شبكة بيئة ابوظبي، المهندس محمد بنعبو، خبير في المناخ والتنمية المستدامة، المملكة المغربية، 23 أغسطس 2021
ليس بعيداً عن حوض البحر الأبيض المتوسط، ولأول مرة منذ بدأ السجلات كان تساقط الأمطار في غرينلاند الأسبوع الماضي تزامن هذا مع ارتفاع درجات الحرارة إلى صفر درجة مئوية وللمرة الثالثة في العشر سنوات الأخيرة يقدر العلماء حجم التساقطات المطرية بحوالي 7 مليارات طن من الماء تساقطت على الغطاء الجليدي للقطب الشمالي وهو أكبر تساقط للأمطار على الصفيحة الجليدية منذ أن بدأت السجلات في عام 1950 مما أدى الى فقدان كمية من الكتلة الجليدية تقدر بأكبر بسبع مرات من المتوسط اليومي في نفس الوقت من العام، بينما تسببت موجة الحر في غرينلاند في شهر يوليوز الماضي في ذوبان هائل للجليد فقد تسارعت وتيرة تراجع الغطاء الجليدي الذي بدأ منذ عدة عقود منذ عام 1990 حيث من المتوقع أن يسهم ذوبان الغطاء الجليدي في جرينلاند في الارتفاع العام في منسوب مستويات المحيط بمقدار 10 إلى 18 سم بحلول عام 2100 أي 60٪ أسرع من التقديرات السابقة وهذا الذوبان يساعد بالفعل في إبطاء تيار الخليج وهو التيار البحري الذي يمنح أوروبا مناخها المعتدل ويمنح حوض البحر الأبيض المتوسط مناخه المتوسطي الذي سيودعه قريبا بسبب الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري كما أكدت الأمر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها المزعج الصادر في 6 غشت 2021.
صيف 2021 موسم الاحداث المناخية المتطرفة
يتميز صيف 2021 بشكل خاص بالأحداث المناخية المتطرفة مع الفيضانات خاصة في بلجيكا سويسرا النمسا الصين واليابان، والحرائق واسعة النطاق حول البحر الأبيض المتوسط وفي سيبيريا وكاليفورنيا وغرب كندا، هذا في القوت الذي أصبح فيه البحر الأبيض المتوسط محاصر حالياً بالحرارة الشديدة زاد معها تواتر وشدة الظواهر المتطرفة الساخنة بما في ذلك موجات حرارة البحر الابيض المتوسط الذي تعدت درجات حرارته 27 درجة مئوية عدة مرات هذا الصيف، بينما من المتوقع أن تستمر في الزيادة في العقود القادمة بغض النظر عن سيناريو انبعاثات غازات الاحتباس الحراري حيث يؤكد تقرير هيئة علماء المناخ أنه من المتوقع أن ينخفض معدل هطول الأمطار في الصيف في حوض البحر الأبيض المتوسط بينما قد تمتد التساقطات المطرية إلى المناطق باتجاه الشمال الأوروبي، ومن المتوقع كذلك أن تزداد معدلات هطول الأمطار الشديدة والفيضانات العاتية عند مستويات الاحترار العالمي فوق 1.5 درجة مئوية في جميع المناطق باستثناء حوض البحر الأبيض المتوسط، ويؤكد العلماء أن الموقع الجغرافي المميز للحوض البحر الابيض المتوسط لوجود جسم مائي محصور بين ثلاث كتل عملاقة من اليابسة افريقيا اسيا واوروبا يجعلها أكثر عرضة على نحو خاص لتغير المناخ، وقد تجاوزت المنطقة فعليا متوسط الزيادات في درجات الحرارة العالمية بنسبة تتخطى الـ20% منذ أواخر القرن الـتاسع عشر حيث رصد الباحثون العديد من الأنماط المقلقة التي تضمنت درجات حرارة أعلى، وتغيرات في أنماط هطول الأمطار.
حوض البحر الابيض المتوسط يحترق
الباحثة في علم المناخ جوكسي سينكان أكدت: “أنا أشهد بالفعل اتجاهات متنوعة في منطقة حوض البحر المتوسط من ناحية زيادة شدة الجفاف والزيادات المتكررة وغير المتوقعة في درجات الحرارة، ما يزيد موجات الحر القاسية”، وقد دمرت الحرائق عشرات الآلاف من الهكتارات الغابوية على مساحات شاسعة من سواحل المتوسط خلال الأسابيع القليلة الماضية من تركيا الى اليونان فلسطين البرتغال فرنسا تونس فالمغرب، ولقي العشرات من الاشخاص حتفهم في تركيا والجزائر وأصيب المئات بجروح في دول المنطقة، كما ضربت حرائق الغابات أيضا ولاية بنزرت التونسية مع رياح قوية ودرجات حرارة مرتفعة وصلت إلى 50 درجة مئوية وتعرض المغرب كذلك لحرائق الغابات، ففي شهر يوليوز الماضي فقد نحو 1200 هكتار من الغابات بينما حرائق شهر غشت بإقليم شفشاون أدت الى فقدان 110 هكتار بغابة سوكنا بالمنتزه الطبيعي بوهشام، في الوقت الذي شهدت فيه اليونان اندلاع 586 حريقا خلال الأسبوعين الماضيين فيما وصف محافظ جزيرة سردينيا الإيطالية كريستيان سوليناس التي تعرضت لحرائق مدمرة ما حصل بـ”كارثة غير مسبوقة”، وأدت الحرائق إلى نزوح الآلاف من الاشخاص وإحراق الغابات الضخمة وقتل أعداد لا تحصى من الحيوانات، حيث أفاد الناشط المناخي التركي أمير إكسي أوغلو بأن “عشرات الآلاف من الحيوانات ماتت خلال الحرائق دون سبب، ومنها الدببة، والغزلان، والسناجب، والخنازير، والسلاحف”.
