“وجبة ….. إبداع وابتكار (70) “إدارة التغيير (1)”

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في التميز المؤسسي (EFQM)، خبير استراتيجيات القوة الناعمة، خبير ادارة مركز اسعاد المتعاملين، (7 STAR)، خبير حوكمة معتمد، خبير صناعة سيناريوهات المستقبل، 31 اكتوبر 2021

يتسم عصرنا هذا وكل العصور بالتغيير السريع المتدفق والمتلاحق من جميع الجوانب، فالتغيير هو المعادلة التي تحمل الرقم الصحيح دائماً، اما المحافظة على الثبات في بيئة محيطة بالركون ووضع غشاء فاصل عما يدور من حولنا، واقتصار فكرنا على البيئة المتلاصقة به سيؤدي بنا إلى الزوال، وتحقيق نتيجة كسرية غير تامة في المعادلة، فلا تنتشي بساقية رقراقة في الظلام، فتعطي أفكارك جرعة من المخدر لتعيش النعيم الآني حتى يغافلك مستقبل محروق.

التغيير قادم لا محال فاركب صهوة التحدي لمواكبة المستقبل للتحرر من الجمود والنمطية الزائلة للأفكار ودعها تعيش الانطلاق للتجديد، فمتطلبات العصر في حالة تغيير مستمر، وهي السمة الحقيقية والواضحة، فالحياة لا تمنعك من الابداع وإنما أنت من يمنع نفسه من التفكير خارج الصندوق، لا تغلف مؤسستك أو شخصك في غلاف أو حاجز تعتبره مريح وحامي من الصدمات، يفصلك عن الخارج، اسعى دائماً للتفكير المتجدد واحداث التغييرات الهادفة بأساليب تلائم تطورات البيئات المحيطة، وإلا سيمضي الزمن لتكتشف أنك ضمن بوتقتك الخاصة محمياً من المؤثرات الخارجية، ولكنها بوتقة ستمتلىء بالصدأ والتبلد تثقل حركتك عند النهوض إن كان.

لا تحرق جميع مراكبك بسبب اقتناعك بأنك وصلت إلى القمة وتتربع عليها دون أن ترى القمم الأخرى التي تملك أجنحة للتحليق أكثر لتصنع اللاحدود، ولا تستسلم لأدواتك التي وصلت إليها، بل اشحنها واشحذها لتكون على أهبة الاستعداد حتى تضع رؤية لقمة أعلى، فالتغيير تعبير إيجابي عن حافز التفوق لدى الانسان المتفائل والانطلاق من الروتين إلى التحدي والاحساس بالمسؤولية باتجاه المستقبل، حتى لا تفقد صلاحياتك في الوجود مع مرور الزمن، فالتجديد يلغي التبديد.

لقد استلهمت معنى هذه الكلمات التالية للكاتب جيرالد هوتر الذي تحدث في خبايا العقل وأهميته في التغيير، وكيف يتم التعامل مع التغيير وتأثير البيئة المحيطة في تحقيق الأهداف المرجوة ونتائج ذلك، وكيف تكون عامل مثبطاً أو محفزاً، وأخذ مثالاً حقيقياً عن كيفية تطور المخ وتأثير البيئة في تحقيق التغيير ووجود الحماس والالتزام به سعياً للمواكبة أو الركون والتبلد، على الرغم من وجود تحديات كبيرة وكثيرة أمام العزيمة والتوافق مع البيئات المحيطة.

فتركيب المخ وأجزاءه المختلفة متشابه إلى حد ما في الكائنات الحية، فطرق الاستخدام والبيئة المحيطة به هما العاملان القويان في تنمية أجزاء المخ أو ضمورها، فاستخدام جميع الحواس والقدرات الكامنة في عقولهم للبحث عن مجال يحقق لهم الراحة التامة مستعينين بكل ما يملكون من قدرات لتجهيز تلك البيئة المريحة التي تلائم حياتهم الحالية والمستقبلية البعيدة عن الخطر والتهديد وتحقيق مأربهم بالاستغلال الأمثل لتلك القدرات واستخدامها كاملة بتفاصيل أجزائها، وحالما يتحقق هذا الحلم فتبدأ قدرات عقولهم وتراكيب أجسامهم بالتواؤم مع البيئة المحيطة التي أوجدوها بشكل تدريجي، حتى يلتصق في تلك البيئة ويصعب الخروج منها طالما تحقق له الراحة ومرتعه من سنوات خلت وأهداف يصعب تجديدها.

