عقب انتهاء أعمال قمة العمل المناخي (COP26) في غلاسكو وما تمخض عنها من نتائج، فقد اختلفت الآراء حولها. شبكة بيئة أبوظبي التي واكبت مؤتمر دول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ السادس والعشرين (COP26) المنعقد في “غلاسكو” تعمل على عرض آراء المؤسسات والخبراء والجمعيات ذات العلاقة الذين تابعوا أعمال هذه القمة (حضورياً أو عن بُعد) من مختلف الجوانب.
شبكة بيئة أبوظبي، عبد العالي الطاهري، مدير البرنامج الوطني، الإعلام الإيكولوجي، المملكة المغربية 26 نوفمبر 2021
قمة گلاسگو (كوب 26).. هل كانت الفرصة الأخيرة لقادة العالم لإنقاذ الكوكب من أشد الآثار الكارثية لتغير المناخ؟!
مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021، المعروف أيضًا باسم COP26، هو مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرون للتغير المناخي. وهو المؤتمر الذي انعقد في مدينة غلاسكو العاصمة الأسكتلندية، في الفترة ما بين 31 أكتوبر و12 نوفمبر 2021 برئاسة المملكة المتحدة، وقد ضمَّ هذا المؤتمر، كل من “المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNFCCC)”، و”الاجتماع السادس عشر للأطراف في اتفاقية كيوتو (CMP16)”، وكذا “الاجتماع الثالث لأطراف اتفاقية باريس (CMA3)”.
1- ماهو رأيك أو تقييمك للنتائج التي وصل إليها المشاركون في قمة العمل المناخي في (كوب26) بغلاسكو؟
يُعدّ هذا المؤتمر المرة الأولى التي كان سقف التوقعات فيها جد مرتفع، وانتظرت ساكنة المعمور من الأطراف الالتزام بتعزيز الطموح منذ COP21، إذ طُلب من الأطراف تنفيذ عملية تُعرف بالعامية باسم «آلية الاتجاه الواحد» كل خمس سنوات، كما هو موضح في اتفاقية باريس.
وعُقد المؤتمر في مركز المؤتمرات والمعارض الأسكتلندي في غلاسكو. إذ كان من المقرر عقده في الأصل في نوفمبر 2020 في نفس المكان، وتأجل الحدث لإثني عشر شهرًا في ضوء جائحة كوفيد-19 في المملكة المتحدة خاصة والعالم بشكل عام.
ويهدف هذا المؤتمر، الذي استضاف ممثلين عن أكثر من 197 دولة، إجراء حوار بنَّاء عن الغذاء وتغير المناخ، والتعامل مع مشكلات التغير المناخي التي تهدد كوكبنا وتحسين الفهم المتبادل للأزمة وبناء روابط وشراكات جديدة لمواجهتها.
ومن منطلق الاهتمام الخاص الذي توليه مؤسستنا الإعلامية للتوعية بقضايا البيئة والتغير المناخي، قمنا بتخصيص تغطية خاصة وموسعة لهذا الحدث العالمي، حيث انتظر العالم من هذا المؤتمر أهم القرارات والنتائج، وبذل الجهود لإصدار إعلان رفيع المستوى بشأن الحاجة إلى سياسات غذائية متكاملة وكذا مواجهة ظاهرة “الاحتباس الحراري” لمواجهة تداعيات الطوارئ المناخية.
ومع ترقُّب العالم لغد أفضل، انطلقت فعاليات قمة المناخ (كوب 26) بغلاسكو، في محاولة لإنقاذ الكوكب من أشد الآثار الكارثية لتغير المناخ.
ليعلن رئيس مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب 26) ألوك شارما خلال افتتاحه لأشغال القمة في غلاسكو أن هذه القمة هي “الأمل الأخير والأفضل” لحصر الاحترار بـ 1,5 درجة مئوية وهو الهدف الأكثر طموحا في اتفاق باريس.
وأضاف شارما في اليوم الأول من المؤتمر، الذي استمر على مدى أسبوعين اعتبرا حاسمين لمستقبل البشرية، أنه خلال فترة أوج انتشار وباء كوفيد-19 “تواصلت ظاهرة تغير المناخ.. حيث بدأت تأثيرات تغير المناخ الظهور في كل أنحاء العالم على شكل “فيضانات وأعاصير وحرائق غابات ودرجات حرارة قياسية.. نعلم أن كوكبنا يتغير نحو الأسوأ”، وأوضح: “إذا عملنا الآن وعملنا معا، سيكون بإمكاننا حماية كوكبنا الثمين”.
