شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 22 اغسطس 2021
تتمة الابداع على مستوى المنظمة.
سادساً: الابداع والثقافة التنظيمية:
تتمة للمقالة السابقة والتي تحدثنا فيها عن الإبداع والثقافة التنظيمية من خلال عدة بنود وهي، الثقافة التنظيمية الإبداعية، عناصر الثقافة التنظيمية الإبداعية في المؤسسة، خصائص الثقافة الإبداعية في المؤسسة، واستراتيجيات الإبداع التنظيمي وأخيراً معوقات الإبداع داخل المنظمة، وسنتابع في هذه المقالة المعوقات.
ذكر توماس فوجراتي (Thomas Foguarty) وهو مخترع أول قسطرة علاجية (ممارس لجراحة الشرايين القلبية في المركز الطبي بجامعة ستافغورد)، حيث يقول “أن أحد الأشياء التي تمتاز بالصعوبة البالغة في الإبداع هي إقناع الناس بقبول فكرة أن الطريقة التي يعملون بها ليست هي الأفضل”(1) ، وترى معظم المؤسسات أن الابداع يرتبط بالمنتج، وهكذا فإن إبداع المنتج مرتبط في الأساس بزيادة النفقات في أقسام البحث والتطوير، مما يجعلها تتجاهل الإبداع في المجالات الأخرى، مثل خدمة العملاء وسلسلة الموارد، وفي هذا الصدد نذكر بأن شركة (Dell) للكمبيوتر التي تعتبر رائدة في هذه الصناعة، وتهتم بتسويق السلع العالية الجودة فقط باعتمادها وتركيزها على إبداع إدارة الاختراع وسلسلة الموارد.
وقد تعدد الدراسات التي حاولت الوصول إلى العوائق في عملية الابداع، وكل منها صنفتها بشكل مختلف، وقد صنفها العريفي(2):
أ. المعوقات الذاتية (الشخصية والدافعية): تتمثل المعوقات الذاتية للإبداع في العوامل التي تتعلق بالفرد والتي تؤثر بدورها على تكوين شخصيته منذ الطفولة، كعدم الثقة في النفس وعدم الميل للمخاطرة والخوف أو القلق الذي يقيد ويمنعه من السعي وراء الجديد، أما فيما يتعلق بمعوقات الدافعية حيث يتأثر الإبداع بمجموعة من العوامل التي تعمل على تحريك وتوجيه الطاقة النفسية للفرد مباشرة ما يقوم به من عمل، وتدفع المبدع إلى السيطرة على ما لديه من معلومات ومهارات في المجال الذي يبحث فيه، والتي تدفعه أيضاً إلى التفكير واكتشاف ما قد يوجد في هذا المجال من أوجه قصور أوضعف ومن ثم التفكير في الحل والتعبير عنه، حيث أثبتت الأبحاث أن توصل الفرد للجديد يتطلب رغبة حقيقية من جانبه تدفعه للتوصل إليه، ولا بد من أن يكون الفرد مدفوعاً بدرجة تجعله يبذل الجهد الإيجابي المحقق للإبداع، ويؤدي عدم تشجيع الفرد وتحفيزه بالطريقة الملائمة وعدم حصوله على احترام الآخرين ومساندتهم له إلى إعاقة الابداع ووضع حاجزاً ضد الأفكار الجديدة وقد يصاب الفرد بالإحباط ويقلع عن سلوكه الإبداعي.
ب. المعوقات الاجتماعية والثقافية: وتتضمن كافة العقائد والعادات والأعراف والتقاليد والاتجاهات السائدة في المجتمع والتي غالباً ما تقف عائقاً ملحوظاً إزاء الابداع الفردي أو الجماعي، كما أنها تحول دون تنمية وتعزيز القدرات والمهارات الإبداعية، أما إذا كانت بيئة الفرد التي يعايش فيها بيئة سمحة مرنة تساعد على الإبداع، فإنه من المنتظر أن يأتي الأفراد بأشياء وأفكار جديدة تخرج عن توقعات الآخرين.
ج. المعوقات البيئية: وتتضمن السياسات التنموية والفقر والبطالة والتلوث البيئي، الوعي نحو السلامة، والصحة العامة في العمل ونظام السوق والتجارة، أي أنها تتضمن كافة المتغيرات المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والسياسية والتنموية والصحية، إذ أنها تمثل عوائق قاتلة للإمكانات الإبداعية إذا لم تقترن بجرعة إيجابية للنظر إلى الفرد والجماعة والمجتمع على حد سواء.
د. المعوقات التنظيمية: وتمثل كافة العوائق التنطيمية السائدة في اطار العمل الذي يعمل به الفرد كالانظمة والقوانين والتعليمات وغيرها، وتتمثل فيما يلي:
• نمط القيادة: يعتبر نمط القيادة أو أسلوب الاشراف أحد أهم المتغيرات التنظيمية المؤثرة على إبداع العاملين في المؤسسات، وينبع ذلك في الأساس من أثر القائد أو الرئيس على القدرات الإبداعية لمرؤسيه، فالقادة يؤثرون في سوكيات مرؤوسيهم من خلال السلطات الرسمية المخولة لهم، مثلاً، قلة المعرفة لدى القادة وضعف المهارات القيادية، عدم الثقة بالنفس، الصراع حول السلطة، يؤثر سلبياً على الإبداع داخل المؤسسة.
