من واقع التقرير:
– اللغة العربية تحتل المركز الرابع بين أكثر اللغات العالمية استخداماً على “الانترنت”
– واقع اللغة العربية اليوم غير متوازن ومظاهر الحيوية فيه لا تصرف انظارنا عن التحديات
– يطرح رؤية استشرافية ومقترحات عملية تعبر باللغة الى فضاءات المستقبل
– اللغة العربية لغة حية قوية ونابضة تمثل حاضنة للتواصل والتعبير والابداع
– طفرة كبيرة تشهدها وسائل الاعلام في البرمج ذات المحتوى العربي
– غياب التوجه العلمي نحو الانتاج بـ “العربية” وعدم وجود رؤية واضحة لمشروع التعليم بها كلفة عالمية
صنعت دولة الإمارات العربية المتحدة بفكر وتوجيه ودعم قيادتها الرشيدة مساراً راسخاً للحفاظ على هويتها العربية، من خلال تقديم كل ما من شأنه الحفاظ على لغة الضاد، سواء بإنشاء مراكز ومؤسسات متخصصة، أو من خلال المبادرات الحقيقية الفاعلة وتطبيقها على أرض الواقع بثقة وثبات، عبر أسس منهجية وبحثية تربط بين الماضي والواقع المعيش بخيوط متينة، وتستشرف المستقبل بمقترحات واضحة ورصينة، ومن هذا المنطلق وجهت الدولة وزارة الثقافة والشباب إلى ترسيخ اللغة العربية لغة للعلم والمعرفة والهوية، فأطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» في عام 2018 مشروعاً دائماً يتمثل في إعداد «تقرير عن حالة اللغة العربية ومستقبلها»، فقامت الوزارة ولجنتها العليا ومجلسها الاستشاري الذي يضم نخبة من الكوادر الإماراتية المتخصصة، وبمشاركة أكثر من 75 شخصية من أكاديميين وباحثين وأساتذة جامعات من مختلف دول العالم، بإعداد التقرير الأول، الذي يعد أول تقرير بحثي يرصد حالة اللغة العربية ومستقبلها. ويقع التقرير الذي صدرت طبعته الأولى، في 462 صفحة من القطع الكبير، ويقدم دراساته البحثية في الفترة من 2010 إلى 2020، والتي خلصت إلى عشرة محاور، لخصت مشهد اللغة العربية من كافة الجوانب البحثية، بالإضافة إلى ملخص تنفيذي وضع استنتاجات المحاور في صدارة المشهد، ومن ثم قدم مقترحات نافذة، من شأنها تطوير أساليب استخدام اللغة العربية، بما يعزز وجودها المستقبلي ووجودنا معها، باعتبارها عمود هويتنا وخيمة ثقافتنا.
يسعى المحور الأول، الذي أعده عضو الفريق البحثي عبدالرحمن سعيد المسكري من سلطنة عُمان، إلى دراسة واقع التشريعات اللغوية في مدونة القوانين العربية، بالإضافة إلى رصد الكيانات المؤسسية التي تعنى باللغة العربية دراسة وتخطيطاً ودعماً وتطويراً، خلال المدة التي حددها التقرير ويقصد بالقرارات القوانين والأنظمة التي تدير الواقع اللغوي وتسوس شؤونه. أما المرجعيات، فيقصد بها المرجعيات العلمية والمؤسسات البحثية والمراكز البحثية والمبادرات الداعمة، واعتمدت الدراسة في هذا المحور على المنهج الوصفي، وجاءت متوزعة في مبحثين رئيسيين هما: التشريعات اللغوية عرضاً وتحليلاً، والمؤسسات والهيئات المرجعية والمبادرات التي تُعنى باللغة العربية.
