“وجبة ….. إبداع وابتكار (54) ” دوافع الابداع الفردي – 15 “

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 24 مايو 2020

إن دوافع الفرد للابداع متعددة الجوانب ولا يمكن حدها بعدد من النظريات حسبما تم عرضه في المقالتين السابقتين، (نطرية ماسلو للحاجات، نظرية الدوافع للانجاز، نظرية العاملين، ونظرية التوقع) فهناك العديد من الدوافع لدى الفرد للإبداع، إلا أن هنام بعض النماذج التي تساعد وتدعم هذه الفكرة بشكل متكامل والتي كانت محاولات جادة وحثيثة من قبل بعض العلماء والمختصين، سيتم عرض بعض منها:
ثامن عشر: دوافع الابداع لدى الفرد

1. نموذج روجرز لتفسير دوافع الابداع لدى الفرد:
ميز روجرز(Rogers،1952) بين نوعين من العوامل الدافعة للإبداع لدى الفرد هما، العوامل الداخلية والعوامل الحارجية المتعلقة ببيئته، كان روجرز يفترض فيما يتعلق بالعوامل الداخلية أن الدافع الرئيس هو تحقيق الذات، لهذا كان يقول بأن كل شخص لديه الرغبة في تحقيق الذات، إلا أنه لسبب أو لآخر قد تمنع هذه الرغبة ولا يمكن أن تظهر أو تطفو على السطح، فقد برر بأن الرغبة في تحقيق الذات إنما تعود إلى مدى قدرة الفرد على الانفتاح ومعايشة الخبرة والتجربة التي تمليها المواقف الإبداعية، وقد ميز روجرز بين نوعين من الإبداع هما: الإبداع الحسن (البناء) والإبداع السيء (الهدام)، والذي يأتي من حرمان الشخص لمعايشته وممارسة المراحل المهمة في الإبداع، ومن خلال تقسيمه لأنواع الإبداع يعنقد بأن الإبداع يزداد عند الفرد في الحالات التالية: (1)

• عندما يُظهر درجة عالية من الإنفتاح بالنسبة للخبرة الجديدة والقدرة على المرونة والتعامل مع المواقف الغامضة، ويعتبر الانفتاح مطلباً مهماً بالنسبة للمرحلة الأولة من مراحل الإبداع وهي “مرحلة الإعداد”، بسبب توسيع مجال دائرة البحث والاستقصاء لدى الفرد.

• عدما يكون محور تقييم الأفكار الإبداعية ذاتياً بدلاً من الاعتماد على تقييم الآخرين، فيعد التقييم الذاتي فيعتبر مهم بالنسبة لمرحلة “الاختمار ومرحلة الاشراق” من خلال القدرة على تشكيل وتطويع العناصر والمفاهيم التي يتعامل معها الفرد.

• عندما تكون لديه القدرة العالية في تطويع وتشكل العناصر والمفاهيم التي يتعامل معها.
إن ما ركز عليه روجرز في عامل تحقيق الذات كدافع رئيس للإبداع يتطابق مع قول (جولد شتاين) الذي ربط الإبداع أيضاً بدافع تحقيق الذات، حيث يرى أن المبدعون يتميزون بحاجتهم إلى الارتباط بالعالم المحيط بهم، وبالتالي الإنتاج الإبداعي هو وسيلتهم لذلك، لأنه الرابطة التي تربط المبدع وبين العامل الذي يعيش فيه.

أما ما يتعلق بالعوامل الخارجية البيئية، التي تمثل النوع اثاني من دوافع الإبداع، فقد كان روجرز يعتقد بأن الإبداع لدى الفد من المتوقع أن يزداد عندما يعايش الفرد درجة عالية من الأمان النفسي، ودرجة عالية من الحرية النفسية، ويمكن أن يتحقق الأمان النفسي من خلال العوامل التالية:

• قبول سلوك الفرد المبدع كما هو عليه واحترام وجهة نظره.
• تهيئة المناخ الإبداع لدى الفرد وبخاصة ذلك لمناخ الذي يتجنب انتقاد الأفكار الإبداعية بالنسبة للفرد.
• التعاطف مع الفرد المبدع ومساندته.
وهذه العوامل مجتمعة تحقق للفرد الشعور بالأمان وطرح أفكاره الإبداعية بحرية تامة دون أية مخاطر مستقبلية باتجاهه، وأما الحرية النفسية، تعني مدى إمكانية الفرد في التعبير عن شخصيته من خلال تفكيره أو مشاعره، مع وجود ضوابط وقيود اجتماعية على الافكار السلبية.

