عبر الاقتصاد الأزرق المستدام والمندمج
شبكة بيئة ابوظبي: المهندس محمد بنعبو: خبير في المناخ والتنمية المستدامة، المملكة المغربية 30 مايو 2021
ترتكز أهداف التنمية المستدامة على تعزيز الفوائد الاقتصادية للدول الجزرية الصغيرة والبلدان الساحلية عبر الاستخدام المستدام والأمثل للموارد البحرية عبر الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية والسياحة، ويوجد في العالم 54 بلدا ساحليا حيث تمثل المحيطات مجالا اقتصاديا مهما في حين تعتبر مواردها البحرية هي الأساس الذي تقوم عليه اقتصادات العديد من البلدان الساحلية وهي أساسية لثقافتها وتنميتها وللحد من الفقر ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويعد الاقتصاد الأزرق أحد الركائز الاساسية لتنزيل أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ويستند هذا المفهوم إلى حماية واستعادة المنظومات البيئية البحرية والساحلية، والتي توفر الامن الغذائي لساكنة العالم وتضمن استدامة الأنشطة الاقتصادية، وقد تبين من خلال تجارب الدول الاسكندنافية أن الاقتصاد الأزرق أصبح ضروريا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وخاصة فيما يتعلق بالقضاء على الفقر والقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وحماية النظم البيئية والحد من التغيرات المناخية، ويبقى الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي للمنظومات البحرية من بين أهم أهداف الاقتصاد الأزرق في أفق تحقيق النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش مع الحفاظ على صحة النظم الإيكولوجية للبحار والمحيطات عبر تقليص المخاطر البيئية والأضرار الناجمة عن الأنشطة الاقتصادية والحد من فقدان التنوع البيولوجي وبالتالي فالنمو الاقتصادي هو نمو مستدام بيئيا قائم على خلق فرص للشغل للحد من الفقر في مواجهة القيود المتزايدة على الموارد الطبيعية في مواجهة تغير المناخ.
التزام المغرب بإرساء اقتصاد ازرق مستدام
والمغرب يعبر دائما عن التزامه الكبير من أجل إرساء اقتصاد أزرق مستدام من خلال توقيعه على مجموعة من الاتفاقيات المتعددة الأطراف حول حماية التنوع البيولوجي واستعادة المنظومات البيئية، وعزمه الجاد على إدراج مقتضياتها في مختلف سياساته وبرامجه التنموية، إن المكتسبات الكبيرة التي تحققت في مجال حماية البيئة والمناخ والتنمية المستدامة خلال العشرين سنة الأخيرة، والتي توجت بتنظيم المغرب للدورة 22 من مؤتمر الأطراف حول المناخ بمراكش سنة 2016، وانطلاقا من تجربته الاستباقية في مجال التغير المناخي، تمكن المغرب من إطلاق العديد من المبادرات القارية في مقدمتها مبادرة “الحزام الأزرق” التي تهدف إلى تعزيز قدرة المجتمعات الساحلية على الصمود والصيد المستدام وأنشطة تربية الأحياء المائية، وقد مكنت هذه المبادرات المغرب من ان يتبوأ دورا رياديا على المستوى الجهوي والعالمي بحيث تحتل بلادنا المراكز الأولى في مجموعة من التقارير الدولية من أهمها مؤشرات التحول الطاقي والأداء المناخي.
وكان المغرب قد انخرط بدينامية كبيرة تفعيلا لتعهداته أمام المجتمع الدولي بمناسبة انعقاد مؤتمري قمة الأرض بريو دي جانيرو1992 وجوهانسبورغ 2002 انخرطت المملكة المغربية في مسار التنمية المستدامة، من خلال إرساء أسس تنمية اقتصادية تراعي الأبعاد البيئية وتضمن الإنصاف والعدالة الاجتماعية، وقد ترسخ هذا الالتزام في سنة 2014 من خلال اعتماد القانون الإطار رقم 12.99 بمثابة الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة وتنزيله من خلال إعداد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتي تم اعتمادها من طرف المجلس الوزاري المنعقد، بتاريخ 25 يونيو 2017، تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة، محمد السادس حفظه الله، والتي تشكل إطارا مرجعيا لكل البرامج القطاعية، وذلك بهدف تحقيق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر الدامج في أفق 2030.
الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة وتنزيل الاقتصاد الازرق
وفي إطار تفعيل مقتضيات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، قام المغرب بعدة إجراءات مهيكلة لرفع التحديات وكسب الرهانات المرتبطة بحماية البيئة وتثمين الموارد الطبيعية، ومواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، وتحسين الإطار البيئي لعيش المواطن، وهكذا، وعلاقة بالحكامة البيئية، تم إحداث عدة لجن تهم تتبع ومواكبة أهداف التنمية المستدامة، والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، والتغيرات المناخية والتنوع البيولوجي والساحل، بينما تمت تقوية الإطار القانوني من خلال إصدار مجموعة من القوانين، كقانون الساحل وقانون التقييم البيئي، والشروع في إعداد قوانين أخرى، مثل مشروع قانون بمثابة مدونة للبيئة، ومقترح القانون المتعلق بالمناخ، ومشروع القانون المتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، إضافة إلى إطلاق مسلسل مراجعة القانون المتعلق بتدبير النفايات. كما تم تعزيز المراقبة البيئية والتنسيق مع الهيئات المعنية في هذا الشأن، وتقوية أجهزة الرصد واليقظة البيئية.
مبادرة الحزام الأزرق
وبالإضافة إلى ذلك، أطلق المغرب يوم 12 نونبر 2016 خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في نسختها الثانية والعشرون والمنعقد بمراكش، المبادرة الدولية الحزام الأزرق، مبادرة هادفة إلى تعزيز قدرة البحار والمحيطات على الصمود وضمان استدامتها، وتقتضي المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية التي تزخر بها السواحل المغربية، وكذا المخاطر التي تتهددها، اعتماد مقاربة استراتيجيةٍ جديدة للمجال الساحلي للمغرب. وبالفعل، فإن المملكة تتميز بجغرافيا فريدة، ونظام إيكولوجي غني، ومجال بحري شاسع، ورصيد بدأت تتهدده جملة من المخاطر، مما يستلزم وضع استراتيجية وطنية شاملة، حيث تحتضن المناطق الساحلية المغربية 52 في المائة من مجال الأنشطة السياحية و92 في المائة من النسيج الصناعي المرتبط بقطاعات الصيد البحري، وتثمين منتجات البحر، والأنشطة المينائية، والسياحة الشاطئية، وقطاع البترول والغاز، وغيرها. كما أن ثمة قطاعات أخرى بدأت في التطور أو تتطلب المزيد من التطوير في المغرب، مثل تربية الأحياء المائية أو الكيمياء الحيوية أو صناعة السفن أو أنشطة الترفيه البحري، وإذا كانت الثروات التي يزخر بها المجال البحري للمغرب تتيح فرصا كبيرة، فإن استغلال هذا المجال يواجه خطر الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية وتدهور الأنظمة الإيكولوجية، وذلك بالأساس جراء التمركز المتنامي في المناطق الساحلية، والتوسع العمراني، وطرح النفايات، لذلك، يتعين تطوير سياسات مندمجة توفق بين استغلال الموارد وحماية البيئة.
