شبكة بيئة ابوظبي: المهندس محمد بنعبو خبير في المناخ والتنمية المستدامة، المملكة المغربية، 04 يونيو 2021
تحت شعار “استعادة النظم البيئية” تستضيف العاصمة إسلام أباد الاحتفالات الرسمية ليوم البيئة العالمي 2021 بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وسيركز احتفال هذه السنة على إعادة تأسيس علاقتنا مع الطبيعة مع الإطلاق الرسمي لعقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم البيئية 2021-2030، ويقام يوم البيئة العالمي يوم 5 يونيو من كل عام لتعزيز الوعي والعمل لصالح البيئة في العالم وعلى مر السنين نمت هذه المبادرة لتصبح أكبر منصة في العالم للوعي العام البيئي، وتخطط باكستان لبرنامج إعادة التشجير الذي يعتبر الأكثر طموحا في العالم لتوسيع واستعادة غابات البلاد من خلال زراعة الأشجار في المناطق الحضرية بما في ذلك المدارس والكليات والحدائق العامة والأحزمة الخضراء حيث أطلقت باكستان صندوق استعادة النظام الإيكولوجي لدعم الحلول القائمة على الطبيعة لتغير المناخ وتسهيل الانتقال إلى المبادرات المركزة على البيئة والمرنة والتي تغطي التشجير والحفاظ على التنوع البيولوجي، بينما أطلقت باكستان مؤخرا مبادرة المناطق المحمية لتطوير خمسة عشرة منطقة محمية نموذجية في جميع أنحاء البلاد للحفاظ على أكثر من 7300 كيلومتر مربع من الأراضي وخلق أكثر من 5500 فرصة عمل خضراء، وستركز باكستان على القضايا البيئية عبر عرض مبادراتها ودورها في الجهود العالمية.
لقد أظهرت باكستان ريادة حقيقية في الجهود المبذولة لاستعادة غابات البلاد وبالتالي فهي تستحق استضافة يوم البيئة العالمي 2021 وقيادة مسؤولية جميع الدول لاستعادة النظم البيئية المتضررة كجزء من عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام البيئي، ويهدف عقد الأمم المتحدة إلى تكثيف جهود استعادة النظم البيئية المتدهورة والمدمرة إلى حد كبير لمكافحة أزمة المناخ، ومنع فقدان مليون نوع وتحسين الأمن الغذائي وإمدادات المياه والموارد حيث يمكن أن تساعد إعادة تنشيط مصارف الكربون الطبيعية مثل الغابات وأراضي الخث في سد فجوة الانبعاثات المناخية بنسبة 25٪ بحلول عام 2030، وقد تساعد زراعة أنواع الأشجار المحلية أيضا في التخفيف من بعض الانبعاثات المناخية، الآثار المدمرة المتوقعة للاحتباس الحراري مثل زيادة مخاطر حرائق الغابات، حاليا يعاني 3.2 مليار شخص أو 40٪ من سكان العالم من التدهور المستمر للنظم البيئية، على سبيل المثال من خلال فقدان إمكانية الوصول إلى التربة الخصبة أو مياه الشرب، وسيستمر عقد الأمم المتحدة من 2021 إلى 2030 وهو أيضا الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والعام الذي عرف العلماء أنه من الضروري تجنب أسوأ آثار تغير المناخ، ولتحقيق الاستعادة على النطاق المطلوب يجب تقديم الحوافز والاستثمارات المالية لتغيير طريقة استخدام الأراضي والمحيطات في البحث والتعليم وإلهام حركة الأشخاص والشركات والحكومات من خلال الاحتفال بالنجاحات.
الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة بين التفعيل والتوصيات
”انتهى وقت المحادثات والمفاوضات، وانطلق سباق التعاون لاستعادة التوازن العالمي” على إيقاع هذا الخطاب القوي الذي وجهه الناشط البيئي الهندي أفروز شاه للمندوبين والذي تم تكريمه من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة باعتباره بطلا للأرض على هامش أشغال الجلسة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة جلسة أوصت بالحث على المزيد من العمل، والمزيد من التعاون، والمزيد من التمويل، والمزيد من الطموح، والتزام أقوى بمكافحة الأزمات البيئية وإعادة بناء المجتمعات التي دمرها وباء كوفيد19، حيث لم يكن لدى المشاركين أدنى شك في أن يكون عام 2021 نقطة تحول كبيرة إذا أراد العالم تأمين مستقبل الأجيال القادمة، يمكن للناس والكوكب فيه الازدهار معا: “إذا لم نتحرك فسوف ترث الأجيال القادمة كوكبا من الاحتباس الحراري به المزيد من الكربون في الغلاف الجوي أكثر من 800000 عام من الآن، ما لم نتحرك ستعيش الأجيال القادمة في مدن مدمرة، من البصرة إلى لاغوس، من مومباي إلى هيوستن، ما لم نتخذ إجراء ستكون الأجيال القادمة محظوظة إذا تمكنت من اكتشاف وحيد القرن الأسود، وما لم نتحرك سيتعين على الأجيال القادمة أن تتعايش مع نفاياتنا السامة وهو ما يكفي كل عام لملء 125 ألف حمام سباحة بالحجم الأولمبي” تؤكد إنغر أندرسون المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وأكد وزير البيئة والمناخ النرويجي سفينونغ روتيفتان: “سنواجه مخاطر وبائية متكررة في المستقبل إذا حافظنا على أنماطنا الحالية غير المستدامة في تفاعلاتنا مع الطبيعة” مضيفا: “أعتقد أننا اكتشفنا خلال هذه الفترة من الأزمة مدى اعتماد صحتنا ورفاهيتنا على الطبيعة والحلول التي توفرها الطبيعة.”
