شبكة بيئة ابوظبي: بقلم: د. يوسف الكمري، المملكة المغربية، 26 مايو 2021
عضو الشبكة العربية للنوع الاجتماعي والتنمية (ANGED)
عضو شبكة العمل المناخي بالعالم العربي (CANAW)
لا بد في البداية من الإشارة، إلى كون معظم دول شمال افريقيا والشرق الأوسط تواجه تحديا كبيرا في توفر المياه، مع العلم على أن نسبة سكان المنطقة العربية تمثل نحو3% من إجمالي سكان كوكب الأرض، إلا أنها تمتلك 1.2% فقط من احتياطيات المياه بالعالم. كما يتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى خفض المياه المتجددة في المنطقة بنسبة 20 في المائة بحلول عام 2030. ويشكل النزوح القسري الناجم عن التغير المناخي سواء بسبب الظروف الطبيعية (كانعدام التساقطات المطرية، وتفشي ظاهرة الجفاف وارتفاع منسوب مياه سطح البحر، …) تهديدا من نوع خاص. لذلك، تعتبر المياه في المنطقة العربية أساس الحياة البرية والبحرية ومن المقومات الأساسية للعيش الكريم لدى المجتمعات المحلية، وصار من اللازم إيلاء كل الأهمية للمطالب الحقوقية النسائية في كل ما يتعلق بالمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (الهدف السادس من أجندة أهداف التنمية المستدامة 2030)، وذلك لدور النساء المباشر والغالب في التعامل مع هذه الموارد المائية وتحمل عواقب سوء ترشيدها وإدارتها. ويتعين المضي قدماً في إشراك المجتمعات المحلية والمجموعات النسائية والناشطات والاعلاميات المهتمات بالشأن البيئي، خصوصا المنخرطات في الشبكات والمنظمات الأهلية والجمعيات، في ترشيد استعمال المياه من خلال الإدارة المتكاملة كأحد مكونات التنمية المستدامة.
وحسب تقارير دولية عدة، تشير إلى كون تغير المناخ يهدد التقدم المحرز في تحقيق المساواة بين الجنسين (الهدف الخامس من أجندة التنمية 2030) في المنطقة العربية. حيث يعاني الرجل والمرأة من تأثيرات تغير المناخ بشكل مختلف، وذلك اعتمادا وإلى حد كبير على دور كل منهما في المجتمعات المحلية. ومع ذلك، فإن النساء في الأوساط الريفية والصحاري، يعتبرن في مجمل الحالات أكثر عرضة وتأثيراً بالمخاطر وبطرق أكثر من الرجال في نفس أوساط العيش. وسيكون للتغيرات المناخية تأثيراً على الظروف المعيشية وكسب الرزق في الأرياف والمناطق الصحراوية، وبالتالي سيشعر المزيد من الرجال بأنهم مضطرون إلى الانتقال إلى الحواضر والمدن بحثاً عن فرص العمل المأجور، والتي تكون في معظمها غير مهيكلة ولا تحتاج إلى خبرة مسبقة، كما أنها تتسم بمحدودية الأمن الوظيفي (مهن مؤقتة زمنياً)، وتدني الأجور، وظروف المعيشة الباهظة، ومحدودية الدعم والتضامن الاجتماعي. ونتيجة لذلك، فإن النساء في المناطق النائية تتحمل، علاوة على عبء العمل المجهد الذي تؤديه في تنفيذ أدوارها المنزلية وإدارة الموارد الطبيعية، دور الرجل الغائب في الأسرة المصغرة والمجتمع المحلي، ولكن مع وجود إكراهات إضافية.
كما تميل المرأة لأن تحظى بتعليم أقل؛ و يصعب السفر بالنسبة لها بسبب العادات والثقافات المجتمعية المحلية السائدة، وظروف الحمل، ورعاية الأطفال، وغالباً ما تفتقر النساء إلى التمتع بالسلطة الثقافية والقانونية للمطالبة بحقوقهن. فعلى سبيل المثال، وكما تشير التقارير المنجزة، قد يكون حصولها على الائتمان أمرا محدودا، كما أن الوصول إلى مصدر المياه والتحكم به يقتصر عادة على مالك الأرض والذي نادراً ما يكون امرأة، بل وحتى التوجه إلى المنظمات غير الحكومية والتعاونيات الريفية واللجوء إلى الأنظمة الاجتماعية الداعمة غالباً ما يلقى عراقيل وعقبات. وفي تقارير أخرى، تتحمل النساء العبء الأكبر لجمع المياه، خصوصاً مع الظروف القاسية الناتجة عن التغيرات المناخية، لاسيما في المناطق الريفية النائية، حيث هناك نقص في الربط بشبكات المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وندرة الموارد المائية الطبيعية، فالمهام المنزلية المتعلقة بجمع المياه، تبعد الفتيات دون سن الخامسة عشرة عن المدارس، كما يؤثر عبء جمع المياه في الوقت عينه تأثيراً كبيرا على حياة النساء والفتيات. فجلب المياه يستأثر بمعظم الوقت وهو ما يمنع النساء من ممارسة أنشطة أخرى، ويحد من قدرتهن على الانخراط في المشاركة السياسية والاقتصادية والأنشطة الثقافية والترفيه والراحة والعناية الصحية. كما تشكل القوى العاملة في الزارعة 37 % من إجمالي القوى العاملة مع وزن نسبي أكبر للقوى العاملة النسائية. فالعاملات في الزارعة يشكلن 57 % من إجمال النساء العاملات، في حين يشكل العاملون في الزراعة 31 % من الرجال العاملين.