ويتجلى انخراط المغرب في الجهود الرامية إلى رفع تحديات القرن الحادي والعشرين من خلال اعتماد التنمية المستدامة كمشروع مجتمعي حقيقي، وقد مكنت مجموعة من المبادرات التي جاءت تفعيلا لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره والواردة في خطابي العرش لسنتي 2009 و2010 من إعداد ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، تم اعتماده في صيغة قانون إطار رقم 12.99 الذي يعد مرجعا حقيقيا للسياسات العمومية ذات الصلة بالتنمية المستدامة، وقد تجسدت هذه الإرادة السياسية في احتضان وتنظيم العديد من المؤتمرات الدولية التي تعنى بالشأن البيئي والمناخي في مقدمتها مؤتمر المناخ في نسخته السابعة ومؤتمر المناخ في نسخته الثانية والعشرون الذين احتضنها مراكش سنوات 2002 و2016 على التوالي، إرادة ملكية زرعت في المواطن المغربي حب تحقيق التغيير الايجابي والمنشود من خلال بلورة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة هذه الاستراتيجية التي وقفت على خمسة رهانات تواجه التنمية المستدامة، وفي هذا الصدد، سلط الرهان الخامس الوارد في هذه الاستراتيجية الضوء على ضرورة إيلاء عناية أكبر للمجالات الترابية الهشة، ومنها على وجه الخصوص السواحل، وفي هذا السياق، تواجه السواحل، باعتبارها أوساطا هشة، ضغطا كبيرا جراء احتضانها لأنشطة اقتصادية مختلفة وتمركز الأنشطة البشرية والتوسع العمراني فيها، وبغية الحفاظ على هذا المجال الطبيعي وضمان استدامته، تمت المصادقة في سنة 2015 على إطار قانوني وتنظيمي جديد، يتمثل في القانون رقم 12.81 المتعلق بالساحل وكذا النصوص التنظيمية ذات الصلة بتطبيقه، ويحدد هذا القانون المبادئ والقواعد الأساسية لضمان تدبير مندمج ومستدام للساحل بما يكفل حمايته واستصلاحه والمحافظة عليه، ومن بين الآليات الرئيسية الكفيلة ببلوغ هذه الغاية نجد المخطط الوطني للتدبير المندمج للساحل والذي يهدف الى تحديد التوجهات والأهداف المراد بلوغها في مجال حماية الساحل واستصلاحه والمحافظة عليه، مع مراعاة السياسة الوطنية المتبعة في إعداد التراب وأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومقتضيات القانون المشار إليه أعلاه، مع إدماج بعد حماية الساحل في السياسات القطاعية، خاصة في مجالات الصناعة والسياحة والإسكان وأشغال البنيات التحتية، بالإضافة الى تحديد المؤشرات المناسبة الواجب مراعاتها قصد ضمان التناسق بين برامج الاستثمار وتحديد الوسائل الكفيلة بتحقيق الانسجام بين مختلف مشاريع التنمية المزمع إنجازها في الساحل مع التنصيص على التدابير الواجب القيام بها بغية وقاية الساحل من خطر التلوث والتقليص منه مع ضمان الانسجام والتكامل بين المخطط الوطني للتدبير المندمج للساحل والتصاميم الجهوية للساحل المزمع وضعها، حيث من المنتظر أن يمكن المخطط الوطني للتدبير المندمج للساحل من وضع خارطة طريق من شأنها المساهمة في تحقيق التنمية المندمجة لقطاعات الاقتصاد الأزرق.
ويحتل المغرب المرتبة الأولى من حيث التنوع البيولوجي البحري على صعيد حوض البحر الأبيض المتوسط، ويبقى التنويه الياباني بالجهود المغربية في المحافظة على التنوع البيولوجي واستعادة النظم الايكولوجية وحمايتها من أهم الدعامات التي ستدفع بالمغرب الى المضي قدما في بذل المزيد من الجهود للاستثمار في هذا المجال بطرق مستدامة، هذا وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الحيوية البحرية تنطوي على إمكانات تنموية كبيرة، فإنها تظل قطاعا ناشئا لا يمثل سوى أقل من 2 في المائة من السوق الإجمالية للتكنولوجيات الحيوية، حيث تحبل التكنولوجيا الحيوية البحرية بالعديد من الإمكانات التي من شأنها أن تعزز مجال التكنولوجيا الحيوية بالمغرب، وفي هذا الصدد، فإن العديد من المركبات والجزيئات الكيماوية المستخلصة من النباتات والحيوانات البحرية تستخدم في المنتجات الصيدلية وفي مستحضرات التجميل هذا في الوقت الذي يستخدم فيه المغرب بالأساس دقيق السردين لإطعام الماشية وهو مجال يمكن أن تكون له قيمة مضافة أكبر بكثير حيث لا يزال غير مستغل، وعلاوة على ذلك، تتيح التكنولوجيا الحيوية البحرية إمكانات في مجال إنتاج الطاقة، أما في ما يتعلق بالموارد الجينية، فقد صادق المغرب على بروتوكول ناغويا، هذا البروتوكول الذي تم اعتماده عالميا بتاريخ 29 أكتوبر 2010 وبالضبط خلال الاجتماع العاشر لمؤتمر الأطراف لاتفاقية التنوع البيولوجي باليابان، بروتوكول يتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، الملحق باتفاقية التنوع البيولوجي، وذلك بمدينة ناغويا باليابان، بعد ست سنوات من المفاوضات، وباعتباره اتفاقا تكميليا لاتفاقية التنوع البيولوجي، ويعتبر بروتوكول ناغويا واحدا من أهم المعاهدات البيئية متعددة الأطراف التي اعتمدت مؤخرا، ويهدف هذا البروتوكول إلى وضع إطار قانوني دولي ملزم من أجل تعزيز التنفيذ الفعال والشفاف في المستقبل لمفهوم التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية على المستويات الإقليمية والوطنية والمحلية، وتجدر الاشارة إلى أن بروتوكول ناغويا كان قد دخل حيز التنفيذ في 12 أكتوبر 2014 وبذلك فهو يعزز بشكل كبير الهدف الثالث من أهداف اتفاقية التنوع البيولوجي، من خلال توفير قدر أكبر من الضمانات القانونية والشفافية لمقدمي الموارد الجينية ومستخدميها.