تغير المناخ في حوض البحر الأبيض المتوسط وهيئة علماء المناخ تحذر من الأسوأ
إن ارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي أسهم في زيادة جفاف الغابات وجعلها أكثر عرضة للحرائق، لكن الاستخدام غير المنضبط للأراضي قد أدى إلى تفاقم المشكلة، فحرائق الغابات هذه لا ترجع إلى تغيرات المناخ فقط، بل هناك دور لتراكم الكثير من النفايات وتغيير وتطوير استخدامات الأرض، وقد حذر الخبراء من الآثار المحتملة لارتفاع درجات حرارة منطقة البحر المتوسط منذ سنوات، إذ تنبأ خبراء المناخ بالعواقب المحتملة لأي تغير مناخي على إمكانية العيش والعمل في المنطقة بالتزامن مع زيادة عدد موجات الحرارة، وشدة الجفاف، وتراجع معدلات هطول الأمطار، وتراجع إنتاج الغذاء، وانهيار معدلات السياحة في دول المتوسط، فبحلول عام 2050، ستشهد الكثير من أجزاء البحر الأبيض المتوسط، بما فيها الأراضي الزراعية، حالة جفاف لما لا يقل عن ستة أشهر سنويا في المتوسط، ويتوقع أن يزيد عدد الأيام شديدة الحرارة في أي عطلة شاطئية، وهو ما قد يعرض السياحة للخطر، في الوقت الذي تحذر فيه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في الأمم المتحدة، من أن منطقة المتوسط تعد “مركز التغيّر المناخي” في العالم، إذ ستشهد تلك البلدان موجات حر غير مسبوقة وجفاف وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، في حين يؤكد الخبراء أن الموقع المميز لحوض البحر المتوسط يجعله أكثر عرضة لتغير المناخ على نحو خاص. فبينما سيؤدي تغير المناخ إلى زيادة هطول الأمطار في الكثير من أنحاء العالم نجد أن حوض المتوسط سيتعرض لمناخ أكثر حرارة وجفافا حيث ستؤدي أنماط الرياح إلى تكوين منظومة ضغطٍ مرتفع طبيعية ترتبط بالمناخ الحار والجاف فوق البحر المتوسط، وفي الوقت ذاته، سيتقلص فارق المناخ بين الأرض والبحر في حوض المتوسط أسرع من أي منطقة أخرى في العالم لأن البحر محاط بثلاث كتل من اليابسة كما يؤكد الباحث أليكساندر تويل: “الأمر المختلف حقا في البحر المتوسط، مقارنة بالمناطق الأخرى، هو جغرافيته، حيث إننا أمام بحرٍ ضخم محاط بثلاث قارات، وهو أمر ليس موجودا في أي مكانٍ آخر من العالم” هذا في الوقت الذي يتوقع فيه ان يكون الطقس في جنوب تركيا واليونان وإيطاليا بحلول نهاية القرن الجاري شبيها بطقس القاهرة والبصرة الآن فنحن في طريقنا إلى ذلك، لكن الأمر لن يتحقق بين عشيةٍ وضحاها فلا زالت الحلول بيد البشرية لتغيير مسار هذا السيناريو المأساوي الى سيناريو أكثر اعتدالا وأكثر إحساسا بالأمان بالنسبة لنصف مليار نسمة من ساكنة الحوض البحر الابيض المتوسط.
كيف سنغير السيناريو المأساوي؟
بإمكان حكومات دول حوض البحر الابيض المتوسط اليوم بذل الكثير من الجهود للتخفيف، ولاستيعاب وربما عكس مسار بعض التغيرات المناخية الكارثية، كما يمكن للحكومات أن تحد من عمليات التطوير على الأراضي المعرضة للخطر، وأن تحمي المساحات الخضراء، فنحن نتدخل في مناطق الغابات ونستخدمها للترويح عن أنفسنا، فنقوم بتلويثها وربما يكون تغيّر المناخ أمرا حتميا، ولكن يظل بإمكاننا تخفيف آثاره، ولكن بدلا من إدراك واقع تغير المناخ بدأ مواطنو بعض الدول التي ضربتها حرائق الغابات في اللجوء إلى “نظريات المؤامرة” إذ زعم بعض الأتراك مثلا أن المسلحين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني هم من أضرموا النيران في الغابات في الوقت الذي زعم فيه زعماء الجزائر أن المغرب هو من أشعل فتيل النيران في غابات تيزي وزو، جنرالات الجزائر الذين يغردون خارج السرب كانوا قد رفضوا المبادرة الملكية الرائعة في أن تحلق طائرات الكنادير المغربية فوق الغابات المحترقة من أجل إطفاء الحرائق، وهي المبادرة التي صفق لها كل دول المعمور، تبرز الكفاءة والخيرة التي يتميز بها الفريق المغربي، وهو ليس بالشيء الجديد على المغاربة فقد ساهم المغاربة بطاقمهم التقني واللوجيستيكي في إطفاء نيران اسبانيا والبرتغال وايطاليا وجزيرة كورسيكا، لكن عقدة المغرب البلد الرائد عالميا في مواجهة تحدي تغير المناخ لم يستسغها بعد الجيران وقاداتهم وجنرالاتهم، فالمغبر اليوم دولة قوية تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ونفس السيناريو تكرر مع الايطاليين حيث اعتقد مواطنو إيطاليا أن المافيا هي من أضرمت النيران، ويرى اليونانيون أن الأتراك هم من فعلوها، بينما يعتقد الأتراك أن حزب العمال الكردستاني هو السبب، لكن أحدا منهم لم يتوقف ليفكر: هل رتبوا جميعا لإضرام النيران في نفس الأسبوع؟ وهذا لأن الناس لا يحبون التركيز على الحقيقة الكبرى هي ان المناخ قد تغير وأن البشرية تشرع في تدمير الكوكب الازرق بأقصى سرعة والنموذج من حوض البحر الابيض المتوسط وحراق غاباته التي أتت على الاخضر واليابس.