ونخوض في المثال الذي أورده الكاتب عن أهمية التغيير الذي يبدأ من الخلايا الدماغية واستخدام القدرات المتنوعة والمتعددة والتي يمكن أن تخلق إيجابيات بقدرات جديدة للتعامل مع ما يحدث في البيئات المحيطة والتفوق عليها بإبداع آليات جديدة للتفوق والتميز، أما ما حدث للدودة الشريطية في جسم الانسان، حيث كان أسلافها ديداناً دؤوبة الحركة، نشيطة تملك جهازاً عصبياً يقوم بالتنسيق بين انقباطات خلاياها العضيلة الكثيرة حتى تتمكن بكاملها من الحركة والاندفاع إلى الامام، وأيضا التعامل مع الاشارات الواردة من داخل حواسها بحيث تتمكن الدودة من الزحف إلى مكان لا يتهددها فيه أي خطر، أو مكان يحقق راحتها وما يمكن أن تأكله وحتى إيجاد شريكاً للتزاوج.

وفيما بعد نشأت ديدان أخرى أكبر حجماً وتعقيداً تمكنت بالاعتماد على مخها البسيط من العثور على مكان مريح للعيش فيه وهو الأمعاء، وفي هذا المكان كان الغذاء المتوافر ولم يكن هناك أي خطر يهددها من البيئة المحيطة، وبدأت تدريجياً تفقد قدرتها على الحركة ونمت على رأسها من الخارج زوائد خطافية ماصة لتتمكن من تثبيت نفسها داخل الأمعاء.

أما في داخل جسمها فقد اختفى كل ما لم يعد له استخدام في هذه البيئة المحيطة بها التي تمثل لها جنة ترتع فيها، وفقدت الديدان دون أن تلاحظ مخها الذي كان حجمه كبيراً للغاية، وفقدت معه القدرة على تكوين مثل هذا المخ أصلاً، ففي البداية استخدمت مخها بطريقة شديدة الذكاء لتهيىء لنفسها حياة مريحة وجنة حالمة، وقد نجحت في تحقيق الهدف، وعندها بدأت بالتبلد، فإحدى إمكانيات استخدام المخ تتمثل في استغلاله للوصول إلى مكان للحياة لا تدعو فيه الحاجة لاستخدام العقل، بذلك يكون قد استغنى عن قدراته في تنمية باقي أجزاء مخه بنفس القدر وأصبح بذلك يبتعد عن المتطلبات المعقدة التي تستدعي تنمية جميع قدرات عقله ويبتعد عن الخوض في سباق التطور.

فالهدف بأن الحياة بحاجة إلى متخصصين حقيقة، ولكن دون الركون أو الاقتناع بالوصول إلى النهاية، فمازالت هناك أفاق لم يتم اكتشافها في نفس التخصص وأيضاً الحاجة إلى تخصصات أخرى مختلفة ذات عمق أكبر يتم اكتشافها.
فتلك هي الاشارة للإسراع إلى ميدان السباق للخوص في قمم التنافس وتشغيل الحد الأدنى من قدرات العقل الكامنة التي لا يتم استخدامها في استراتيجيات جديدة وأهداف تحمل صيغة التحدي، وإقناع النفس بأننا وصلنا إلى القمة دون الالتفات للبيئات الخارجية التي لا ترى منها القمم التي تنتظرك، فالتجدد يزيل التبدد، فمهما حاولت أن تحجب نور الشمس فلن تستطع، فالأفضل أن تستمتع بنورها عن أن تحترق بحرارتها .

المراجع:
1. جيرالد هوتر، (1975)، خبايا العقل، ترجمة عبدالله حسان الانصاري، شرطة نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع.

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

“وجبة ….. إبداع وابتكار (101) “استراتيجيات التغيير (14)”

شبكة بيئة ابوظبي: بقلم د. أنيس رزوق، مستشار تخطيط استراتيجية الجودة والتميز، مقيم معتمد في …