وتعتبر هذه الجمعية هيئة عالمية تقريرية تختص بشؤون البيئة، وتقوم بمناقشة السياسات الخاصة بوضع خارطة طريق عالمية في مجال البيئة وباعتماد قرارات استراتيجية واقتراح توجيهات سياسية، فضلا عن دراسة برنامج عمل وميزانية برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتجتمع هذه الجمعية مرة كل سنتين، حيث أكد الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي يستضيف مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في العاصمة نيروبي عن الحاجة إلى العمل بسرعة، “من الواضح بشكل متزايد أن الأزمات البيئية هي جزء من الطريق أمامنا: حرائق الغابات ، والأعاصير ودرجات الحرارة المرتفعة القياسية وقشعريرة الشتاء غير المسبوقة وأوبئة الجراد والفيضانات والجفاف أصبحت كلها أمورًا سائدة لدرجة أنها لا تتصدر العناوين دائما” يؤكد الرئيس الكيني، ويضيف: “تدق هذه الأحداث المناخية غير المواتية على نحو متزايد جرس تحذير يدعونا إلى مواجهة أزمات الكواكب الثلاث التي تهدد مستقبلنا الجماعي: أزمة المناخ وأزمة التنوع البيولوجي والطبيعة وأزمة التلوث والنفايات”
وتعهدت الدول الأعضاء بالعمل معا ووصفت أيضا الإجراءات التي تم اتخاذها بالفعل على المستوى الوطني، مثل الجهود المبذولة لحماية أشجار المانغروف والأراضي الخثية والغابات أو معالجة التلوث والنفايات، بما في ذلك المواد البلاستيكية للاستخدام الفردي، حيث وافقت الجمعية على إعلان نهائي يحذر من أن “صحة الإنسان ورفاهيته تعتمد أكثر من أي وقت مضى على الطبيعة والحلول التي توفرها، ونحن ندرك أننا سنواجه مخاطر متكررة من الأوبئة المستقبلية، إذا حافظنا على أنماطنا الحالية غير المستدامة في تفاعلاتنا مع الطبيعة. ”
قالت أندرسن من برنامج الأمم المتحدة للبيئة: “تتمثل الإستراتيجية في تغيير الطريقة التي يعمل بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ويشارك فيه الدول الأعضاء ووكالات الأمم المتحدة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومجموعات الشباب حتى نتمكن من أن نصبح أقوى وأسرع وأقوى”، تهدف هذه الاستراتيجية إلى توفير البيانات العلمية والمعرفة للحكومات، وتتعلق الإستراتيجية أيضا بالعمل الجماعي مما يخرجنا من وزارات البيئة لقيادة العمل”، حيث من المقرر أن يعقد الجزء الثاني من برنامج الجلسة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة العام المقبل على أمل أن يجتمع المندوبون حضوريا بعيدا عن الإجراءات الوقائية التي فرضتها جائحة كورونا، بعدما تدارست الجمعية استراتيجية برنامج الأمم المتحدة المتوسطة المدى 2022 -2025.
عقد علوم المحيطات
وبعد الإعلان عن عقد فعلي لعلوم المحيطات من أجل التنمية المستدامة أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفترة 2021-2030 “عقد استعادة النظم البيئية” معربة عن قلقها إزاء فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية بسبب تدهور الأراضي، ويهدف إعلان “عقد استعادة النظام الإيكولوجي” إلى دعم وتكثيف الجهود المبذولة لمنع ووقف وعكس اتجاه تدهور النظم الإيكولوجية في جميع أنحاء العالم، وهذا ما يتطلب زيادة الوعي العام بأهمية الاستعادة الناجحة لهذه النظم البيئية، ويمثل هذا التدهور حاليا، وفقا للأمم المتحدة أكثر من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وقدمت لينا دولوريس بول ألفارو وزيرة البيئة في السلفادور العقد باعتباره: “إطار عمل لتنشيط الاتفاقات المتعددة الأطراف القائمة وتعزيز أوجه التآزر التي ستيسر تنفيذ برنامج التنمية المستدامة في أفق 2030”.
ويؤثر تدهور النظم البيئية سلبا على ما يقرب من 3.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم ويزيد من التعرض لتغير المناخ، وتعتقد الأمم المتحدة أن تغيير هذا الواقع لا يزال ممكنا خاصة وأن استعادة النظم البيئية يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الأمن الغذائي والإجهاد المائي والتكيف مع تغير المناخ وتدابير التخفيف.