يختص المحور الثاني، الذي أعده ثلاثة من أعضاء الفريق البحثي وهم الدكتورة شفيقة وعيل من الجزائر، ومنى غالب محمد من الأردن، وفاطمة الزهراء لشهب من المغرب، بتقديم صورة شاملة عن واقع اللغة العربية في المجتمعات العربية ومستقبلها، من منظور الخطاب السائد في وسائل الإعلام العربية المعاصرة المكتوبة والمرئية والمسموعة، وقد سارت الدراسة في خطة من أربعة مباحث هي الرؤية التشاؤمية التي ينظر بها الإعلام العربي إلى واقع اللغة العربية في مجتمعاتها، ثم الرؤية التفاؤلية لواقع اللغة العربية. ويستعرض المبحث الثالث الأسباب التي يرى الإعلام العربي أنها وراء تراجع مكانة وفاعلية اللغة العربية في المجتمع العربي. أما المبحث الرابع، فيستعرض الاستنتاجات حول واقع اللغة العربية في مجتمعاتها من منظور الخطاب الإعلامي العربي.
وينطلق المحور الثالث الذي أعده عضوان من الفريق البحثي، هما: إسلام عياد، والدكتور عمرو عبدالهادي ماضي من مصر، من تبيان أهمية لغة الإعلام ودورها المؤثر والفاعل في تشكيل العربية، ورصد واقعها وترسيم مفهومها كلغة، إضافة إلى أنها تمثل مرآة عاكسة لواقع العربية، وإلى جانب لغة الإعلام ينطلق المحور من أهمية وجود العربية في الفضاء المكاني العام تجسيداً للإيمان بأن العربية هي لغة حياة قادرة على مواكبة جوانب الحياة المختلفة، والتعبير عنها، وينقسم هذا المحور بحثياً إلى قسمين رئيسين، هما: العربية في الإعلام العربي، والعربية في الفضاء المكاني العام.
واقع النشر والتكنولوجيا
ينطلق المحور الرابع، الذي أعده من الفريق البحثي ضياء الأسود من سوريا، ومنى غالب من الأردن، من الإجابة عن تساؤلين، أولهما: ما واقع النشر العربي؟ والثاني: ما استخدامات اللغة العربية في الرواية العربية المعاصرة؟ وللإجابة عن هذين التساؤلين انقسم هذا المحور إلى مبحثين، ويتعلق المبحث الأول بواقع النشر العربي «الورقي والإلكتروني والصوتي» والتحديات التي تواجهه، أما المبحث الثاني فيقدم دراسة على خمسين رواية، رصدت الاستخدامات المتنوعة للغة العربية في الكتابة الروائية وما تعكسه من دلالات.
ويبحث المحور الخامس، الذي أعدته عبير عبدالرحمن من المملكة العربية السعودية، في واقع العربية وهيمنة التكنولوجيا وتخللها في ثنايا وجودنا المعاصر، والتحول الجذري في مختلف جوانب حياتنا اليومية والمهنية والأكاديمية والاجتماعية والثقافية؛ ولذا فإن لميدان التكنولوجيا أهمية لا يمكن إنكارها في ضوء الثورة التي أحدثتها التقنيات الحديثة، حيث حولت المستحيل إلى ممكن وجعلت شبكة الإنترنت والمحتوى الرقمي فضاء ملازماً لكل فرد يعيش في زمننا، وعليه فمن الطبيعي أن نتساءل: أين هي اللغة العربية في خريطة هذا الفضاء التكنولوجي الجديد، وأين هي في التفاعل مع هذه المعارف والخبرات، وفي استغلالها لاستثمار البيئة ومواردها في سبيل خدمة المجتمعات العربية؟
الترجمة وتحديات المصطلح
أما المحور السادس، فأعدته فاطمة زراقط من لبنان، وشيماء عبدالله من الإمارات، عن علاقة اللغة العربية بالترجمة وتحديات المصطلح، باعتبار أن الترجمة تشكل ركناً أساسياً في عملية إثراء المعرفة والتعامل مع الآخر وإثراء اللغة، وقد جاء هذا المحور ليجيب عن تساؤلات عديدة حول واقع الترجمة في العالم العربي، بما يضم من تحديات وإشكالات وذلك في محاولة لاستشراف المستقبل أولاً ولرسم خريطة ترتقي بمسيرة الترجمة في العالم العربي ثانياً، بما يضمن أعلى درجات الاستثمار في حقل الترجمة الذي يلقي بظلاله على كثيرٍ من الحقول الأخرى «المعرفية والتعليمية والمجتمعية والثقافية». ويهدف المحور السادس إلى تناول الترجمة من وجهتين أساسيتين، أولاهما بوصفها ركناً أساسياً من أركان مجتمع المعرفة العربي، وثانياً بوصفها أساس المجتمعات المتثاقفة عبر عملية نقل المعرفة، إذ يُنقل تراث لآخر بقصد بناء أسس فكرية وثقافية متعايشة وراهنة، ولكنها غير منقطعة عن أصولها بمعنى أننا نترجم لنصبح شركاء في صنع المعرفة.