امكانيات هائلة للمغرب لتنزيل الاقتصاد الازرق
وبفضل موقعه الجيو-استراتيجي المتميز والمطل على بحرين: البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي انخرط المغرب في دينامية الاقتصاد الأزرق بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وبذلك أصبح المغرب في صلب الاستراتيجيات الإقليمية ذات الصلة بالاقتصاد الأزرق، وبصفته عضوا في الاتحاد من أجل المتوسط، وبفضل شراكاته الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، فإن المغرب يحتل مكانة متميزة في مختلف الديناميات الإقليمية ذات الصلة، ويحظى بدعم استراتيجي مهم، وكان الاتحاد من أجل المتوسط قد أطلق مبادرة التنمية المستدامة للاقتصاد الأزرق في غرب البحر الأبيض المتوسط مبادرة تضم عشر بلدان منها المغرب، ويعد التوجه نحو الفضاء المتوسطي أمرا ضروريا بالنظر إلى أن البحر الأبيض المتوسط يعتبر خامس أكبر اقتصاد في المنطقة، حيث يزخر حوض البحر الأبيض المتوسط بموارد بحرية وثروات سمكية غنية، كما يحتضن 450 ميناء ومحطة مينائية، يمر عبرها نحو 30 في المائة من حجم المبادلات التجارية البحرية على الصعيد العالمي، كما تعتبر منطقة المتوسط ثاني أكبر وجهة لسياحة الرحلات البحرية السياحية في العالم، والتي يتضاعف حجمها أثناء الموسم السياحي.
أما على الصعيد الوطني فيمكن أن يوفر الشريط الساحلي للمغرب الممتد على طول 3500 كيلومتر طاقة ريحية تزيد بعشرين ضعفا عن حجم الطاقة الريحية القارية هذا على الرغم من أن الطاقة الريحية البحرية تشهد نموا متسارعا في السنوات الأخيرة سيما في الدول المتقدمة، بينما تبقى تكلفة البنيات التحتية ذات الصلة بها تشكل عائقا أمام النهوض بقطاع إنتاج الطاقة الريحية البحرية في المغرب، بينما تعتبر المحطات البحرية لتحويل الطاقة عن طريق الضخ بدائل مهمة لإنتاج وتخزين طاقة متجددة ذات مردودية. وتتيح هذه المحطات البحرية تخزين الطاقة الكهربائية المتأتية من مصادر الطاقة المتقطعة كالطاقة الريحية أو الشمسية وذلك من خلال الاستخدام غير المحدود لمياه البحر وقوتها الهيدروليكية.
مصايد الأسماك المستدامة
من خلال الاستثمار في التنمية المستدامة القائمة على المحيط، يمكننا حماية البيئة ودفع الاقتصاد الأزرق إلى آفاق جديدة وضمان ازدهار المجتمعات والأعمال”، وتعد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أداة مهمة لتنظيم أنشطة الاقتصاد الأزرق في القانون التجاري الدولي، كانت منظمة التجارة العالمية في طليعة حماية الثروة البحرية، وقد تفاوض أعضاء منظمة التجارة العالمية على ضوابط بشأن توفير دعم وإعانات لمصايد الأسماك بغرض الحد من عمليات الصيد غير المشروع وغير المبلغ عنه وغير المنظم، وبالمثل اكتسب التفاعل بين البيئة وحماية الاستثمار الدولي أهمية في السنوات القليلة الماضية.
