شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 21 ابريل 2019
ونرى أن نتيجة التطورات المتسارعة التي يشهدها عصرنا الحالي وكثرة المتغيرات والحاجة الماسة للاستدامة والاستمرار برزت الحاجة إلى الإبداع من قبل المنظمات لتتمكن من التطور والبقاء واستشراف المستقبل الذي تطمح إليه كل منظمة، لذلك فصانع المستقبل له الضرورة والأهمية لتحقيق ذلك للمنظمات والذي يتجسد في نظرنا في المعرفة والإبداع والابتكار الذي يشكل التغير الايجابي للفرد والمنظمة وطريقة جديدة لتحقيق الميزة التنافسية.
ثانياً: مفهوم وتعريف الإبداع:
يستخدم مفهوم الابداع غالباً بشكل شائع في مجال الفن والاختراع، وخاصة في الدراسات المبكرة، وتواجه الباحثين في مجال الابداع مشكلة تعريفات الإبداع والمصطلحات المرادفة له، مثل الابتكار والاختراع والموهبة والذكاء والعبقرية، لدرجة أن يختلط على الباحث تحديد تعريف مناسب للابداع، وقد وصفه بعض العلماء المتخصصين بالتعقيد لما يحمل من وجوه عدة، فبعض التعريفات تحمل وجه والبعض الاخر وجوه أخرى، مما يصعب على الباحث ايجاد تعريف محدد للابداع، وتالياً سوف نستعرض بعض التعاريف للابداع بعد أن نتعرف على مفهومه من الجانب اللغوي:
المعنى اللغوي للإبداع: الابداع كما جاء على لسان العرب (1) : “مشتق من بدع الشيء أو أبتدعه يعني أنشأه وبدأه أولاً”
وورد الابداع في معجم الوسيط من أبدعه (بدعاً) أي أنشأه على غير مثال، وبدع صار غاية في صفته خيراً كان أو شراً، والإبداع عند الفلاسفة إيجاد الشيء من العدم، والابتداعية نزعة في العقل والمنطق وتتميز بالخروج عن أساليب القدماء باستحداث أساليب جديدة. (2)
المعنى الموضوعي للإبداع: لا يوجد تعريفاً موحد لمفهوم الابداع، ويعود ذلك أن الابداع ظاهرة معقدة ومتعددة الجوانب، واختلاف وجهات نظر الباحثين للابداع بإختلاف مدارسهم الفكرية.
وتعرف الموسوعة الفلسفية الإبداع بأنه إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة في أحد المجالات كالعلوم والفنون والآداب.
أما الموسوعة البريطانية فقد عرفته على أنه، القدرة على إيجاد شيء جديد كحل لمشكلة ما، أو أداة جديدة أو أثر فني أو أسلوب جديد.(3)
كما يعرف بأنه “الوحدة المتكاملة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعية التي تقود إلى تحقيق إنتاج جديد وأصيل، ذو قيمة من قبل الفرد والجماعة”. (4)
يعرف أرنولد توييني الأفراد المبدعين بأنهم المصادر الأساسية للمجتمع، كما يؤكد ألبريت أنشتاين الحاجة إلى علماء مبدعين من أولئك الذين لا يقدمون اضافات إلى حجم المعرفة الإنسانية بالطريقة المعتادة فحسب بل ممن يطوعون أيضاً المعرفة للتطبيق ويستطيعون النفاذ ببصيرتهم للاستخدامات غير الواضحة لأعمالهم. (5)
كما عرف “بأنه مزيج من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا ما وجدت ببيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية، لتؤدي إلى نتاجات أصيلة ومفيدة، سواء بالنسبة لخبرات الفرد السابقة، أو خبرات المؤسسة، أو المجتمع، أو العالم إذا كانت النتاجات من مستوى الاختراقات الإبداعية في أحد ميادين الحياة الإنسانية” (6)
ويعتبر النمساوي (Joseph Schumpeter) أول من استخدم مصطلح الإبداع عام 1912، ويعد المنظّر الأول للإبداع، حيث يعرفه بأنه “النتيجة الناجمة من إنشاء طريقة أو أسلوب جديد في الإنتاج، وكذا التغيير في جميع مكونات المنتج أو كيفية تصميمه”. (7)
وقد عرفه (Peter Drucker) بأنه “تغيير في ناتج الموارد، وتغيير في القيمة والرضا الناتج عن الموارد المستخدمة من قبل المستهلك”. (8)
وقد تبين بأن هناك العديد من التعريفات المختلفة والمتنوعية للإبداع ومعظمها لا يخرج عن الأبعاد التالية:
• تعريفات محورها القدرات العقلية الكامنة للإنسان المبدع وما يتمتع به من خصائص شخصية.
• تعريفات محورها الأساسي البيئية التي يعيش فيها الابداع.
• تعريفات أخرى محورها العملية الإبداعية ومراحلها وارتباطها بحل المشكلات وأنماط التفكير ومعالجة المعلومات.