وعلى هامش أشغال قمة المناخ بغلاسكو (كوب 26)،المنتهية في 13 نونبر الجاري، بعد تمديدها بيوم، قال خبراء إن القيام بخطوات ملموسة في السنوات العشر المقبلة سيكون الحل الوحيد للمساعدة في الحد من الآثار المدمرة.
وأخذ مؤتمر الأطراف هدفه الأكبر من اتفاق باريس التاريخي الذي أبرم في العام 2015، والذي شهد موافقة الدول على وضع حد للاحترار العالمي عند “أقل بكثير” من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي، و1,5 درجة مئوية إذا أمكن.
إلى ذلك، قالت المنسقة في شؤون المناخ في الأمم المتحدة باتريشا إسبينوزا خلال افتتاح “كوب 26” في غلاسكو، إنه يجب على الدول تغيير طريقة عملها أو قبول فكرة “أننا نستثمر في انقراضنا”.
ووُصفت قمة «كوب 26» بأنها فرصة أخيرة لقادة العالم في أفق إنقاذ الكوكب من أشد الآثار الكارثية لتغير المناخ.
وجاء من بين أهم أهداف هذه القمة، التي تأجلت عاما بسبب جائحة كوفيد-19، الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل التصنيع، وهو الحد الذي يقول العلماء إنه سيُجنب الأرض أكثر عواقب الاحتباس الحراري تدميرا.
وسيتطلب تحقيق هذا الهدف، الذي اتُفق عليه في باريس عام 2015، زيادة في الزخم السياسي والمساعي الدبلوماسية الحثيثة لتعويض عدم كفاية الإجراءات والتعهدات الجوفاء التي ميَّزت الكثير من سياسات المناخ العالمية.
ورغم أنَّ المؤتمر تمكَّن من انتزاع تعهدات أكثر طموحا لمزيد من خفض الانبعاثات وجمع المليارات بغية تمويل مكافحة تغير المناخ والانتهاء من وضع القواعد في سبيل تنفيذ اتفاقية باريس، وذلك بموافقة ما يقرب من 200 دولة وقَّعت عليها بالإجماع.
– الفرصة الأخيرة للكوكب.. لهذه الأسباب شكَّلت قمة المناخ «كوب26» فرصة حاسمة في تحديد مصيرنا.
يعتقد المتشائمون أن الوقت قد تأخر لمحاصرة آثار التغيّر المناخي، لكن القمة المنعقدة في بريطانيا أكدت، حسب السياق الذي أُجريت فيه أشغالها، أن هذا الهدف ما زال ممكن التحقيق شريطة اتخاذ إجراءات غير مسبوقة وجريئة من الدول الصناعية الكبرى، يعني ضرورة تحقُّق شرط الإرادة السياسية المشفوع بالنوايا الحسنة تجاه مصير الكوكب، وليس فقط وضع البرامج والمشاريع في بُعدها العلمي والأكاديمي المحض.
– قِمم الأمم المتحدة للمناخ وتحديات التوازنات الإيكولوجية.
قبل ست سنوات، وفي قمة مؤتمر باريس 2015 للمناخ، وضع قادة القمة أنفسهم أمام تحديات، عالية السقف؛ واليوم أعاد مؤتمر غلاسكو للقمة السادسة والعشرين في أسكتلندا (COP26)، وضع تصورات طموحة وعالية السقف، وصلت إلى صفر انبعاث في منتصف القرن، في وقت الذي أظهرت العديد من التقارير ذات المصداقية العالية، صعوبة تحقيق هذه الطموحات في ظل الظروف القائمة، وتواضع التقديمات لتحفيز آليات التنفيذ التي تتطلب موازنات مالية فلكية، إضافة إلى تنازلات وفهم أكثر واقعي من الدول الغنية تجاه ما يجب تقديمه للمجتمع الدولي بهدف تأمين الحد الأدنى للاستمرار الواقعي و المقبول.
وعلى الرغم من أن صفر انبعاث يعتبر هدفاً طويل الأمد، فإن تخفيضات الانبعاثات بخاصة من قبل أكبر مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة، تعتبر أمرا لازماً وضرورياً في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، بهدف الحفاظ على الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية لتأمين شروط وحماية المناخ الصالح لاستمرار البشرية. وقد قدمت أكثر من 80 دولة حالياً خطط عمل وطنية محدثة وفقاً لاتفاقية باريس، فلا تزال التخفيضات المجمعة للانبعاثات المخطط لها بحلول العام 2030 متواضعة، وأقل بكثير من مستوى الطموح المطلوب لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، ففي لغة الأرقام تسهم عشر دول في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تتجاوز ثلثي الانبعاثات العالمية؛ وتأتي في طليعة هذه الدول الصين والولايات المتحدة الأمريكية، يليهما الاتحاد الأوروبي، والهند، وروسيا، واليابان، والبرازيل، وإندونيسيا، وإيران، وكندا، وفقاً لمعهد الموارد العالمية. وتعتبر الدول الثلاث الأولى الأكثر مساهمة في تصدير انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 46% عالمياً، بمعدل يفوق 16 مرة ال100 دولة الأقل تصديراً للانبعاثات، وتسهم الدول المئة بنسبة 3% فقط في تصدير مجمل الانبعاثات.
