شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 19 يوليو 2020
عشرون: الابداع على مستوى الجماعة
يعتبر الأسلوب الفردي في حل المشكلات واتخاذ القرارات من الأساليب التقليدية والتي لا تأتي بنتيجة ايجابية في أغلب الأحيان، ويكون الرأي الأوحد للشخص الأول بالمؤسسة هو دائما على صواب دون نقاش أو اعتراضات، وهذا ما يؤدي إلى تراجع العمل فيها والتأخير في متابعة التطورات والتحسينات، إضافة للمشكلات الإدارية التي تشغله عن أمور شتى قد ينشغل بها، وعدم المامه بالمشكلات الحقيقية في أسفل الهرم والتي لها الدور الحقيقي في تحسين بيئة عمل المؤسسة وتجعلها متابعة للبيئة الخارجية، والأهم من ذلك ترك الحلول البديلة من الجماعة والتي في أغلب الأحيان تشكل ابداعاً حقيقياً للمؤسسة لذا يعتبر الأسلوب الجماعي من أفضل وأنجع الأساليب لحل المشكلات في العمل واتخاذ القرارات، مع ضرورة الاختيار المناسب لأعضاء الجماعة والبيئة المناسبة لعملها، وأصبح مطلباً أساسياً لانطلاقة المؤسسات والعمل بشكل ابداعي يحقق لها ذاتها داخلياً وخارجياً، لذا وفي هذه المقالة سوف نناقش نظريات الإبداع الجماعي، وحلقات الجودة ودورها في الإبداع الجماعي، وفعالية الجماعة في حل المشكلات والنماذج الجماعية.
1. نظرية الابداع الجماعي:
لا يمكن اخفاء الإبداع الفردي الذي هو أساس الإبداع، إلا أن ذلك لا يتعارض مع أهمية العمل الجماعي في حل المشكلات واتخاذ القرارات الذي يشكل ابداعاً حقيقياً وسريعا للمنظمات وتأقلمها مع متطلبات العصر وتبني أساليب جديدة في التنظيم والعمل على تغييره بما يتوافق مع الاساليب العلمية الجديدة من معلومات وبيانات وأفكار تدفع المؤسسة للتطوير.
العمل الجماعي: عرف (آندرسون، 1989) الإبداع الجماعي بأنه “العمل الذي يؤدي إلى ابتكار وتبني أو فرض أفكار جديدة في محيط الجماعة، بحيث تعمل الجماعة على وضع هذه الأفكار موضع التنفيذ من خلال المناقشات ومحاولة إعادة بناء وصياغة الأفكار والمقترحات الأصلية مع مرور الوقت” (1)
من خلال التعريف يمكن أن نصل إلى ثلاث أنواع من الإبداع أولها الأفكار الجديدة المبتكرة، والأفكار المتبناة أو المفروضة، وأن جميعها تتم في اطار العمل الجماعي وهذا الأهم، إلا أن الجماعة ما هو دورها وما دور كل فرد بها وكيف يتم تشكيلها وما هي المراحل التي تمر بها الجماعة للوصول إلى مرحلة الإنتاج الإبداعي: (2)
أ. مرحلة التكوين:
في بداية اللقاء بين الأفراد يشرع الأفراد في تبادل الأفكار ووجهات النظر محاولين تلمس طريقهم من خلال جمع المعلومات المتعلقة بالمشكلة وطبيعة عمل الجماعة من خلال مجموعة من الأسئلة وهي:
• ما هو الهدف من تشكيل هذه الجماعة؟
• ما هي الغاية الأساسية في تشكل هذا الفريق؟
• ما هو الدور الحقيقي لهذه الجماعة في تحقيق استراتيجية المؤسسة؟
• ما هي المشكلة الحقيقية وراء هذا التشكيل وسبب اختيار تلك الأعضاء ؟
• ما هي المدة الزمنية لأعطاء النتائج الايجابية للمشكلة؟
• ماذا يتوقع المعنيين من نتائج مبدعة وأصيلة؟