أهداف عقد استعادة النظم الإيكولوجية
شدد الإعلان النهائي للجلسة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة على أن العديد من الأهداف 17 للتنمية المستدامة لعام 2030 والمتعلقة باستعادة النظام البيئي يجب الوفاء بها، ومن ثم الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة حيث وفقا للعقد: “الغابات والأراضي الرطبة والمناطق القاحلة والنظم البيئية الطبيعية الأخرى ضرورية للتنمية المستدامة ولتخفيف حدة الفقر ولتحسين رفاهية الإنسان”، كما شدد الإعلان على: “أهمية اعتماد نهج النظام الإيكولوجي الذي يهدف إلى الاستخدام المتكامل للأراضي والمياه والأنواع الحية، وعلى ضرورة مضاعفة الجهود لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي والتعرية والجفاف وفقدان التنوع البيولوجي وندرة المياه والتي تعتبر من العقبات الرئيسية أمام التنمية المستدامة للكوكب بأبعادها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية “.
عقد لتعبئة الموارد والبحث العلمي
بمجرد إطلاق “عقد استعادة النظام الإيكولوجي” أصبحت الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة مطالبة بتعبئة الموارد المالية واللوجستيكية ودعم البحث العلمي والتعاون المؤدي إلى استعادة النظام الإيكولوجي على جميع المستويات، حيث أصبح من المستعجل وضع سياسات وخطط لمنع تدهور النظام البيئي، كما يجب على الدول الأعضاء تعزيز المبادرات الموجودة في هذا الاتجاه، وفي نفس السياق يدعو الإعلان “برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لقيادة تنفيذ العقد عبر تحديد وتطوير الأنشطة والبرامج الممكنة”، عقد علمي سيكلف هيئة الأمم المتحدة ما لا يقل عن 27200 دولار ، وتعد حيوية وتنوع النظم الإيكولوجية للأرض أساسية لازدهار الإنسان ورفاهيته، ومع ذلك فإننا نحط من قدر هذه الموارد الثمينة بطرق تنذر بالخطر، لهذا يمثل عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي فرصة للمساعدة في عكس الاتجاه ومنح الناس والطبيعة مستقبلا مستداما
الأنظمة البيئية وأنواع استعادتها:
الأنظمة البيئية المائية للمياه العذبة
توفر النظم الإيكولوجية ذات المياه العذبة الغذاء والماء والطاقة لملايير البشر وتحمينا من الجفاف والفيضانات، وتوفر موطنا فريدا للعديد من النباتات والحيوانات، بما في ذلك ثلث جميع أنواع الفقاريات، وتتراوح هذه النظم البيئية من غابات المانغروف التي تحمي سواحلنا من موجات المد والتعرية إلى البحيرات والأنهار الداخلية التي تعج بالأسماك والأراضي الرطبة التي ترشح وتدفق المياه بشكل معتدل مع تخزين كميات كبيرة من الكربون.
تدهورت النظم الإيكولوجية للمياه العذبة بشكل خاص فهي تواجه التلوث الناجم عن المواد الكيميائية والبلاستيكية والصرف الصحي، فضلا عن الصيد الجائر والاستغلال المفرط للمياه لري المحاصيل وتوليد الطاقة وتزويد الصناعة وجلب المياه للمنازل، حيث تواجه الأنهار تأثيرات إضافية من السدود والأنابيب واستخراج الرمال والحصى، ويتم استنزاف الأراضي الرطبة لتزويد المجالات الزراعية، مع خسارة حوالي 87٪ على مستوى العالم على مدى 300 عام الماضية، وأكثر من 50٪ منذ عام 1900، فواحدة من كل ثلاثة أنواع من النظم البيئية المائية للمياه العذبة مهددة بالانقراض.
وقد تتضمن حماية واستعادة النظم البيئية المائية للمياه العذبة تحسين جودة المياه، على سبيل المثال عن طريق معالجة جميع مياه الصرف الصحي قبل تصريفها وطرحها في الوسط الطبيعي مباشرة، حيث يجب مراقبة قطاعات الصيد والتعدين، بينما يمكن إزالة السدود أو تصميمها بشكل أفضل لاستعادة اتصال النهر، بينما يمكن إدارة استخراج المياه للحفاظ على الحد الأدنى من التدفق، إن إعادة تدفق المياه في أراضي الخث والأراضي الرطبة الأخرى إلى المستويات الطبيعية يعيد قدرتها على منع وصول الكربون المخزن إلى الغلاف الجوي.
الأنظمة البيئية البحرية: المحيطات
يطلق على كوكب الأرض لقب الكوكب الأزرق لكون المحيطات والبحار تغطي أكثر من 70٪ من الأرض، فالمحيطات تغذينا وتنظم مناخنا، وتولد معظم الأكسجين الذي نتنفسه، إنها تدعم القطاعات الرئيسية للاقتصاد مثل السياحة وصيد الأسماك وهي موطن للتنوع البيولوجي للحيتان القائم على العوالق في موائل تتراوح من الشعاب المرجانية المضاءة بنور الشمس إلى المحيطات القطبية.