في سياق كل ما جاءت به التقارير ، تعد المرأة فاعلاً في التكيف والتأقلم مع التغيرات المناخية في الوطن العربي. و نظرا لدورها المحوري في الأسرة والمنزل والأنشطة الزراعية في الأرياف والمناطق الصحراوية، فإنها (أي المرأة) تعد عاملا رئيسيا في تغيير الاتجاهات والسلوكيات والأحوال المعيشية اللازمة لإنجاح التكيف مع الظروف الطبيعية، ولا يعد التركيز على الدور الاجتماعي للمرأة والرجل إضافة في بلورة السياسات العامة، بل إنه جزء أساسي من أية خطة استراتيجية أو مشروع تنموي . ولا يمكن للتكيف الناجع “الفاعل” أن يتحقق إلا بالتخلي عن المعيقات المتعددة، والتي تعترض تحقيق المساواة بين الجنسين في الوطن العربي، ولاسيما بتمكين المرأة من الاشتراك والمساهمة. إذ يمكن اعتبار النساء هن أول ضحايا الأخطار الناجمة عن تأثيرات التغيرات المناخية، والاكثر عرضة للكوارث الطبيعية بسبب تغير المناخ. وإن إدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، يشكل أحد المعايير الاساسية لنجاح اتفاق باريس 2015، وأجندة الحلول للاحتباس الحراري. وتتيح فرصة إدماج قضية النساء في صلب مسلسل المناخ العالمي، ويتفق الجميع حول ضرورة تعزيز حقوق النساء والفتيات ومشاركتهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع لعب أدوارهن في الرصد والتقييم البيئي أيضاً. ونؤكد على أن اقامة العدالة المناخية والجندرية يمر عبر تعزيز قدرات النساء والفتيات ومشاركتهم في السياسات والمبادرات المتخذة في هذا المجال. والسعي من أجل النهوض بدور المرأة في مسلسل تقديم إجابات للتغيرات المناخية، حتى لا تظل ضحية لهذه التغيرات بل فاعلة بشكل تام في التصدي لهذه الظاهرة الكونية.
لقد مثل تغير المناخ تهديداً محدداً للسلام والأمن في القرن الحادي والعشرين – آثاره يشعر بها الجميع، ولكن بدرجة متباينة. تحدد القواعد الجنسانية وديناميكيات السلطة كيف يختبر النساء والرجال من خلفيات مختلفة أو يساهمون في انعدام الأمن في مناخ متغير. وفي هذا الصدد، يقدم التقرير الصادر عن “برنامج الأمم المتحدة للبيئة”، بتاريخ 09 يونيو ، 2020، بعنوان “النوع الاجتماعي والمناخ والأمن: الحفاظ على السلام الشامل على الخطوط الأمامية لتغير المناخ”، والذي يستند إلى سلسلة من دراسات الحالة من تجربة البحث والبرمجة، إطارًا شاملاً لفهم كيفية ارتباط النوع الاجتماعي والمناخ والأمن ارتباطًا وثيقًا. ويقيم التقرير نقاط الدخول للعمل عبر جداول الأعمال العالمية الحالية ويقترح توصيات محددة حول الكيفية التي يمكن بها لواضعي السياسات والممارسين في التنمية والمانحين تعزيز ثلاثة أهداف مترابطة: السلام والأمن، والعمل المناخي والمساواة بين الجنسين.
* نشر بمجلة منتدى البيئة بتاريخ 01/05/2021 (الشبكة العربية للبيئة والتربية – رائد).
المصادر:
التّقرير السّابع لتنمية المرأة العربية (2019) “المساواة بين الجنسين في أجندة 2030 : دور المجتمع المدني والإعلام، مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوثر)، تونس.
يوسف الكمري. تدبير الموارد المائية ومقاربة النوع الاجتماعي بالوسط القروي –حالة المغرب. التّقرير السّابع لتنمية المرأة العربية (2019) “المساواة بين الجنسين في أجندة 2030 : دور المجتمع المدني والإعلام، مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوثر)، تونس.
ادراج مقاربة النوع الاجتماعي في الادارة المندمجة للموارد المائية بالوسط القروي في تونس. مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوثر)، تونس و منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، 2016.
النوع الاجتماعي والمناخ والأمن: الحفاظ على السلام الشامل على الخطوط الأمامية لتغير المناخ. برنامج الأمم المتحدة للبيئة. تقرير صادر بتاريخ 09 يونيو 2020.
التكيف مع مناخ متغير في البلدان العربية : دراسة للقادة في بناء القدرة إزاء تغير المناخ. تقرير تنمية الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تقرير رقم 64635 -الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. البنك الدولي للإنشاء والتعمير/المؤسسة الدولية للتنمية أو البنك الدولي 2012.
المرأة بوصفها عامل تغيير. الأمم المتحدة وتغير المناخ: https://www.un.org/ar/climatechange/women-agents-change.shtml
الحكامة عن طريق التدبير المندمج للموارد المائية بالمغرب : رافعة أساسية للتنمية المستدامة. تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. 2014. المغرب.
تقرير هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة عن أنشطة صندوق الأمم المتحدة الاستئماني لدعم الإجراءات الرامية إلى القضاء على العنف ضد المرأة. الجمعية العامة لمجلس حقوق الإنسان. الدورة التاسعة والعشرون. حزيران/يونيه 2015