2. نموذج أمابايل لتفسير دوافع الابداع الفردي:
لقد افترضت أمابايل في نموذجها الخاص والتي أطلبقت عليه “نموذج أمابايل للإبداع الفرد” Amabile‘s Componential Model of Individual Creativity بأن هناك ثلاثة عناصر رئيسية تسهم في عملية الإبداع الفردي وهي:(2)
• الدافع الداخلي لانجاز المهمة.
• المهارة المتوفرة لدى الفرد في المجال الذي يعمل به.
• المهارات المتعلقة بالتفكير الإبداعي.

وقد ميزت أمابايل بين نوعين من الدوافع هما: النوع الأول:
 الدوافع الداخلية، ركزت على أهمية الدوافع الداخلية لارتباط المهارات المتعلقة بالتفكير الإبداعي بها بصورة وثيقة، وقادرة على الوصول بالفرد على مستوى عال من الإبداع أكثر من قدرة أي نظام تشجيعي أو تحفيزي، كما أشارت على أن الابداع الداخلي من الممكن أن يُعلم أو يُدرب عليه الفرد بطريقة تمكنه من أن يظهر مستوى أعلى من الدافعية الداخلي مقارنة بمستوى الدافعية لدى الفرد غير المدرب، كما أكدت من خلال العديد من الدراسات بأن الانتاج الإبداعي يحتاج إلى ما هو أكثر من الموهبة والقدرة المعرفية، بل يحتاج إلى حب المبدع للإبداع ورغبته فيه، حيث أن المبدعين يقومون بأعمالهم الإبداعية لتحقيق هدفين هما: المتعة وتحقيق الذات، والرضا عن الذات، ويمثلان جوهر الدوافع الداخلية للإبداع الفردي، حيث أنهما يقدمات للفرد حافزاً للتعامل مع المكشلة وخصوصاً إذا كان الدافع الداخلي موجه لحل مشكلة أو مواجهة تحدي طارىْ،(3)

 النوع الثاني: الدوافع الخارجية: فقد تم ربطها بوضوح أهداف العمل الذي يقوم به الفرد، ووجود مكافآت ثم عناصر التحدي الخارجية التي تدفعه لعمل شيء ما من أجل حل المشكلة، وهذه الدوافع على عكس الدوافع الداخلية، فإنها تعمل على تشجيع الفرد للخروج من دائرة النمطية وعدم المرونة ومقامة والتغيير،(4) كما تعتبر أمابايل بأن الدافع الخارجي يعتبر وسلة فعالة في معالجة المعلومات القائمة على أساس التفكير الافتراقي وعدم التحيز في النظرة إلى المشكلة موضوع التعامل ورؤية الجوانب غير الواضحة من المشكلة ومن ثم القدرة على طرح العديد من الأفكار أو البدائل لحل المشكلة.

ومن خلال دراسة أجرتها أمابايل مع (سنسباغ، 1992) Sensabaugh ، حول المقارنة بين الإبداع العالي والإبداع المحدود إلى أن الدوافع تعتبر عنصراً هاماً في العملية الإبداعية وبخاصة الدوافع الداخلية أو الذاتية المتمثلة في حماسة الفرد واستعداده لمواصلة العمل والولاء سواء أكان هذا الولاء للوظيفة أم للمنظمة التي يعمل بها والاندماج في الأعمال التي يقوم بها، وقد أكدت على أن الدوافع الداخلية لا بد أن يتوفر لها المناخ البيئي الذي يتسم بوضوح الأهداف والحرية ووجود المصادر الكافية سواء المالية أو البشرية أو المعدات أو المعلومات التي يترتب على توفيرها تحفيز الفرد لمواصلة الجهد والعطاء. (5)

3. نموذج لوفالسي في استثارة الابداع:
لقد اهتم لوفلاسي (1986) في اطار مقترحه لتحفيز الإبداع بدور المديرين في تحفيز الإبداع لدى العاملين في مراكز البحوث والتطوير على أسس علمية، وانطلق من أن الإبداع في الأداء يعتبر محصلة لعاملين هما: القدرة والدافع ، وأن مسؤولية المدير هي تهيئة البيءة المناسبة والمناخ الملائم لتحفيز هؤلاء العلماء على الإبداع، وقد استند في ذلك على نظرية ماسلو للحاجات بإعتبارها النظرية التي يمكن توظيفها في مجال تحفيز المبدعين، وأن دور المدير أساسي في تحقيق الحاجة للمبدعين والتأكد من وصول تلك الحاجات الأساسية والمتمثلة في الحاجات الفسيولوجية وحاجة الأمن والحاجة الاجتماعية وحاجة التقدير وقد تم اشباعها، لاتاحة المجال لحاجة تحقيق الذات لاستثارة الإبداع لديهم، وقد اقترح على المدير ثالثة أنشطة يمكن القيام بها وهي: (6)

• القيام بدور الوسيط أو الرابطة بين هؤلاء العلماء وبقية أعضاء المنظمة.
• تحديد الأدوار ووضع الأهداف بدقة.
• توفير المصادر اللازمة التي تمكنهم من القيام بالدور المطلوب منهم.

