينة سنتا مونيكا قريبة من هوليود، لذا فقد ناقش هذه المسألة مع كاتب قصص الأفلام (ليو روستن) الذي قرر استخدام مفهوم أو مصطلح السيناريو. (2)

السيناريو وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه، ويعتمد على التعرف إلى تاريخ الظاهرة والكشف عن طبيعة التأثيرات المتبادلة لهذا التاريخ ومجموعة القوى التي شكلته، مع توضيح لملامح المسار أو المسارات التي يمكن أن تؤدي إلى هذا الوضع المستقبلي، وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائي مفترض، والأصل أن تنتهي كل الدراسات المستقبلية إلى سيناريوهات، أي إلى مسارات وصور مستقبلية بديلة، فهذا هو المنتج النهائي لكل طرق البحث المستقبلي، ولهذا فإن بعض المستقبليين يعتبرون السيناريو الأداة التي تعطي للدراسات المستقبلية نوعاً من الوحدة المنهجية، وذلك بالرغم من أن الطرق التي قد تستخدم في إنتاج السيناريوهات تتنوع تنوعاً شديداً فالسيناريوهات يمكن أن تبنى بأي من الطرق السابق ذكرها أو بمجموعات معينة منها، كما أنها يمكن أن تبنى بطرق أخرى لم تتعرض لها كالسيناريوهات التي تعتمد اعتماداً كلياً على الخيال العلمي أو الإبداع الأدبي أو الحدس أو الاستبصار، كما تم ذكره سابقاً.

فالسيناريوهات تصف إمكانات بديلة للمستقبل، وتقدم عرضاً للاختيارات المتاحة أمام الفعل الإنساني، مع بيان نتائجها المتوقعة الجيدة والسيئة، وقد ينطوي تحليل السيناريوهات على توصيات ضمنية أو صريحة حول ما ينبغي عمله، ولكن ذلك يتوقف على توجه واضعو السيناريوهات، أي ما إذا كان توجهاً استطلاعياً أم توجهاً استهدافياً.

18. تقنية دلفي
يرجع استخدام اسم دلفي في التنبؤ بالمستقبل إلى اليونان من خلال وجود معبد دلفي المخصص لعبادة الإله (أبولو) الذي يرمز إلى قوة العقل، وكان الناس أصحاب الحاجة يلجئون إلى كاهنة المعبد ويسألونها عن الغيب في مختلف القضايا (الشخصية والاقتصادية وأحوال الطقس والحربية وغيرها)، أو ما يمكن تسميته بلغة العصر المستقبل وغالباً ما تكون التنبؤات عبارة عن رموز فتقوم الحاشية بتفسير الرموز. (3)

في الخمسينات من القرن الماضي ابتدع كل من (اولاف هلمر ونورمان دالكي) من خلال عملهما في مؤسسة راند الأمريكية هذا المنهج، والبعض نسبها إلى الكاتب الأمريكي (جون الفرث واتكنز)، واتسع نطاق استخدامه في مطلع الستينات(4)، وتحديداً خلال أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962 كان الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على شفير حرب نووية وبدا الاتحاد السوفيتي بشحن الصواريخ النووية إلى كوبا في حين أمر الرئيس الأمريكي (كنيدي) بالحصار لمنع الصواريخ النووية من الوصول إلى كوبا، فماذا كان يمكن للاتحاد السوفيتي أن يفعل وكيف ترد أمريكا، ولتقرير ماذا يمكن أن يفعل، جمع كنيدي مستشاريه باحثاً عن آرائهم، وانحلت الأزمة ولكن دون علاج.(5)

وقد قاما العالمان في شركة (راند) بتطوير عملية استفتاء أسمياها دلفي عام 1953 بشكل أنموذجي واستخدما المنهج في بحث لحساب البحرية الأمريكية وذلك للتعرف على آراء الخبراء بشأن خطة الدفاع النووي، ثم قام هيملر مع ريسشر بدراسة عام 1959 وضعا فيها الخطوط العريضة لأسلوب دلفي في التنبؤ في مجال العلوم الاجتماعية مؤكدين أن الخبير لديه اسحاس جيد بالاتجاهات في مجال تخصصه والقوانين التي تحكم مجاله. (6)

ونستطيع أن نعرف أسلوب دلفي: هو وسيلة اتصال وتواصل لتنظيم مجموعة مختارة من أصحاب الخبرة والمعرفة والاختصاص في مشكلة معينة للتنبؤ بالمستقبل من خلال استطلاع أراءهم لأكثر من دورة في موضوع محدد بشكل غير مباشر، لاقتراح الحلول المناسبة دون الحاجة إلى الاجتماع أو المواجهة فيما بينهم للوصول والاتفاق على نتائج تفيد في حل المشكلة.

المراجع:
1. د. ضياء الدين زاهر، مقدمة في الدراسات المستقبلية، مرجع سابق.
2. ادوارد كورنيش، الاستشراف، مناهج استكشاف المستقبل ص 26.
3. فاروق فيله وأحمد الزكي، الدراسات المستقبلية، مرجع سابق
4. فاروق فيله وأحمد الزكي، الدراسات المستقبلية، مرجع سابق
5. موسوعة العلوم السياسية، الكويت. ص 95
6. فاروق فيله وأحمد الزكي، الدراسات المستقبلية، مرجع سابق

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

“وجبة ….. إبداع وابتكار (100) “أبعاد التغيير (13)”

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في …