غابات حوض البحر المتوسط تحترق ونجاعة التدخلات الاستباقية للجنود الشجعان المغاربة
راكمت خلال العشر سنوات الأخيرة عناصر القوات الملكية الجوية الكفاءة والخبرة التقنية في مجال مكافحة الحرائق من خلال تدخلاتهم الاستباقية الناجعة سواء بكورسيكا اسبانيا ايطاليا والبرتغال أو في المغرب شمالا وفي الجنوب الشرقي لحماية الغابات والواحات والتنوع البيولوجي المتفرد للمغرب، ويعتبر حريق غابة “سوكنا” بالمنتزه الطبيعي بوهاشم بإقليم شفشاون مناسبة لإبراز أداء ونجاعة طائرات كانادير والتي يتوفر المغرب على أسطول منها يضم خمس طائرات، ولإبراز استباقية فرق التدخل التي استطاعت تطويق الحريق في وقت وجيز وبأقل الخسائر، وهي فرصة أعطى فيها المغرب الدرس للجميع مبرزا عن مدى استعداده لمثل هذه الكوارث المناخية، وعن مدى استعداد جنوده الشجعان الأشاوس من المديرية العامة للأرصاد الجوية الى المياه والغابات والوقاية المدنية والقوات المساعدة والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والسلطات المحلية دون أن ننسى المجتمع المدني والساكنة المحلية التي كانت من الأوائل الذي ن أبلغة عن البؤرة الأولى للحريق عشية يوم السبت 14 غشت 2021، هذا في الوقت الذي تعرف فيه العديد من بلدان البحر الأبيض المتوسط حرائق تاريخية حطمت الارقام القياسية من حيث الحجم والمدة الزمنية التي استغرقتها التدخلات لإخمادهما، انطلقت الحرائق من تركيا ثم اليونان، فايطاليا وفرنسا والبرتغال، فبلغت فلسطين وتونس ثم المغرب، وفي الوقت الذي كانت تكافح فيه دول الحوض الابيض المتوسط الحرائق المندلعة فيه منذ أسابيع كشفت مسودة تقرير هيئة علماء المناخ التابعة لهيئة الأمم المتحدة أن منطقة الحوض الابيض المتوسط تعيش لحظة تاريخية لكونها أصبحت مركزا للتغير المناخي حيث من المرتقب أن تشهد كل البلدان موجات حر غير مسبوقة قياسية من حيث درجات الحرارة ومن حيث طول مدة موجة الحر وكذا الجفاف والحرائق الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة مما يهدد بفقدان التنوع البيولوجي لدول الحوض الابيض المتوسط، ويفصل تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المقرر نشره شهر فبراير من العام المقبل التداعيات المستقبلية للتلوث الكربوني على المنطقة، التي شهدت موجات حر ودرجات حرارة تتجاوز المعدلات خصوصا في المغرب الذي عرف خلال الأسبوع الماضي تدخلا ناجحا وناجحا وبروح بطولية قوامها العمل الاستباقي والمنسق لفرق التدخل البرية والجوية، للقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة والوقاية المدنية وعناصر المياه والغابات، وبفضل المساهمة المتميزة لطائرات كنادير التي يعد المغرب من البلدان القليلة التي تمتلك هذا النوع من الطائرات، حيث استطاع المغرب بفضل فريق مكون من 520 عنصر وبفضل التكوينات التي يخضعون لها السيطرة على الحريق الذي اندلع في غابة سوكنا وخلف مساحة متضررة تقدر بنحو 1100 هكتار، 60 في المائة منها هي عبارة عن نباتات ثانوية والباقي هو عبارة عن غطاء غابوي جاف مكون من أشجار الصنوبر والبلوط الفليني والأرز.
ولا يخفى على أحد أن المغرب بلد غني بثرواته النباتية والحيوانية، وموارده الطبيعية، ولا سيما رصيده الغابوي، وفي هذا الإطار يتوفر المغرب على خطة وطنية للحماية من حرائق الغابات ومكافحتها تحدد بدقة دور كل متدخل والإجراءات التي يجب اتخاذها إلا أن سياسة تشييد السدود المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد سمحت بتزويد طائرات كنادير بالمياه بسرعة قصوى وساهمت بشكل كبير في تسريع عملية إخماد الحريق، بالطبع تبقى أهمية التنسيق بين جميع المتدخلين هي النقطة الأساس في برنامج عمل التدخلات الميدانية، فالتعاون الجيد بين جميع الفرقاء يسرع بحماية الأشخاص والممتلكات، والحفاظ على التنوع البيولوجي للثروة الغابوية للمغرب.
