ليس بوسعنا منع الكوارث، ولكن يمكننا معاً الحد من آثارها

شبكة بيئة ابوظبي، بقلم، ديفيد مالباس، الرئيس الثالث عشر لمجموعة البنك الدولي، 19 نوفمبر 2021
إن الكوارث المرتبطة بالمناخ متكررة وشديدة، ولكن ثمة شواهد تبعث على التفاؤل بأنه يمكننا التأهب للتصدي لها ومعالجة آثارها. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء إلى الإعصار بولا في جنوب آسيا في 1970 أو الإعصار كاترينا في الولايات المتحدة في 2005، فسنرى كوارث تسببت في إزهاق أرواح الآلاف، وألحقت أضرارا بالمليارات. وبالمقارنة، نجد أن بعض العواصف في الآونة الأخيرة -الإعصار فاني في 2019 والإعصار إيدا الشهر الماضي- كبَّدت المجتمعات المحلية أضرارا أقل كثيرا في الأرواح والاقتصادات.
ومع أنه لا توجد كارثتان متشابهتان، فإنه يمكننا أن نفعل المزيد اليوم لتعزيز التأهب لمواجهة الكوارث، والحد من آثارها، ودعم تعافٍ قادر على الصمود. وثمة إجراءات أساسية يمكن أن يكون لها تأثير مهم للأفراد والمجتمعات المحلية الذين يقعون في قلب الكوارث الطبيعية.
وكلما ازدادت درجة فقر المجتمع المحلي زاد احتمال تعرضه للمخاطر الطبيعية وتأثره بتغير المناخ. واليوم، تدفع الكوارث 26 مليون شخص إلى براثن الفقر سنويا. وبالنسبة للأسر الزراعية التي لا تمتلك سوى مدخرات محدودة، قد تؤدي موجات الفيضان أو الجفاف التي تدمر المحاصيل إلى آثار اقتصادية مدمرة. ويحدث هذا في الأمد القصير حيث يؤدي فقدان مصدر الدخل إلى تقليل إمكانية الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى، وفي الأمد الأطول حيث تحد الآثار على التعليم والصحة من آفاق مستقبل الأطفال مدى الحياة.

والتنمية الشاملة ومكافحة الفقر ضروريان لحماية الفقراء من الكوارث. فتحسين سبل الحصول على الموارد المالية والفنية والمؤسسية سيجعلهم أكثر قدرةً على التصدي لآثار تغير المناخ. وفي الواقع، قد تؤدي مكاسب التنمية إلى انخفاض بمقدار النصف في عدد الذين سيهوي بهم تغير المناخ في دوامة الفقر بحلول عام 2030.
ويشكل التكيف مع آثار تغير المناخ معاناة دائمة للأسر وللشركات الصغيرة التي تعد مُحرِّكات للاقتصادات المحلية في البلدان النامية. فهم يجدون حوافز قوية للتكيف، إذ تدرك الأسر ورواد الأعمال ما هو تأثير اضطراب المناخ على الإمدادات والعملاء والإنتاج. ولكنهم يحتاجون إلى الدعم من أجل الاستعداد والتأهب، والتوجيه في الاستثمارات، وكذلك التمويل، لاسيما حيثما تتطلب الحلول تكاليف أولية مرتفعة.
“ومع أنه لا توجد كارثتان متشابهتان، فإنه يمكننا أن نفعل المزيد اليوم لتعزيز التأهب لمواجهة الكوارث، والحد من آثارها، ودعم تعافٍ قادر على الصمود.”
وتستطيع الشركات الخاصة والمستثمرون مساندة جهود التكيف والصمود بالاستثمار على سبيل المثال في منازل مقاومة للأعاصير، ونظم ري أكثر كفاءة، وشبكات طاقة مصغرة قادرة على الصمود، وسلاسل إمداد وخدمات لوجستية يمكنها الحد من الاضطرابات حينما تقع الكوارث. ويمكنهم أيضا ابتكار المزيد: اليوم 0.5% فقط من براءات الاختراع العالمية تُعزِّز جهود التكيف مع تغير المناخ والصمود أمام آثاره. والمسألة المهمة هي إعداد خطط وطنية مع تقييمات للسوق قادرة على استقطاب تمويل القطاع الخاص.