• الحوافز: وتعتبر من أهم في عملية الإبداع، فوجود نظام الحوافز يتسم بالموضوعية ويرتبط بمعدلات الأداء يعمق الثقة في نفوس العاملين ويزيد من انتمائهم للمؤسسة ويشجع الجهود المبدعة ويحارب السلوكيات السلبية.
الكثير من المؤسسات تعاني من مشاكل في مقدار ونوعية الحوافز التي تقدمها للعاملين، إلى جانب افتقارها لوضوح الأهداف، الأمر الذي يعيق الأفراد من تقديم حلول جديدة لم يألفها الزملاء خوفاً من السخرية والاستخفاف وبما يؤدي إلى إعاقة الابداع، فوجود نظام موحد للحوافز يؤدي إلى أن تفقد الحوافز الهدف الأساسي منها، بأن ألا يشعر الفرد أن جهده المضني والشاق تساوى مع غيره ذوات الأعمال الروتينية، وأيضاً إطلاقها بدون أي ضوابط له التأثير العكسي، حيث أن عدم وجود معايير واضحة لكل فرد داخل التنظيم يميز بين الفرد المبدع والمجتهد، وغيره من الافراد يؤدي إلى الإحباط لديهم.
• الأنظمة وإجراءات العمل: إن التحول السريع الذي يعتري المجتمع بكل جوانبه ومنها المنظمات، تجعلها بحاجة لتعديل الهياكل التنظيمية والاجرائية، ولكي تنمو وتزدهر فهي بحاجة للتجديد والإبداع، مما يجعلهم بحاجة لعاملين يتمتعون بالمهارة والجرأة على اتخاذ المبادرات الإبداعية التي تتناسب مع المرونة في الهياكل التنظيمية، ومن هذه العوائق جمود الانظمة والإجراءات، واللوائح والأنظمة وتعارضها مع قدرات الشخص المبدع، وهيمنة الناحية القانونية على كثير من التنظيمات، بما يعني أنها أهم محدد لتقويم كفاءة الموظفين وانتظامهم بغض النظر عن قدراتهم وفعاليتهم، الأمر الذي يحول المناخ التنظيمي إلى روتين قاتل للإبداع ومحبط للشخصية المبدعة، وأيضاً الأنظمة الإدارية التي لا تواكب متطلبات الإدارة الحديثة، وعدم الاعتماد على الأساليب العلمية الحديثة في العمل والتمسك في الأساليب التقليدية التي تعارض التغيير والابتكار.
• الاتصالات والمعلومات: إن الاتصالات يمثابة الجهاز العصبي للمؤسسة، فوجوه بشكل فعال يعدد مؤشراً هاماً لتهيئة مناخ يدعم الابداع والابتكار، فمثلاً نقص المعلومات أو زيادتها عن طاقة الافراد أو تأخر وصول المعلومات عن الوقت المحدد يؤثر سلباً على القدرة الإبداعية للموظفين.
• المركزية: وتعني تجميع كافة السلطات وحق اتخاذ القرار في المراكز القيادية العليا، حيث لا تستطيع المستويات الإدارية الدنيا اتخاذ أي قرار دون الرجوع إلى المركز الإداري الأعلى، فهي حتماً تعمل على الحد من الابداع، وعكس ذلك، فوجود نظام تفويض سليم للصلاحيات يتيح للعاملين مجالاً للاجتهاد واقتراح الحلول الإبداعية بدلاَ من الاعتماد أو الخوف من المدير أو القائد.
• الإمكانيات المادية والبشرية: تعد سيطرة النظرة التقليدية للربح لدى المؤسسات المختلفة والتي أساسها الاعتقاد بأن أفضل طريق ومدخل لمزيد من الربح هو تقليل التكاليف، هذه النظرة القاصرة تحول تخصيص المؤسسات ميزانيات ذات قيمة لأغراض البحث والعلمي ورعاية المبدعين، لأن ذلك من وجهة نظرهم سوف يزيد من التكاليف والنفقات ويقلل من مستوى الربحية، ومما يساعد على وجود هذه النظرة القاصرة الضيقة لدى الكثير من المؤسسات الخاصة، واستمرار الجهل بالعلاقة بين البحث والعلمي والابداع وشروط زيادة الإنتاجية كماً ونوعاً، كما أن عدم اهتمام المؤسسات باستقطاب الكفاءات المتميزة في مجال عملها والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم وعملهم، قد يرجع في المقام الأول إلى عدم رغبة أو قدرة هذه المؤسسات على دفع أجور هذه الفئة والتي غالباً ما تكون مرتفعة نظراً للقيمة الكبيرة التي يمثلوها وللدور الذي يقومون به في تطوير المؤسسات من خلال الأفكار الجديدة المبدعة التي يقدمونها ويقومون على تنفيذها، على الرغم من وجود كفاءات ومهارات متعددة داخل المؤسسات، التي دربتهم وأهلتهم وطورت مهاراتهم للاستفادة منهم لاحقاً، إلا أن عدم ايمانهم بها تجعل مثل هذه العقول بمنأى عن تقديم أية أفكار خوفاً من رفضها أو تأثيرها على وظيفته.
