في ظل انطلاق “قمة اللغة العربية” اليوم
مريم بالعجيد: العربية صمدت في وجه التحديات قديمها وحديثها لتؤكد اهليتها اللغوية
ينطلق صباح اليوم بالقاعة الشمالية بمركز دبي للمعارض مؤتمر اللغة العربية تحت عنوان «اللغة العربية والتواصل الحضاري»، حيث تمنح دولة الإمارات العربية المتحدة لهذا اليوم حضوراً يليق بمكانة لغة الضاد، ويواكب التطورات المواكبة لها كل عام، ولعل قمة اللغة العربية التي ستعقد على مدار يومين خير دليل على مفهوم المواكبة، إذ إنه يحمل عنواناً موائماً لتطلعات الإمارات في إذابة الفواصل بين ثقافات وحضارات شعوب الأرض من خلال المؤتمر، ويحمل تاريخ اللغة العربية شواهد معبرة عن الصلات العميقة التي تربطها بعدد من لغات العالم الأخرى، حيث ظلت اللغة العربية على مر عصورها دافعاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، كما إنها أسهمت في نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، ومنحت كذلك فرصاً مشهودة لحوار الثقافات في جميع السبل المؤدية برياً وبحرياً لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الأفريقي، كما تحظى اللغة العربية بمكانة عالمية كبيرة، إذ إنها إحدى لغات التواصل والتنوع الثقافي للبشرية ومن أكثرها انتشاراً واستخداماً، حيث يبلغ عدد المتحدثين بها أكثر من 400 مليون شخص يتوزعون في كل أنحاء العالم.
عيسى الحمادي
الدكتور عيسى صالح الحمادي مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالإمارات، أكد أنه مع ظهور التكنولوجيا الإلكترونية «تقنية المعلومات» زادت الحاجة إلى تبادل الخبرات مع الآخرين، وحاجة المتعلم إلى بيئات غنية متعددة المصادر للبحث والتطوير الذاتي، فظهر التعليم الإلكتروني، الذي يعتمد على التقنيات الحديثة للحاسوب، والشبكة العالمية والوسائط المتعددة.
وأشار إلى أنه في زمن التكنولوجيا الإلكترونية تتبوأ اللغة العربية مركزاً ثانوياً بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية في الدول العربية، فمازالت مواقع الهيئات الرسمية والجامعية المهمة تعتمد الإنجليزية أو الفرنسية، وحتى على مستوى المحاولات التي تسعى لتعريب البرمجيات الأساسية، فإنها تعتمد بالدرجة الأولى على ما تقدمه اللغات الأجنبية من إمكانيات معلوماتية.
وأضاف الحمادي: على المستوى التعليمي، تتزايد حدة المعوقات والتحديات التي تواجه استثمار التقنيات الحديثة في تعليم اللغة العربية، وأمكن حصرها في المعوقات: المادية، والإدارية، والفنية، ومعوقات تتصل بمعلم اللغة العربية، وأخرى تتصل بمتعلم اللغة العربية.
إعداد المعلم
وتابع عيسى الحمادي: أصبحت الحاجة ملحة لاستخدام التقنيات في تعليم اللغة العربية، ويجب أن ينطلق توظيف التقنية في تعليم اللغة العربية مراعياً عدة منطلقات منها، طبيعة اللغة العربية، وخصائصها، ومهاراتها، وطبيعة عمليتي تعليمها وتعلمها، ونواتج التعلم اللغوي لتعليم اللغة العربية، وخصائص المتعلمين وحاجاتهم النفسية والتعليمية، وميولهم، وطبيعة نموهم الاجتماعي والعقلي، والأسس الفكرية، اللغوية، والتربوية، والنفسية والاجتماعية التي تحكم تعلم اللغة وتعليمها وتوجهها، والترجمة التربوية لنظرية المعرفة في صورة برامج تعليمية لغوية تتحقق فيها فلسفة المعرفة نفسها، وأسس التربية، ونظريات علم النفس من أجل تحقيق الأهداف المبتغاة سواء أكانت أهدافاً للمجتمع، أم أهدافاً للفرد، وتحقق أسس المناهج، وتستوفي عناصرها المعروفة بدءاً من الأهداف، وانتهاءً بأساليب القياس والتقويم، وتصميم البرامج اللغوية، وطرائق تدريسها في صورة خطة على المعلم تنفيذها، وعلى المتعلم أن يتعلمها بالتقنيات المتاحة، بالإضافة إلى المواد التعليمية اللغوية، الشفهية والمكتوبة وكافة المحتويات اللغوية، والتقنيات التعليمية، وأساليب التقويم اللغوية «شفهياً وكتابياً»، وأوجه النشاط المنهجي في الصفوف، وخارجها، كل ذلك في خطوات إجرائية محكمة.
