شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 26 ابريل 2020
تكملة للمقالة السابقة والتي تم تقسيمها لقسمين لسهولة الاطلاع عليها من المهتمين ولتبسيط الموضوع لأهميته، للاستفادة منها في المقارنة الشخصية من خلال الربط بين المقالة والسلوك والتصرفات الشخصية، ففي هذه المقالة سنتابع خصائص الإبداع الفردي من حيث الخصائص التمكينية والخصائص المساندة، مع إدراج نفس الخارطة الذهنية لسهولة المتابعة.
سابع عشر: خصائص الإبداع الفردي: (تتمة)
2. الخصائص التمكينية: وهي تلك الخصائص الضرورية التي تساعد على جعل الأفكار الإبداعية قابلية للتطبيق طالما أنها قد ظهرت إلى الوجود، وهذه الخصائص هي:
أ. القدرة على العمل الجاد وتحمل المتاعب: من الأوصاف المألوفة التي يتصف بها الأشخاص المبدعون أنهم جادون في عملهم أكثر من غيرهم، فيقضون الساعات الطويلة في الأعمال التي يتخصصون فيها، فيأخذ جل وقتهم ويمكن وصفهم بـ (مدمني العمل)،(1) فالأشخاص العاديين لا يستطيعون مجاراة المبدعين في تحملهم للعمل الجاد والمتواصل، وبذل قدر كبير من الطاقة والوقت والمثابرة.
ب. الاستقلالية في الحكم: يتمتع الأفراد الأشخاص المبدعون بدرجة عالية من الشعور بالاستقلالية وتأكيد الذات، من حيث اتخاذ قراراتهم بنفسهم دون تردد بسبب ثقتهم بنفسهم وقدراتهم، فهم يمثلون الرأي المستقبل ولا ينساقون مع الآراء الجماعية حتى وإن كانت أرائهم مغايرة ومختلفة عنهم، على أنه بعض الباحثين لا يعتبر الاستقلالية في الحكم من العناصر الأساسية في العملية الإبداعية، وإنما تمثل عاملاً مهماً فيها.
ج. القدرة على استغلال الفرص: إن خاصية الاستقلالية في الحكم ترتبط بخاصية استغلال الفرص والتي تعني الجرأة في تطبيق الأفكار الإبداعية، كان (بونو) من أفضل المفكرين المبدعين في مجال الإدارة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فهو يعتقد بشدة في أهمية استغلال الفرص حتى أنه كتب كتاباً يقول فيه”إن استغلال الفرص عامل حقيقي في العمل، مثله في ذلك مثل المواد الخام والعمال أو التموين، غير أنه لا يوجد إلا عندما تراه”(2)، إن الشخص مستغل الفرص يتسم بحس البحث والتقصي، وذلك من حيث الملاحظة المتميزة ومراقبة الأحداث الظاهرة للعيان والتي من المحتمل أنها تقدم الفرص، هذه الفرص من الممكن عندئذ أن تستثمر وذلك اعتماداً على حصافة مستغل الفرص والمكافأة والعقاب المحتملين بالنسبة للنجاح، إن استغلال الفرص يعتبر خاصية مهمة بالنسبة للأشخاص المبدعين، فالشخص الذي يتسم بهذه الخاصية لدية درجة عالية من التوجه نحو الكفاية، فهو يفكر بلغة المعايير والمقاييس والانجاز، على أن استغلال الفرص تعتبر ظاهرة ثقافية داخل المنظمات والمجتمعات، ويمكن توضيح هذا الموقف من خلال هذه الطرفة: يقال إن أحد الطيارين الروس هرب إلى اليابان بأحدث طائرة ميج مقاتلة، وفي اليوم التالي طالبت السلطات الروسية اليابانية بأن يعيدوا إليها طائرتها، وقد استجاب اليابانيون لهذا الطلب بقولهم، “نعم بالطبع، لكن كم عدد الطائرات التي ترغبون من هذا النوع ؟” (3)
د. القدرة على مقاومة الفشل: كما هو متعارف عليه بأن المبدعون يعتبرون الفشل دافعاً لمواصلة الجهد والمحاولات المتعددة للوصول إلى أهدافهم، ويعود ذلك لشعورهم بالاستقلالية في آرائهم، كونهم لا يأبهون كثيراً بآراء الآخرين عنهم، ويركزون على تحفيز أنفسهم من خلال نجاحاتهم السابقة لتكون منطلق جديد لتفكير جديد في المستقبل، وقد أثبتت السير الذاتية للعديد من المبدعين أنهم من أكثر الأشخاص الذين تعرضوا لحالات الفشل في أعمالهم ومع ذلك لم يستسلموا بل اعتبروا ذلك دافعاً ايجابياً نحو تحقيق أهدفهم المستقبلية.