• ضغوط العمل: تمثل ضغوط العمل تجربة أو خبرة ذاتية للفرد تحدث نتيجة لعوامل في الفرد نفسه أو في البيئة التي يعمل بها، فالضغوط هي عبارة عن ردود فعل الانسان إزاء المؤثرات المادية والنفسية المحيطة به، التي توحي بأن الفرد غير مرتاح للموقف الذي يوجد به، وتنقسم ضغوط العمل لضغوط إيجابية التي ينجح فيها الفرد بتحويلها إلى حافز يسنفذ جهده وطاقته الإبداعية وتؤدي إلى حالة من الحماس والفرح، فالضغوط في بعض الأحيان قد بؤدي إلى استثارة الافراد ورفع معنوياتهم والقضاء على أي تكاسل أو تخاذل يحدثه روتين العمل اليومي، ولكن ضمن الحدود التي يستوجبها العمل مع مراعاة قدرة العاملين بحجم العمل وقدرتهم على الابداع والابتكار.
• انعدام روح العمل الجماعي: الشعور بالانتماء للمؤسسة والعمل الجماعي مؤشر على الإبداعية في العمل، فالمنظمات الناجحة هي التي تضمن أنه بإمكانها جني الفوائد من فرق العمل الفاعلة فالأفراد الذي يشكلون الجماعة يتمتعون بالانضمام لبعضهم البعض وبالتالي يستطيعون أن يعملوا بروح الفريق الواحد، مما يساهم في تحسين المناخ التنظيمي ويدعم عمليات الابداع.
• العلاقات داخل المؤسسة: التعامل اليومي داخل البيئة الداخلية للمؤسسة لها دور فعال وتأثر كبير في خلق بيئة إبداعية، فالتعامل القائم على أساس المحبة والتعاون والوفاق يزيد من تفاهم العاملين ويزيد الروابط الاجتماعية ويمهد لبيئة عمل إيجابية، مما يعطينا مؤشر عن وجود بيئة ومناخ صحي للإبداع، مع ضرورة توفر الدعم والتشجيع المبتادل والتعامل مع المشكلات وحلها بأساليب بناءة وموضوعية ومبدعة.
وفي نظرنا، يعتبر الاستقرار الوظيفي الذي يمثل الإحساس بالرضا والأمان الوظيفي، وهو من أهم المعوقات التي تقتل الإبداع والابتكار في المؤسسة، وهنا يأتي دور المؤسسة في تبني بعض الإجراءات للمحافظة على موظفيها برضا وتحقيق أهدافهم الشخصية المرتبطة بأهداف المؤسسة وتسعى لتحقيقها، مما يحقق نجاحها ونشر ثقافة العمل بروح الفريق وتحقيق أهدافها لأن العمل مشترك وبرؤية موحدة، ويلعب الاستقرار الوظيفي دوراً كبيراً في فعالية أداء الموظفين ورفع إنتاجية المؤسسة وزيادة أرباحها فعدم الاهتمام بالموارد البشرية والمحافظة عليهم من ظاهرة التسرب الوظيفي أو هجرة العقول هو ناتج لعديد من العوامل والإجراءات التي تتخذها المؤسسة، متناسية أهمية المنظمات المتعلمة والتي تتعلم من خبرات وكفاءات وعقول موظفيها، وإن حكم عليها عكس ذلك فيكون الابداع سطحي وغير جذري لمعالجة المشكلات بالمؤسسة، مما يكبدها كثيرا من الجهد والتكلفة المادية في تعويضها.
المراجع:
1. برافين جوبتا، ترجمة أحمد المغربي ، الابداع الإداري في القرن الحادي والعشرين.
2. سعود بن محمد العريفي، رسالة مقدمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الإدارة العامة بعنوان، “المعوقات التنظيمية لابدع العاملين، جامعة الملك عبد العزيز، كلية الاقتصاد والإدارة ، السعودية، 2006.
3. Ahmed. P, (1998), “Benchmarking Innovtion Best Practice” Benchmarking for Quality Management and technology, Vol.5, No. 1.
4. Mohanty, R.P., (1999), The Creative Edge: Fostering Innovation Where You Work Reading, Massachuselts.
5. Daghfous. N. etal., (1999), “Nurturing Innovation How Much Does Collaborative Management Help?”, The Intenational Journal of Educational Management, Vol. 13, No. 3.
6. عساف، عبد المعطي، واخرون، 1995، معوقات الابداع الإداري في المنظمات المعاصرة، مجلة الإداري، مسقط، السنة 17، العدد (62).
7. السرور، ناديا، 2000، مدخل على تربية المتميزين والموهوبين، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية ، عمان.
8. سليم بطرس جلدة، زيد منير عبودي إدارة الابداع والابتكار – دارة كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2006.