ويمكن أن تكون المصايد المستدامة مكونا أساسيا لاقتصاد أزرق مزدهر، حيث تساهم مصائد الأسماك البحرية بأكثر من 270 مليار دولار سنويا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتوفر مصايد الأسماك البحرية مصدرا رئيسيا للأمن الاقتصادي والغذائي لتوفير سبل العيش لأكثر من 300 مليون شخص منخرطون في القطاع وتساعد على تلبية الاحتياجات الغذائية لثلاثة مليارات شخص يعتمدون على الأسماك كمصدر مهم للبروتين الحيواني وتوفير العناصر الغذائية الأساسية وزيوت الأوميجا والأحماض الدهنية ، كما تساهم الأسماك بأكثر من 16 في المائة من البروتين الحيواني الذي يستهلكه سكان العالم و 6.5 في المائة من جميع البروتينات المستهلكة.
إن دور مصايد الأسماك مهم بشكل خاص في العديد من المجتمعات الأكثر فقراً في العالم، حيث تشكل الأسماك مصدراً حيوياً للبروتين ويوفر القطاع شبكة أمان اجتماعي، ويمثل العنصر النسائي الأغلبية في الأنشطة الثانوية المتعلقة بمصايد الأسماك البحرية وتربية الأحياء المائية البحرية، مثل الاستزراع السمكي والتسويق.
من المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم إلى 9.6 مليار بحلول عام 2050، مما يخلق طلبا كبيرا على الغذاء ومصادر البروتين. واليوم ، توفر الأسماك والمنتجات السمكية نسبة كبيرة من الاستهلاك اليومي للبروتين الحيواني في العديد من البلدان النامية، نظرا لأن الاستزراع السمكي يوفر 58 في المائة من الأسماك للأسواق العالمية، فإن تنشيط هذا القطاع يمكن أن يسهم في الأمن الغذائي وكذلك الدمج المجتمعي والاقتصادي، ويمكن أن يساعد الاستزراع السمكي في الكثير من البلدان الأكثر فقرا في العالم وعلى المستوى المحلي في تقليل الحاجة إلى استيراد الأسماك وزيادة فرص العمل، وكذلك المساهمة في الأمن الغذائي وتلبية الاحتياجات الغذائية، ولقد قدر الخبراء أن حوالي 31.4 في المائة من الأرصدة السمكية قد تم صيدها على مستوى غير مستدام من الناحية البيولوجية، وبالتالي تم صيدها بشكل مفرط وجائر، وتتأثر المخزونات السمكية كذلك بصيد الأسماك الجائر غير المشروع وغير المنظم ، ويمثل ما يتراوح بين 11 و 26 مليون طن من الأسماك سنويا أو ما يعادل 10 إلى 22 مليار دولار من الإيرادات غير القانونية أو غير الموثقة وبالتالي ،فإن الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم مسؤول عن نفس القدر من الحصاد العالمي، في الواقع، تؤدي إدارة المصايد السمكية الرديئة إلى إيرادات مهدرة تفوق 80 مليار دولار سنويا ، والتي يمكن استردادها إذا تم إصلاح منظومة مصايد الأسماك العالمية بشكل كبير ، خاصة من خلال تخفيض مستوى الصيد بنسبة 44 في المائة.