هل ستزيد النيران من حدة التغيرات المناخية؟
وبشكل عام يمكن القول بأن الأرض التي نعيش فيها قد تشهد في المستقبل مزيدا من الحرائق، لكن هل ستزيد هذه النيران من حدة التغيرات المناخية؟ في مقابل ذلك من المرتقب أن تقل الحرائق في حوض الحر الابيض المتوسط في افق 2040 بسب تناقص الغطاء الغابوي والنباتي بسبب الحرائق المتتالية والتي يعتبر الاحتباس الحراري هو المسبب الرئيسي لها، لأنه يرفع درجة الحرارة في الكثير من المناطق ويجعلها أكثر جفافا وعرضة للاحتراق، كما يتسبب أيضا في ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في الهواء الذي تحتاجه النباتات لنموها، ولمعرفة ما إذا كانت التغيرات المناخية ستتسبب في مزيد من الحرائق خلال الخمسة والعشرين سنة المقبلة، قامت كلوستر وفريق عملها بمحاكاة على الكمبيوتر وتوصلت إلى أن “نسبة الحرائق ستتضاعف بمستوى خمس مرات حتى عام 2040 مقارنة بالحرائق المسجلة حاليا”، غير أن الباحثة المناخية تؤكد على أن نسبة الحرائق ستتفاوت من منطقة إلى أخرى وتضيف:” في الغابات الاستوائية قد تزداد الحرائق، في حين ستقل في مناطق البحر الأبيض المتوسط، بسبب قلة الغطاء النباتي هناك، وبالتالي ضعف انبعاث الغازات المساعدة على الاحتراق”، فالمناخ يؤثر على الحرائق ويتأثر بها أيضا، فكلما ازدادت الحرائق ارتفعت بالمقابل نسبة ثاني أوكسيد الكاربون في الهواء، لكن كلوستر ترى بأن :” الحرائق لا تفرز ثاني أوكسيد الكربون فحسب، وإنما تفرز غازات أخرى مثل غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري، إضافة إلى ذلك تنتشر جزيئات الغازات الدفيئة في الهواء التي تمتص ضوء الشمس وبالتالي ترفع من مستوى حرارة الجو”، من جهة أخرى تؤكد الخبيرة في المناخ على أن الجسيمات العالقة في الهواء، الناجمة عن الحرائق تساهم في بعض الأحيان في تلطيف الجو من خلال تحولها إلى غيوم تقوم بدورها بتبريد الغلاف الجوي من خلال عكسها لأشعة الشمس الحارة، عندما يتعلق الأمر بالحرائق خصوصا تلك المدمرة منها مثل التي عاشتها غابات الامازون وغابات استراليا طيلة السنوات الثلاث الماضية والتي جعلت المنظومات البيئية الغابوية الهشة اتجاه تغير المناخ تفقد العالم حوالي 10 في المائة من مجموع رئة كوكب الارض، بينما نعيش اليوم وطيلة أشهر الصيف موجة حرارة استثنائية امتدت من كندا وغرب أمريكا متجاوزة هذا العام جميع الأعوام السابقة من حيث عدد بؤر الحرائق وحجم المساحات الغابوية المحروقة من سيبيريا الى تركيا فاليونان وقبلها بلدة ليطون في غرب كندا التي سجلت رقما قياسيا من حيث درجات الحرارة، ويرجع الخبراء السبب الرئيسي لهذه الحرائق الى ظاهرة الاحتباس الحراري التي تتمظهر في الجفاف وندرة الموارد المائية وعدم انتظام التساقطات المطرية التي تأتي تارة عبارة عن فيضانات مدمرة فتأتي على الاخضر واليابس، نفس الشيء أكدته تقارير علماء المناخ بخصوص حرائق الغابات التي اجتاحت أستراليا في عامي 2019 و 2020 حيث أكدت التقارير أن هذه الحرائق كانت مدفوعة بشكل واضح بظاهرة الاحتباس الحراري هذا في الوقت الذي تواصل فيه دول حوض البحر الابيض المتوسط جهودها للسيطرة على حرائق الغابات، بالطبع الاستعداد يكون على طول السنة قبل مواجهة موجة الحرائق عبر وضع استراتيجية وبرنامج عمل يتماشى والظروف المناخية والمواقع الجغرافية لكل منطقة غابوية سواء كانت ساحلية أو جبلية، حيث يلعب فتح المسالك الطرقية الغابوية وتوفير نقط جلب الماء داخل المنتزهات والفضاءات الخضراء وتكوين فرق التدخل السريع لإطفاء النيران بأقل الخسائر، وعبر اقتناء طائرات كبرى لإطفاء الحرائق بالإضافة إلى التعاون مع الدول ذات الخبرة والتجربة في المجال من أجل تقاسم الخبرات، كما تلعب التقنيات المعلوماتية اليوم من تقييم الوضع عبر المسح الرقمي بالأقمار الاصطناعية للمساحات الغابوية المتضررة أو تلك المهددة بالحرائق غير المرتقبة، وللمغرب تجربة كبيرة في التعامل المثالي مع هذه الحرائق عبر وضع خطة للتكيف مع التغيرات المناخية ما بوأ المغرب مركز الريادة على صعيد حوض البحر الأبيض المتوسط من حيث النتائج المحققة، بل وبات عدد من الدول يستعين بتجربة المغرب في هذا المجال نظرا لما يتمتع به المغرب من خبرة وتجربة تقاسمها عالميا مع مجموعة من الدول الصديقة كما سبق للمغرب أن وفر الخبراء المغاربة لمحاربة حرائق كوستاريكا مؤخرا، ويتوفر المغرب على مركز وطني لتدبير المخاطر المناخية يساهم في التدبير الناجع والسيطرة على حرائق الغابات عبر وضع برامج للتكيف مع الحرائق وتجميع المعطيات الرقمية من أجل تدخلات استباقية ناجعة و بأقل الخسائر.