وتواجه المحيطات والسواحل على الرغم من أهميتها تهديدات غير مسبوقة، تدخل ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية محيطات العالم وتضر بالكائنات مثل الطيور البحرية والسلاحف وسرطان البحر، يؤدي تغير المناخ إلى الإضرار بالشعاب المرجانية والنظم الإيكولوجية الرئيسية الأخرى، يقوم الناس بقطع الكثير من الأخشاب من غابات المانغروف وتنظيفها من مزارع الأسماك والأنشطة الأخرى، يهدد الصيد الجائر استقرار الأرصدة السمكية، كما يساهم تلوث المغذيات في إنشاء مناطق ميتة في المحيطات بينما يتم تصريف ما يقرب من 80٪ من مياه الصرف الصحي مباشرة في الأوساط البيئية المائية دون معالجة.
بينما ترمي استعادة المنظومات البيئية البحرية سواء كانت محيطات أو سواحل إلى تقليل الضغط على هذه النظم البيئية البحرية حتى تتمكن من التعافي، سواء بشكل طبيعي أو عن طريق إعادة زرع الأنواع البيولوجية الرئيسية، كما يعني فهم كيفية جعل النظم البيئية البحرية والمجتمعات أكثر مرونة في مواجهة تغير المناخ، على سبيل المثال تحتاج الحكومات والمجتمعات إلى جعل صيد الأسماك مستداما، كما يجب التعامل مع الملوثات قبل وصولها إلى المحيط، كما يجب استبعاد النفايات الصلبة مثل البلاستيك تماما، ويجب أن تحمي المدن الساحلية المتنامية النظم البيئية الساحلية، لا أن تحل محلها، ويجب إدارة الشعاب المرجانية وأشجار المانغروف وأحواض الأعشاب البحرية بعناية واستعادتها بشكل فعال حتى تستمر المحيطات في دعم مليارات من سبل العيش حول العالم.
لماذا حماية المنظومات المائية البحرية؟
لكن على الرغم من أهميتها تواجه المحيطات تهديدات غير مسبوقة من النشاط البشري، حيث ينتهي كل عام المطاف بحوالي 8 ملايين طن من النفايات البلاستيكية في محيطات العالم وفي الوقت نفسه يؤدي تغير المناخ إلى الإضرار بالشعاب المرجانية والنظم الإيكولوجية الرئيسية الأخرى، وتلعب جمعية الأمم المتحدة للبيئة دورا هاما في مواجهة هذه التحديات بشكل مباشر، من خلال تنسيق عمل مشترك مع الحكومات والشركات والأوساط الأكاديمية والعلمية والمجتمع المدني في جميع أنحاء العالم لتعزيز الحماية والإدارة المستدامة للبيئة البحرية والساحلية الثمينة، من خلال دعم تنزيل أهداف التنمية المستدامة في أفق عام 2030 ولا سيما الهدف 14 والمتعلق بالحياة تحت الماء.
مبادرة الاقتصاد الأزرق المستدام
يعد المحيط الصحي أمرا ضروريا لمستقبل مستدام لكل من الإنسان والكوكب، ويمكن لتسخير موارد محيطاتنا وسواحلنا أن يقطع شوطا طويلا في تلبية هذا الطلب، حيث من الضروري القيام بذلك بطريقة مستدامة، حيث على مدار ثلاثين سنة مضت تسبب الصيد الجائر والتلوث والتنمية الساحلية وتغير المناخ في انخفاض يقدر بنحو 50٪ في الشعاب المرجانية، مما يعرض سبل العيش والقدرة على الحد من مخاطر الكوارث ويعرض التنوع البيولوجي البحري للخطر.
وتهدف “مبادرة الاقتصاد الأزرق المستدام” التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى تيسير الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستدامة القائمة على المحيطات داخل حدود الكوكب للمحيطات والسواحل، من خلال المشاركة مع البلدان والبحار الإقليمية والعديد من الشركاء، فإنها تسعى إلى تحسين عملية صنع القرار والظروف والقدرات التي تفضي إلى تطوير وتنفيذ سياسات واستراتيجيات وحلول مستدامة ومرنة، المناخ والاقتصاد الأزرق الشامل الذي يقلل من الآثار البشرية ويدعم العقلانية استخدام النظم البيئية البحرية والساحلية وخدماتها العديدة، ويتم تطوير دعم قرار الاقتصاد الأزرق المستدام وإطار تمكين ومنصة تعليمية للمساعدة في توجيه رسم الخرائط وتقييم وتقييم النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية وخدماتها، ووضع مسارات السياسة الاقتصادية الدائرية والموفرة للموارد واستراتيجيات الحد من التلوث، وسن مبادئ الحكامة والإدارة من أجل الاستخدام الأمثل لمساحة المحيطات ومواردها، ووضع مبادئ تمويل الاقتصاد الأزرق المستدام مع التركيز على بناء القدرات وترجمة المعرفة إلى أفعال، ويشمل عمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن الاقتصاد الأزرق الأفراد والمبادرات عبر المنظمة، بما في ذلك مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
الأنظمة الإيكولوجية الساحلية
يعمل برنامج الامم المتحدة للبيئة على حماية واستعادة النظم البيئية الساحلية “للكربون الأزرق” من أجل توفير خدمات النظام البيئي بشكل مستدام للإنسان والبيئة، وتغطي المانغروف والأعشاب البحرية للأنظمة الإيكولوجية الساحلية جزءا صغيرا من إجمالي مساحة المحيط، ولكنها مجتمعة موزعة على نطاق واسع عبر جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية، وتوجد أشجار المانغروف في 123 دولة حول العالم بمساحة تقدر بـ 15.2 مليون هكتار بينما توجد الأعشاب البحرية في 159 دولة تغطي أكثر من 30 مليون هكتار. هذه النظم الإيكولوجية عالية الإنتاجية وتشكل موائل غنية بيولوجيا وتلعب دورا رئيسيا في توفير سلع وخدمات النظام البيئي ذات القيمة الكبيرة لرفاهية الإنسان.
