شبكة بيئة ابوظبي: فلسطين، رام الله، كتب الباحث خالد أبو علي 20 يونيو 2021
أذكر أننا كنا نتوسل إلى أمي عندما كنا صغاراً، لتسمح لنا باللعب في حديقة الجده الخلفية المليئة بأشجار الليمون والزنزلخت والصبار التي كانت تعتني بها جدتي، مرت أعوام منذ ذلك الحين، حتى بدأ عشقنا وشغفنا للطبيعه يزداد يوما بعد كون مدينة جنين كانت مليئة بالأشجار الحرجية الغابية في الجبال والمحميات الطبيعية
اليوم بات الأطفال يتوسلون إلى أمهاتهم لقضاء ساعة إضافية أمام التلفاز، أو لعب مزيد من ألعاب الفيديو أو اللعب مدةً أطول بأجهزتهم الذكية ، التغير الهائل الذي فرضته التكنولوجيا على سلوكيات أطفال العصر الحديث جعلهم معرَّضين بشدة للإصابة بما بات يُعرف ب اليوم ” اضطراب نقص الطبيعة” .
وهومصطلحاً حديثاً لا يُستخدم كتشخيص طبي؛ بل يشير فقط إلى المشاكل التي قد تترتب على ابتعاد الأطفال تدريجياً عن الطبيعة في العصر الحديث، والفجوة المتزايدة بين الأطفال والطبيعة، بسبب سيطرة التكنولوجيا من جهة وطغيان البناء على حساب المساحات الخضراء من جهة أخرى، وما يترتب على ذلك من مشاكل صحية ونفسية لدى الأطفال.
كانت الطبيعة والأحياء ملعب الأطفال الدائم في الماضي، ولطالما ارتبطت المساحات هذه بأصواتهم وركضهم وفرحهم، ولكن مع التطور التكنولوجي المتسارع أصبحت الأماكن التي تقدم الألعاب الإلكترونية أو شاشات اللوائح الإلكترونية والهواتف النقالة مرتعا الأطفال ومصدر اهتمامتهم لتمضية جل اوقاتهم فيها .
في مسارنا البيئي يوم الجمعه الماضيه بطول 11 كيلومتر ، والذي بدأ من بلدة “بيت ريما ” غرب مدينة رام الله كان لافتا جدا مشاركة عدد كبير من الأطفال كمرافقين مع اهاليهم من الفئة العمرية 7 ولغاية 17 سنه بعضهم شارك في مسارات سابقة فيما البعض الأخر يشارك لأول مرة .
واصل فريق ” امشي وتعرف على بلدك ” سيره الصباحي إلى وادي الليمون ، والذي اخذ اسمه من كثرة الحمضيات فيه، الواقع في واد سحيق شمال قرية عابود بمحافظة رام الله هذا الوادي الذي يشعرك بتاريخ عريق يعود الى آلاف السنين من خلال طريقها المزروع باشجار الزيتون المباركة ، اجتذبتنا أشجار الليمون المنتشرة بالوادي ورائحة الشومر البري ، وازهار غار الواد وشوك الجمال الأزرق وازهار القبار ، والزعتر ، ونبتة غاشية ،” وغاشية الليل” النادرة والوحيدة في فلسطين التى لا تنمو إلا في عابود ورائحة الميرمية التي تعبق في المكان وغيرها من النباتات البرية النادرة.
مررنا من بين اشجار الزيتون المعمرة واشجار السماق والبطم الفلسطيني والقتلب وتوت العليق الذي كان يملأ الوادي خضارا ، واسترحنا تحت تلك الأشجار، كان المنظر خلابا لدرجة إننا رغم الجو الحار ذهبنا لالتقاط الصور الجميلة لعيون الماء بالقرب من متنزه ومسبح يأتيه الناس للاستجمام في الأيام الحارة ومن اسماء هذه العيون والينابيع نبع ” ظهر القطان” و” عين الدلبي” و”عين الصابونة “، و”عين علم ” ، و” عين المغارة ” ، التي يستفيد من مياهها اصحاب المتنزهات في الوادي .