التأثير الايجابي للحرائق على البيئة
الاثر البيئي للحرائق ليس دائما سلبيا فهو يعتبره العلماء ضروريا في بعض الأحيان لتحقيق التوازن البيئي الايجابي في الأمر أنه قد تتجدد النباتات ما يعزز التنوع البيولوجي في المناطق المهددة بالحرائق بينما مع بمرور الوقت يتكيف السكان مع الظروف المناخية ومع الحرائق وبشكل أفضل مع المتوسط السنوي لحرائق الغابات في المناطق الحارة والجافة فضلا عن أن تبني استراتيجيات متقدمة لمنع حرائق الغابات مما يؤدي الى انخفاض معدل الحرائق سواء بتقليل شدتها أو عددها لكن الملاحظ في السنوات الأخيرة تسارع قوة شدة الحرائق وتجاوزها المعدل الطبيعي، الشيء السلبي في الحرائق هو أنها أصبحت وسيلة لنقل الأوبئة حيث يؤكد العلماء على قدرة الميكروبات والفطريات على البقاء على قيد الحياة بأعداد ضخمة وسط سحب الدخان ويظل رجال الإطفاء الأكثر عرضة لهذه الاوبئة المنتقلة عبر الأدخنة المتناثرة في الهواء بالإضافة إلى الساكنة المجاورة للفضاءات والمنتزهات الغابوية التي تهدد الحرائق سلمها وأمنها اليومي، فحرائق الغابات الصيفية الكبيرة التي تؤثر على خطوط العرض الوسطى تولد السحب التي تتكون فوق مصدر للحرارة الشديدة حيث خلال الأحداث الشديدة يمكن أن تصل هذه السحب أحيانا إلى طبقة الستراتوسفير السفلى حيث تبقى نواتج الاحتراق التي تحتويها لعدة أشهر ويمكن أيضا نقل هذه المنتجات عبر مسافات كبيرة، وأعقب حرائق الغابات الأكثر شدة في العقد الماضي في كندا في عام 2017 وأستراليا في 2019-2020 عمليات حقن كبيرة من الدخان في طبقة الستراتوسفير بسبب الحمل الحراري، حيث دمرت حرائق الغابات الأسترالية التي استمرت قرابة 10 أشهر أكثر من 18 مليون هكتار، بعد هذا الحدث الكبير وجد الخبراء أن بعض الدخان أنتج ذاتي التنظيم في دوامات عالية الضغط استمرت لمدة شهر إلى ثلاثة أشهر وارتفعت إلى ارتفاع 35 كم دارت السحابة حول الأرض في نصف الكرة الجنوبي أكثر من مرة خلال اثني عشر أسبوعا، ظاهرة لم يسبق لها مثيل، وبعد الاكتشاف شرع الباحثون في مختبر الأرصاد الجوية الديناميكي في تحديد ما إذا كان هذا الحدث غير مسبوق أو ما إذا كان قد حدث في الماضي – وفي هذه الحالة لن يتم رصد أعمدة الرماد هذه، لذلك ركزوا على حرائق الغابات الأخرى الأكثر شدة في العقد الماضي: تلك التي ضربت كولومبيا البريطانية في صيف عام 2017. في ذلك الوقت، تم حرق أكثر من 12000 كيلومتر مربع وكان لا بد من إجلاء 65000 شخص ومن جهة أخرى تساعد حرائق الغابات على انتشار الأوبئة وتهدد الموائل الطبيعية للأنواع البرية وتحذيرات من الآثار الخطيرة لـفقدان التنوع البيولوجي على البشرية بما في ذلك انهيار الغذاء والصحة.
غابات العالم تحترق
فقد بات مشهد اندلاع حرائق الغابات حول العالم أشبه بسيناريو يتكرر كل عام دون أن يحرك ساكنا لمنعه من التكرار؛ فتونس الخضراء تعاني من خطر “الاصفرار” بعدما أتت الحرائق على كثير من أشجار الزيتون، وحتى روسيا التي تعد أحد أكثر بلدان العالم برودة باتت مسرحا لحرائق دمرت ملايين الأراضي، وتشير أحدث التقديرات إلى أن بؤرة الجفاف والحرائق في منطقة الأمازون أدت إلى مقتل 2.5 مليار شجرة وكرمة، في حين تسبب الجفاف الكبير وحرائق الغابات في غابات الأمازون المطيرة في مقتل مليارات الأشجار والنباتات، وتحويل أحد أكبر مصارف الكربون في العالم إلى أحد أكبر مصادر التلوث، وتسببت ظاهرة “النينو” التي ضربت العالم في 2015-2016 في جفاف شديد ارتبط باندلاع حرائق ضخمة تسببت في انبعاث 495 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من منطقة تمثل 1.2% من كامل غابات الأمازون المطيرة البرازيلية، و1% من المنطقة الأحيائية بأكملها، ما أثر سلبا على الجهود العالمية للسيطرة على توازن الكربون في الغلاف الجوي، إذ إن إجمالي انبعاثات الكربون من الجفاف والحرائق في منطقة “تاباجوس السفلى” وحدها كان أعلى من إزالة الغابات لمدة عام كامل في منطقة الأمازون بكاملها، ونتيجة للجفاف والحرائق، أطلقت تلك المنطقة ما يزيد على فترة ثلاث سنوات مثل انبعاثات الكربون السنوية التي تصدرها بعض البلدان الأكثر تلويثا في العالم، متجاوزة انبعاثات البلدان المتقدمة مثل المملكة المتحدة وأستراليا والصين واليابان وكندا، وتحدث ظاهرة “إلنينو” بشكل طبيعي وتنطوي على تقلب في درجات الحرارة السطحية للمحيط الهادئ الاستوائي، ويصحب ذلك تغيرات في دوران الغلاف الجوي فوق المنطقة، وتؤثر هذه الظاهرة تأثيرا كبيرا على أنماط الطقس في أنحاء كثيرة في العالم.