خلق المناطق البحرية المحمية
يعتبر خلق المناطق المحمية البحرية من بين أفضل الحلول للحفاظ على الموارد البحرية وإدارتها وحمايتها، حيث لا يمكننا البقاء بدون محيطات صحية، ومع ذلك فهي تتعرض للكثير من الضغط وللكثير من النشاط البشري ولسنوات عديدة عبر أنشطة الصيد الجائر واستخراج الموارد والسياحة والترفيه والتنمية الساحلية والتلوث وتدمير الموائل والتقليل من أعداد الأنواع البحرية بمعدل مخيف، إنه وضع سيئ يتفاقم بشكل واضح وسريع بسبب تغير المناخ، لقد فقدنا بالفعل نصف الشعاب المرجانية في العالم ففي عام 2016 وحده شهدنا موت امتداد 400 ميل من الحاجز المرجاني العظيم، بالإضافة إلى أنه نستهلك 31 في المائة من مخزون الأسماك بمستويات غير مستدامة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم قانونية الصيد البحري أو عدم الإبلاغ عن التجاوزات، باختصار نحن نستخدم موارد المحيط بشكل أسرع مما يمكن أن تتجدد بشكل طبيعي.
وتوفر المناطق البحرية المحمية أحد أفضل الخيارات للحفاظ على صحة محيطاتنا ومنع المزيد من التدهور، ويمكن أن تكون فعالة بشكل خاص عند تطويرها كجزء من حل إدارة أكبر، وهذا يمكن أن يوفر العديد من الفوائد، حيث تنشأ الفوائد البيئية من حماية الأنواع والموائل ووظائف النظام الإيكولوجي؛ بينما تنشأ المنافع الاجتماعية من مشاركة أصحاب المصلحة في التخطيط والتقاسم العادل للمنافع؛ وتنشأ الفوائد الاقتصادية من الاستخدام المستدام طويل الأجل للموارد الطبيعية ودخل السياحة، ويمكن أن تساعد هذه الفوائد مجتمعة في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك الحد من الفقر وتحسين الأمن الغذائي والتصدي لتغير المناخ.
وتساعد جمعية الأمم المتحدة للبيئة البلدان على إقرار الفعالية والاستخدام المنصف للمناطق البحرية المحمية من خلال توفير الخبرة الفنية ودعم بناء القدرات بشأن إدارة المناطق البحرية المحمية واستخدامها في أنظمة إدارة المناطق البحرية المحمية المتكاملة والمحيطات والسواحل.
المناطق المحمية البحرية بين الحكامة والفعالية
وتعتمد حياة الإنسان على فوائد المحيط للصحة والرفاهية والنمو الاقتصادي، لكننا نستخدم موارد المحيط بشكل أسرع مما يمكنها أن تتجدد بشكل طبيعي، هناك فجوة متزايدة بين تدهور صحة المحيط والطلب المتزايد على فوائده، يتطلب ضمان صحة المحيطات والسواحل للمساهمة في التنمية المستدامة تغييرات كبيرة في الطريقة التي ندير بها أنشطتنا في المناطق الساحلية والبحرية وحولها، إن الحاجة إلى التغيير واضحة لأن آثار الاستغلال المفرط والتلوث والتنمية الساحلية وتغير المناخ على المحيطات والسواحل أصبحت واضحة بشكل متزايد.
وتوفر المناطق البحرية المحمية أحد أفضل الخيارات للحفاظ على أو استعادة صحة المحيطات والنظم الإيكولوجية الساحلية، خاصة عندما تكون جزءا من سياسة شاملة وأنظمة إدارة متكاملة، وتعتبر الإدارة القوية التي تؤثر على السلوك البشري وتقلل من التأثيرات على النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية ضرورية للمناطق البحرية المحمية لتكون فعالة حقا، وتعترف أهداف التنمية المستدامة وأهداف المحيطات بالحاجة إلى الجمع بين حفظ التنوع البيولوجي والاستخدام المستدام مع دور واضح للناس وتقاسم عادل للتكاليف والفوائد.
يبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن للحكامة الجيدة والمتكاملة أن تجمع بين أدوار الحكومات الوطنية والمجتمعات المحلية وأنظمة السوق لتحسين فعالية المناطق البحرية المحمية؟ حيث لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، لذلك توفر هذه المبادئ التوجيهية نهجا مرنا للإدارة قد يكون ذا صلة بأي منطقة محمية بحرية، وتغطي مجموعة من الدراسات مجموعة متنوعة من أنواع المناطق المحمية البحرية بما في ذلك المناطق المحمية غير المحصودة والمتعددة الاستخدامات والصغيرة والكبيرة والنائية والخاصة والتي تقودها الحكومة واللامركزية والتي يقودها المجتمع، وهي تسلط الضوء على مناهج الحكامة المختلفة والتحديات التي تم مواجهتها والحلول المطبقة لتحقيق أهداف الحفظ، ومن حيث النطاق العالمي لابد ان نأخذ بعين الاعتبار الجوانب الأساسية للجنس والطبقة والعرق كعوامل أساسية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وضمان الإدارة الفعالة والعادلة للمناطق البحرية المحمية.
وتبرز كينيا كدولة رائدة في معالجة التلوث البلاستيكي وهي واحدة من أوائل الدول في شرق إفريقيا للحد من المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد والتوقيع على مبادرة البحار النظيفة للتخلص من تيارات النفايات البلاستيكية، فقد أشادت جولييت بياو المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لإفريقيا لحظر كينيا للزجاجات البلاستيكية والأكواب وأدوات المائدة في حدائقها الوطنية العام الماضي، وهي خطوة أعقبت حظرا على مستوى البلاد للأكياس البلاستيكية، كما وصفت جهود كينيا لوقف تدفق البلاستيك في مجاريها المائية بأنها خطوة مهمة في تقليل النفايات البحرية، “استثمرت كينيا بكثافة في السياسات وإنفاذ القانون لكسب المعركة ضد التلوث البلاستيكي, إن نتيجة هذا الاستثمار تعمل الآن على تعزيز الإدارة البيئية في كينيا في إفريقيا وحول العالم” تؤكد جولييت بياو خلال مشاركتها في الاجتماع الافتراضي للدورة الخامسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة المنعقد في نيروبي يومي 22 و23 فبراير 2021.
عانت كينيا مثل العديد من البلدان ومنذ فترة طويلة من النفايات البلاستيكية التي تتناثر على ساحل المحيط الهندي وغالبا ما تعج بها بحيراتها، في مومباسا ثاني أكبر مدينة في البلاد حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 2 مليون نسمة يتسرب 3.7 كيلوجرام من البلاستيك للفرد إلى المسطحات المائية كل عام.
المنظومة البيئية الغابوية
تجعل الغابات والأشجار الأرض صالحة للعيش، فهي توفر لنا الهواء النظيف والمياه من خلال تخزين كميات كبيرة من الكربون وتهدئة حدة تغير المناخ، بالإضافة الى أنها تشكل دفاعا أساسيا ضد الاحتباس الحراري فهي موطن لمعظم التنوع البيولوجي المذهل على هذا الكوكب، وهي توفر الظل والترفيه والشعور بالرفاهية، وتدعم سبل عيش مليارات الأشخاص حول العالم، ورغم كل هذه الخدمات التي تقدمها تتعرض النظم الإيكولوجية للغابات لضغوط شديدة من جراء تزايد عدد السكان وتعطشهم لمزيد من الأراضي والموارد.، حيث على الصعيد العالمي نفقد سنويا حوالي 4.7 مليون هكتار من الغابات المطيرة وهي مساحة بحجم جمهورية الدومينيكان أو سلوفاكيا، لإفساح المجال للمنتجات الزراعية مثل زيت النخيل ولحم البقر، فاليوم العديد من الغابات المتبقية تدهورت جراء قطع الأشجار وقطع الحطب والتلوث والآفات الغازية، حتى الأشجار خارج الغابات تختفي لإفساح المجال للمنازل والطرق والسدود والزراعة المكثفة كما يمكن أن تؤدي حرائق الغابات التي تفاقمت بسبب تغير المناخ إلى تدمير النظم الإيكولوجية للغابات.
وتتضمن استعادة النظم الإيكولوجية للغابات عودة الأشجار إلى أراضي الغابات السابقة وتحسين حالة الغابات المتدهورة، بالإضافة إلى زراعة أنواع الأشجار المحلية، يمكن أن يشمل ذلك الحفاظ على النباتات والحيوانات البرية، وحماية التربة ومصادر المياه التي تشكل جزءا من النظام البيئي للغابات، وتعتبر الأرض التي تم تطهيرها للزراعة والتي أصبحت غير صالحة مثالية لاستعادة الغابات، في الغابات الحالية يمكن زراعة الأنواع المحلية لتجديد الغطاء الشجري، في بعض الحالات تنمو أشجار الغابات بشكل طبيعي، حيث يمكن أن تعني استعادة الغابات أيضا الحفاظ على بقع من الغابات والأخشاب في المناظر الطبيعية التي تشمل أيضًا المزارع والقرى المزدحمة.