السياحة المستدامة رافد أساسي للاقتصاد الأزرق
ويمكن أن تكون السياحة المستدامة جزءا من الاقتصاد الأزرق، وتعزز الحفاظ والاستخدام المستدام للبيئات والأنواع البحرية، وتدر الدخل للمجتمعات المحلية وتحافظ على الثقافات والتقاليد المحلية والتراث وتحترمها وفي هذا السياق يمكن للسياحة إذا تمت إدارتها ورصدها بشكل جيد ، أن تكون مساهما مهما في التنمية المستدامة للدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الأقل نموا الساحلية، ويلعب قطاع السياحة دورا رئيسيا في تنمية العديد من الاقتصادات للبلدان الجزرية ومساعدتهم على التقدم في مكافحة الفقر، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي التنمية المستدامة التي يرعاها قطاع السياحة إلى تطورات مماثلة في الأنشطة الاقتصادية الأخرى والمساعدة في حماية الموارد الطبيعية والثقافية للجزر، لذلك يمكن للسياسات والبرامج والتدخلات التي تستهدف الدول الجزرية الصغيرة النامية وغيرها من الاقتصادات الجزرية أن تستفيد في بعض الحالات من إدراج السياحة كقطاع للمساعدة في تسريع أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدام والذي يصب في صالح الاقتصاد الأزرق. كما تجدر الإشارة إلى أن قطاع السياحة في البلدان الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الساحلية الأقل نموا يكون عرضة لتأثيرات التغير المناخي، وكذلك التقلبات في الاقتصاديات العالمية وبالتالي من المهم معالجة نقاط الضعف وتحقيق المرونة للتكيف مع تلك الآثار السلبية وتنويع مصادر الدخل.
تحلية مياه البحر لتوفير العرض المائي
ويعد تأمين كميات كافية من المياه النظيفة والآمنة لتلبية احتياجات السكان المتنامية أحد أكبر التحديات والعقبات التي تعترض سبيل التنمية، فالحصول على مياه الشرب الآمنة والنظيفة أمر بالغ الأهمية بشكل خاص للبلدان الجزرية النامية والساحلية، بالإضافة إلى ما يترتب على ذلك من آثار على النمو الاقتصادي وحقوق الإنسان والصحة العامة والبيئة.
ومن المتوقع أن يصبح تلبية هذا الطلب على المياه العذبة أكثر صعوبة في سياق التغير المناخي، حيث تواجه العديد من المناطق أنماطا أكثر تقلبا لهطول الأمطار وتناقص في المياه، ويبحث مديرو ومخططو المياه بشكل متزايد في تحلية المياه تحويل مياه البحر أو المياه الجوفية المالحة إلى المياه العذبة كحل تقني لتلبية الطلب الحالي على المياه ويحمي من الآثار السلبية لتغير المناخ على موارد المياه، على الرغم من ارتفاع تكلفة الطاقة فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي تدرج تحلية المياه باعتبارها “خيار التكيف” الذي قد يكون له أهمية خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.
شهدت الطاقة الإنتاجية لمحطات تحلية المياه زيادة بنسبة 57 في المائة منذ أكثر من خمس سنوات، وفقا لآخر البيانات المنشورة من قبل الرابطة الدولية لتحلية المياه و Global Water Intelligence، وتعكس هذه الزيادة في الطاقة الإنتاجية حقيقة أن المجتمعات الساحلية تتجه على نحو متزايد نحو البحر لتلبية احتياجاتها من مياه الشرب.
تستخدم تحلية المياه في 150 دولة، تنتشر من أستراليا إلى الصين واليابان والولايات المتحدة وإسبانيا ودول أوروبية أخرى والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتعد تحلية المياه خيارا جذابا للعديد من الدول الجزرية الصغيرة النامية الشحيحة المياه وأقل البلدان نمواً الساحلية خاصة عندما تكون القدرات التقنية والمالية اللازمة متوفرة وعندما تكون الاستراتيجيات الأكثر تقليدية غير كافية أو غير قابلة للتطبيق، وتتميز تقنيات تحلية المياه بالقدرة على انتاج كميات كبيرة من المياه إلا أنها تحتاج تكاليف رأسمالية عالية وتكاليف تشغيلية. مع تضاعف مشروعات تحلية المياه نشأت مخاوف إضافية فيما يتعلق بالآثار التراكمية، بما في ذلك تلوث درجات الحرارة عبر إطلاق المياه الساخنة في المناطق الساحلية القريبة المستخدمة في العملية والزيادات التدريجية في الملوحة في المناطق التي ينتج فيها محلول ملحي يتم تحريره خلال عملية التحلية، ويمكن تقليل أو تخفيف بعض هذه الآثار البيئية، على سبيل المثال من خلال تحديد موقع مناسب لمياه البحر وتخفيف المحلول الملحي قبل إطلاقه في البيئة البحرية، وقد تؤدي تأثيرات التخفيف، بما في ذلك من خلال بناء القدرات ونقل التكنولوجيا، إلى جعل تحلية المياه خيارا أكثر استدامة للبلدان الجزرية النامية الصغيرة والبلدان الساحلية الأقل نموا التي تواجه ندرة المياه العذبة.
