تحت أشعة الشمس اللاهبة في أخفض بقعة بالعالم -بالأغوار الأردنية- تعمل الثلاثينية نجاح السميرات في قطاف حبات تمر المجهول بعدما نضجت، تجود عليها النخلة بظل يكسر حدة الشمس الحارقة، كما تجود على صاحبها بغلة وفيرة.
“نعمل في قطاف التمور بشكل موسمي يمتد لنحو 3 أشهر، وبشكل يومي في مزارع النخيل”، تقول السميرات للجزيرة نت، “نتقاضى يوميا نحو 10 دنانير (14 دولاراً)، وإذا توقف العمل ننتظر موسم الزراعة الشتوية”.
يرافق السميرات جمع من الفتيات والشبان يعملون في جني محصول تمور المجهول والبرحي المنتشرة في مناطق الأغوار الأردنية.
يحمل العشريني وائل السرور بين يديه صندوقا من محصول التمور، ويسرع بوضعه في ثلاجة متنقلة للتبريد مخافة تلفه أو إصابته بالأمراض.
ويزرع في الأردن نحو نصف مليون شجرة نخيل على مساحة 35 ألف دونم (الدونم الواحد يعادل ألف متر مربع) في المناطق ذات الحرارة المرتفعة بالأغوار الأردنية، والعقبة، والأزرق شرقي المملكة، والمناطق المشهورة بزراعة النخيل.
ينتج الأردن من تلك الأشجار سنويا نحو 26 ألف طن من التمور من صنفي البرحي والمجهول، ويصدر منها نحو 15%، ويوفر قطاع النخيل نحو 7 آلاف فرصة عمل بشكل دائم ومؤقت، حصة المرأة منها قرابة 50% من العمالة، خاصة من ربات البيوت والعائلات المحتاجة في محافظات الأطراف.
إقبال متزايد
زراعة أشجار النخيل البرحي والمجهول ليست قديمة بالأردن، فقد بدأت قبل نحو 25 عاما على مساحة 5 آلاف دونم من أراضي منطقة الشونة الجنوبية بالأغوار غربي المملكة، ومنطقة الأزرق شرقي الأردن، ثم بدأت بالانتشار، وفق مختصين.
وبين أشجار النخيل المثمرة بإحدى المزارع، قال المهندس الزراعي المتخصص في النخيل عز الدين عجرمة -للجزيرة نت- إن زراعة النخيل تلقى إقبالا كبيرا من قبل المزارعين والمستثمرين بالقطاع الزراعي، “وبات لدينا مشاريع ريادية ضخمة تضم من 25-30 ألف نخلة، تنتج سنويا من 1500 إلى ألفي طن سنويا”.
وتابع عجرمة أن سبب الإقبال على زراعة النخيل تدني التكاليف المالية لزراعته، مقارنة بزراعات أخرى مثل الموز والحمضيات، إضافة إلى كفاءته في استهلاك كميات متدنية من المياه، وجدواه الاقتصادية وزيادة الطلب العالمي على تمور المجهول والبرحي.
قطاع واعد
زراعة النخيل تشهد توسعا يوما بعد يوم وبمعدل زيادة سنوية تبلغ نحو 15%، يقول رئيس جمعية التمور الأردنية أنور حداد -للجزيرة نت- في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالنخيل أكثر من 40 ألف دونم، فإنها تضم بين جنباتها نحو 750 ألف نخلة أغلبيتها من صنف المجهول.
ويضيف حداد أن إنتاج المملكة من التمور يبلغ 30 ألف طن سنويا، يتم تصدير نحو 9 أطنان لدول خليجية وعربية وأجنبية، ويبلغ إجمالي مبيعات قطاع التمور السنوي بين 140 إلى 150 مليون دولار، منها نحو 50 مليون دولار صادرات للخارج.
وتبلغ قيمة الاستثمارات بقطاع النخيل نحو نصف مليار دينار (700 مليون دولار)، في صورة استثمارات أردنية، ويعاني قطاع النخيل -وفق حداد- من تراجع كميات مياه الري بسبب شح الأمطار والتغيرات المناخية، إضافة إلى عدم توفر العمالة الزراعية الماهرة بقطاع النخيل، والتشديد على العمالة الوافدة.
وأطلقت وزارة الزراعة بالتعاون مع جمعية التمور إستراتيجية التمور الأردنية، في مسعى منها لزيادة إنتاج التمور لأكثر من 60 ألف طن، ليصدر منها 30 ألف طن بحلول عام 2030، مما يرفع من قيمة صادرات التمور إلى 150 مليون دينار، وتوفير نحو 15 ألف فرصة عمل في هذا القطاع.
سوسة النخيل
وعلى أبواب مزرعة جنات عدن بمنطقة الشونة الجنوبية، يستثمر المهندس الزراعي جمال العدوان بزراعة نحو 750 دونما من النخيل، يجاورها 250 دونما من أصناف العنب، ولقد حفر آبارا لاستخراج المياه، وأنشأ محطة لتحلية تلك المياه، وأسس نظام ري ذكيا يعتمد على قياس الرطوبة بالتربة.
قال العدوان -للجزيرة نت في أثناء جولة بالمزرعة- إن أشد أعداء أشجار النخيل “آفة سوسة النخيل الحمراء التي تفتك بالأشجار، مما يستلزم مكافحتها بالمبيدات الحشرية والمصائد بالتشارك مع المزارع المجاورة”.
وتابع أن التمور الأردنية خاصة المجهول تلقى رواجا في دول العالم، ونصدر غالبية المحصول لدول بريطانيا وروسيا ورومانيا، إضافة إلى كميات أخرى تباع في السوق المحلي الأردني.
وتلقى حبات التمور من قبل المزارعين والمستثمرين اهتماما وعناية خاصة، في مشاغل مخصصة لتنظيفها وترتيبها وتعقيمها قبل تخزينها في برادات مخصصة لحفظ التمور، تمهيدا لتصديرها أو بيعها في السوق المحلي.
صناعات غذائية
يسهم القطاع الزراعي في الأردن بنسبة 5% من الناتج الإجمالي للمملكة، وتبلغ قيمته نحو 1.5 مليار دينار (2.12 مليار دولار) من إجمالي الناتج المحلي المقدر بنحو 32 مليار دينار (45 مليار دولار)، وفق الخبير الاقتصادي حسام عايش.
ويرى عايش -في حديثه للجزيرة نت- أن قطاع النخيل يمثل 20% من إسهام القطاع الزراعي المقدر بنسبة 5% في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وهو قطاع واعد وجاذب للاستثمارات الخليجية والعربية، ومشغل للأيدي العاملة خاصة في محافظات الأطراف الأكثر فقرا وبطالة، وسنشهد مستقبلا -مع زيادة الإنتاج- صناعات غذائية متعددة لمنتجات التمور.
المصدر: موقع البوصلة الالكتروني، المملكة الردنية الهاشمية، 25 أغسطس 2021 http://albosala.com/