• ما هي الامكانيات المالية والبشرية والمعلوماتية المتاحة؟
• هل يمكن تنفيذ المهمة المطروحة ؟ وهل الخبرات في المجموعة تكفي لحل المشكلة حسب ما هو متوقع؟
• ما هو المنهج الذي سنبتعه في العمل؟
• متى وكيف وأين ستتم الاجتماعات أو اللقاءات لهذا الفريق وما هو المنهج المتبع للتواصل الداخلي؟
• من سيتولى القيادة؟
• وكيف سيتم التعامل في التسلسل الاداري لعمل الفريق؟
• وهل القائد المقترح سيكون داعماً حقيقياً لعمل الفريق أو مجرد اشراف اداري يتناول النتائج دون شفافية؟
• ما هي الآلية المتبعة في تقييم النتائج؟
في هذه المرحلة الجماعة (فريق العمل) يحاول التعرف على تركيبة وخبرة الفريق والتعرف على نمط الاتصال الداخلي بينهم وتوثيق العلاقة، والمناخ السائد في النقاش وتقبل الأفكار (تنافسي أو تعاوني)، والتعرف على قدرات الفريق، وخطة العمل التي سيتم العمل من خلالها، وتعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل في تشكيل النتائج للمهمة التي شكل من أجلها الفريق، واللبنة الأساسية في النجاح، ولا يخفى الأمر من أن بعض الفرق التي يتم تشكيلها تفشل من البداية بالنظر لمثل هذه الأمور التي لا يتم التطابق الفكري والنفسي والمنهج المتبع فيها.
ب. مرحلة المشكلات الداخلية:
عند الانتهاء من التعارف ومعرفة التخصصات للجماعة وتبادل المعلومات والمعارف والافكار باتجاه المشكلة أو موضوع معين ومعرفة الحلول التي تحقق الأهداف الاستراتيجية وتتلائم معها، فهذا يُولد صراعات فكرية بين الجماعة، وهي مرحلة من مراحل العمل الجماعي التي يتم فيها تحديد الأدوار المطلوبة من كل فرد بالجماعة، وهذه الصراعات تتضمن الشد والجذب باتجاه الأفكار المطروحة لاثبات صحتها ومحاولة تقريبها قدر الامكان للفريق العامل، ومن ثم معالجتها وصقلها بروح الفريق بما يناسب المشكلة أو الموضوع، وقد يمتد الخلاف أو الصراع بين الجماعة وتظهر النزعات الفردية وأحاسيسهم حسب السلطة والنفود السائدة في منظماتهم، والتفكير العاطفي أو الحيادي أو الانتاجي، الذي يمتد طويلا في أغلب الأحيان وخاصة في الجلسات الأولى، حتى تثبت روح الجماعة على عمل الفريق وتتشكل الأفكار باتجاه الهدف من خلال قواعد تحكمها الأهداف ومصلحة المؤسسة، وهناك حالات في بعض الجماعات (فرق العمل) قد تطول مرحلة الصراع طولاً وقد لا تنتهي إلى لانتهاء عمل الفريق أو تبديل أعضاء الفريق، كما يمكن أن يطلق على هذه المرحلة بمرحلة اعادة التكوين.
ج. مرحلة وضع القواعد:
ما تعلمته الجماعة من مرحلة الصراعات والنزعات وسيطرة روح الفريق في نهاية المرحلة السابقة يساعدها في هذه المرحلة على بناء وتطور وتعاضد أعضائها في ايجاد أساس مشترك من القواعد والاجراءات لعمل الفريق، واختيار منهجية وأسلوب للأداء، التي تساعد العمل بكفاءة وفعالية في حل المشكلات واتخاذ القرارات، الناتج عن النقاشات والحوارات البناءة التي تثري الأهداف التي أنشأت من أجلها، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة التنسيق للبدء بالمنهج المتفق للتعاون الجماعي في حل المشكلات واتخاذ القرارات.