لقد تمت تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في تحلية المياه في حالات قليلة من خلال تطوير التقنيات المتجددة. على سبيل المثال بدأت المملكة العربية السعودية في بناء أول محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية في عام 2016، وتكنولوجيا جديدة يمكنها تحلية مياه البحر للشرب وإنتاج الكهرباء من خلال استغلال الفرق في درجات الحرارة بين سطح البحر وعمق المحيط عبر تحويل الطاقة الحرارية للمحيطات وهو موضوع بحاجة إلى زيادة الاهتمام والبحث والتطوير ومع ذلك وبغض النظر عن هذه التطورات التكنولوجية تظل تكاليف تقنية تحلية المياه مرتفعة ولكنه الخيار الأفضل من حيث التكيف والمرونة في الحفاظ على الموارد البحرية والبيئية.
تحديات التلوث البحري والتعدين
بموجب أهداف التنمية المستدامة ينبغي للعالم بحلول عام 2025 منع التلوث البحري بجميع أنواعه والحد منه بشكل كبير لاسيما من الأنشطة البشرية، بما في ذلك الحطام البحري وستساهم الإدارة المحسنة لمصايد الأسماك في الحد من التلوث البحري الناجم عن سفن الصيد، وبحلول عقد 2020-2030 سيقوم العالم بإدارة وحماية النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام لتجنب الآثار السلبية الكبيرة لاسيما من خلال تعزيز مرونتها واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادتها من أجل تحقيق محيطات صحية ومنتجة، ستعمل الإدارة المحسّنة لمصايد الأسماك على بناء مرونة النظم الإيكولوجية للمحيطات ككل.
خلال العشرية المقبلة يتعين على العالم أن ينظم بفعالية الحصاد وإنهاء الصيد الجائر والممارسات غير القانونية وغير المبلغ عنها وغير المنظمة وممارسات الصيد المدمرة وتنفيذ خطط الإدارة القائمة على العلم، من أجل استعادة الأرصدة السمكية في أقصر وقت ممكن، على الأقل إلى المستويات التي يمكن إنتاج أقصى غلة مستدامة على النحو الذي تحدده خصائصها البيولوجية، ويحتاج العالم أيضا بحلول العقد المقبل 2020-2030 إلى حظر أشكال التمويل لمصايد الأسماك الجائرة وغير الشرعية والامتناع عن تقديم مثل هذه التمويلات، مع الاعتراف بأن المعاملة الخاصة والتفضيلية المناسبة والفعالة للتنمية وينبغي أن تكون أقل البلدان نموا جزءا لا يتجزأ من مفاوضات منظمة التجارة العالمية بشأن دعم مصايد الأسماك، ويؤدي الاستزراع السمكي المستدام إلى الحد الأدنى من التلوث ويمكن أن يساعد الاستزراع السمكي الذكي والمستدام في زيادة الدخول وتنويع سبل المعيشة، وينبغي للعالم أيضًا زيادة المعرفة العلمية وتطوير القدرات البحثية ونقل التكنولوجيا البحرية من أجل تحسين صحة المحيطات وتعزيز مساهمة التنوع البيولوجي البحري في تنمية البلدان، حيث يمكن أن يؤدي التعدين في أعماق البحار إلى تقويض مرونة النظم الإيكولوجية والأنواع البحرية وبالتالي ينبغي أن يسبقه إجراءات فعالة للتأثيرات الاجتماعية والبيئية، ويلزم بناء القدرات ونقل التكنولوجيا للدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان النامية للمشاركة في الأنشطة الاستخراجية للطاقة المتجددة البحرية، فمحطات تحلية المياه غالية الثمن، ويلزمها التمويل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا للدول الجزرية الصغيرة النامية للاستفادة من النقل البحري لتحلية المياه والموانئ والخدمات ذات الصلة والشحن وبناء السفن، وعلاوة على ذلك فإن تنفيذ لوائح الشحن سيقلل التلوث البحري فضلا عن تنفيذ أنظمة نقل أكثر استدامة ومنخفضة الكربون على مستوى العالم وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا فالسياحة المستدامة تقلل من التلوث البحري سواء من المصادر البرية أو البحرية. يمكن أن تساعد السياحة المستدامة في بناء النظام البيئي والمرونة البشرية، فبحلول عام 2020 يمكن للسياحة المستدامة توفير التمويل للمناطق البحرية المحمية وكذلك مراقبة المحيطات ومراقبتها والحفاظ على 10 في المائة على الأقل من المناطق الساحلية والبحرية بما يتوافق مع القانون الوطني والدولي واستنادا إلى أفضل المعلومات العلمية المتاحة.