ويساعد التكيف المجتمعات المحلية على مجابهة الآثار حينما تقع الكوارث، والتعافي سريعا، وتفادي العواقب طويلة الأجل. ويمكن أن تساعد أنظمة الإنذار المبكر على إنقاذ الأرواح، وتحقيق منافع تفوق تكلفتها بمقدار لا يقل عن أربعة أمثال إلى عشرة. وتستطيع نظم الحماية الاجتماعية تقديم مساندة سريعة بعد وقوع كارثة طبيعية، وأن تساعد في أزمات مثل موجات القحط والجفاف في كينيا وإثيوبيا.
وبمقدور الحكومات تعديل خطط العمران واستخدام الأراضي لمراعاة مخاطر تغير المناخ في الأمد الطويل وتفادي دفع الناس والاستثمارات إلى المناطق عالية المخاطر. وهذا من شأنه أن يجعل الاستثمارات والأصول والخدمات العامة أكثر قدرة على الصمود في وجه الصدمات. واليوم، تخسر البلدان النامية نحو 390 مليار دولار سنويا حينما تضرب الكوارث مرافق الكهرباء والمياه وتُعطِّل شبكات النقل. ولكن مع تحسن البيانات، ومستويات الحوكمة يُمكِن أن تصبح خدمات البنية التحتية أكثر متانةً وانتظاماً. ومن شأن بناء القدرة على الصمود في وجه الصدمات في مرافق البنية التحتية الجديدة أن يزيد التكاليف الأولية نحو 3% فقط، لكن كل دولار يُستثمر في هذا الشأن سيكفل تفادي خسارة 4 دولارات في المتوسط.

ويُركِّز تمويل مجموعة البنك الدولي لأنشطة التكيف الذي يشتمل على تقديم منحٍ من المؤسسة الدولية للتنمية وقروض بسعر فائدة منخفض أو صفري لأشد البلدان فقرا على تحقيق نواتج ملموسة. ففي النيجر، أدَّى تحسن إدارة الأراضي إلى زيادة نسبتها 62% في غلات المحاصيل. وفي موزامبيق، حيث ساعدت استثماراتنا السابقة في الحد من الأضرار الناجمة عن الأعاصير، نساعد في إعادة البناء بتوفير طرق وشبكات نقل قادرة على الصمود. وتساند حماية البيئة أيضا الحلول المستندة إلى الطبيعة. فعلى سبيل المثال، تقوم الشعاب المرجانية وغابات المنغروف بدور مصدات طبيعية للعواصف، ويساعد الحفاظ عليها في التكيف مع تقلبات المناخ، ويجلب منافع اقتصادية. وتساهم مشروعات المناطق الساحلية التي يمولها البنك الدولي في توسيع غابات المنغروف في الهند وتساعد ستة بلدان في غرب أفريقيا على استعادة الأراضي الرطبة والحد من تآكل السواحل.
ويجب أيضا معالجة آثار تغير المناخ على مستوى الاقتصاد الكلي. ففي كثيرٍ من البلدان، تؤثِّر تداعيات تغير المناخ على الإيرادات الضريبية، وميزان التجارة، وتدفقات رأس المال. وتتطلب الآثار في مختلف القطاعات تخطيطاً إستراتيجياً على أعلى المستويات. ويتمثل أحد التدخلات التي تعود بالنفع على جميع الأطراف في بناء قدرة الاقتصاد على الصمود في وجه الصدمات، وذلك بتنويع هياكله الاقتصادية وتركيبة صادراته السلعية وقاعدته الضريبية.
ولتطبيق الحلول المُبيَّنة هنا – حماية أشد الناس فقرا، وحماية الاقتصادات المحلية، والاستثمار في القدرة على الصمود، والتأهب لمجابهة الآثار على المستوى الكلي- يجب القيام باستثمارات كبيرة. ولكن مع الالتزام القوي من الحكومات ومؤسسات الإقراض متعددة الأطراف مثل مجموعة البنك الدولي والقطاع الخاص يصبح تحقيق هذه الحلول ممكناً.
إننا لا نستطيع الحيلولة دون وقوع الكوارث، ويجعلها تغير المناخ خطراً وشيكاً، ولكننا معاً نستطيع التقليل من آثارها، لاسيما على أشد الناس فقرا وأكثرهم احتياجاً وتأثراً.

تغير المناخالطاقةالصحةالفقرشبكات الأمان الاجتماعي التنمية الحضريةالمياهالعالم

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

لماذا مات الكثيرون في إسبانيا؟ لأن أوروبا لم تتقبل بعد حقائق الطقس المتطرف

من المؤسف أن الفيضانات الشديدة أمر لا مفر منه. ولكن ما ليس حتميًا هو مدى …