تهديد الموائل الطبيعية للأنواع البرية
تهدد عمليات إزالة الغابات الموائل الطبيعية للأنواع البرية التي تحتضنها بيئة الأمازون التي تغطي مساحة قدرها ستة ملايين كيلومتر مربع وتعد غابات الأمازون المطيرة أكثر الأنظمة البيئية غنى وتنوعا في العالم إذ تحتوي على عدة ملايين من أنواع الحشرات والنباتات والطيور والحيوانات، وأشكال الحياة الأخرى التي لا يزال العديد منها غير مكتشف بالكامل، كما أن قرابة 400 قبيلة تضم أكثر من مليون شخص من سكان أمريكا الجنوبية الأصليين، تتخذ غابات الأمازون موطنا لها، بينما يبقى الإجهاد الذي يلحق بالنظم البيئية المحلية نتيجة إزالة الغابات وموسم الجفاف، وزيادة حدوث الحرائق قد يكون مسؤولا عن هذه الانبعاثات الكربونية المرتفعة في شرق الأمازون، وهو ما قد تكون له عواقب بيئية سلبية دائمة على كل من توازن الكربون في المنطقة وهشاشة نظمها البيئية”، وتغطي الغابات قرابة 30.6% من مساحة اليابسة، وتوفر الغابات الاستوائية موائل لما بين 50 إلى 90٪ من جميع الأنواع البرية، كما أنها موطن لعدد غير معروف من الكائنات الممرضة التي تهرب مع إزالة الغابات، ما قد يفسر انتشار بعض الأوبئة التي وقعت في السنوات الأخيرة، و تؤدي الغابات تؤدي عددا من الخدمات البيئية المهمة، مثل عزل الكربون وتخزينه وحماية التنوع البيولوجي، فضلا عن صيانة النظام البيئي من خلال الأشجار التي تعد إزالتها أحد أهم مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما تمثل أشجار المانجروف 0.7% من إجمالي الغابات الاستوائية في العالم، وتتمتع غابات المانجروف بنظام إيكولوجي فريد يسهم في حماية السواحل، إذ تعمل كمنطقة عازلة تحمي الأرض من أضرار الرياح والأمواج، وتحول دون تسرب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، كما تحد من وطأة تغير المناخ، إذ تحتجز نحو 75 مليار طن من الكربون، وتأوي العديد من الحيوانات البرية والبحرية.
الانشطة البشرية السبب الرئيس في تغير المناخ وحرائق الغابات كذلك
إن الأنشطة البشرية غيرت بشكل كبير ثلاثة أرباع سطح الأرض وثلثي مساحة المحيط، وإنه بين عامي 2010 و2015 فقط، اختفى 32 مليون هكتار من الغابات، وفي الـ150 سنة الماضية، تم تخفيض غطاء الشعاب المرجانية الحية بمقدار النصف، كما يذوب الغطاء الجليدي بمعدلات مدهشة بينما يزداد تحمض المحيطات، مما يهدد إنتاجيتها، وتختفي أنواع الحياة البرية الآن عشرات إلى مئات المرات أسرع مما كانت عليه في الـ10 ملايين سنة الماضية، ونحن على وشك الانقراض الجماعي، فتحذيرات الأمم المتحدة تتفق مع نتائج كثير من الدراسات التي حذرت من خطر الانقراض الذي بات يهدد كثيرا من الحيوانات التي تتخذ من الغابات موطنا لها، ولا يمكن بالطبع تجاهل الدور الذي تقوم به الحرائق التي تندلع في غابات الأمازون بصورة موسمية، وتحذر دراسة حديثة من أن نسور “هاربي” –أحد أكبر أنواع النسور في العالم- باتت تكافح من أجل إطعام ذرياتها في مناطق غابات الأمازون بسبب إزالة الغابات، مشيرة إلى أن حوالي 35٪ من شمال ولاية “ماتو جروسو” البرازيلية أصبحت غير مناسبة لتربية نسور “هاربي”، وربما تسبب هذا في انخفاض أعداد أزواج التربية بمقدار 3256 منذ عام 1985، ويقول الباحث المشارك في الدراسة إيفرتون ميراندا: تتغذى نسور “هاربي” على الثدييات التي تعيش على الأشجار وخاصة الكسلان والقرود والسناجب، وحددنا 306 عنصرا من الفرائس التي تعتد عليها النسور في غذائها؛ وكانت 49.7 منها عبارة عن كسلان ثنائية الأصابع وقرود كابوتشين بنية اللون وقردة صوفية رمادية اللون. وهي فرائس بات العثور عليها صعبا بسبب إزالة الغابات ما جعل النسور تتضور جوعا.