في الختام يمكن القول أنه يمكن للاقتصاد الازرق أن يقدم مجموعة من الحلول للمشاكل الاقتصادية الأفريقية، خصوصا أن أكثر من 90٪ من الصادرات والواردات الأفريقية يتم نقلها عن طريق البحر، وتغطي المياه الإقليمية الخاضعة للبلدان الأفريقية مساحة قدرها 13 مليون كيلومتر مربع مع جرف قاري تبلغ مساحته حوالي 6.5 مليون كيلومتر مربع ويشمل مناطق اقتصادية خالصة تغطي القارة 17 ٪ من موارد المياه في العالم، حيث يبقى البعد الاستراتيجي للاقتصاد الأزرق هو حقيقة لا جدال فيها للبلدان الأفريقية، ولهذا السبب تم إدراجه في جدول أعمال الاتحاد الأفريقي 2063، حيث يقدر الخبراء إجمالي القيمة المضافة الإجمالية لقطاع مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في إفريقيا بنحو 24 مليار دولار أي 1.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي لجميع البلدان الأفريقية، ومع ذلك يشغل هذا القطاع حوالي 12.3 مليون شخص، لكنه مستغل إلى حد كبير، حيث هناك حاجة لإضفاء الطابع المهني على قطاع الاستزراع المائي والمصايد، وبكل المقاييس فإن إفريقيا لا تتمكن من استغلال إمكاناتها الاقتصادية الزرقاء، وربما تهدرها بشكل كبير، بينما هناك تحديات متعلقة بتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستويات البحار والمحيطات وهناك صراعات حالية ناجمة عن عدم ترسيم الحدود البحرية والمائية، لقد كان هذا مصدرا دائما للتوترات بين الدول المجاورة وليس فقط تهديدا لاعتبارات استثمار طويلة الأجل، ولكن أيضا أدى إلى استخدام غير مسؤول للموارد، بينما تحتاج القارة إلى الإسراع في حل النزاعات وتعزيز آليات التعاون البحري والشاطئي ، حيث سيوفر ذلك أسسا للعمل بين الدول وتطوير استراتيجيات لسد الفجوات الفنية والبنية التحتية، فقد أطلق الاتحاد الأفريقي استراتيجيته البحرية المتكاملة لعام 2050 في محاولة لتوفير إطار عريض لحماية الموارد البحرية لأفريقيا واستغلالها المستدام من خلال إنشاء منطقة بحرية مشتركة حصرية في إفريقيا وهي مساحة بحرية مشتركة تهدف إلى تعزيز التجارة وحماية البيئة ومصايد الأسماك، وتبادل المعلومات وتعزيز أنشطة حماية الحدود والدفاع، كما أطلق البنك الدولي البرنامج العالمي لمصايد الأسماك وهو صندوق اتئماني متعدد المانحين يركز على تحسين الاستدامة البيئية ورفاهية الإنسان والأداء الاقتصادي في مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في العالم، وبينما لا يزال مفهوم الاقتصاد الأزرق جديدا على الصعيدين الدولي والإقليمي، فإنها هي قليلة جدا بلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا التي تمتلك استراتيجية وطنية واضحة لاستغلال الموارد البحرية والساحلية بشكل مستدام ومندمج.