ففي مؤتمر الأطراف المشاركة في الاتفاقية الإطارية 21 بمؤتمر باريس، تم تحديد الأهداف الرئيسة لتفادي تداعيات وكوارث تغير المناخ، وتعهد جميع الموقعين على تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة، وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة، والحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين مع وضع هدف التوصل إلى 1.5 درجة مئوية أي (2.7 فهرنهايت)، إضافة إلى الالتزام بمساعدة الدول النامية على التعامل مع تأثير تغير المناخ عبر رصد مليارات الدولارات، كما تم الاتفاق على إجراء مراجعة عامة كل خمس سنوات، إلا أن مراجعة العام 2020 لم تحدث بسبب الوضعية الوبائية لفيروس كورونا، وهو ما دفع إلى تأجيلها حتى العام الجاري.
2- هل ترى أنَّ الجمعيات البيئية ومنظمات المجتمع المدني كان لها تأثير إيجابي في القمة وماهو؟
هو سؤال مفصلي بل وجوهري، وقد كان حضور المجتمع المدني في قمة غلاسكو للتغيرات المناخية حضورا فوق الوازن، خاصة بالنسبة للمنظمات والهيئات المدنية العالمية، التي راكمت تجارب وخبرات وازنة في المجال الإيكولوجي، ونذكر هنا على سبيل المثال المنظمة العالمية “غرينبيس/ السلام الأخضر”، التي جاء تعليقها على مفاوضات ومُخرجات قمة المناخ بغلاسكو، على لسان مديرتها التنفيذية جنيفر مورغان، التي أكدت أن: ”الاتفاق هزيل وضعيف وهدف 1.5 درجة مئوية ما زال فقط على قيد الحياة! ولكن من الجيّد أن تتم الإشارة إلى أن عصر الفحم على وشك الانتهاء!”
وأضافت مورغان: ”بينما يعترف الاتفاق بالحاجة إلى ضرورة خفض نسبة الانبعاثات بشكل كبير، إلاَّ أن تم تأجيل فرض هذه الالتزامات إلى السنة القادمة. الشباب الذين ضاقوا ذرعاً بأزمة المناخ لن يتحملوا بعد نتائج أخرى مماثلة.. ولماذا عليهم التحمّل عندما يكون هدفهم الكفاح من أجل مستقبلهم ؟!”
لقد كان من المفترض أن تسد قمة غلاسكو (كوب26) الفجوة بشكل صارم في ما يتعلق بـ 1.5 درجة مئوية ولكن ذلك لم يحدث! على الدول الآن العودة بأهداف أقوى في العام 2022.
السبب الوحيد وراء تحقيق ما توصلنا إليه اليوم هو أن الشباب وقادة السكان الأصليين والنشطاء والبلدان الواقعة على خط المواجهة مع آثار تغير المناخ فُرضت عليهم تنازلات قسرية وقدموها على مضض، بدونهم كانت محادثات المناخ هذه ستفشل تماماً، خاصة أنَّ منظومتنا المناخية تنهار أمامنا يوما بعد يوم، ونواجه كل يوم الحوادث المناخية المتطرفة من حرائق الغابات الى الأعاصير والجفاف والفيضانات وذوبان الجليد. الوقت انتهى ولقد خرجنا عن المسار، ومن أجل البقاء على قيد الحياة، نحتاج إلى التعبئة الشاملة بشكل عاجل لخلق ضغط كبير لا يمكن كبته والذي من شأنه أن ينهي حقبة الوقود الأحفوري” وكل ما من شأنه الإضرار بالتوازنات البيئية بكوكب الأرض.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ المجتمع المدني العربي لم تكن له بصمة كبيرة خلال فعاليات وأشغال قمة غلاسكو، ليس بسبب غياب الكفاءات العلمية والجمعوية العاملة في الحقل البيئي العربي، ولكن لأن أغلبية ( ولا تعميم هنا) ،أغلبية ممثلي المجتمع المدني الإيكولوجي عربياً، هي أبعد ما تكون عن هذا المجال، اهتماماً وممارسة وخبرة ودفاعاً عن القضايا والإشكاليات البيئية.