• وتعريفات محورها النواتج الإبداعية والحكم على أساس الأصالة والملائمة.
وتعتبر هذه التعريفات الأكثر شيوعاً لانها تعكس الجانب المادي والملموس لعملية الإبداع، والتي يشار إليها بصيغة مختصرة (4P) والتي ترمز إلى (الشخص، Person)، (العملية الإبداعية، process)، (الناتج الإبداعي، Product)، (عملية الإقناع باصالة، persuasion). (9)
وقد عرف (جيلفورد) الإبداع بأنه: “سمات استعدادية تضم الطلاقة في التفكير والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات أو الإسهاب”، ويعود إليه الفضل في الخروج عن النظرية التقليدية للذكاء ومساواته بالإبداع، وتقديم نظريته في التكوين العقلي والتفريق بين التفكير المتقارب (التجميعي) الذي تقيسه اختبارات الذكاء وبين التفكير المبتاعد أو المتشعب الذي تقيسه اختبارات الإبداع التي وضعها. (10)
كما يعتبر الإبداع عملية نسبية تقع بين مرحلة المحاكاة والتطوير إلى مرحلة الابتكار الأصيل، وهي عملية تتضمن النظر إلى الظاهر والأشياء والمشكلات بمنظور وعلاقات جديدة غير مالوفة، يتفاعل فيها الفرد والعمل وبيئة المنظمة والبيئة العامة ويقود الفرد أو الجماعة بالبحث والاستقصاء والربط بين الأشياء بما يؤدي إلى إنتاج شيء جديد وأصيل، ذو قيمة للمجتمع، وقد يتعلق هذا الشيء الجديد بسلعة أو خدمة أو أسلوب عمل جديد. (11)
كما نعرف الإبداع، بأنه المقدرات العقلية والمعرفية للفرد وتفاعلها مع البيئة الداخلية والبيئة الخاصة والخارجية بأسلوب ممنهج لتلمس المشكلات وإيجاد الفرص من خلال التحليل، والبدء بالتفكير الإبداعي لايجاد الأفكار الإبداعية والتعامل مع هذه الفرص، وتطويعها لمصحلة المنظمة.
ثالثاً: أهمية الابداع:
يحظى الإبداع بإهتمام واسع في عصرنا هذا، لما له من أثار إيجابية في دعم المنظمات أثناء مواجهة التحديات والصعوبات في ظل الثورة الرابعة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهناك مجموعة من الإيجابيات التي توفرها ظاهرة الإبداع في التنظيمات على النحو التالي: (12)
• القدرة على الاستجابة لمتغيرات البيئة المحيطة، مما يجعل التنظيم في وضع مستقر، إذ يكون لديه الاستعداد لمواجهة هذه التغيرات بشكل لا يؤثر على سير العمليات التنظيمية.
• تحسين خدمات التنظيم بما يعود بالنفع على التنظيم والفرد.
• المساهمة في تنمية القدرات الفكرية والعقلية للعاملين في التنظيم عن طريق إتاحة الفرصة لهم في اختبار تلك القدرات.
المراجع :
1. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد مكرم، لسان العرب ، الطبعة الخامسة، بيروت: دار صادر ، 2005
2. فضل الله، علي فضل الله، المقومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العالم العربي وأثرها في توجهات الابداع الإداري، المجلة العربية للإدارة، عمان: السنة العاشرة، العدد3، 1986، ص79
3. د. فتحي عبد الرحمن جروان، الإبداع مفهومه ، تدريبه، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان الأردن، 2002، ص20
4. روشكا، ألكسندرو، الابداع العام والخاص، ترجمة أبو فخر غسان، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب،1989، ص19
5. د. سيد عليوة، تنمية المهارات الفكرية والإبداعية، مركز القرار للاستشارات، مكتبة جزيرة الورد المنصورة، لايوجد تاريخ، ص5
6. د. فتحي عبد الرحمن جروان، مرجع سابق، 2002
7. Yan de Kerorguen,Anis Bouayad – La face cachée du management- DUNOD Paris 2004 p 197.
8. د. بن عنتر عبد الرحمن، واقع الإبداع في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالجزائر، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 24 العدد الأول، 2008، ص128
9. د. بوزيان عثمان، رسالة مقجمة لنيل شهادة دكتوراه، بعنوان اقتصاد المعرفة وإدارة الأصول الذكية والإبداع، جامعة ابي بكر بلقايد تلمسان، الجزائر، سنة جامعية 2009/2010، ص181
10. د. فتحي عبد الرحمن جروان، مرجع سابق، 2002.
11. سليم بطرس جلدة، زيد منير، إدارة الإبداع والابتكار، دار كنوز المعرفة والنشر للتوزيع، عمان، الأردن، ص184
12. النمر، سعود، السلوك الإداري، الرياض، مطابع جامعة الملك سعود، 1990.