تدريس العلوم
يُعنى المحور السابع الذي أعدته الدكتورة شفيقة وعيل من الجزائر بتشخيص واقع اللغة العربية ومستقبلها في مجتمعاتها العربية، من خلال شقين مترابطين معرفياً، هما تدريس العلوم والإنتاج البحثي، ويهدف إلى رصد المشكلات التي تعترض تعريب العلوم تدريساً وبحثاً، مع تشريح أسبابها بالاستعانة بدراسات وشهادات وتجارب للفاعلين في الميدان من المختصين وأعضاء المجتمع العلمي العربي. كما يسعى إلى بناء رؤية استشرافية لتمكين اللغة العربية من إنتاج المعرفة في مجتمعاتنا. وتقوم الدراسة في هذا المحور منهجياً على مقاربة استقرائية وصفية تحليلية، من بين أدواتها استبيان يرصد مواقف واعتقادات الباحثين الأكاديميين العرب تجاه النشر العلمي بالعربية، بالإضافة إلى مقابلات ولقاءات حوارية وجلسات نقاش مع أعضاء المجتمع الأكاديمي العربي أساتذة وطلاباً وباحثين وصناع مناهج.
ويتناول المحور الثامن الذي أعده ثلاثة من الفريق البحثي، هم: ريما قنواتي وهاجر الديراني والدكتور محمود البطل من لبنان مواقف الطلاب الجامعيين العرب واعتقاداتهم حول اللغة العربية وعلاقتهم بها، باعتبار أن رصد هذه المواقف والاعتقادات يمثل خطوة ضرورية على طريق تكوين فهم أعمق للواقع الذي تعيشه اللغة العربية، وللعلاقة التي تربط بين اللغة والشباب الجامعيين. وتهدف الدراسة في هذا المحور إلى استطلاع رؤية الطلاب للغة العربية ومشاعرهم تجاهها، وكذلك طبيعة علاقة اللغة بهوية الطلاب العربية والدينية والوطنية ومدى استخدامهم للغة العربية في حياتهم الشخصية والأكاديمية، والمجالات التي يستحدمونها فيها، واعتقاداتهم فيما يخص الواقع الحالي للغة العربية ومستقبلها وقدرتها على مواكبة العالم الذي يعيشون فيه، وكذلك تقديرهم لمستوى الكفاءة في اللغة العربية ودرجة ثقتهم بقدراتهم اللغوية فيها. وأخيراً اعتقاداتهم تجاه تأثير تجاربهم السابقة في دراسة العربية في المراحل المدرسية في تشكيل قدراتهم اللغوية والفكرية، وتقييمهم لتلك التجارب، واعتمدت الدراسة على منهجية استطلاع الآراء.
