شبكة بيئة ابوظبي، الأردن، السلط، 14 سبتمبر 2021
مقهى اسكندراني في محافظة البلقاء يشكل ملمحا أساسيا في المشهد الاجتماعي بمدينة السلط العريقة، كما أنه أحد ابرز مفردات وعناصر نسيج العلاقات الانسانية التي تربط أبناء المدينة باختلاف طبقاتهم الاجتماعية وخلفياتهم المهنية والفكرية، هو في الحقيقة شكل على مدى عقود فضاء حرا ومتنفسا لفئة كبيرة من سكان السلط، تلك المدينة الوادعة المنبسطة على عدد من الجبال والمميزة بتراثها المعماري العريق من قصور ومساجد وكنائس ومدارس وغيرها من أبنية تاريخية امتزجت فيها اللمسات الهندسية المعروفة في بلاد الشام حيث تأثرت بنمط البناء في نابلس والقدس وجبل لبنان.
مقهى اسكندراني…أبعد من «مشروع تجاري»
وقبل أربع سنوات تقريبا قرر محمد باكير وهو أحد أبناء المدينة الناشطين اجتماعيا بتأسيس مقهى جديد بطراز قديم يحاكي مقاهي السلط العريقة العائد بعضها الى بدايات القرن الفائت، فاستثمر في أحد المباني القديمة ليحوله الى معلم سياحي وثقافي احتل خلال فترة قصيرة موقعا اجتماعيا مميزاً، وقد بات المقهى بأجوائه الحميمة وما يوفره من نشاطات ثقافية وفنية وجهة يومية للعشرات من أبناء المدينة لاسيما المثقفون منهم، لا بل أنه يستقطب كذلك الكثير من أبناء العاصمة عمان وكتابها وفنانيها.
باكير قال إن المقهى تم ترميمه بالكامل كمبنى قديم على نفقته الخاصة وبالتعاون مع وحدة تطوير وسط مدينة السلط، وهو لا يشكل مشروعاً تجارياً فقط، بل هو كما يقول مكانا لتبادل الثقافة والتقاليد والتراث وزيادة أعداد زوار مدينته الرائعة، وفضاء يشع نوراً وفنوناً ومباهجَ على امتداد مساحة السلط وما حولها.
وأشار باكير الى أن مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية والفكرية تقام باستمرار في المقهى، ومنها حفلات توقيع الكتب ومحاضرات وأمسيات ابداعية ومعارض تشكيلية منها ما أقيم العام الفائت على هامش مهرجان «شارع الحمام» الثقافي، مؤكدا أن المكان مفتوح للجميع، ومن زواره الدائمين نخب سياسية واجتماعية وثقافية كما قال.
واعلن باكير عن افتتاح مكتبة داخل المقهى وتحمل اسم الروائية الأردنية سميحة خريس، وبين أن ادارة المقهى سترفدها بمجموعة قيمة من الكتب في مجالات ثقافية وأدبية وعلمية مختلفة.
متنفس ثقافي
يقول القاص مهند العزب وهو أحد رواد المقهى الدائمين عن مقهى اسكندراني: رحلة بدأت قبل زهاء 4 أعوام وشارك بها الذين تحمسوا للفكرة جميعهم، تسندهم ثقافة الفزعةِ المُحَلِّقَةِ كعُرْفٍ وقيمةٍ وعنوانِ تكافل بين الناس في بلادنا.
كتفاً بكتفٍ، يتابع العزب، تواصَلَ العملُ دون كلل أو ملل. «…لحْنُ أغنيةٍ مجبولةٍ بعرق الرجال كانت تحثُّهم»، يصف العزب لحظات إعادة الإحياء التي بدت مستهل المشروع كمن يواجه ركام قرنٍ من إدارة الظهر للمتنفّسات الثقافية والفنية والاجتماعية والترفيهية والشبابية خارج العاصمة.
مستشار الاستراتيجيات د. غالب العساف ، يرى أن شارع الحمّام الذي بات مقهى الاسكندراني أبرز معالمه ، يُعَدُّ «مركزاً استراتيجياً مهمّاً»، وأن انبهار الزائر يبدأ بالشارع نفسه «المحاط بالعراقة والعتاقة من جهاته جميعها: فهنا كنيسة الخضر الذي تقف شامخة منذ 400 عام ماضية، وهنا مسجد بناه المماليك، وهنا الدروب المرصوفة ضمن مفردات الشارع والحوانيت الطالعة من بهاء الزمان، ووسط كل هذا وذاك وإذا بالمقهى تطالعك كجزء لا يتجزأ من هذا المجد كله ومن هذا السطوع المبين». د. العساف قال: «السلط، كما يصفها أهلها، هي سلطانة المدن الأردنية»، والمقهى وفق هذا السياق هو قلب هذه السلطانة المعتدة بأهلها وعشائرها ومكوناتها وعراقتها وتنوّع مفردات وجودها بحسب تعبيره.
المصدر :صحيفة الدستور