ونؤكد في النهاية على مجموعة من المتطلبات لتوظيف التقنية في تعليم اللغة العربية منها، ضرورة إعادة النظر في تصميم مقررات اللغة العربية بحيث توجه العناية إلى إنتاج مقررات إلكترونية، وبرمجيات تعليمية، وإعداد معلم اللغة العربية في أثناء الخدمة للتعامل مع التقنيات الحديثة، ودمجها في برامج إعداده، بحيث تصبح مطلباً أساسياً من مطالب إعداده، ليكتسب المهارات اللازمة لاستخدامها في المواقف التعليمية المختلفة، وعقد دورات تدريبية لتدريب معلمي اللغة العربية ومشرفيها في أثناء الخدمة على توظيف تقنيات التعليم والاتصال في تعليم اللغة العربية، وتهيئة البيئة المدرسية وإمدادها بآليات الاتصال الحديثة من حاسوب آلي، وشبكاته ووسائطه المتعددة، وآليات بحث، ومكتبة إلكترونية، وبوابات إنترنت، لتوظيفها في تعليم اللغة العربية، والتوسع في إنشاء المعامل اللغوية، والمختبرات في المدارس لتدريب الطلاب على مهارات اللغة، وتوظيف طرق التدريس الحديثة التي تقوم على نشاط المتعلم، وتسمح له بالتعلم الذاتي وفقاً لقدراته، وحاجاته، وخصائصه، بالإضافة إلى تبني أساليب تقويم حديثة تتناسب مع المدخل التقني وتطبيقاته بحيث تركز على إنجاز المتعلم، وتقدم التغذية الراجعة اللازمة.
تاريخ وأصالة
أما الدكتورة مريم سعيد بالعجيد رئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الشارقة، فقالت: اللغة العربية حباها الله بقدسية خاصة، يعرف ذلك كل من آمن بعقيدتنا الإسلامية، وقرأ القرآن الكريم بلغته التي نزل بها الوحي الأمين من رب العالمين، وحين يتحلى الباحث بالموضوعية ويتأمل هذه اللغة في تاريخها العريق، وأصالتها سيهتدي من دون أدنى شك إلى إجلالها، والاعتراف بما تمتاز به من غيرها من اللغات الإنسانية، بل إن الكثير من اعترافات المستشرقين تنطق بهذه الحقيقة في مصنفاتهم، وكذلك قرّاء الآثار، وبصيرة المستشرفين، ونعلم حقيقة لا ينكرها التاريخ وقرّاؤه كيف أن اللغات الإنسانية التي حملت الحضارات الإنسانية الكبرى بادت وضمرت إلا العربية، التي صمدت في وجه التحديات قديمها وحديثها، لتؤكد أهليّتها اللغوية، لتكون اللغة المصطفاة التي حملت أعظم رسالة عالمية للبشرية كلها.
وتضيف بالعجيد: تواجه لغتنا الجميلة الصبور جملةً من التحديات التي تتجدد مع المتغيرات وتصاريف الحياة، كان أبرزها أن تخضع كغيرها لمتطلبات التعليم عن بعد مع ظروف الجائحة، الأمر الذي كان لزاماً معه أن يبحث معلم اللغة العربية عن كل الطرائق التي تسعفه في إعادة تقديم علوم اللغة بحلّة جديدة، وطرائق تدريس فنية مبتكرة وفقاً للتقنيات الحديثة التي فرضت نفسها على التعليم والتعلم، وقد مثّل هذا تحديّاً كبيراً في تعزيز حضورها ومطاوعتها لهذه الفورة الإلكترونية، كما كان من تداعيات ذلك أن يرجع مخططو المناهج النظر والتمحيص والتطوير في سياسة المناهج وإعادة تصميمها لتكون جاذبة ومحفّزة، ومتناغمة مع شخصية الطالب اليوم الذي يملك باعاً سريع التطور في المهارات الفنية، في حلّة جديدة في الواجبات والأنشطة والاختبارات وأعمال الفرق والمجموعات، والعروض التقديمية وغيرها.
وفضلاً عن كل هذا، فإن الحياة تزخر كل يوم بألفاظ جديدة تنهمر على المعجم اللغوي العربي، ويتعامل أبناء العربية معها إما بتبنيها بلفظها الأصيل قلباً وقالباً، أو بإخضاعها لشيء من الأقيسة العربية على غير منهج صحيح، والمحصلة هجين من الألفاظ العربيزية! وقد ساعد على ذلك سمة الإيجاز التي تسود وسائل التواصل الاجتماعي من ظواهر الهجين والخليط.