المقاربات البيداغوجية
اختص المحور التاسع الذي أعدته الدكتورة رانية شاهين من الإمارات، والدكتورة ديمة عزيز بركات، ورهف خلوف من سوريا، بالحديث عن المناهج المدرسية في تعليم اللغة العربية ورصد المقاربات البيداغوجية الجديدة التي طرحت في بلدان عربية مختلفة في السنوات الأخيرة في مراحل التعليم الثلاث ما قبل الجامعي «الابتدائية والإعدادية والثانوية»، بهدف تطوير هذه المناهج وربطها بالممارسات والنظريات الحديثة في تعليم اللغات وتعلمها، وارتكزت الدراسة في هذا المحور على أربعة أقسام، حيث تمحور القسم الأول حول واقع اللغة العربية في الوطن العربي، وتناول القسم الثاني تمظهر مناهج تعليم اللغة العربية في السنوات العشر الأخيرة، واندرج القسم الثالث تحت عنوان المقاربات البيداغوجية التي شهدتها التجربة العربية. أما القسم الرابع، فقد كان مخصصاً لقراءة التجارب العربية المتبلورة في توظيف المقاربات البيداغوجية الجديدة في مناهج تعليم اللغة العربية، وهي دول الخليج العربي وسوريا والأردن ودول المغرب العربي.
اللغة العربية في عوالم جديدة
يشكل المحور العاشر، الذي أعدته نور الشيخ من البحرين، في مضمونه حلقة متكاملة لتوصيف واقع اللغة العربية، والتحديات التي تعرقل انتشارها، ومن ثم يطرح السبل التي تؤدي إلى تعزيز حضورها من منطلق أن العوالم الجديدة، وهي المناطق الواقعة خارج نطاق العالمين العربي والإسلامي، أولت عناية خاصة لتعليم اللغة العربية في العقدين الأخيرين؛ ولذا فإن هذا المحور يسلط الضوء على التحديات التي تواجه تعليم اللغة العربية في هذه العوالم، طارحاً رؤية مستقبلية تعين على النهوض بهذا الحقل البحثي.
نورة الكعبي: نقطة بداية لطريقة علميّة في مقاربة كلِّ ما يتعلّق باللغة العربيّة
«هذا التقرير هو جزءٌ من التزام الإمارات بهويّتها الثقافيّة وبدورها كمساهم فاعل في الهويّة الثقافيّة لمنطقتنا، ولا بُدَّ أن أتوجّه بخالص الامتنان والتقدير للقيادة الرشيدة لما توليه من اهتمام بقضيّة اللغة العربيّة، ويظهر ذلك في كلِّ المبادرات التي تمَّ إطلاقها في الإمارات، ومنها «مركز أبوظبي للّغة العربيّة» في أبوظبي، و«مجمع اللغة العربيّة في الشارقة». كما أعتزّ بالمبادرات الإقليميّة والعالميّة الأخرى، ومنها «مركز الملك سلمان للّغة العربيّة» في المملكة العربيّة السعوديّة، والبرامج التي تطلقها منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) حول اللغة العربيّة. وفي الختام، ما كان لهذا التقرير أن يرى النور لولا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، «رعاه الله»، الذي وجّه بإصدار هذا التقرير وقدَّم له الإرشاد.إنَّ «تقرير حالة اللغة العربيّة ومستقبلها» هو نقطة بداية لطريقة علميّة في مقاربة كلِّ ما يتعلّق باللغة العربيّة وما يتمّ تداوله عنها. وفي النهاية كلّ فرد منّا في مجاله مسؤول عن تعزيز الإيمان بها وتطوير وسائل تعليمها واستخدامها. اللغة العربيّة بصيغها المتعدّدة من لغة فصحى رسميّة ولهجات محلّيّة هي لغة حيّة تتطوّر وتتغيّر باستمرار، مثلها مثل أيّ لغة أخرى، وفي الوقت نفسه الذي تنتج العولمة والتكنولوجيا فيه تحدّيات فهي تحدث أيضاً فرصاً غير مسبوقة للغتنا».
جانب من كلمة معالي نورة بنت محمد الكعبي
وزيرة الثقافة والشباب
في مقدمة تقرير «حالة اللغة العربية ومستقبلها»
المصدر: جريدة الاتحاد، سعد عبد الراضي، 26 اغسطس 2021