على الصعيد العالمي تهدد الحرائق البشرية المنشأ بقاء الحياة البرية التي تقتل أو تصاب بسبب الاحتكاك المباشر بالدخان واللهب أو التي تعاني من تدمير كبير لموئلها، ومع ذلك من الصعب معرفة التأثير الدقيق الذي سيكون على كل نوع خاصة تلك المهددة بالفعل كما يضيف كريج هيلتون-تيلور رئيس القائمة الحمراء للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة تسرد هذه القائمة الأنواع الحيوانية والنباتية وفقا لخطر الانقراض: “هناك الكثير من الحرائق التي يستحيل معها معرفة الخطورة التي سيكون لها تأثير” ، وهو ما يعتمد أيضا على قدرة الأنواع على الفرار أو مقاومة النيران ، والتي قد يزدهر بعضها بعد اندلاع حريق، ووفقا للملاحظات الأولى للصندوق العالمي للطبيعة فقد تعرضت غابات وجبال مقاطعتي موغلا وأنطاليا حيث تعيش الأنواع الأيقونية للكاراكال أو الوشق في الصحراء والقطط والماعز البري لأضرار كبيرة، هذه المناطق هي أيضا موطن لأنواع مستوطنة من القوارض، وعشب الليمون الصوفي، يواصل الصندوق العالمي للطبيعة، وقالت المنظمة غير الحكومية: “ربما تأثرت أعداد محلية من 121 نوعا مهددا بالانقراض في أنطاليا و 87 نوعا مهددة بالانقراض في موغلا بما في ذلك خمسة أنواع من البوم وخمسة من نقار الخشب و 21 من الزواحف والبرمائيات”، ويتحدث الصندوق العالمي للطبيعة عن “الكوارث الكبرى” ويضيف: “حرائق الغابات الأخيرة التي ضربت النظم البيئية الحيوية وعدد لا يحصى من الحيوانات البرية والداجنة”، “أتيكا الشمالية هي المنطقة الوحيدة في جنوب اليونان التي لا يزال يعيش فيها الغزلان الأحمر المهددة بالانقراض” في البلاد و عانت أكبر غابات عنق الرحم في أوروبا من الصيد الجائر وتدمير الموائل، هذه المنطقة هي أيضًا موطن لقطعتين من الذئاب الرمادية وهي من الأنواع المحمية على المستوى الأوروبي وهي منطقة مهمة للحيوانات التي تعيش في الغابات الصنوبرية: الثعالب والسناجب وطائر الغابة.
في إيطاليا شهدت حديقة أسبرومونت الوطنية التي تمتد عبر معظم منطقة كالابريا العديد من الحرائق، فهي موطن من بين أشياء أخرى قوارض صغيرة نادرة متوطنة في المنطقة وأشجار عمرها مائة عام، أما في سردينيا وهي واحدة من أكثر المناطق ثراء في التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط تهدد النيران أيضا بقاء العديد من الأنواع المستوطنة كما يقلق الصندوق العالمي للطبيعة بما في ذلك غزلان ساردو كورسيكان التي تم إنقاذها من الانقراض في الثمانينيات وحجل غامبرا، وتسببت الحرائق أيضا في مقتل عدد كبير من الزواحف بما في ذلك السلاحف الحدودية، إن أي تدمير لموائل الغابات في وسط وجنوب إيطاليا مثل تلك التي دمرتها النيران في أبروتسو وسردينيا وبوغليا وصقلية له تأثير قوي على الحياة البرية والنظم البيئية المهمة المهددة بالفعل بالتفتت وتحويل الأراضي والصيد الجائر وغير القانوني أما في فرنسا دمر حريق عنيف في الجنوب جزئيا محمية بلين دي موريه الطبيعية وهي واحدة من آخر المواقع لإيواء سلحفاة هيرمان آخر سلحفاة برية في أوروبا، أما في روسيا تشتعل النيران بالغابات الشاسعة في جمهورية ياقوتيا السيبيرية التي تهدد العديد من الحيوانات الكبيرة التي تعيش في المناطق المحمية بالمنطقة وهي أنواع شائعة في هذه المنطقة مثل الأيائل والرنة البرية والغزلان، الدب، ولفيرين، والوشق، والسنجاب الطائر والأنواع النادرة مثل أيل المسك، التي يمكن التعرف عليها من خلال الأنياب العلوية في شكل أنياب طويلة مدببة، خروف الثلج، نوع من جرذ الأرض الرافعة الديكي ، الرافعة السوداء والصقر شاهين والنسر الأبيض والنسر الذهبي.
تقرير هيئة علماء المناخ التاريخي حول حوض البحر الابيض المتوسط
كشفت مسودة تقييم وضعتها هيئة علماء المناخ التابعة لهيئة الأمم المتحدة أن منطقة المتوسط تعد مركز التغير المناخي إذ ستشهد موجات حر غير مسبوقة وجفاف وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، ويفصل تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ المقرر نشره العام المقبل التداعيات المستقبلية للتلوث الكربوني على المنطقة، التي شهدت الأسبوع الماضي درجات حرارة تتجاوز المعدلات، وأفاد الفصل المكرس لحوض البحر الابيض المتوسط في مسودة تقرير مجموعة العمل الثانية التابعة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بشأن التداعيات المناخية والمقرر نشره رسميا في شهر فبراير 2022 أن سكان منطقة المتوسط البالغ عددهم أكثر من نصف مليار يواجهون مخاطر مناخية مترابطة للغاية، وجاء في التقرير أن دواعي القلق تشمل مخاطر على صلة بارتفاع منسوب البحر وخسارات في التنوع الإحيائي البري والبحري ومخاطر مرتبطة بالجفاف وحرائق الغابات وتغير دورة المياه وإنتاج الغذاء المعرض للخطر والمخاطر الصحية في المستوطنات الحضرية والريفية جراء الحرارة الشديدة وتبدّل ناقلات الأمراض، وتتوقع المسودة أن ترتفع درجات الحرارة في أنحاء المتوسط أسرع من المعدل العالمي في العقود القادمة، ما يهدد قطاعات الزراعة والثروة السمكية والسياحة التي تعد حيوية للغاية، وسيواجه عشرات ملايين السكان الإضافيين خطراً متزايداً جراء شح المياه والفيضانات والتعرّض لدرجات حرارة شديدة قد تكون مميتة، بحسب التقرير.