ه. القدرة على الاتصال: الاتصال، من المهام الاساسية في الإبداع، ويمثل مهارات الفرد الفنية والفكرية والنفسية والاجتماعية، كما أن اتصال الذات والاتصال الشخصي المبتادل يعتبر الوسيلة التي من خلالها يسطيع الأفراد انجاز أعمالهم وحل المشكلات التي تواجههم في بيئة العمل،(4) كما أن الاتصال يبرز مهارة الشخص في نقل أفكاره والاستماع إلى الآخرين وتخزين المعلومات والمعارف وتوجيهها في صقل الأفكار الجديدة وكيفية اقناع الآخرين، والاتصال يعتبر من العلوم الانسانية والفنون، ويمكن القول بأن الاشخاص المبدعين في مجالات الآداب والعلوم والإدارة والاعلام وغيرها من المجالات هم أشخاص بارعون في الاتصال، وقول (كامبل)، بأن الإبداع لفظ مرادف للاتصال، وقد أثبتت الدراسات في مجال الإبداع أن الاشخاص المبدعين عادة ما يستمتعون بالكتابة والحديث، حيث يجدون في ذلك وسيلة لجذب انتباه الآخرين نحو أعمالهم الإبداعية. (5)
و. الاهتمام بالمفاهيم أكثر من التفصيل: عند شروع المبدعين في أعمالهم الإبداعية فإن جل اهتمامهم ينصب على المفاهيم الواسعة المتعلقة بالأعمال التي سيقدمونها دون التركيز على التفاصيل، حتى يتم ايجاد الحل المناسب للمشكلة أو العمل الذي بصدده، وبعد ذلك يدخلون في تفاصيل الأمور لتنسيق العمل وابرازه بالشكل المناسب بعد أن يجدوا الحل للمشكلة وتحقيق الهدف.
ز. حسب الاستطلاع: كما هم معروف بأن حب الاستطلاع والمعرفة موجودة لدى جميع الأشخاص، إلا أن الأشخاص المبدعين يعتبروا كثيروا الاستفسار والأسئلة عما يدور من حولهم، ويعتبر جزء من تفكيرهم، فتتكرر أسئلتهم من جميع الجوانب،من حيث الطبيعة والعمل والنجاح والفشل والإدارة والرجل والمرأة، وغيرها، للحصول على المعلومات وفهم طبيعة الأمور ومحاكاتها حسب وجهة نظرهم.
ح. حب المرح: قد يتهم المبدعون بأنهم كالأطفال في تصرفاتهم وسلوكهم، وأن عدم النضوج الفكري حليفهم في هذا الاتهام، إلا أن المبدعون يتكيفون مع عالمهم بحيث يكون المرح جزءاً مكملاً للفكر الإبداعي لديهم، ويسعى ليستمتع المبدع في حياتهم بعيداً عن ارضاء معايير وقواعد السلوك الجماعي، وصفة المرح توافق قاعدة الاتصال والتواصل للوصول إلى أكبر قاعدة من المجتمع، حيث أن علاقاتهم لا تقتصر على المستوى العمري فقط بل تتعداها إلى الأكبر أو الأصغر، والاستفادة من هذه العلاقات بشكل لا شعوري في تخزين المعلومات والأفكار والاستفادة منها في تفكيره الإبداعي وتحقيق أهدافه.
ط. تجنب النقد المبكر لأفكارهم: إن المبدعون يتجنبون عرض أفكارهم وهي في المرحلة الأولية، والتي لم يتم صقلها بالشكل المناسب، وقبل اختبارها المبدئي والاقتناع بها، تفادياً للنقد المبكر لهذه الأفكار، لذا يسعون لمعرفة نقاط القوة وفرص التحسين في أفكارهم والعمل على تطويرها وتحسينها ويقدمونها بشكل أفضل، إن تجنب النقد المبرر للأفكار لدى المبدعين يرتبط بشعورهم بأنهم معنيون دون غيرهم بتقديم الأفكار الإبداعية، وهذه الخاصية أطلق عليها ماكينون الخبير في الإبداع بخاصية ” الشعور بالحتمية” أي أن الإبداع أمر مكتوب عليهم لا مفر لهم منه، لهذا فإنهم عندما يشرحون للآخرين إبداعاتهم، فإنهم يرون أنها قوة خارجة عن إرادتهم وهي نعمة أسبغها الله عليهم دون غيرهم، هذا الشعور يجعلهم يرتبطون مع القادة العظماء الذين يربطون نجاحاتهم بالله الذي يمدهم في نفس الوقت بالطاقة والدافعية من أجل مواصلة جهودهم وعطائهم.(6)
3. الخصائص السائدة: وهي الخصائص التي يبدو أنه ليس لها تأثير سواء أكان ذلك بالنسبة لتوليد الأفكار الإبداعية أو استمراريتها وقابليتها للتطبيق ولكنها رغم ذلك غالباً ما تؤثر على سلوك المبدع، إن الكثيرين من الأشخاص المبدعين يتمتعون بخصائص غريبة تجعل من الصعب التنبؤ بسلوكهم أو مجاراتهم والاجابة على أسئلتهم سواء أكان ذلك على مستوى المنزل أو المنظمة أو المجتمع، وهذه الخصائص هي:
أ. عدم الاهتمام بما يعتقده عنهم الآخرون: في الغالب الأشخاص المبدعون لا يفكرون إلا بأنفسهم وإبداعاتهم، فهم لا يهتمون بما يقوله الآخرون عنهم، أي لا يهتمون بمشاعر الآخرين من حولهم، لذا فهم يبدون مناهضون لقواعد ومعايير الجماعة والمجتمع الذين يعيشون فيه، وللأسف فإن هذه الخاصية الموجودة لدى المبدعين جعلتهم من أكثر الفئات بالمجتمع تعرضاً للاضطهاد على مر العصور.