المنظومات البيئية الجبلية
وتحتل الجبال حوالي ربع مساحة الأرض، وهي موطن لمعظم النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي حيث توفر المياه العذبة لنحو نصف البشرية، بينما توجد الجبال في جميع القارات وتضم العديد من النظم البيئية التي تضم العديد من الأنواع الفريدة مثل النمور الثلجية والغوريلا الجبلية، كما أنها موطن لتنوع ثقافي كبير بين الناس المتكيفين مع تحديات الحياة الجبلية حيث تجذب تقاليدهم الخاصة ومناظرهم الطبيعية الخلابة عددا متزايدا من السياح، وتبقى المناطق الجبلية حساسة بشكل خاص للتدهور بسبب الضغوط البشرية وتغير المناخ كما من الممكن أن تتسبب الزراعة أو المستوطنات أو البنية التحتية في تآكل شديد للتربة وكذلك فقدان الموائل، حيث يؤثر التآكل والتلوث على جودة المياه المتدفقة في اتجاه مجرى النهر، ويهدد تغير المناخ كمية وتوقيت إمدادات المياه للمزارع والمدن والصناعة ومحطات الطاقة، ويؤدي الارتفاع السريع في درجات الحرارة إلى إجبار الأنواع الجبلية والنظم الإيكولوجية والأشخاص الذين يعتمدون عليها على التكيف أو الهجرة.
إن استعادة النظم الإيكولوجية الجبلية تعني النظر في المناظر الطبيعية بأكملها، حيث يمكن للحلول القائمة على الطبيعة بما في ذلك زيادة الغطاء الحرجي والحفاظ على التربة وحماية تدفقات المياه والحماية من الكوارث الطبيعية مثل الانهيارات الجليدية والانهيارات الأرضية والفيضانات، كما يمكن تخطيط البنية التحتية مثل السدود والطرق لتجنب تجزئة الأنهار والموائل الأخرى، ويمكن أن تكون التقنيات الزراعية مثل الحراجة الزراعية أكثر مرونة في مواجهة الظروف الجوية المتغيرة ويمكن أن تكون معرفة السكان الأصليين موردا حيويا للحفاظ على الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية.
المنظومات البيئية للمراعي والشجيرات والسافانا
من أوراسيا وباتاغونيا إلى إفريقيا وأستراليا، تعد الشجيرات والأراضي العشبية والسافانا من أكثر النظم البيئية تنوعا على هذا الكوكب، هذه النظم البيئية هي عناصر رئيسية للمراعي التي يستخدمها الرعاة للإنتاج الحيواني على نطاق واسع، كما أنها موطن للحياة البرية الشهيرة من الأسود ووحيد القرن إلى آكلات النمل العملاقة واللولب فضلاً عن الأنواع الرئيسية من الطيور والحشرات مما يجعلها أولوية الحفاظ عليها وجذب السياح، فهذا هو المكان الذي تطور فيه البشر منذ ملايين السنين.
من خلال الاستغلال المفرط للشجيرات والمروج وللسافانا ونظرا لسوء الإدارة يتم تحويل النقاط الساخنة الإنتاجية مثل المناطق الواقعة على طول الأنهار حيث تكون المغذيات والوصول إلى المياه عالية إلى أراض زراعية، تاركة وراءها المناطق الأقل إنتاجية والجافة والفقيرة بالمغذيات، هذه الآن أكثر صعوبة في استخدامها وحدها. يمكن أن يؤدي الإفراط في الرعي والإدارة السيئة إلى تعريض التربة للتعرية والسماح للشجيرات والأنواع الغريبة بالغزو بسرعة عالية، مما يؤدي إلى إزاحة الغطاء النباتي المحلي، وتزداد النزاعات بين الحياة البرية والبشر حيث يتم التعدي على هذه المناطق.
ولاستعادة هذه المناطق هناك العديد من الممارسات الجيدة التي يجب تعلمها، حيث تشمل التدابير التي تساعد على انتعاش الشجيرات المتدهورة والأراضي العشبية والسافانا إزالة الغطاء النباتي الخشبي وإعادة بذر الأعشاب المحلية، ويمكن إعادة تقديم النباتات والحيوانات المستأصلة وحمايتها من الافتراس والصيد حتى يتم ترسيخها، يجب أن يتم غرس الأشجار بعناية مع مراعاة التركيب الطبيعي لهذه النظم البيئية والحفاظ على الموائل الطبيعية للأنواع مثل الطيور المحبة للأراضي العشبية.
إن استعادة الشجيرات والمروج والسافانا تعني العمل مع أولئك الذين يستخدمون الأرض ”الرعاة أو غيرهم”، ويجب أن يظل استخراج الموارد مثل المياه والأخشاب والحياة البرية والمعادن أو منتجات الغابات غير الخشبية مستداما ويتساوى في الأهمية مع تعزيز أنظمة الحكم مثل تأمين الأراضي والإدارة التشاركية للمراعي.
المنظومات البيئية للمناطق الحضرية
تحتل المناطق الحضرية أقل من 1٪ من سطح الأرض، لكنها موطن لأكثر من نصف سكانها وعلى الرغم من فولاذهم وخرسانتهم إلا أن حشودهم وحركة المرور والبلدات والقرى لا تزال أنظمة بيئية تؤشر حالتها بعمق على جودة حياتنا، حيث تساعد النظم البيئية الحضرية العاملة على تنقية الهواء والماء وتبريد جزر الحرارة الحضرية، ودعم رفاهيتنا من خلال حمايتنا من المخاطر وتوفير فرص للراحة واللعب، كما يمكنها استيعاب قدر مذهل من التنوع البيولوجي.