لقد تنبهتُ إلى أن أبرز أسباب ضعف الأداء اللغوي لدينا وفي وسائلنا هو الجهل الكبير الذي يعتري أبناءنا بحقيقة عظمة هذه اللغة، وقوة خصائصها، وثراء ألفاظها، ومواطن الجمال والإبداع فيها، ولو علموا حقيقة الإعراب لما استثقلوه، ولما استصغروا الضبط وبغضوه، ولو علموا كم يميز الاشتقاق لغتنا، ويمنحها الحياة والبقاء والاستمرار لأدركوا كم أنها غنية بمفرداتها ومرنة باشتقاقها في توليد اللفظ لكل جديد يأتينا.
هويتنا ووعاء فكرنا
الناقدة والأكاديمية الدكتورة فاطمة المعمري، قالت: لا تشكل اللغة العربية لنا مجرد لغة، إنما هي هويتنا العربية ووعاء فكرنا ومخزون معارفنا، لذا فإننا حين نتحدث عنها فإننا نتحدث عن أبعاد كثيرة مركزها اللغة، فإذا ما قلنا إن هناك تحديات تواجه اللغة العربية فعلينا الانتباه لأن هناك تحديات تواجه الهوية والفكر أيضاً، من هذا المبدأ علينا أن نعالج قضية العزوف والتراجع في استخدام العربية من النواة الأولى لها وهو الفرد ذاته، مع زيادة الوعي بأهمية اللغة العربية وجعلها لغة يُعتز بها وتعزيز الإيمان بقوتها دور لا يجب أن نغفل عنه لأن هذا الفرد إذا ما آمن بها حقاً فسيكون المدافع عنها في كل مناحي الحياة اليومية التي تشمل المناهج والمحتوى المرئي والمسموع والمقروء عبر كافة المنصات، وعليه فإن الأفراد بكافة شرائحهم المجتمعية وأعمارهم السنية ومستوياتهم التعليمية لديهم مسؤولية اجتماعية تجاه التمسك باللغة العربية وتعزيزها، كل من موقعه الذي يشغله، وضمن النطاق الذي يؤثر به، فالمجتمع المدني هو المساند والمكمل لكافة الجهود التي تقوم بها كيانات الدولة المختلفة في تعزيز اللغة العربية.
من هذا المنبر، وعلى ذكر هذه الكيانات، فإننا نلمس اليوم حقاً التنامي في برامج تعزيز ودعم اللغة العربية والاهتمام بها، ونقدر كافة الجهود التي تقوم بها هذه الكيانات من مبادرات وبرامج وسياسات وقوانين تمضي نحو حل كافة التحديات التي تحيط باللغة العربية.
فارس خلف المزروعي: «العربية» مكون رئيس للهوية الوطنية
أكد معالي اللواء فارس خلف المزروعي القائد العام لشرطة أبوظبي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، أن احتفاء دولة الإمارات باليوم العالمي للغة العربية، الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، يجسد رؤية قيادة الدولة الرشيدة وعنايتها باللغة العربية كمكون رئيس للهوية الوطنية، والالتزام بمواصلة الجهود الحثيثة التي تبذلها دولة الإمارات وإمارة أبوظبي للحفاظ على اللغة العربية، نظراً لمكانتها الثقافية والإنسانية وعظم تاريخها، وذلك بهدف وضعها في المكانة التي تليق بها بين لغات العالم.
وأضاف معاليه أن دولة الإمارات أرست أنموذجاً فريداً في مجال النهوض باللغة العربية والحفاظ عليها، وتعزيز حضورها في الوجدان واستخداماتها وأساليبها ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، لمواكبة التطور عبر تنفيذ العديد من المشاريع والبرامج الثقافية الهادفة للارتقاء بلغة الضاد.
وأشار معاليه إلى أن لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي ومن أجل هذه الغاية النبيلة، تمضي قدماً للارتقاء بمكانة اللغة العربية وتعزيزها، من خلال رؤيتها الشاملة الرامية إلى تعزيز الثقافة وتأصيل الموروث الإماراتي، وترسيخ قيمه ونقله للأجيال المتعاقبة، والنهوض بالشعر العربي الفصيح والارتقاء به وبشعرائه والترويج له في الأوساط العربية، وإحياء دوره الإيجابي في مسيرة الثقافة العربية والإنسانية، والتأكيد على دور أبوظبي في تعزيز التفاعل والتواصل الثقافي للمساهمة في إيصال الرسالة الحضارية والإنسانية السامية لدولة الإمارات إلى مختلف شعوب العالم، بدعم من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يولي اهتماماً كبيراً لبرامج صون التراث العربي ورعايتها.
المصدرك جريدة الاتحاد، سعد عبد الراضي (أبوظبي)، 19 ديسمبر 2021