ب. الاضطراب النفسي والعقلي: بما أن الأشخاص المبدعون يفضلون التعامل دائماً مع الأشياء المعقدة على حساب الأشياء البسيطة، كما أنهم لا يكترثون بآراء الآخرين عنهم، وعدم تقيدهم بمعايير السلوك الجماعي، فإن أفراد المجتمع ينظرون إليهم على أنهم يعانون من الإضطراب العقلي أو النفسي، أو أن بعضهم بالفعل يعاني من هذا الاضطراب، وقد لوحظ بأن الكثير من المبدعين يعانون من فشل في الزواج وإدمان الكحول والفصل من أعمالهم والاقدام على الانتحار، علماً بأن هذه المشاكل توجد بشكل نسبي لدى المبدعون وليست قاعدة عامة، إن فكرة الربط بين الإبداع والاضطراب النفسي والعقلي،(7) لم تكن من الأفكار الغريبة سواء في التراث الإنساني بوجه عام أو في تاريخ علم النفس بوجه خاص، لأن ظاهرة الإبداع تعد بالنسبة للكثيرين لغزاً محيراً، لقد تم الربط بين الظاهرتين لكونهما من المظاهر الشاذة التي تخرج عن إمكانية التعليل، لذا نجد افلاطون كان يربط بين العبقرية والجنون، وامتد هذا الفكر إلى التاريخ الحديث، حتى أن البعض يعتقد بأنه لا بد أن يكون المرء مريضاً نفسياً أو عقلياً حتى يمكنه أن يكون مبدعاً، قياساً على أن لحظات الإبداع لأفكارهم الإبداعية تكون منفصلة عن الواقع ولا تمت له بصلة، من ذلك ما رواه (بوانكار) من أن كثيراً من اكتشافانه الرياضية بدت له فجأة في مناسبات لم يكن يفكر أثنائها في مسائله العلمية، كما يرى أن (كولريدج) قام يوماً من نومه فأسرع يخط بسرعة كل ما تمكن من استرجاعه مما بدا له أثناء نومه، فكتب الأربعة والخمسين بيتاً من قصيدته الشهيرة ( Kubla Khan) وأن (كوكيل، kekule) وصل إلى مكتشافاته من البنزين أثناء حلمه بثعبان مخيف، وإن ما عمق هذا الاعتقاد الخاطىء الراسخ بتلازم الإبداع والمرض النفسي والعقلي، ما توصل إليها (إيكبام، Eikbam) من خلال دراسته لعينة مكونة من (78) عبقرياً من أبناء عصره وتبين له احصائياً أن (83%) من هؤلاء العباقرة يعانون من الإضطرابات سواء النفسية أو العقلية، كما تبين له أن (90%) من بين (35) عبقرياً يعتبرون الذورة بالنسبة للعينة ذاتها(78 عبقرياً) كانوا يعانون بالفعل من اضطراب نفسي وعقلي.(8)
المراجع:
1. فونتانا، دايفد، إدارة الوقت، ترجمة عبدالرحمن أحمد هيجان، الرياض، دار السكب للنشر والتوزيع،1415، ص131)،
2. فرنسيس ، ديف ومايك وودكوك، القيم التنظيمية، ترجمة عبد الرحمن أحمد هيجان، الرياض، معهد الإدارة العامة، 1416، ص211
3. Campbell, David (1985): Take the Road to Creativiry and Get Off your Dead End. Greensboro, NC: Center for Creative Leadership, pp. (. 61. 6242-43; 87-99) .
4. هيجان، عبدالرحمن، المدير والقائد الاداري، تحليل المهارات النفسة – الاجتماعية في الادارة، الادارة العامة، معهد الادارة العامة، الرياض، 1413، ص33.
5. Campbell, David مرجع سابق ، 1985
6. Campbell, David مرجع سابق ، 1985
7. فرج، صفوت، الإبداع والمرض العقلي، القاهرة، دار المعارف، 1983 ، ص41
8. مرجع سابق، فرج، صفوت، 1983 ، ص42