وتمثل النظم البيئية الحضرية تحولا جذريا في المساحات الطبيعية التي حلت محلها وغالبا ما تتدهور بشدة نظرا لسوء التخطيط الذي يغلق الأرضيات ويترك مساحة صغيرة للنباتات في وسط المنازل والطرق والمصانع، وللتلوث بالنفايات وبالانبعاثات الناتجة عن الصناعة وبحركة المرور والمنازل الممرات المائية والتربة والهواء كما يؤدي الزحف العمراني غير المنضبط إلى ابتلاع المزيد والمزيد من الموائل الطبيعية والأراضي الزراعية الخصبة.
وتتطلب استعادة النظم البيئية الحضرية الوعي والالتزام من جانب المواطنين وصناع القرار، كما يجب وضع المساحات الخضراء في قلب تخطيط المدن حيث يمكن لجمعيات المجتمع المدني ومسؤولي المدينة تنظيف الساحات، توفير المياه وزراعة الأشجار وإنشاء الغابات الحضرية وغيرها من موائل الحياة البرية في الحدائق والمدارس والأماكن العامة الأخرى، كما يمكن للأرصفة القابلة للنفاذ والأراضي الرطبة الحضرية أن تحمي المدن والمراكز الحضرية من الفيضانات والتلوث، كما يمكن إعادة تأهيل المناطق الصناعية الملوثة وتحويلها إلى محميات طبيعية حضرية وأماكن للترفيه والاسترخاء.
المنظومات البيئية لأراضي الخث
توجد أراضي الخث في أكثر من 180 دولة، وهي أنظمة بيئية حيوية وقوية، على الرغم من أنها تغطي 3٪ فقط من أراضي العالم إلا أنها تخزن ما يقرب من 30٪ من كربون التربة، إنها تقدم خدمات حيوية مثل التحكم في إمدادات المياه ومنع الفيضانات والجفاف، وتزويد الكثير من الناس بالطعام والوقود، كما أنها موطن للنباتات والحيوانات النادرة التي لا يمكنها البقاء إلا في هذه البيئات المائية الفريدة.
على الرغم من أهميتها فإن أراضي الخث تتعرض للتجفيف في جميع أنحاء العالم وتحويلها إلى الزراعة وتطوير البنية التحتية والتعدين واستكشاف النفط والغاز، كما تتدهور أراضي الخث بسبب الحرائق والرعي الجائر والتلوث بالنيتروجين واستخراج الخث كوقود وكوسيط متنامي، هذا على الرغم من أنها لا تغطي سوى 0.4٪ من سطح الأرض في العالم، إلا أن أراضي الخث المستنزفة مسؤولة عن أكثر من 5٪ من انبعاثات الكربون وأكثر من ذلك بكثير عندما تحترق.
ولتحقيق الهدف المتمثل في الحفاظ على متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية أقل من 2 درجة مئوية هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للاحتفاظ بكربون الخث أينما كان – رطبا وفي التربة. في الوقت نفسه، نحتاج إلى إعادة ترطيب واستعادة العديد من أراضي الخث المستنزفة والمتدهورة بالفعل لوقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وحماية الفوائد الأخرى التي توفرها، كما يمكن أن تكون حماية أراضي الخث واستعادتها حلا طبيعيا غير مكلف ومنخفض التقنية وعالي التأثير للعمل المناخي والتنوع البيولوجي.
في انتظار الجلسة المقبلة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة المنتظرة في شهر فبراير 2022 والتي من المفروض أن تكون حضورية، يجب أن يرى العالم طموحات متزايدة للحد من غازات الاحتباس الحراري، وإطار عمل قوي لما بعد عام 2020 لحماية تنوعنا البيولوجي الثمين، والتزاما بإدارة المواد الكيميائية ومكافحة تغير المناخ والتلوث البلاستيكي.
وشكلت هذه الجمعية بداية عام من الاجتماعات الحاسمة بشأن جميع هذه القضايا، مع اجتماع الدول الأعضاء في وقت لاحق من هذا العام، بما في ذلك مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في كونمينغ في الصين حيث ستعالج الدول هذه القضية: فقدان الأنواع والنظم البيئية، ثم إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في نسخته السادسة والعشرون في غلاسكو باسكتلندة حيث يتوقع من البلدان تقديم التزامات أكثر طموحا للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة: “إلى حد كبير تعتمد استدامة البشرية على هذا الكوكب على جهودكم من خلال القيادة والتصميم والالتزام تجاه الأجيال القادمة، أنا واثق من أنه يمكننا توفير كوكب صحي للبشرية جمعاء وليس فقط للبقاء على قيد الحياة لكن لتزدهر” واختتمت إنغر أندرسن قائلة: “العلم واضح وعلينا أن نغير أساليبنا وعلينا أن نتأكد من أن عام 2021 هو نقطة التحول تلك”.