وقد تم التأكدي في معظم الدراسات العلمية على أهمية المدير في تحفيز الإبداع وذلك بتشجيع مرؤوسيه من خلال الدعم ووضح قنوات التواصل فيما بينهم وتحديد الأهداف المراد تحقيقها بدقة ووضوح، حيث يؤدي هذا التشجيع إلى شعور الأفراد بتوفر الماخ الملائم للإبداع ومن ثم ايجاد فرصة لتحقيق ذواتهم من خلال الأعمال الإبداعية التي يقدمونها. (7)

فنظرية (روجز) فقد لقيت في دوافع الإبداع لدى الفرد ما يساندها في الدراسات الامبيريقية اللاحقة من أماثل دراسة (شوك سميث، 1970) ودراسة (بولتو، 1972) ودراسة (مارش، 1976) حيث أكدت نتائج هذه الدراسات أهمية الانفتاح بالنسبة للفرد المبدع وتطويع وتشكيل العناصر والمفاهيم التي يتعامل معها إلى جانب توفر الأمان النفسي والحرية والتي تؤدي جميعها إلى إثراء الإبداع لدى الفرد. (8)

أما نظرية (أمابايل)، فهناك جزم بأن الدوافع الداخلية والخارجية للإبداع يرتبط بالافتراض الذي انطلقت منه بحثها لدافع الإبداع وهو تكامل هذين النوعين من الدوافع، وأن الدوافع الداخلية ربما تكون أكثر ملائمة بالنسبة للطبيعة الاستكشافية ذات الصلة بالمحاولات الإبداعية، في حين أن الدوافع الخارجية تعمل على تسهيل الأداء والتوصل إلى الحلول الملائمة للمشكلات.

وأما الاطار الذي قدمة (لوفالسي) على الرغم من أهميته في تفسير دوافع الإبداع إلا أن المشكلة في هذا الاطار بالانطلاقة من فرضيات نظرية ماسلو التي تعرضت هي ذاتها لكثير من الانتقادات فيما يتعلق بمصداقيتها وامكانية تطبيقها في الواقع، وقد وجدت نتائج الأبحاث المكثفة المتعلقة بنظرية ماسلو أنه من الصعب تطبيقها في البيئات التنظيمية. (9)

المراجع:
1. المزيدي، زهير منصور، مقدمة في منهج الإبداع، رؤية إسلامية، المنصورة: دار الوقاء للطباعة والنشر والتوزيع، 1413، ص 120 – 130
2. Amabile, Teresa M. (1992): “Social Environments That Kill Creativity”. In S. G. Gryskiewicz and D. A. Hills, (Eds.,), Readings in Innovation. Greensboro : NC . , pp.1-17
3. فرج، صفوت، الإبداع والمرض العقلي، القاهرة، دارة المعارف، 1983، ص78-89،
4. Staw, Barry M. (1990): An Evolutionary Approach. To Creativity And Innovation. In M. A. West and J L. Farr (Eds.,). Innovation and Creativity At Work: Psychological And Organizational Strategies. Chichester: John Wiley and Sons. p.290
5. Amabile, Teresa M. (1992): “Social Environments That Kill Creativity”. In S. G. Gryskiewicz and D. A. Hills, (Eds.,), Readings in Innovation. Greensboro : NC . , pp.24 – 25
6. King, Nigel (1990): Innovations At Work: The Research Literature. In Michael A. West and James L. Farr (Eds.,). Innovation and Creativity At work: Psychological and Organizational Strategies. Chichester: John Wiley and Sons. , pp.20-21
7. Amabile, Teresa M. (1992): “Social Environments That Kill Creativity”. In S. G. Gryskiewicz and D. A. Hills, (Eds.,), Readings in Innovation. Greensboro : NC . pp.72
8. Nystrom ,Harry (1979): Creativity and Innovation. Chichester: John Wiley and Sons. , pp42-43
9. King, Nigel (1990): Innovations At Work: The Research Literature. In Michael A. West and James L. Farr (Eds.,). Innovation and Creativity At work: Psychological and Organizational Strategies. Chichester: John Wiley and Sons. , pp.21

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

جمعية أوكسجين تبني جسورًا للوعي البيئي عبر التكوين وتبادل التجارب والخبرات

“سلسلة دورات تدريبية حول: تلوث الهواء: الفهم، التأثيرات، والحلول” شبكة بيئة ابوظبي، المملكة المغربية، 30 …