د. مرحلة الأداء:
تتضح هذه المرحلة اسمها، ففي هذه المرحلة تبدأ الجماعة بالتركيز على دراسة المشكلة وتفاصيلها بالشكل الممنهج ويتم عرض الحلول المناسبة واجراءات التنفيذ المنطقية، كما تزيد في هذه المرحلة تعاضد وتلاحم الفريق وتقربهم أكثر وتتلاشى فيما بينهم الرسمية، ويتم استعراض الخبرات والكفاءات بما يساعد على حل المشكلات أو اتخاذ القرارات المناسبة، وهنا تتضح الأدوار ويبرز القائد في تسهيل العمل وتهيئة المناخ الملائم وتقوية أعضاء الفريق لزيادة الأداء المنظم والتزام الأعضاء بأدوارهم والوصول للهدف.
كما هومعروف في نظريات العمل الجماعي، هناك عوامل رئيسية تؤثر في تطوير فاعلية أدائها الإبداعي في حل المشكلات واتخاذ القرارات ، وهي:
• حاجات الفرد: الأفراد عندما يبدؤون العمل ضمن إطار المجموعة فإن تفكيرهم يدورحول ذواتهم غالباً، وكثيراً ما يتساءلون عن دورهم فيها، وعما إذا كانوا مقبولين من قبل الأعضاء الآخرين، وإلى أي درجة يمكن لحاجاتهم الشخصية أن تتحقق، مما سيزيد من العمل الجماعي في حال شعورهم بالرضا.
• حاجات الجماعة: تتشكل الجماعة في الأصل من أجل أداء مهمة، وتكون عادة مهتمة بالآلية التي سيتم العمل بها بين الأعضاء والقواعد والاجراءات التي تحكم عملها، ويظهر هذه الاهتمام عادة في المراحل الأولى لأدائها وخاصة في مرحلة حل المشكلات الناجمة عن الصراع بين الأعضاء ومرحلة وضع القواعد، فالجماعة الناجحة عادة تتغلب على هذه المشكلات وتحقيق جزء كبير من حاجاتها، وإن كان لا تستطيع اشباعها بالكامل.
• الحاجات المتعلقة بانجاز المهمة: تحقيق حاجات المجموعة يعد محصلة لتحقيق حاجات الفرد وحاجات الجماعة، فاهتمامها بتحقيق أهدافها ينتفي إن لم يتم معالجة القضايا المتعلقة بعلاقة الأعضاء بعضهم مع بعض وتوضيح القواعد الحاكمة بينهم، ومن ثم تقوم الجماعة بتحديد المهمة والمشكلات التي ينبغي معالجتها، والأهداف المراد تحقيقها، والمنهج المتبع في تحقيقها وتوزيع الأدوار والمسؤوليات وتوفير الدعم المناسب والموارد اللازمة للتنفيذ ومتابعة وتقييم نتائج العمل.
الشكل رقم (16) يشير حجم الدوائر إلى تأثير الأنواع المختلفة من الحاجات في كل مرحلة من مراحل تطور العمل الجماعي حيث أنه كلما كبرت الدائرة كلما دل ذلك على التأثير النسبي الكبير للعامل.
المراجع:
1. King, Nigel (1990): Innovations At Work: The Research Literature. In Michael A. West and James L. Farr (Eds.,). Innovation and Creativity At work: Psychological and Organizational Strategies. Chichester: John Wiley and Sons. عن، د. عبد الرحمن أحمد هيجان، المدخل الإبداعي لحل المشكلات، الطبعة الأولى، الرياض، 1999.
2. Gundry, Lisa K., Charles W. Prather and Jill R. Kikul (1994). “Building The Creative Organization”. Organizational Dynamics. V. (22). No. (4) pp. (22-37). عن، د. عبد الرحمن أحمد هيجان، المدخل الإبداعي لحل المشكلات، الطبعة الأولى، الرياض، 1999.