ويشير التقرير إلى أن بعض مناطق المتوسط قد تشهد تراجع غلات المحاصيل التي تنتجها الأمطار بنسبة 64 في المائة، بناء على مدى السرعة التي تتمكن البشرية من خلالها من ضبط انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة، ويفيد التقرير بأن 71 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا معرض لضغط ناجم عن شح المياه بدرجة عالميا أو عالية جدا، كما أن الأمر ذاته يؤثر على 61 في المئة من سكان المنطقة، ويتوقع أن تزداد مساحة الغابات المحترقة بنسبة تصل إلى 87 في المائة في حال ارتفعت درجات الحرارة على سطح الأرض لدرجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وبنسبة تصل إلى 187 في المائة في عالم ترتفع الحرارة فيه بثلاث درجات مئوية، وفيما لا يتوقع أن تكون المنطقة الأكثر تأثرا بارتفاع درجات الحرارة في العالم، تصنف مسودة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ منطقة المتوسط على أنها أصبحت مركزا للتغير المناخي، ويخلص التقييم، وهو الأشمل، إلى أن الحد من الاحترار العالمي ليبقى ما دون الدرجتين مئويتين وهو الهدف الأساسي لاتفاقية باريس الموقعة عام 2015 وحده قادر على الأرجح على المحافظة على المستوطنات الساحلية ومواقع التراث الثقافي والأنظمة البيئية البرية وفي المحيطات بوضع قابل للحياة في معظم أجزاء حوض البحر الابيض المتوسط، ورغم أنه يصعب تحميل درجات الحرارة المرتفعة المسؤولية المباشرة عن الحرائق كتلك التي تشتعل في اليونان وتركيا، إلا أن موجات الحر والجفاف التي يسببها التغير المناخي تزيد احتمالها، وقال المدير المساعد في معهد جامعة أكسفورد للتغير البيئي فريدريك أوتو: “كل موجة حر تحصل اليوم تصبح مرجّحة أكثر وأشد بفعل التغير المناخي الذي يتسبب به البشر”، وتابع: “تعد موجات الحر من أنواع الظروف الشديدة حيث يعد التغير المناخي المبدل الفعلي لقواعد اللعبة وهي طريقة رئيسية للكيفية التي تجسد من خلالها التغير المناخي على مدى سنوات حتى الآن، وأفاد أوتو، الرئيس المشارك لخدمة “إسناد الأحوال الجوية العالمية” التي تقيس تداعيات التغير المناخي على أحداث الطقس، أن الحر الشديد من بين التهديدات الأخطر التي تواجهها منطقة المتوسط في حين أن موجات الحر تعد “إلى حد كبير الأحداث الشديدة الأكثر فتكا في أوروبا”، وتتوقع مسودة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأن ما يصل إلى 93 مليون شخص إضافي في شمال المتوسط قد يواجهون ضغطا جراء حرارة مرتفعة أو مرتفعة للغاية بحلول منتصف القرن، واشتعلت النيران في العديد من المستودعات والمنشآت الصناعية على طول الطريق السريع بين أثينا وشمال سالونيكا، ووقعت العديد من الانفجارات ودعت الحكومة السكان في مالاكاسا وسفيندالي إلى مغادرة المنطقة، في تحذيرات عبر الرسائل النصية القصيرة، وانتقل أفراد الأمن من منزل إلى آخر للتأكد من مغادرة جميع الأشخاص، وتم الإعلان عن عمليات إجلاء أخرى في أوروبوس، وهي بلدة تقع على بعد حوالي 25 كيلومترا شمال أثينا، وواجهت اليونان تمددا في حرائق الغابات المستعرة منذ أيام، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير معتاد والرياح القوية الغربية اليوم الجمعة في زيادة اشتعال تلك الحرائق.
الحرائق تساهم في تغير المناخ
يتأثر المناخ بعوامل كثيرة مثل ارتفاع درجة الحرارة وانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وارتفاع مستوى مياه المحيطات، غير أن هناك عامل آخر لم يحض بالاهتمام الكبير: إنها الحرائق التي تجتاح الكثير من الغابات والمناطق الخضراء، لقد أصبح الخبراء يدركون تدريجيا وجود أثار سلبية للحرائق على المناخ تساهم في التغيرات المناخية، وحسب سيلفيا كلوستر من معهد ماكس بلانك للأرصاد الجوية، فإن مساحة الغابات التي تتعرض للحرائق تقدر بـ 400 مليون هيكتار سنويا وهي مساحة أكبر من مساحة الهند، وفي أغلب الأحيان تتم هذه الحرائق نتيجة صواعق طبيعة كالبرق الذي يتسبب في اشتعال الخشب واندلاع النيران في الغابات، أو بسبب الإنسان الذي يقوم بحرق أجزاء من الغابات لتحويلها إلى أراضي زراعية.