وبعد فترة من الاستراحة تحت عبق الأشجار اتجهنا إلى نبع ” عين الزرقاء ” على بعد أكثر من كيلو متر من وادي الليمون ، وصلنا سيرا على الأقدام إلى منبع العين وكنا منهكين تحت أشعة الشمس الحارقة، واقتربنا من مصبها وهي تنساب إلى الوادي ، لعب اطفال المسار بمياه النبع الأزلية التي كانت تنبع من جوف الوادي وصوت ضحكاتهم يعلو في المكان ، وأكثر ما استفز المشاركين في تلك الجولة البيئية أن المياه لا تستغل وتذهب مياهها هدرا، لا احد يهتم بها وهذا ترك أثرا حزينا لدى المتواجدين من الفريق .
بعد الاستمتاع بمياه عين الزرقاء واصل الفريق سيره نحو ” عين المنقاع ” الواقعة بين اشجار الزيتون المعمرة لينهي الفريق مساره في بلدة بيت ريما مجددا .
يأتي هذا المسار البيئي بتنظيم من فريق ” أمشي وتعرف على بلدك ” الذي ما انفك يوما عن تنظيم مثل هكذا جولات ومسارات بهدف اطلاع المشاركين على الآثار والمواقع الأثرية والتاريخية والمواقع الطبيعية من ينابيع ووديان ومغر في بلادنا فلسطين الجميلة. وكما قال احد المشاركين في المسار ” إن الأرشيف الفلسطيني في السابق لم يلتفت إلى هذه الأماكن وتصويرها وتوثيقها وكتابة أي شيء عنها مما جعل الإسرائيليون يسبقوننا في الاستيلاء على معظم الأماكن الأثرية، ولكن مجموعه ” امشي وتعرف على بلدك ” بدأت في تنظيم مسارات سياحية بيئية منذ عدة سنوات لكي يتعرف المواطن الفلسطيني على آثار كنعانية فلسطينية مندثرة بالإضافة إلى التعرف على الحياة البرية في فلسطين ” .
يقال ان الطبيعة تعزز الحواس وتنشط الدماغ لدى الأطفال ، والمسارات البيئية تنمي مهارات الأطفال وتمنحهم خبرات مختلفة تساعد في بناء الدماغ وصقل الحواس ، من هذا المنطلق يجب ان نربي أطفالنا على التواصل مع الأرض والتراب، ليكتسبوا المناعة ولعيشوا المغامرات في اكتشاف النباتات والحشرات والنباتات والجنادب والدعاسيق والحيوانات والطيور وغيرها وان نشجعهم على المشاركة في المخيمات الصيفية والمسارات البيئية ، فالطبيعة مصدر غني جدا لنمو الحواس وتراكم خبراتها، من الحركة إلى اللمس والسمع وعمق الرؤية والشم والتذوق، كلها موجودة في الطبيعة وهذا التفاعل الحسي بمثابة ” انفجار حسي ” يؤدي إلى درجة عالية من نشاط الدماغ المفيد جدا للأطفال ولنموهم وتعلمهم ، ويجب ان لا ننظر إلى الوقت الذي نمضيه في الطبيعة على أنه وقت فراغ؛ بل هو استثمار أساسي في صحة أطفالنا .
وسأعطي مثالين على ذلك، وهو أن احد الأطفال المشاركين في المسار حاول تسلق شجرة فيما اخر حاول تسلق صخرة عملاقة تطل على عين ” الزرقا ” ، حيث احتاج كل طفل من أجل تسلقها إلى أن يفكر ويحلل ويأخذ قرارا ويستخدم قدرته الجسدية والعقلية ويقدر المخاطر ويفهم الحدود ، فالنشاطات الخارجية حقا تنمي مهارات الأطفال وتمنحهم خبرات مختلفة تساعد في بناء الدماغ وصقل الحواس .
الوسومأطفال المسارات البيئية إضطراب نقص الطبيعة الباحث خالد أبو علي بيت ريما عين الزرقاء عين المنقاع فلسطين
شاهد أيضاً
الجمعية الأردنية لرياضة الصيد تشارك في المؤتمر الاقليمي العاشر للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة لمنطقة غرب آسيا
عواد : هناك حاجة ماسة لتحقيق توازن بين احتیاجات الإنسان والاستدامة البيئية شبكة بيئة ابوظبي: …